القاهرة: آفاق جديدة تلوح في الأفق القريب، تسهم في زيادة النفوذ المصري في القارة الأفريقية، من خلال ربط مصر بالقارة السمراء، والذي تجلت بوادره بموافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على «منحتين» بين مصر، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، بمبلغ 750 ألف دينار كويتي للإسهام في إعداد دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية والبيئية لمشروع ربط السكك الحديدية بين مصر والسودان.وتبلغ تكلفة المشروع المبدئية بين 4 إلى 6 مليارات جنيه، وتسعى مصر من خلاله للتوغل في القارة الأفريقية واستعادة نفوذها القديم الذي فقدته داخل القارة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وانحسار الاهتمام المصري بأفريقيا.
تفاصيل المشروعووفقاً للبيانات الحكومية، وتصريحات وزير النقل المصري الفريق كامل الوزير، يبلغ طول المشروع 570 كيلومترا، من أسوان، إلى أبو سمبل في مصر بطول 285 كيلومترا كمرحلة أولى، وتأتي المرحلة الثانية بالربط بين أبو سمبل، ووادي حلفا في السودان بطول 80 كيلومترا، إضافة إلى إنشاء محطات تبادلية وأرصفة خاصة بمحطة السكة الحديد، والتي ستستخدم في نقل البضائع لتعزيز التبادل التجاري، والتوسعات المستقبلية بين البلدين.كما تمت الموافقة على الدراسات الفنية، التي تشير إلى أن خط السكك الحديدية بين مصر والسودان يسير في مصر حوالي 350 كيلومترا ثم يمر ببحيرة ناصر ليصل إلى السودان.وتعمل الحكومة المصرية على الانتهاء من 4 مشروعات مختلفة مع الدول الأفريقية في قطاع النقل، ومنها مشروع الربط مع دول الجوار عن طريق مشروعات الطرق والكباري، وتطوير الموانئ البحرية، ومشروعات السكك الحديدية، كما تسعى القاهرة لتنفيذ الربط بين سكك حديد مصر والسودان خلال 3 سنوات، والتي كان من المقرر أن تبدأ في يوليو (تموز) الماضي، كما أنه من المقرر ربط خط السكة الحديد بين الإسكندرية والخرطوم، وسيتم استخدامه في نقل الركاب والبضائع بما يسمح للعمق الأفريقي بالاتصال بالبحر المتوسط، وجنوب أوروبا على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط.
انطلاقة مصرية نحو القارة الأفريقيةعائد القرض الكويتي لإنشاء خط السكة الحديد الذي سيربط بين مصر والسودان يعتبر مضموناً لأنه سيؤدي إلى انسياب العلاقة التجارية والبشرية بين مصر والسودان، حسب مساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل في تصريحاته لـ«المجلة»، مشيراً إلى وجود تكامل تلقائي وطبيعي بين البلدين، كما أن هذا الخط سيمكن مصر من اتخاذ السودان كمنصة للقارة الأفريقية. وأشار إلى أن مصر مقبولة ومرحب بها جدا في جميع أنحاء القارة الأفريقية من جنوب أفريقيا حتى القاهرة، وهذا الخط سيمكن مصر من تنفيذ أي مخططات إيجابية سواء تجارية، أو سياسية، أو تنموية في أفريقيا.وتابع: «سيمثل خط السكة الحديد الانطلاقة لمصر نحو القارة الأفريقية حيث يعتبر أداة فقط للانطلاق، ولكن مصر تحتاج إلى أفكار وتصورات، واتصالات مع الدول الأفريقية الرئيسية، ولا بد أن تدخل مصر للقارة الأفريقية مرة أخرى من منظور جديد يقسم القارة الأفريقية إلى قسمين، القسم الأول هو دول حوض نهر النيل، والتركيز على الأمن المائي الدائم والمستمر، والقسم الثاني الدول الرئيسية في النظام الأفريقي، والتي تستطيع أن تنهض بالقارة، وتعتبر قوائم أساسية له في التعامل مع النظام الدولي مثل جنوب أفريقيا، وكينيا، والسنغال، ونيجيريا، وهذه جميعها دول رئيسية. كما يعتبر خط السكك الحديدية ضمن أحد أهم العوامل المساعدة، والمهمة جدا، لتواصل مصر مع الدول الرئيسية في القارة الأفريقية والتعامل معها، ولذلك لا بد أن تفكر مصر بالإضافة إلى خط السكة الحديد مع السودان في إعادة الخط البحري والأسطول البحري التجاري الذي لمسناه في أفريقيا في مرحلة السبعينات من القرن الماضي بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث كانت مصر في أعظم حالاتها، ولكن بسبب كامب ديفيد حدث انحسار للنفوذ المصري، وأيضا مطاردة للنفوذ المصري من جانب إسرائيل التي تعمقت في أفريقيا، وخط السكة الحديد وحده لن يحقق لمصر شيئاً، ولكن إذا كانت هناك رؤية فسيعد هذا الخط أحد الأدوات المهمة في تنفيذ هذه الرؤية».وأشار إلى أنّ هذا الخط سيساهم في تنسيق العلاقات بين مصر والسودان ويسهل الاتصال بين البلدين وعمليات نقل البضائع، كما أن الاستثمارات المصرية في السودان يمكن أن تركز على المجالات الزراعية، والثروة الحيوانية.
