بيروت: ما إن بدأ اللبنانيون يلتقطون أنفاسهم مع انحسار وباء كورونا، حتى صدموا بوباء الكوليرا سريع الانتشار، في بلد قطاعه الصحي منهك منذ ثلاث سنوات تاريخ بدء الأزمة الاقتصادية، والتي رافقها انتشار جائحة كورونا التي أرهقت البلد واقتصاده وأدت إلى فقدان الأدوية الضرورية منها أدوية الأمراض المستعصية التي كانت تهرب إلى الخارج وبالتحديد إلى سوريا.
ظهور وباء الكوليرا الذي اختفى من لبنان منذ 30 عاماً كان متوقعاً بسبب تلوث المياه، الناتج عن اهتراء الشبكات والمشاكل الكثيرة في أقنية الصرف الصحي التي تطوف وتنشر الأوبئة والأمراض الخطيرة.
انطلقت شرارة الكوليرا من أحد مخيمات اللاجئين السوريين في عكار شمالي البلاد، قبل أن توسع رقعة انتشارها في البلدات المجاورة لتصل إلى مخيمات عرسال في البقاع الشمالي على الحدود بين لبنان وسوريا، وإلى عدد من المناطق في أقضية المنية الضنية، وطرابلس وبعلبك وكسروان وزحلة وزغرتا وبعبدا.
ما هو الكوليرا
الكوليرا مرض ينجم عن بكتيريا Vibrio Cholerae التي تنتقل عبر المياه الملوثة. فحين تختلط المياه بمواد عضوية من البراز، قد تَظهر فيها هذه البكتيريا التي تنتقل إلى الإنسان عن طريق الفم. حين يبتلع المرء هذه البكتيريا يصاب بالكوليرا.
تاريخياً كانت الكوليرا تحصد ضحايا لعدم وجود طرق لعلاجها، كما كانت تنتقل بسرعة نظراً لانتفاء قواعد النظافة ولتلوث مصادر المياه. لكن بعد سبع جولات للكوليرا في القرن الماضي أصبحت البكتيريا أقل قدرة على التأثير من سابقاتها واليوم لم تعد تُعتبر مميتة إلا حيث يعاني النظام الصحي من قلة فاعلية وعدم قدرة على توفير الأدوية والمضادات الحيوية والأمصال بالسرعة الكافية.
وزارة الصحة اللبنانية التي لا تزال منهمكة بمكافحة جائحة كورونا سارعت إلى التحرك وأصدرت توصيات للوقاية لمنع انتشار المرض ركّزت فيها على النظافة الشخصية ونظافة الأطعمة، وطالبت بعدم شرب مياه غير مأمونة ونصحت بتناول المياه من القوارير المعبأة المقفلة غافلة أن المياه المعبأة لم تعد في متناول الفئات الفقيرة بسبب ارتفاع أسعارها، وحتى إن تم غلي المياه صار مكلفاً بالنسبة للكثيرين بفعل ارتفاع سعر الغاز.
الأبيض: نعمل على تأمين اللقاحات
«المجلة» التقت وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض واطلعت منه على الخطوات التي اتخذت للحد من انتشار الوباء في المناطق كافة، خصوصاً بعد ارتفاع أعداد المصابين في عكار، فقال: «ماذا نفعل عندما يكون لدينا بنية تحتية سيئة؟ فشبكة المياه مليئة بالمشاكل وأيضاً هناك مشاكل في أقنية الصرف الصحي، لذلك أقول بكل صراحة ثمة منطقة تشهد انتشاراً كثيفاً، وهي قرية بنين في عكار شمالي لبنان، أما في المناطق الأخرى فالإصابات أقل. نحن نتسابق مع الوقت ونقوم بكل الإجراءات للحد من انتشار الوباء إلى أماكن أخرى، وقد أجرينا كل الاتصالات لتأمين اللقاحات ونأمل خلال أيام أن تصلنا أول كمية وهي بحدود عشرة آلاف لقاح، ونعمل للحصول على كمية كبيرة رغم الصعوبات لأن الكوليرا منتشرة في دول عديدة واللقاحات غير متوفرة بكميات كبيرة».
وعما إذا تجاوبت المؤسسات الدولية مع لبنان، قال الأبيض: «لا يمكنني القول إنّ المنظمات الدولية لا تعمل، ولكن في النهاية هذه المنظمات يجب أن يكون خلفها مانحون، وجميع المانحين يطالبون لبنان بالإصلاحات الضرورية، لكن السلطة تتجاهل هذا الأمر، مع الإشارة إلى أنّ معظم دول العالم تعاني حاليا من المشاكل بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتضخم الذي ضرب معظم الدول حتى الكبرى منها، لذلك أقول بكل صراحة إن الدول المانحة ليست متحمسة لتقديم مساعدات بقدر ما هي متعاطفة مع لبنان وتريد مساعدته بسبب الأزمات المتلاحقة التي يتعرض لها».
