القاهرة: قبل أيام وصفت «نيويورك تايمز» مشهد تولي رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس واستقالتها السريعة تحت عنوان: «أتباع التاتشرية المتحمسون وضعوا المسمار الأخير في آيديولوجيتهم وأثبتوا فشلها»، وبدافع من الإيمان بنسخة خيالية من السوق الحرة، دشنت تراس خطة اقتصادية كلفتها مستقبلها السياسي. ويمتلئ الإعلام العالمي بسيل من التحليلات تعتبر المشهد كله مشهد وداع كئيب لرأسمالية متوحشة، ويشار إلى هذه الموجة من الرأسمالية بمصطلحات: التاتشرية، والريغانية، والنيوليبرالية، وبدأت تخرج من بطون الكتب إلى عالم السياسة في سبعينات القرن الماضي. وقدمت النيوليبرالية بداية بوصفها الإيمان بـ«السوق الحرة والدولة القوية»، وبحسب «نيويورك تايمز» شجبت التاتشرية اقتصاد الرفاه ما بعد الحرب العالمية الثانية وحاولت أن تحل محله قيمة الفردية والأخلاقية الدينية. وبعد سجال نظري طويل شهد العام 1979 انتخاب مارغريت تاتشر رئيسة لوزراء بريطانيا ثم في العام التالي دخول الرئيس رونالد ريغان البيت الأبيض. وفي لحظة تحول عالمية فريدة أخذ ريغان وتاتشر وآخرون حجج الأقليات وجعلوها رأي الأغلبية، وأعاد ريغان للحياة تقليدًا ساد لدى أقلية داخل الحزب الجمهوري منذ مطلع ستينات القرن العشرين، وجعله مبدأ إرشاديًا ومحوريًا للفكر والإدارة الاقتصاديين.
زواج التقشف والتخفيضات الضريبية
إليزابيث مانكي الأستاذة في جامعة نيو برونزويك اعتبرت أن استقالة ليز تراس جاء نتيجة سعيها في لحظة سياسية اقتصادية تبلغ الغاية في التأزم، إلى تطبيق روشتة نيوليبرالية: تخفيضات ضريبية (يجني ثمرتها الأغنياء) وتقشف (يتحمل عبأه الأكثر فقرًا). وعلى مدى نصف قرن كان صعود النيوليبرالية في الاقتصاد والتخطيط الاجتماعي مستمرًا بلا هوادة. وتعني النيوليبرالية، أولًا، أن الأسواق يجب أن تكون غير منظمة قدر الإمكان، وأن دور الدولة ينبغي تخفيضه إلى أدنى حد ممكن، مع خفض الضرائب إلى أقصى حد ممكن. ووراء هذه الفكرة فكرة أخرى أكثر رسوخًا هي أن الأسواق تنظم نفسها، وأن الأغنياء سوف يستثمرون ثروتهم بحكمة، ومن المفترض أن هذه البنية سوف تؤدي إلى توفير الكثير من الوظائف الجيدة وما ينجم عنها سيكون توازنًا اجتماعيًا اقتصاديًا لا تتولى تحقيقه تدخلات حكومية. وفي حقيقة الأمر فإن البروباغندا النيوليبرالية تقدم سردية كاذبة لحقبة الازدهار الاقتصادي الطويلة نسبيًا- على المستويين الغربي والوطني- كان ثمرة السياسات الديمقراطية الاجتماعية التي صيغت في ثلاثينات القرن الماضي، ثم فقدت مصداقيتها فجأة في منتصف السبعينات، وحلت محلها النيوليبرالية التي لم تخدم سوى الأغنياء. ويرى المفكر الأميركي العبقري جي برادفورد دي لونج (أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا) في كتابه عن التاريخ الاقتصادي في القرن العشرين، أن صعود النيوليبرالية وقدرتها على البقاء «لغز»!