تحقيق المصالح الاستراتيجية في العمق الأفريقيخط السكك الحديدية بين مصر والسودان سيعزز الدور المصري للتوغل من جديد في القارة الأفريقية، وهو ما اتضح تماماً من خلال تركيز الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال اجتماعات الاتحاد الأفريقي على البنية الأساسية، خاصة الطرق (طريق القاهرة- كيب تاون) والتواجد في السودان بشكل كبير جدا من خلال المشروعات الكبيرة، إضافة إلى دول حوض النيل مثل تنزانيا من أجل تعميق الدور المصري في أفريقيا والتي تعد العمق الاستراتيجي لمصر، وهذا الأمر مهم جدا حسب أستاذ الاقتصاد والاستثمار، الدكتور إبراهيم مصطفى في تصريحاته لـ«المجلة»، وذلك في نقطتين، «منها احتياج مصر لاستيراد عدد من السلع الأفريقية مثل اللحوم، وحاجتها إلى تعزيز العمق الاستراتيجي الأفريقي لمصر التي لديها عمق استراتيجي أفريقي في اتجاه السودان في الجنوب، وفي اتجاه ليبيا في الغرب، ومن ناحية أخرى لا بد من تعزيز التواجد المصري في دول حوض النيل مثل تنزانيا وأوغندا وبقية دول الحوض، والتواجد في العمق الأفريقي لتحقيق مصالح مصر الاستراتيجية، وذلك من خلال تعزيز التواجد المصري من خلال شركات مصرية مثل شركتي المقاولون العرب، والسويدي للكابلات وغيرهما من الشركات التي تعمل في مجالات مثل الزراعة وغيرها، سواء في السودان، أو زامبيا، أو تنزانيا، وأوغندا، وهو ما يدعم العمق الاستراتيجي ويحافظ على المصالح الاقتصادية المصرية في القارة وهو توجه للرئيس السيسي منذ توليه الحكم، من أجل إعادة الدور الريادي المصري في أفريقيا وبشكل كبير، إضافة إلى حاجة مصر من المواد الخام والمنتجات الزراعية واللحوم، وهو ما تدعمه الطرق البرية والسكك الحديدية والتي تسهل عمليات التجارة».وتابع قائلاً: «غالبية القوى العالمية تسعى لاكتساب نفوذ داخل القارة الأفريقية، وذلك يعود لأن التنمية في أفريقيا لم تصل إلى المستوى المطلوب، فالقارة لا تزال خضراء وخصبة، بمعنى أنه لم تستغل مواردها بعد، ولم تصل لمعدلات نمو كبيرة، كما أن الدول الأوروبية والغربية تشبعت ولا تستطيع تحقيق نمو أكبر، ولا تتاح لها فرص استثمار كبيرة سوى في أفريقيا، لذلك فإن التوجه العالمي سواء من دول آسيوية مثل الصين، أو الدول الأوروبية تسعى للاستحواذ على فرص استثمارية أكبر في أفريقيا. ومن المؤكد أن مشروعات الربط السككي المصرية مع السودان سوف يعزز من الوضع التنافسي لها، كما أن مصر تسعى لوصول منتجاتها إلى العمق الأفريقي، خاصة في ظل عدم تواجد القيود الجمركية، الموجودة في أوروبا، كما أن السوق الأفريقية سوق كبيرة وبحاجة لكل شيء، وهذا يعزز من فرص السوق المصرية، كما أن السودان هي البوابة الرئيسية لمصر لدخول أفريقيا لأنها دولة ملاصقة وتضم أراضي خصبة يمكن أن تعزز من احتياجات مصر من المواد الغذائية، سواء النباتية أو الحيوانية، كما أن السودان غنية بالموارد الطبيعية، وهي إحدى دول حوض النيل، وكل ذلك ضمن العوامل الأساسية للحفاظ على سلامة العمق الاستراتيجي المصري، وسوف تحصد مصر نتائج هذا المشروع مع تشغيل خط السكك الحديدية وسنرى حجم البضائع المتبادلة بين مصر والسودان، أو عن طريق السودان لدول أفريقية أخرى، لأن السودان دولة ذات مساحة كبيرة ومتصلة بحدود دول أفريقية عديدة، وهو ما يساهم في توزيع البضائع والمنتجات المصرية في أفريقيا، وفي ذات الوقت تعزز من الوضع التنافسي، وتعزز من العمق الاستراتيجي المصري».
التواجد المصري في أفريقيا ضرورةالربط السككي سيعزز من الدور المصري للتعاون مع الدول الأفريقية، وعودة مصر لأفريقيا مرة أخرى، وعودة أفريقيا لمصر، في مجالات الزراعة، والصناعة، وتبادل الخبرات، كما يمثل هذا الخط شريان حياة، حسب المفكر الاستراتيجي، اللواء سمير فرج في تصريحاته لـ«المجلة»، «لأن المواصلات تعد شريان حياة بين الدول، ففي الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، قام الرئيس أيزنهاور بعمل أكبر شبكة طرق في العالم حيث ربط غرب الولايات المتحدة بالشرق الأميركي، وبالتالي توحدت أميركا عن طريق المواصلات، وتوحد الاقتصاد الأميركي، ولذلك فإن الخطوة المصرية هي خطوة مهمة لتحقيق الأمن القومي المصري، والأمن القومي السوداني وزيادة الصادرات، والواردات من كلا البلدين، والتعاون التام في مجالات التجارة البينية بين مصر والسودان وبقية الدول الأفريقية».وتابع: «التواجد المصري في أفريقيا أصبح ضرورة، بعدما ابتعدت مصر عنها خلال فترة حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، كما يعزز الربط السككي الأمن القومي، ويعزز التجارة الداخلية بيننا، وبين الدول الأفريقية، ويعطي فرصة للتواجد، وليس هناك تنافس بين مصر ودول غربية أو آسيوية في أفريقيا، لأن مصر أساسا هي دولة أفريقية، بعكس هذه الدول، وهو ما يعزز من دورنا الأفريقي، والأمن القومي المصري».