غياب الدولة عن صعدة اهم الأخطاء التي استغلها المتمردون

غياب الدولة عن صعدة اهم الأخطاء التي استغلها المتمردون


يسعى المتمردون الحوثيون لإثبات أنهم أقوياء بما يكفي لتحقيق مشروعهم السياسي الخاص، وهو المشروع الذي يبدأ بتحقيق حكم ذاتي ولو غير معلن، وينتهي بإعادة الحكم الإمامي الذي مضى على سقوطه نحو خمسين عاما. إذ لا يمكن إيجاد تفسيرات أخرى مقنعة لاستمرار الحرب على مدى خمس سنوات، وبهذه القسوة وهذا الاتساع.


 وقد أثارت الحرب الدائرة حاليا، وهي الحرب السادسة بين الدولة اليمنية والمتمردين الحوثيين، العديد من الأسئلة التي تتعلق بقوة المتمردين الفعلية، وإمكانية تحقيقهم لانتصارات على الأرض، واستغلال ذلك في أي ترتيبات سياسية مستقبلية سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الإقليمي، خصوصا في ظل التقدم البطيء للجيش في محافظة صعدة ومنطقة حرف سفيان، وتأخر الحسم العسكري.  


 لقد نجح المتمردون إلى حدٍ ما في إعطاء انطباع إيجابي للداخل والخارج حول قوتهم - كحركة شعبية وتنظيم عسكري -، ولذا بدوا أكثر ثقة بأنفسهم عن ذي قبل، وقد ساهمت طبيعة صعدة الجبلية، واتساع مساحتها (11375كيلومترًا مربعًا) أي ما يوازي مساحة لبنان تقريبًا، في جعل الحرب أكثر صعوبة مما كان متوقعا، خصوصًا بعد لجوء المتمردين إلى استخدام أساليب وتكتيكات حرب العصابات، والقيام بزرع الألغام على الطرق الرئيسية، الأمر الذي لا يلائم تكتيكات الجيوش النظامية.  


وعلى الرغم من أن هذه العوامل وغيرها أظهرت المتمردين وكأنهم تنظيم حديدي عصي على الهزيمة، فإن قراءة متعمقة لهذا التنظيم ولسير المعارك أيضا، تشير إلى أنه ليس بهذه القوة المزعومة، وكل ما في الأمر أن المتمردين يستفيدون من أخطاء النظام. ويعد غياب الدولة عن محافظة صعدة طوال السنوات الماضية أحد أهم هذه الأخطاء التي استغلها المتمردون في توسعهم، فعندما تغيب سلطة الدولة يضطر المواطنون العاديون للانصياع لأي مجموعة مسلحة تجنبًا للوقوع في مصادمات قد تكلفهم حياتهم.


كان يمكن أن تكون الحرب الأولى، التي انتهت في عام 2004، بمقتل مؤسس تنظيم الشباب المؤمن حسين الحوثي، مناسبة لإنهاء التمرد لو تم استثمار نتيجة الحرب في التأكيد على سلطة الدولة، واتخاذ إجراءات حاسمة بهذا الشأن. وعلى سبيل المثال، كان وجود الجيش في صعدة وقتذاك أمرًا ضروريًا، إذ إن ذلك كان سيمنع المتمردين الحوثيين من التحرك بسهولة لتطوير قوتهم، بالإضافة إلى القيام بجهد استخباراتي كبير لمعرفة كل ما يمكن معرفته عن المتمردين، إذ لا يمكنك كسب معركة ضد خصم لا تعرف عنه شيئا.


صحيح، أنه منذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة في النهر، فقد استطاع المتمردون تطوير قدراتهم القتالية والتكتيكية، كما طوروا أداءهم الإعلامي والسياسي بدرجة لا تخفى على أحد، حيث لعبوا على وتر الخلافات القبلية والسياسية أيضًا، ونجحوا في إحداث بعض الاختراقات على هذا الصعيد.


لكن ذلك لا يعني مطلقًا، أن المتمردين قد أصبحوا القوة التي لا تقهر. فعلى العكس من ذلك، لا يبدو أن المتمردين قادرون على الصمود لفترة طويلة، إذ إن قطع خطوط الإمداد وتلافي القوات اليمنية بعض الأخطاء العسكرية التي ارتكبت فيما مضى، ودخول الجيش السعودي الحرب، وفرضه حصارًا بحريًا شاملًا على المنافذ التي من الممكن أن يحصل المتمردون عبرها على السلاح؛ كلها تطورات مهمة في طريق حسم الحرب.


وبعيدً عن التطورات الميدانية التي لا تسير في مصلحة المتمردين، فإنه يمكن القول إن التمرد المسلح الذي بدأ فعليا في عام 2004، يحمل بذور فنائه في داخله، ذلك أنه يعبر عن مشروع فئوي مهما حاول المتمردون القول بخلاف ذلك. وهذه النقطة بالتحديد هي نقطة ضعف حقيقية، إذ إن افتقاد أي مشروع لأي طابع وطني يجعله هشًا وغير قابل للحياة. كما أن عدم امتلاك أي شرعية دستورية، والإصرار على التصادم مع الدولة عسكريًا، سببان إضافيان أفقدا التمرد إمكانية الحصول على أي تأييد شعبي مما جعله مكشوفًا في الداخل.


على أن هذا الانكشاف ليس متعلقا بالداخل فقط، وإنما أيضا بالخارج، إذ إنه، ولأمور متعلقة بالاستقطابات الحادة في المنطقة، وبرغبة الدول العربية والدول الغربية في منع أي تمدد إيراني في المنطقة، يمكن القول بأن المتمردين صاروا في وضع لا يحسدون عليه؛ فحتى أداء مقاتليهم الجيد بقدر ما أثار الإعجاب، لكنه أثار القلق، وهذا يعني أن أحدا لن يسمح بانتصار هذا النموذج في اليمن، ولحسن الحظ لا توجد تنظيمات مشابهة لتنظيم الحوثي استطاعت أن تكون بديلا عن الدولة (حتى نموذج "حزب الله" في لبنان لم يتمكن من ذلك)، وفي المرات القليلة التي تمكّنت فيها ميليشيات مسلحة من السيطرة على كل شيء، فإنها حكمت على نفسها بالانهيار السريع.

font change