لم تخل أي كلمة من كلمات دول العالم أمام الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي من الإشارة إلى خطورة التغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضية، باعتبارها أحد الأسباب الرئيسية في التدهور المتزايد للغطاء النباتي، واتساع رقعة التصحر، مع ما يتضمنه ذلك من انعكاسات سلبية على الأمن الغذائي للكثير من الشعوب وعلى سلامتها الصحية، إضافة إلى ما تحمله من مخاطر بيئية جمة أقلها تواتر الفيضانات الكارثية، التي يتوقع أن تقود إلى حد اختفاء عدة بلدان نتيجة احتمال غمرها بالمياه الناجمة عن ارتفاع منسوب البحار بسبب سرعة ذوبان ثلوج القطب المتجمد الشمالي.
ورغم أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكد في خطاب متشائم على غير عادته أن العالم يوجد حاليا في ورطة بسبب ما سماه خطورة الانقسامات، واستشراء العنف وأزمة غلاء المعيشة، وانهيار عاملي الثقة والاستقرار في العلاقات الدولية، وتزايد الفوارق بكافة أنواعها، إلا أنه اعتبر أن أزمة التغيرات المناخية هي أخطر القضايا المطروحة على الصعيد الدولي، وذلك لأن العالم كله سقط، على حد قوله، ضحية لسياسات الأرض المحروقة.
ولم يتوقف السيد غوتيريش عند وصف مأساوية الوضع نتيجة التغيرات المناخية، وإنما حذر من جسامة الانعكاسات السلبية التي تحدثها على الأمن الغذائي العالمي، مطالبا بأن تحظى هذه التغيرات بالأولوية لدى كل حكومة ومنظمة دولية أو إقليمية من أجل تحقيق خفض لانبعاث الغازات الحرارية بنسبة 45 في المائة مع مطلع سنة 2030، ومشددا على ضرورة أن يدفع المتسببون في التلوث ثمن أفعالهم، وعلى التضامن مع البلدان النامية للتكيف ومواجهة ما سماه «صدمات التغيرات المناخية».
ولا شك أن الأمين العام للأمم المتحدة استحضر في هذا السياق أن قمة المناخ الأخيرة (COP26) المنعقدة في غلاسكو باسكوتلندا في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 2021 قد فشلت في التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن كيفية تمويل التدابير المتفق عليها للتخفيف من حدة التقلبات المناخية، وتحديد نسبة مساهمات الدول الأكثر تلويثا للهواء والبيئة؛ الأمر الذي انعكس تقاعسا دوليا في بلورة سياسات واتخاذ إجراءات فعالة لخفض انبعاثات الغازات الحرارية بنسبة 1.5 في المائة كما سبق والتزمت من قبل.
وتنبع مخاوف الأمين العام من استنتاجه بأن هذا التقاعس شبه الكامل في تنفيذ الدول لالتزاماتها رغم وعيها الجماعي بمخاطر التغيرات المناخية ليس جديدا على الإطلاق، فهو متواتر منذ انضمام معظم هذه الدول ومصادقتها على مختلف الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية المتعلقة بمواجهة هذه الظاهرة بدءا من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ المبرمة في «قمة الأرض» سنة 1992، مرورا ببروتوكول كيوتو سنة 1997، وصولا إلى اتفاقية باريس سنة 2015، وما تضمنته من التزامات وإجراءات من أجل تحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون.
ومن البديهي أن تتضاعف مخاوف السيد غوتيريش بشأن استفحال هذه الظاهرة، وليس انحسارها كما يأمل أنصار الحفاظ على البيئة، وذلك في ضوء ما تفرزه الأزمة العالمية الراهنة التي ازدادت حدتها مع التداعيات السلبية لحرب روسيا على أوكرانيا، والمتمثلة بشكل خاص في تدني مستوى الأمن الغذائي لعدد كبير من دول العالم، واضطرار ملايين الناس إلى هجرة بيئية، لأنه في ضوء مستويات التدهور المناخي الحالية، فإن مناطق شاسعة من الأرض لن تعود صالحة للحياة البشرية، ناهيك عن مشاكل التزود بالطاقة وارتفاع أسعار كافة أنواعها، ولجوء دول عديدة مرغمة إلى استخدام مواد من الطاقة الأحفورية كالفحم، خلافا لما كان مقررا بشأن التخلص التدريجي من هذه الطاقة واستبدالها بتطوير مصادر أخرى بديلة متجددة وأكثر نظافة.
وإذا كان خطاب الأمين العام قد ركز بصفة خاصة على الطابع الكارثي لصدمات التغيرات المناخية، فإن السيد جون كيري المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص بشؤون المناخ كشف بالأرقام هول تلك الصدمات في كلمته أمام منتدى التعاون الدولي والتمويل الإنمائي الذي انعقد في شرم الشيخ المصرية مطلع شهر سبتمبر الماضي، إذ أعلن أن 20 دولة متقدمة مسؤولة عن 80 في المائة من انبعاث الغازات الحرارية، فيما 48 دولة من أفريقيا، وهي أكبر قارة متضررة من الانعكاسات السلبية لهذه الانبعاثات لا تلوث البيئة العالمية إلا بمقدار 0.5 في المائة.
لهذا، فإن الأمل معقود على مؤتمر شرم الشيخ للتغيرات المناخية (27COP) المنتظر بدء أشغالها يوم 6 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بحضور قياسي يصل إلى 30 ألف مشارك لنقل مواجهة التغيرات المناخية من مرحلة الوعود والتعهدات إلى التنفيذ والوفاء بالالتزامات المالية والعملية لحصر التداعيات السلبية لهذه الظاهرة.
وتعزى هذه الآمال إلى الأهمية التي توليها القيادة المصرية لهذه المؤتمر بإشرافها المباشر على كافة الاستعدادات الجارية لتأمين نجاحها، والتي تأكدت من خلال المشاركة الفعلية للرئيس المصري في منتدى التعاون الدولي والتمويل الإنمائي في سبتمبر الماضي، حيث أوضح خطورة التغيرات المناخية على خطط التنمية البشرية، مشيرا إلى أن 20 دولة متقدمة مسؤولة عن 80 في المائة من تلوث البيئة، ومطالبا بمساعدة القارة الأفريقية بمبلغ 80 مليار دولار باعتبارها القارة الأقل إصدارا للانبعاثات الحرارية المسببة للتغيرات المناخية والأكثر تأثرا بها.
إن الاهتمام المصري بهذه الظاهرة يأتي في سياق اهتمام عربي مبكر بخطورتها، انعكس في احتضان العديد من المؤتمرات الخاصة بها بدءا من «7COP» في مراكش سنة 2001، مرورا بـ«18COP» في الدوحة سنة 2012، ثم مراكش مرة أخرى في «22COP» سنة 2016، وصولا إلى شرم الشيخ الآن، في انتظار استلام أبوظبي للمشعل منها في «28COP» في العام القادم.