ورواية دي لونغ للقصة تجمع بين العمق والطرافة، فهو يقرر أن حقبة ما بعد الكساد كانت مشبعة بفكرة أنه «لا يجوز ترك السوق لتقوم بكل شيء»، وهو لا يمكنه منفردًا فعل الكثير «ما لم يتم تجهيزه ومساعدته وتوجيهه بشكل صحيح». وقد شملت الديمقراطية الاجتماعية مجموعة واسعة من البرامج التي لا يُنظر إليها عادةً على أنها مشاريع اقتصادية أساسية: بناء المطارات وخدمة المتنزهات الوطنية والبحوث الممولة من الحكومة في مجال الصحة. وبهذا نجحت الديمقراطية الاجتماعية في بدء ما يسميه دي لونغ: «ثلاثين عامًا مجيدة» من الازدهار (1938 – 1973) ولقد حذر الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور من أن العبث بالضمان الاجتماعي والتأمين ضد البطالة والبرامج الاجتماعية الأخرى، ناهيك عن إلغائها، سيعني انقراض الحزب الجمهوري، «لكن بعد ذلك تحطم كل شيء»!
وبسبب تداعيات- جميعها تقريبًا- سياسية وليست اقتصادية، أُعد المسرح لـ«المنعطف الليبرالي» واستخدم اليمين سياسة اقتصادية محافظة كرد على نجاحات حركة الحقوق المدنية، وبتعبير لا يخلو من طرافة يقول دي لونغ إن «الحظ السيئ هو الذي أوقعنا مع ريغان وتاتشر، اللذين لم يكن لديهما سوى القليل جدًا من الأفكار حول كيفية تسريع النمو فعليًا، وانتهى بهما الأمر إلى عدم القيام بأي شيء بنّاء باستثناء زيادة انعدام المساواة في الدخل والثروة بشكل كبير». ورغم عيوبها الواضحة شقت النيوليبرالية طريقها إلى عالم السياسة، وفي مرحلة لاحقة تبناها الرئيس بيل كلينتون الذي، أعلن أن «عصر الحكومة الكبرى انتهى»، وتبنى برنامج إصلاح تسبب في أضرار كارثية لحقت بالأسر الفقيرة وبعده دعا باراك أوباما إلى تقشف حكومي. ويفترض دي لونغ أن «التحول النيوليبرالي قد نجا لأن نهاية الحرب الباردة أعطت ريغان هالة مستمرة».
وتاريخيًا، كانت نقطة التحول الرئيسية في مسار الانتشار الواسع للأفكار النيوليبرالية، سائدة عندما نشرت «نيويورك تايمز» في 13 سبتمبر (أيلول) 1970 مقالًا لميلتون فريدمان أحد أهم منظري النيولبيرالية، «المسؤولية الاجتماعية للأعمال التجارية هي زيادة أرباحها»، وهي الفكرة التي يشار إليها الآن باسم: «عقيدة فريدمان». وفي الذكرى الخمسين لنشرها، نشرت «نيويورك تايمز» سلسلة مقالات تأملية حولها. وكانت الأماكن الأولى نُفذت فيها هذه الأفكار دول الجنوب من خلال سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والسياسة الخارجية لأميركا. وحصل المبشر الأكبر على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976. وبدءًا من ثمانينات القرن الماضي، تبنى الثنائي تاتشر/ ريغان أفكاره وجعلاها مرجعية سياسات اقتصادية وطنية وعالمية. وفي خضم أزمة اقتصادية بريطانية وطنية خانقة وأزمة عالمية أوسع نطاقًا، اعتقدت رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة ليز تراس أن النيوليبرالية هي الحل، حتى لو أدى تطبيقها إلى تآكل الإنفاق العام على التعليم والصحة وحقوق العمال.
وكان الوعد أن الأثرياء سيحققون الازدهار الاقتصادي من خلال السوق على المدى الطويل. وليز تراس لم تدرك أن أميركا التي لعبت الدور الأكبر في فرض النيوليبرالية عالميًا، تشهد حالة مراجعة غير مسبوقة تتراجع فيها عما تبنته لما يقرب من نصف قرن، فبعد تجربة 50 عامًا، لم تحقق الفكرة أية فوائد على المدى الطويل للأغلبية. وما تحقق بالفعل كان تراكمًا كبيرًا للثروة في جيوب الأكثر غنى وتراجع الطبقة الوسطى، ونقص في الإسكان منخفض التكلفة وتعليم جامعي يصعب تحمل كلفته وأزمة بيئية عالمية. ودون «طقوس تقاعد» أو خطاب اعتذار عن الحصاد المر كان فضاء الإعلام يعج بتحليلات خلاصتها أن زواج كل من: التقشف والتخفيضات الضريبية لا حصاد له سوى مستقبل بائس.
