القاهرة:تمثل الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي أحد الأمراض الخطيرة التي يصعب مواجهتها في ظل قدرتها على تطوير أدائها واكتشاف ثغرات تمكنها من التواجد، وممارسة أضرار سلبية بدءاً من نشر الشائعات التي تستهدف اقتصاديات الدول، وإثارة مناخ من التشاؤم والإحباط، واليأس في نفوس مواطنيها، وحتى التشجيع على الإرهاب وأعمال العنف.
تطلق الدراسات على تلك الحسابات الوهمية اسم «الذباب الإلكتروني» فهي كالحشرات المزعجة التي يصعب طردها من أماكن نشاطها، خاصة أنها حسابات تقف وراء الكثير منها برامج روبوت تديرها أجهزة استخباراتية أو منظمات إرهابية أو إجرامية وقراصنة، وكل منها له أغراض محددة سواء استقطاب المؤيدين، أو جمع معلومات، أو الإيقاع بالضحايا والابتزاز المالي.
تقوم تلك الحسابات بعشرات العمليات في دقائق من نسخ الروابط واختصارها ولصقها بشكل لا يختلف عن الحقيقة، وتحاول منصات التواصل الاجتماعي تدقيقها باستمرار في ظل تنامي دورها السلبي في توجيه الحملات، والترويج لمواقف سياسية، وممارسة الاستقطاب ضد الحكومات.
وعادت قضية الحسابات الوهمية للواجهة مجددًا مع تأزم صفقة استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «تويتر» للتغريدات القصيرة، والتي كشفت أن 25 في المائة من مستخدمي «تويتر» حسابات مزيفة وروبوتات، حتى إن أكثر من 23.4 في المائة من متابعي ماسك ذاته البالغ عددهم 93 مليوناً حسابات مزيفة أو غير مرغوب فيها، و41 في المائة منهم عبارة عن أسماء تتطابق مع أنماط البريد العشوائي، 69 في المائة منهم ظلوا غير نشطين لأكثر من 120 يومًا.
تتطابق تلك النتائج مع دراسات سابقة، أجراها باحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا، أكدت أن نحو 48 مليون حساب نشط من أصل 319 مليونا على «تويتر» ليست حقيقية، إذ تتم إدارتها عبر برامج حاسب آلي تعمل على تدوير منشورات محددة، لخدمة جهات ومصالح يتم تحديدها مسبقا وتدعم توجهات تحريضية، أو داعمة لمواقف بعينها والترويج لأفكار محددة، حتى تصبح الأكثر رواجا على «تويتر»، ومن ثم الإيحاء بأن لها شعبية كبيرة بين المستخدمين.
كما نشأت أيضًا سوق سوداء لبيع المتابعين للمشاهير لإعطاء إيحاء بشعبيتهم حتى إن المدعي العام السابق في نيويورك، إريك شنايدرمان سبق له التحقيق مع شركة «ديفومي» التي نشطت في «تسويق السوشيال ميديا» والترويج على الشبكات المتميزة بعد تورطها في بيع ملايين المتابعين الوهميين، عبر استغلال أسماء وصور شخصيات حقيقية في عمل حسابات على «تويتر» لسياسيين ومشاهير ونجوم رياضة وإعلاميين.
روبوتات التغريد
الدراسات الداخلية في «فيسبوك» تظهر أن المشكلة عامة، فنحو 5 في المائة من جميع المستخدمين النشطين عليها الذين يبلغ عددهم 2.8 مليار مستخدم حاليًا على المنصة «حسابات مزيفة»، كما استحدثت الشركة أداة الذكاء الاصطناعي أزالت في العام الماضي أكثر من ستة مليارات حساب مزيف، بالإضافة إلى منعها تسجيل الملايين من الحسابات الوهمية الجديدة يوميًا، حتى إن مارك زوكربيرغ، مؤسس المنصة ذاته خسر حوالي 119 مليونا في عمليات التدقيق.
التهديدات الإرهابية الخطيرة لتلك المنصات كشفها باحثون في شركة «ريكورديد فيوتشر» السويدية التي تتبعت تكتيكات إطلاق إنذارات كاذبة حول الهجمات الإرهابية من خلال إعادة نشر المقالات القديمة على أنها أخبار عاجلة مع توجيه كل رابط عبر شبكة من خدمات تقصير عناوين «يو آر إل» المزيفة المبرمجة لجمع المعلومات سرًا عن كل شخص يمارس النقر وهو أمر فسره ستيفان تروفي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في «ريكورديد فيوتشر»، بأنه سلوك هدفه نشر الخوف وعدم اليقين والشك.
وقد تتبعت شركة «ريكورديد فيوتشر» تقارير الهجمات الإرهابية المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي التي لم يتم نشرها في وسائل الإعلام، والتي سببت قلقًا للذين يقرأونه ويحثهم على اتباع الرابط للتحقق من صحة الأخبار..
