القاهرة: رفعت التحديات العربية والإقليمية الأخيرة سقف التوقعات لدى الشارع العربي من مخرجات االقمة العربية التي استضافتها الجزائر واختتمت فعالياتها قبل يومين بحضور غالبية رؤساء الدول العربية وممثليهم، وتباينت الملفات التي تطرقت لها القمة بين اقتصادي وسياسي وأمني شغلت جميعها المجتمعات العربية مؤخرا في ظل حالة من الاضطرابات السياسية، وعدم استقرار الأوضاع في عدد من الدول من بينها لبنان وسوريا والسودان وليبيا والعراق واليمن والتي أثرت بدورها على الجانب الاقتصادي لملايين المواطنين في هذه الدول ممن زادت معاناتهم جراء تفاقم الأزمات العالمية فيما يتعلق بتدفق الغذاء ووسائل الطاقة وارتفاع معدلات التضخم لأرقام كبيرة، والتي سببها استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
المعسكر الشرقي المكون من روسيا والصين بعث برسائل تهنئة موجهة لقادة القمة العربية وللرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وجاءت هذه الرسائل كمؤشر إيجابي لتوافق رؤية هؤلاء مع الجانب العربي حيث وجه كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، والرئيس الصيني شى جين بينغ تقديرهم لتعزيز التضامن بين الدول العربية، وكذلك الإشادة بالدور العربي في حماية مصالح وحقوق الدول النامية بالإضافة لتعزيز السلام والأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وحملت أيضا الرسائل الترحيب بنتائج القمة.
وحملت نتائج القمة تساؤلات مشروعة عن الآليات الموجودة على الأرض لتنفيذ قراراتها، وهي الإشكالية التي عانت منها جميع القمم السابقة والتي حفلت بالعديد من التوصيات التي لم تجد طريقها للتنفيذ خاصة في ظل التطلعات الشعبية في توقيت تمر فيه دول المنطقة بالعديد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وحرصت «المجلة» على لقاء عدد من الأكاديميين وخبراء الشؤون السياسية للحديث عن بعض ما جاء في قمة الجزائر.
مطالب عربية
الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي بحركة فتح قال في تصريحات خاصة لـ«المجلة» حول مخرجات القمة العربية: «إذا تحدثنا عن الشق الفلسطيني كنت أتمني كمواطن فلسطيني في ظل وصول بعض المتطرفين الإسرائيليين للحكم قبل صدور البيان الختامي للقمة العربية أن لا تطرح فكرة التحدث عن توفير ظروف مناسبة لعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حيث أصبح هذا من المستحيل في ظل وجود بن غفير، وعدد من المتطرفين الذين وصلوا الآن بشكل رسمي للحكم داخل إسرائيل، وبالتالي فهذه الفكرة كان يجب عدم طرحها لأنها غير مناسبة للواقع على الأرض».
وتابع الرقب: «إذا تطرقنا إلى موضوع المصالحة الفلسطينية الفلسطينة في شقها الأخير فقد أصبح عار على الفلسطينيين أن يستمر انقسامهم، وكنت أتمنى أن يتم تفعيل لجنة بقيادة مصر لأنها الأقرب والأكثر حنكة في هذا الأمر، ويطرح ملف الأنقسام، ويتم وضع آليات لدعم ذلك، وفي نفس الوقت نقدر الدور العربي على دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ونثمن دور الدول التي لم تنقطع مساهماتها خلال الأزمة التي مرت بها الوكالة في دعم الفلسطينيين مثل المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الجزائر، وهي الدول الأبرز في الدعم، وكذلك غيرها من بعض الدول، ونقدر أيضا الاهتمام بالقضية الفلسطينية خلال القمة من كل الزعماء والتأكيد على ضرورة حل عادل لها».
تغيرات اقتصادية
وتابع: «الأمر الاقتصادي كان حاضرا بقوة في القمة، حيث نرى تغييرات اقتصادية كبيرة في العالم بعد عام كشف أهمية وجود وحدة اقتصادية عربية لمواجهة كل هذه التحديات، ورأينا بعد الحرب الروسية الأوكرانية وجود عقوبات غربية على روسيا تلقي بظلالها على المنطقة العربية وانكفاء بعض الدول على ذاتها لتوفير الطاقة كما رأينا في بعض الدول الأوروبية، والسؤال لماذا لم نصل كعرب لرؤية لتوحيد الاقتصاد العربي لمواجهة مثل هذه التحديات، وأعتقد اننا كعرب بإمكانياتنا المالية وما نملكه من ثروات أن نحدث حالة من التكامل الاقتصادي، وعلى سبيل المثال يكفي أن نرى السودان الذي يمتلك أخصب الأراضي الزراعية مع وفرة المياه يكاد لا يجد ما يقتات به، وكنت أتمنى أن يتم الحديث عن تكامل اقتصادي حقيقي وعن حرية الحركة وتنقل العمالة بين الدول العربية، وحرية تنقل الأموال العربية واستثمارها بين دولنا، وفي نفس الوقت نتمنى أن تنفذ مخرجات هذه القمة خاصة في موضوع الجمارك وتخفيضها بين الدول العربية، والشيء الإيجابي هو عدم وجود أزمات في القمة حتى داخل الجلسات المغلقة، وفي النهاية نتمنى أن يتحول كل ما صدر عن هذه القمة إلى إجراءات حقيقية يتم تنفيذها».