الانقلاب على الديمقراطية وناخبيها
أحد الجذور البعيدة للفكرة كانت تعني الانقلاب على الديمقراطية وناخبيها، وإعادة صياغة العالم كله وفقًا لمتوالية تبدأ بإطلاق حرية حركة الأموال والسلع لتؤدي في مرحلة لاحقة إلى الانقلاب على الديمقراطية، وعلى الدور الحاسم للناخب في الإمساك بدفة النظام السياسي. رنا فروهر، وهي من محرري «فاينانشيال تايمز» المرموقة، مؤلفة كتاب: «Homecoming: The Path to Prosperity in a Post-Global World»، ترى في تحليل معمق نشرته مؤخرًا (نيويورك تايمز 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022) أن حالة الاقتصاد العالمي تسببت في «ارتباك عام»، هذا الإرباك يخفي ما هو أعمق، فضلًا عن أنه سمة قديمة من سمات النيوليبرالية ولا يتعلق الأمر بما هو اقتصادي بل بـ«الفلسفة السياسية الأساسية». فمنذ ما يقرب من نصف قرن، كان اقتصادنا السياسي قائمًا على النيوليبرالية كمفهوم حاكم، وصيغ المصطلح في عام 1938، في اجتماع لاقتصاديين وعلماء اجتماع ورجال أعمال، كان الأعضاء الأكثر نفوذًا وشهرةً بينهم: فريدريك هايك، ولودفيج فون ميزس من النمسا، وقد انزعجوا مما اعتبروه سيطرة الدولة المفرطة على الأسواق بعد «الكساد الكبير». وبالنسبة لهم، يمكن أن تتسبب مصالح الدولة القومية والديمقراطية في تهديد الاستقرار الاقتصادي والسياسي. وباختصار، أصل المشكلة أنه «لا يمكن الوثوق بالجمهور المصوت»، ويجب تقييد المصالح الوطنية (أو بشكل أكثر تحديدًا القومية) بالقوانين والمؤسسات الدولية حتى تستطيع الأسواق العمل بشكل صحيح». وهذا تقييد صريح للديمقراطية.
وعالميًا، تأثرت مؤسسات عالمية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية)، بهذه الفلسفة، ودافعوا بقوة عن «إجماع واشنطن» والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها: تحرير قطاعي التجارة والمال. والسماح للأسواق بتحديد الأسعار (تصحيح الأسعار). والقضاء على التضخم (تحقيق الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي). وخصخصة المنشآت الحكومية. وهي سلسلة مبادئ تستهدف تحرير السوق وعولمة غير مقيدة. هذه الوصفات أثمرت نموًا وكانت السنوات القليلة التي سبقت الأزمة المالية لعام 2008 من أقوى فترات النمو العالمي، لكن النمو الكبير/ القصير صاحبته فجوة رهيبة من انعدام المساواة. وبحسب الباحثة فروهر، أظهر بحث أكاديمي أن صفقة «رأس المال الرخيص مقابل العمالة الرخيصة» التي انعقدت بين أميركا وآسيا منذ ثمانينات القرن الماضي فصاعدًا أفادت الشركات متعددة الجنسيات والدولة الصينية أكثر بكثير من أي كيانات أخرى. وإحدى ثوابت النظرية في بعدها العالمي أن الأسعار الأرخص تعوض الجمود الطويل الذي أصاب الأجور، وهو ما يتحقق. والاستنتاج الصادم أن «الشعور بأن الاقتصاد العالمي أصبح بعيدًا عن المصالح الوطنية ساعد في تأجيج الشعبوية السياسية والقومية بل الفاشية»!