وعن الغاية من الجولات التي قام بها في الشمال والبقاع والتوصيات التي رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء، قال الأبيض: «التوصيات التي رفعتها بحثتها اللجنة الوزارية الخاصة بانتشار الأوبئة في الاجتماع الذي عقد في السراي الحكومي، وخصص للبحث في موضوع انتشار وباء الكوليرا وكيفية احتوائه والأدوار المطلوبة من الجميع للمساعدة في مكافحته ومنع انتشاره. كما عرضت الخطة الوطنية لمواجهة انتشار الكوليرا في لبنان التي أعدتها وحدة إدارة المخاطر والكوارث، لدى رئاسة مجلس الوزراء، واتخذت عدة مقررات أولها ضرورة الإسراع في الاجتماع مع الجهات الدولية المانحة، للبحث في كيفية المساعدة لمواجهة الوباء، وتسريع دفع المساعدة الاجتماعية للعاملين في المستشفيات الحكومية ودفع المستحقات عن سنة 2021 للمستشفيات الحكومية والخاصة، أما في ما يتعلق بوزارة الداخلية والبلديات، فقد جرى الاتفاق على التعميم على كل البلديات بضرورة إجراء الفحوصات الروتينية للمياه التي توزع عبر الصهاريج ومحلات توزيع المياه، وضرورة تعقيم هذه المياه بالكلورين بالتعاون مع الصليب الأحمر اللبناني والجمعيات الأهلية المدعومة. لأن هذا الوباء بدأ يخرج عن السيطرة في عكار، لا سيما في بلدة بنين، وعدم تمكن المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء من استقبال المزيد من الإصابات، لا سيما مستشفى الراسي الحكومي (حلبا)، التي تغص بالمشتبه بإصابتهم بالمرض في قسم الطوارئ، من دون التمكن من تأمين أسرة للحالات المثبتة».
وتابع الأبيض: «الخطة تقتضي عدم إشراك جميع المستشفيات في استقبال مرضى الكوليرا، بل سيتم اختيار مستشفيات حكومية ومستشفيات خاصة معينة كي يتم التعاون معها للسيطرة على الوباء، إضافة إلى نشر بعض المستشفيات الميدانية في بعض المناطق مثل عرسال وغيرها. لتخفيف الضغط عن المستشفيات».
وعن الإجراءات التي اتخذت بعد التأكد من أنّ مصدر الوباء هي المياه الملوثة، قال: «معظم مصالح البقاع بدأت فعلاً باتخاذ التدابير الضرورية، خصوصاً بعدما تبين لها أن مصدر انتشار الوباء من مخيمات النازحين، ولا سيما تلك المتداخلة مع القرى والبلدات البقاعية، التي انتقلت إليها مجموع من الذين يصنفون نازحين لكنهم يواصلون التنقل بين طرفي الحدود».
وأضاف: «طالبت المصالح البقاعية المنظمات غير الحكومية المعنية بشؤون النازحين والتي تتحمل المسؤولية الكاملة عن تأمين المياه والصحة والغذاء والإقامة لهم، طالبت باتخاذ الإجراءات المناسبة لتأمين محيطهم الصحي والاجتماعي، داعية إياها للاستنفار السريع والعاجل، وتحمل مسؤولياتها والوقوف إلى جانب مؤسسات المياه كافة، لتنظيم برامج المراقبة والفحص والتعقيم والتكرير اللازمة والمساهمة في تأمين المعدات والمواد اللازمة لضمان سلامة وجودة المياه، إلى جانب واجباتها الصحية لمكافحة وباء الكوليرا والحد من انتشاره».
وأشار الأبيض إلى أنّ الإجراءات المتخذة والتي ستتخذ لمكافحة تفشي الكوليرا، هي ضرورة فحص المياه من مراكز التعبئة في الصهاريج، ومن أصحاب الآبار الارتوازية ومختلف المدارس الرسمية والخاصة بالتنسيق مع مؤسسة مياه لبنان الشمالي وبدعم من الصليب الأحمر اللبناني، الذي سيقوم بجولات على مراكز تعبئة المياه، وذلك بالتعاون مع البلديات المعنية ومراقبي الصحة، وتابع أن «أزمة الكوليرا ليست محصورة بالشق الصحي بل تتجاوزه إلى وضع الشبكات الصحية من تأمين مياه شفة إلى وضع شبكات الصرف الصحي، ومن تأمين بيئة سليمة وآمنة من الجراثيم تسمح لنا بأن نقوم على الأقل بالوقاية من هذا الوباء. نريد الاستمرارية في عملنا خاصة في شبكة تكرير وتصريف مياه الصرف الصحي، لذلك نحن بحاجة لطاقة كهربائية مستمرة، وسنواكب حال مراكز الرفع وسنعالج كافة التسريبات، أما الصهاريج التي تنقل الصرف الصحي من المدينة إلى مركز المعالجة فسيتم تعقيمها من المصدر تفاديا لأي تلوث محتمل».