ظروف استثنائية
الدكتور حامد فارس المتخصص في العلاقات الدولية والعربية قال في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «القمة العربية عقدت في ظروف استثنائية شديدة التعقيد يمر بها العالم بشكل عام والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وبالتالي فإن انعقاد هذه القمة بعد قمة تونس التي عقدت في عام 2019 كان لا بد أن تكون بداية لخطوة على الطريق الصحيح لتحقيق التكامل العربي والعمل على تعزيز المواقف العربية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة العربية سواء داخليا من خلال حالة الاحتراب الأهلي في العديد من الدول، وفي ظل تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وكذلك الصراع الدائر بين الأقطاب العالمية، وبالتالي فإن هذه المعطيات تؤكد على ضرورة تدشين تكتل سياسي تجاري اقتصادي أمني وهذا ما أكد عليه الرئيس المصري في كلمته، وهذه الرؤية ستكون طوق النجاة لإخراج المنطقة العربية من الأزمات المتلاحقة التي تواجهها، والتي لا يمكن لأي دولة منفردة التغلب عليها إلا من خلال التوافق وإحداث تكامل اقتصادي كبير، ولا بد أيضا أن يتم تفعيل الجوانب الاقتصادية بين الدول العربية بشكل كبير في ظل ما تعانيه أوروبا، خاصة أن الاستثمارات العربية في الخارج تتخطي تريليوني دولار، وبالتالي فلا بد من توجيه جزء من هذا المبلغ للدول العربية للعمل على إحداث زخم اقتصادي لتحقيق النمو لشعوب ودول المنطقة».
وتابع: «نرى أن بعض السياسات الغربية تتم على حساب المنطقة العربية، ونجد أن هناك سياسة واضحة من قبل القوى العربية للتعامل مع هذه الجزئية تحديدا من خلال النأي بالنفس عن التدخل في صراع لا طائل منه ولن يحقق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية، لكن في نفس الوقت علينا أن نستغل الفرصة الذهبية التي أتيحت لنا من خلال هذا الصراع للعمل على نقل المنطقة العربية نقلة نوعية من خلال تفعيل مقعد دائم للدول العربية في مجلس الأمن لكي يكون هناك ضمان حقيقي لعدم الجور على حقوق الدول العربية، والسعي بكل قوة من خلال هذا الاتجاه للعمل على حل القضايا العربية المتراكمة التي حدثت بشكل كبير بعد ما أطلق عليه الربيع العربي وأثر على الكثير من الدول العربية مثل ليبيا وسوريا والعراق وتونس وغيرها من الدول التي تريد أن تحقق استقرارا، لنضيف للجسد العربي قوة ومتانة في ظل العلاقات العربية الثنائية والتي نجد أنها في أقوى مراحلها، ولكن نجد في ذات الوقت العلاقات على مستوى الجمع العربي دائما ما تكون أقل قوة ومتانة من الأولى».
مقاتلون أجانب
وحول قراءته لمخرجات الملف الليبي، قال: «هناك خارطة طريق واضحة، وهو ما أكدته مبادرة القاهرة التي أعلنت من العاصمة المصرية في شهر يونيو (حزيران) 2020 والتي تؤكد على ضرورة إيجاد حل سياسي بين جميع ألوان الطيف الليبية يقوم على التوافق، وضرورة إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، وتوحيد المؤسسات وفي صدارتها المؤسسة العسكرية، انتهاء إلى إقرار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا وهو ما يتفق مع مؤتمري برلين الأول والثاني، ومؤتمر جنيف».
وعن ضعف الآليات الخاصة بتنفيذ توصيات وقرارات القمم العربية بشكل عام، أضاف: «القمم العربية تخرج بقرارات مهمة ولكن بالفعل تفتقد آلية تنفيذ أغلب مخرجات هذه القمم، وهو ما افتقدته أيضا قمة الجزائر بوجود آليات محددة وواضحة لتنفيذ توصياتها ومخرجاتها، خاصة وأن الدول العربية تعاني من تدخلات خارجية كبيرة وبالتالي تحتاج إلى أن يكون هناك موقف عربي موحد، والعمل بكل قوة للحفاظ على الأمن القومي العربي في ظل التداعيات الإقليمية والتدخلات من قبل بعض دول الجوار العربي التي تسعى لتقويض الأمن القومي العربي وفرض سياستها بشكل كبير على مجمل الأوضاع العربية والدولية».
وعن أبرز ما في القمة بحسب رؤيته، أضاف الدكتور حامد فارس في تصريحاته لـ«المجلة»: «مجرد انعقاد القمة في هذا التوقيت يعد نجاحا للدول العربية جميعا لأن عدم انعقادها كان سيسبب الكثير من المشاكل، وهذا يؤدي لتراكم الأزمات بشكل أكبر، ولكنه اختراق نوعي حقيقي في طريق وجود تعاون والجلوس على طاولة حوار واحدة من قبل القادة العرب، تعكس محاولات وجهود تحقيق التكامل العربي».