والمنعطفات الكبيرة في التصورات النظرية هي بطبيعتها نادرة، و«نحن نمر بمثل هذا التحول الآن»، وبنص كلام فروهر: «هناك إعادة تفكير جارية في دوائر السياسة والأعمال والأوساط الأكاديمية حول التوازن الصحيح بين العالمية والمحلية». وتتحول السياسة التجارية إلى مراعاة المعايير البيئية بشكل أفضل، مع إدراك أن «الأرخص ليس دائمًا الأرخص». وليس لدينا حتى الآن نظرية جديدة لعالم ما بعد النيوليبرالية.
نحو مسار معكوس
شهد العامان 2021 و2022 عدة تقارير- ربما كانت غير مسبوقة- نشرتها وكالة الأنباء السويسرية المرموقة «سويس إنفو» بشأن مستقبل النيوليبرالية. أحد التقارير نشر في 21 مايو (أيار) 2022 وعنوانه: «هل يستطيع المنتدى الاقتصادي العالمي أن يُوقف تراجع العولمة؟»، وبحسب التقرير انعقد دافوس في ظل مشهد لم يكن في الحسبان، فعندما بدأ أعماله في سبعينات القرن الماضي، كان العالم منقسمًا على نفسه آيديولوجيًا بسبب «الحرب الباردة»، فنجح في أن يصبح أحد المنتديات القليلة التي تجمع مختلف وجهات النظر العالمية المتنافسة. ومع تولّي النظام الاقتصادي الليبرالي زمام الأمور، أصبح المنتدى «مُرادفًا للتجارة المفتوحة والكفاءات الاقتصادية التي حدّدت أُطر عولمة عقديْ الثمانينات والتسعينات». وحتى بداية العقد الأول من هذا القرن أثمر ذلك مكاسب اقتصادية ضخمة وساهم في تخلّص ملايين البشر من الفقر. و«مع تلاشي النشوة بشأن المكاسب التي خلّفتها العولمة، برزت بقوة أكبر القوى المناوئة لها؛ لا سيّما وأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء أخذت في الاتساع وولّدت مشاعر الاستياء والغضب». وأدت الاستعانة بمصادر وأيدٍ عاملة خارجية إلى استغلال الشغالين في الأماكن التي لا تتم فيها حماية حقوق العمل إلا بالحد الأدنى. و«تسببت سلاسل التوريد الأسرع والأكثر تعقيداً في إحداث أضرار بيئية لا يُمكن معالجتها».
ويسعى المنتدى إلى إعادة «صياغة سرد سياساته الرأسمالية لتكون أعماله أكثر شمولية وتوجّهاً نحو المساعدة في حل المشكلات المجتمعية، وذلك من خلال دورات عمل ومباحثات تركّز على كيفية تجنّب أزمة الغذاء وإنهاء العبودية الحديثة ومعالجة تغيّر المناخ».
لقد أصبح يُنظَر إلى من أطلق عليهم: «رجال دافوس» على أساس أنهم أصل المشكلة، و«ساد الشعور بأن جزءًا من وول ستريت وهوليوود والنخبة العالمية يحكمون العالم»، كما يقول دانيال فارنر، عالم السياسة السويسري/ الأميركي النائب السابق لمدير معهد جنيف للدراسات العليا، «لقد أدرك بعض القادة مثل دونالد ترامب ومارين لوبان في فرنسا أن الناس يشعرون بالإهمال والتهميش». ومن الوقائع اللافتة أن المنتدى استبدل شعاره في 2022 من: «العمل معًا، استعادة الثقة» إلى «منعطف تاريخي: السياسات الحكومية واستراتيجيات الأعمال التجارية».
