القاهرة: بين مؤيد ومعارض لفكرة التبرع بالأعضاء البشرية في مصر، وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوامر بإنشاء أكبر مركز لزراعة الأعضاء البشرية في مصر والشرق الأوسط في معهد ناصر ذي الإمكانات الطبية عالية المستوى.
وأنهى هذا القرار الجدل الدائر حول قضية نقل الأعضاء البشرية، وسط تفاؤل كبير من الدعم والتأييد لتفعيل القانون الصادر في مصر منذ عام 2010، والمعطل عن العمل بسبب العائق المجتمعي والديني لدى شريحة من المواطنين المصريين.
زراعة الكلى والكبد والقرنية
يقول الدكتور محمد المهدي أخصائي واستشاري الجراحات الدقيقة في مستشفيات وزارة الصحة والسكان المصرية في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، إنّ «مصر تمتاز بزراعة الكلى والكبد والقرنية بشكل فائق الجودة، ولدينا كل الكفاءات والخبرات التي تجعلنا متطورين في هذا المجال».
كما أكد أن هذا الأمر سيخدم الاقتصاد القومي عن طريق السياحة العلاجية، وترويج لسمعة مصر الطبية.
ومن جانبه كشف الدكتور أيمن الحفني أستاذ جراحة الرمد لـ«المجلة»، عن نجاح مصر فى إجراء مئات الآلاف من عمليات زراعة القرنية، وأن المرضى يتوافدون إليها من أغلب الدول العربية لإجراء هذه الجراحة، نظراً لبراعة الطبيب المصري وتوافر كافة الإجراءات لإنجاح تلك العمليات.
وأضاف أن عملية زراعة القرنية تتم بعد كورس كامل من العلاج لتوافق الأنسجة، موضحاَ أنه يتم الحصول على القرنية من شخص متوفى ولا يشترط أن يكون قد توفي حديثاً بل من الممكن أن تتم بعد وفاة الشخص بشهر، ولفت أن عملية الرصد وإنشاء قاعدة بيات سوف تسهل الكثير على المرضى لناحية إمكانية وصولهم إلى الفصيلة المناسبة لهم.
إنشاء مركز إقليمي لزراعة الأعضاء
أصدر الرئيس السيسي توجيها رئاسيا بأن يتم إنشاء المركز في معهد ناصر وأوصى بتطويره ليصبح مدينة طبية عالمية جديدة، وفقا لبيان نشرته الرئاسة المصرية. وقال الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية، في تصريحات إعلامية إن الحكومة تدرس حاليا إضافة خانة اختيار التبرع بالأعضاء في بطاقة الرقم القومي، مشيرا إلى أن ذلك يتم في العديد من بلدان العالم وليس جديدا على العالم.
القوانين المنظمة لنقل الأعضاء البشرية
وحول القوانين التي تنظم النقل والتبرع بالأعضاء قال المحامي وأستاذ القانون والحقوقي أشرف الطوخي في تصريحات خاصة لـ«المجلة» إن نقل الأعضاء يأتي ضمن القانون رقم 5 لسنة 2010 المتعلق بتنظيم زرع الأعضاء.
وأضاف الطوخي أن القانون تضمن المادة 28، وجاءت في 4 فصول، أولها أحكام عامة حول هذه العمليات، والثاني يتعلق بإنشاء اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية، والثالث يتعلق بإجراءات زرع الأعضاء البشرية.
ومن الأحكام التي تضمنها هذا القانون تأكيده على أنه لا يجوز نقل أي عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي أو علاجه من مرض جسيم، وأن تكون عملية النقل هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة، وأن لا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته. وأشار إلى أن هذا القانون منع عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية التي تؤدي إلى اختلاط الأنساب، وأن يكون التبرع صادرا عن إرادة حرة، خالية وثابتة بالكتابة، كما نص على منع التعامل في أي عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه أو أحد أنسجته على سبيل البيع أو الشراء أو بمقابل أيا كانت طبيعته، وهذا ضمانا لإبقاء جسم الإنسان بعيدا عن دائرة المعاملات المالية.
وتابع أن القانون نص على إنشاء اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية والمختصة بالإشراف والرقابة على المستشفيات المعنية بعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، وهذه اللجنة منح لها المشرع المصري الشخصية المعنوية، ويتولى وزير الصحة رئاسة هذه اللجنة.
حكم الدين في التبرع بالأعضاء البشرية
تعددت آراء العلماء في قضية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، حيث قال الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية: يعتبر التبرع بالأعضاء بعد الوفاة من الصدقات، وذلك تصديقا على قول الله تعالى «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».