وأعتبر أن «الجهود التي تبذلها وزارة الصحة، ستحد من انتشار الوباء حتى لا نصل لعدد كبير من المصابين، ولا بد أن يظهر للناس جديتنا في محاربة هذه الأزمة واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمواجهة الوباء، مع الإشارة إلى أنّ عدد المصابين بالكوليرا في لبنان، لم يتجاوز 230 مصاباً، لكننا لا نريد أن تتحوّل هذه الحالات إلى أزمة حقيقية مثل الدول المجاورة، لذلك يهمنا أن نتخذ الإجراءات اللازمة من الآن تفاديا لارتفاع أعداد المصابين على أبواب المستشفيات».
وأكّد أنّ «لقاح الكوليرا فعال ويؤخذ بالفم ويؤمن الحماية لمدة لا تقل عن 7 أيام، وهو مهم وأساسي ونعمل عليه مع شركائنا الدوليين منذ أسبوعين، والطلبات التي يجب أن تنفذ للحصول على اللقاح تم تجهيزها وإرسالها إلى الشركات والمنظمات العالمية، وكما تعلمون فإن أزمة اللقاحات تجتاح العالم وهناك نقص في عدد الجرعات المتوفرة بسبب انتشار هذا الوباء في عدة دول، لكننا نعلن عن حجز كمية كبيرة للبنان ونتوقع أخبارا سارة بما يخص الحصول على اللقاحات قريبا. تم تأمين ما يقارب 10 آلاف جرعة حتى الآن وستصل خلال أيام إلى لبنان وستكون موجهة بالدرجة الأولى للفرق الطبية والإسعافية التي تواجه بؤرة الكوليرا بشكل يومي وستخصص للأماكن التي فيها كثافة مثل السجون، ونتوقع أن تصلنا كميات كبيرة، وعندها يمكن أن نبدأ بنشرها في المدارس والمؤسسات الأخرى».
وختم: «المعابر غير الشرعية المنتشرة على الحدود اللبنانية- السورية والتي يصعب ضبطها، تشكل أزمة في الوضع الصحي، وبحثنا هذا الموضوع مع وزارة الداخلية وننتظر ما يمكن فعله في هذا الصدد».
تكثيف الاتصالات مع المؤسسات الدولية
أما رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور بلال عبد الله فقد أكد لـ«المجلة» أنّ «اللجنة اتخذت كل الإجراءات الواجب اتخاذها منذ ظهور أوّل إصابة كوليرا، وهي لا تزال تتابع مع وزارة الصحة كل التطورات خصوصاً بعد الزيارات الميدانية التي قام بها الوزير فراس الأبيض إلى البقاع والشمال، كما اتفقنا مع الوزير على تكثيف الاتصالات مع المؤسسات الدولية، والأهم من ذلك إيجاد الحلول ومراقبة مياه الشرب، ونحن كلجنة نيابية عقدنا قبل أيام اجتماعات مع جميع مصالح المياه في لبنان وبحثنا معهم كيفية إيصال المياه النظيفة إلى الناس خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ومن ناحية أخرى نتابع العمل مع المنظمات الدولية لمراقبة شؤون النازحين في المخيمات التي انطلق منها وباء الكوليرا، ونأمل ونتمنى أن لا يزداد الانتشار لأننا سنواجه مشكلة مع القطاع الاستشفائي العاجز عن معالجة الأعداد الكبيرة من الإصابات، لا سيما أن العناية بالمصابين يجب أن تتم داخل المستشفى وهذا عبء على قطاع الاستشفاء المرهق بسبب الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد».
وأكد أنّ «اللجنة تعمل كفريق عمل واحد مع وزارة الصحة وأجهزتها المشهود لها بالكفاءة، والتي أثبتت ذلك خلال تعاطيها مع جائحة كورونا، لكن أزمة الكوليرا مختلفة لأن مشكلتها الأساسية هي في المياه والكهرباء، والمشكلة الأكبر هي مشكلة النازحين وعدم ضبط الحدود البرية إذ إنّ قسما كبيرا من النازحين يزورون المناطق السورية الموبوءة من دون مراقب بسبب الفلتان الحاصل عند الحدود».
وختم عبد الله بالقول: «نحن كلجنة نيابية سنبقى مستنفرين ونتعاون مع وزارة الصحة لتذليل أي صعوبة تواجه عملها لمكافحة هذا الوباء».