وفي كتابه الثري: «رأسمالية مصاصي الدماء: المجتمعات المنقسمة والمستقبلات البديلة"، (تُرجم إلى العربية ويصدر في القاهرة هذا العام)، يقدم الأكاديمي البريطاني باول كينيدي، أستاذ الاجتماع في جامعة مانشستر البريطانية، أحد أكثر المحاكمات قسوة للنيوليبرالية. وبحسب كينيدي هناك اتفاق واسع على أن التوسع المالي هيأ الظروف للانهيار الداخلي الذي أدى إلى الأزمة الرأسمالية الأخيرة في 2008. وبدأت الأزمة مع انهيار بنك ليمان براذرز في نيويورك، بعد أن سُمح له بمراكمة التزامات تزيد بشكل كبير عن رأسماله 31 مرة، وسرعان ما أعقب انهياره خسائر مالية ضخمة ضربت سلسلة بنوك استثمارية وشركات مالية أخرى. وقد تطلَّب التعامل مع هذه الأزمة تدخلًا حكوميًا بلغ 5 تريليونات دولار عبر أوروبا وأميركا في محاولة لمنع مجموعة أوسع بكثير من الشركات المنهارة، والبطالة الجماعية، وفي النهاية، العجز عن سحب الأموال من البنوك. وتسببت الأزمة المالية في بدء فترة تقشف وبطالة في الدول الغربية ما تزال مستمرة. وبين عامي 2009 و2015، ضخت حكومات غربية حوالي 12 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي.
وفي مقابل هذه الفاتورة التي دفع ثمنها الأكثر فقرًا، قُدم مزيد من الأدلة منذ عام 2016 في سلسلة تقارير صدرت عن مراكز بحثية ومنظمات غير حكومية على تفاقم مريع لانعدام المساواة. وعلى سبيل المثال، قالت منظمة أوكسفام أن أغنى 62 مليارديرًا في العالم يمتلكون القدر نفسه من الثروة التي يمتلكها أفقر نصف سكان العالم، بينما الثروة التي يملكها هذا النصف تقلصت بنسبة 41 في المائة بين عامي 2010 و2015، رغم ارتفاع أعدادهم بمقدار 400 مليون. وفي عام 2010، كان العشر الأعلى دخلًا في أميركا يأخذ ما لا يقل عن 46 في المائة من الدخل القومي. وبدا أن فاحشي الثراء خرجوا سالمين من الأزمة رغم انخفاض القيم السوقية للأسهم، والبطالة، والعدد الهائل من حالات التخلف عن سداد الرهن العقاري التي عانت منها الأغلبية الأقل ثراءً، ما أسهم في انهيار بنوك رائدة.
خاتمة، بايدن يقود التحول:
إن أحد الملامح الرئيسية للمشهد الأميركي بعد عواصف سنوات حكم دونالد ترامب تغيير واسع اقتصادي/ اجتماعي يقوده الرئيس الأميركي جو بايدن ستكون له آثاره العالمية. وقد وضعت إدارته مؤخرًا مخططًا واضحًا للاقتصاد الذي تريده تضمنت 5 عناصر رئيسية أهمها: تمكين العمال، ودعم الرعاية الصحية ورعاية الأطفال، وأن تشترك الإدارة في إعادة توزيع الثروة. وهناك إشارات واضحة على أن اقتصاديات سياسة عدم تدخل الدولة في الاقتصاد انتهت. وفي تحول جذري عن سياسة العولمة غير المقيدة لتجارتها الدولية، يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي الآن على ضرورة دعم اقتصاد وطني مستهدفين أن تحقق أميركا فائضًا تجاريًا مع بقية العالم بحلول عام 2035. وتتحدث الإدارة الأميركية عن قرب إطلاق مبادرة «إعادة نظر في الاقتصاد» من مدرسة هارفارد كينيدي، والهدف إحلال نموذج جديد محل النيوليبرالية، وتتنافس مؤسسات عديدة على أن تصبح مركزًا للتفكير الاقتصادي الجديد، تمامًا كما كانت جامعة شيكاغو مركزًا للنيوليبرالية.
ويبقى استمرار «النيوليبرالية» إطارًا لعمل مؤسسات التمويل الدولية سؤالًا معلقًا، وبخاصة بعد أن تسببت سياسات الإقراض التي تفرضها هذه المؤسسات في إفلاس دول وإفقار شعوب في الجنوب!
* باحثة في العلوم السياسية- مصر.