وتبين أن تلك الحسابات الوهمية لها سياسة ثابتة في التقاط وتسجيل أبعاد شاشة كمبيوتر الزائر في جزء من الثانية، ويتم استخدام نفس الأسلوب بشكل شائع كأحد مكونات أنظمة «بصمات المتصفح» لتحديد الزوار بشكل سري، دون استخدام ملفات تعريف الارتباط.
بصمات المتصفح هي الطريقة التي تسمح للمواقع التي يتم دخولها بالتعرف علي الزائر وتحديد هويته واستهدافه بالإعلانات، ومعرفة المزيد عن متابعي منشوراته، وتتم تلك العملية بالاعتماد على برمجيات معينة.
وتعتمد برامج الروبوت على استخدام الهويات المخادعة التي تتشابه مع شخص أو مؤسسة أو استخدام صور مسروقة من منشورات الآخرين، وتزداد خطورتها حال إنشاء حسابات وهمية لمسؤولين أو مشاهير، واستخدامها في سلوك تخريبي أو احتيالي.
تضليل الرأي العام
يقول أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، إن الخطر الرئيسي من الحسابات الوهمية يكمن في تضليل الرأي العام وإعطاء معلومات مغلوطة عن اتجاهاته ونمط سلوك المستخدمين، خاصة فيما يتعلق بالتريند وتصدر وسائل التواصل الاجتماعي.
يؤكد مصطفى، لـ«المجلة»، على ارتباط تلك الحسابات بالحرب الإلكترونية وتشكيل معتقدات الجماهير تجاه قضيةٍ سواء كانت إيجابية أو سلبية، إلى جانب قدرتها على التلوّن والاستباقية، فكلما تم اكتشاف ثغرات في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل المسؤولين عنها، يطور القائمون عليها قدراتهم ويعيدون الظهور بشكل جديد.
وأشار إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تواجه تلك الظاهرة منذ بدايتها بداية من طلب بيانات إضافية من المستخدمين مع البريد الإلكتروني وإضافة الهاتف، وحاليا يتم توظيف الذكاء الاصطناعي في اكتشاف أنماط عمل الحسابات الوهمية ورصدها وتنقيتها، الأمر الذي حذف ملايين المستخدمين غير الحقيقيين.
ويقوم «فيسبوك» و«تويتر» بمحاولات لتنقية الحسابات، وكذلك قامت منصة «إنستغرام» بحذف الحسابات الوهمية وفقدت أكثر من 18.8 مليون مستخدم وهمي في عام 2014، وبدأت في تطبيق سياسة تتبع فيها سلوك المتابعين غير المتفاعلين تقلل معه معدل الارتباط مما ينتهي به الحال إلى الإغلاق، وبدأ مستخدمو المنصة حينها بتحقيق الانتشار الطبيعي.
اللواء محمد الرشيدي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق لأمن المعلومات، يقول إن استخدام الإنترنت بدأ يتنامى في جميع مناحي الحياة في ضوء التطور الرقمي الذي يشهده العالم كله خاصة بعد جائحة كورونا، والاعتماد على شبكة الإنترنت والخدمات الإلكترونية في جميع مناحي الحياة، وهو ما استتبعته جرائم مستحدثة تعرف بالجرائم المعلوماتية، وغيرها من الأنشطة الخطرة.
حذر الرشيدي من أن خطورة إنشاء حسابات وهمية من قبل بعض المجرمين والجماعات المتطرفة والأجهزة الاستخبارية العالمية، ولكل منهم هدفه. بالنسبة للاستخبارات فإنّ هدفها هو جمع المعلومات، والمتطرفون يستهدفون استقطاب الجماهير وترويج الشائعات، والمجرمون هدفهم الإيقاع بالمزيد من الضحايا والحصول على عوائد مالية.
وشدد على أن السوشيال ميديا لا تخضع لضوابط ويمكن لأي شخص إنشاء حساب دون رقابة وتأسيس حسابات وهمية ونشر مضامين عليها تتعلق بدولة معينة ومن داخل دولة أخرى، للهروب من الملاحقة القانونية حال ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون.
ويشدّد على أنّ الحسابات الوهمية هي واحدة من أقوى أسلحة الحرب المعلوماتية تستخدم من قبل الأعداء، الذين يستغلونها لصالح زعزعة الأمن وإشاعة اليأس ومواجهتها تتطلب أولا التوعية التكنولوجية ومحو الأمية الرقمية، وتليها المواجهة التشريعية وهو أمر اتبعته مصر، في قوانين الحرية المعلوماتية وحماية البيانات الشخصية التي تحول دون بيع بيانات الأشخاص للشركات.
كما أشار إلى دور المواجهة الأمنية أيضًا بتأسيس إدارة لمباحث الإنترنت التي تتولى رصد الأنشطة الضارة وتقوم بدور كبير في تلقي بلاغات المواطنين، رغم كثرة وصعوبة متابعة كل تلك الجرائم لكثرتها، علاوة على المواجهة التكنولوجية ممثلة في وزارة الاتصالات التي لديها غرفة طوارىء مهمتها حماية الفضاء المصري من أي هجمات رقمية.