أما الدكتور مبروك عطية، وهو أستاذ الشريعة الإسلامية في الأزهر الشريف، فقد قال إنه لا يجوز التبرع بالأعضاء البشرية سواء كنت حيا أو ميتا، إذ إن الإنسان لا يملك جسده ولا أعضاءه، إذن فهو يتبرع بشيء لا يملكه.
فيما أوضحت دار الإفتاء بجواز العلاج بنقل أو زراعة الأعضاء البشرية من شخص متوفٍ إلى شخصٍ آخر مصاب، شرط توفر بعض الشروط لضمان عدم التلاعب بالحياة البشرية، ومن أهم هذه الشروط التحقق من الموت الكامل للمتبرع بالأعضاء البشرية، وذلك عن طريق توقف عملية التنفس ووظائف القلب والمخ نهائياً، والتأكد من أن روحه قد فارقت الحياة. وذلك عن طريق استشارة أطباء متخصصين في تحديد حدوث الوفاة الأكيدة.
رأي الكنائس المصرية
وقد اتفقت الكنائس المسيحية بمختلف طوائفها في مصر على إتاحة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
وقد أوضح القس الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، أن الحياة لها قيمة عظيمة، لذلك قالت الكنيسة بمشروعية نقل الأعضاء من شخص متوفٍ من أجل تحسين حياة الآخرين مع الالتزام بالقوانين والأحكام. مع ضرورة أن يكون المتوفى قد أوصى بذلك قبل وفاته، بالإضافة إلى أخذ موافقة أقاربه.
بينما أكد البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية مشروعية نقل الأعضاء بموافقة الكنيسة، ولكن بشرط أن يكون الميت قد أوصى بذلك.
وأوضح الأب هاني باخوم، وهو المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية في مصر، أن الفاتيكان قد أعلن موقفه من قبل حول قضية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، حيث يجب أن يتوافق مع الشريعة الأخلاقية، وأنه غير مقبول إجراء هذه العملية دون موافقة صريحة من المتبرع.
تضارب الآراء في الشارع المصري
وكان لتوجيه الرئيس السيسي بإنشاء مركز طبي لزراعة الأعضاء البشرية في معهد ناصر في القاهرة الأثر الكبير على بث الأمل في نفوس المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم إلا عبر زراعة عضو أو أكثر في بعض الحالات، وانقسمت الآراء في الشارع المصري، بين مؤيد للقرار ومن يرى أنه لا يجوز، حسبما قالت السيدة فادية محمود لـ«المجلة»، والتي كان والدها بحاجة إلى زراعة فص كبد ولكن عندما سألت عن رأي الدين قالوا لها لا يجوز لأن الجسد هبة من الخالق وليس للإنسان أن يتصرف فيه، وصدروا لها فتاوى دينية تحرم عملية نقل وزرع الأعضاء البشرية، كان منها فتوى الشيخ محمد متولي الشعراوي، التي تحرم هذه العمليات، ما جعلها تحجم ووالدها عن اتخاذ القرار بشأن العملية واستأنف والدها العلاج حتى وافته المنية بعد سنتين.
بينما أكد المواطن محمد عبد الباري لـ«المجلة»، أن لا تعارض بين الدين وعمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية للمرضى المحتاجين لمثل هذا النوع من العمليات، موضحاً أن تشريع وتقنين عملية زرع الأعضاء سيقضي على ظاهرة الإتجار بالأعضاء البشرية غير الشرعية والتي تتم بعيدا عن القانون، مع وجود سماسرة لإتمام عمليات الإتجار، يتقاضون مبالغ باهظة، مقارنة بما يحصل عليه المتبرع.
نموذج الفنانة إلهام شاهين
قالت الفنانة إلهام شاهين، في تصريحات إعلامية، إنها وثقت تبرعها بأعضائها بعد وفاتها في الشهر العقاري، بالرغم من اعتراض أسرتها. وكشفت شاهين، أنها وافقت على التبرع بأعضائها بعد أخذ مشورة بعض الشيوخ، والذين أكدوا لها أنها صدقة جارية على روحها.
غياب الوعي أهم العقبات أمام المواطن
ويرى المواطن عماد حنا أن الوعي هو العقبة الأساسية أمام نشر ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية، لأن هناك شريحة من الناس ترى أنه محرم على الرغم من فتوى دار الإفتاء المصرية والكنيسة بالنسبة للأقباط، وطالب عماد بعدم إعطاء المساحة لشيوخ التحريم والمنع، التي تتقاطع مع تشريعات وقوانين الدولة في هذا الشأن، وأوضح عماد في حديثه لـ«المجلة» إلى أن هناك حوالي 16 مواطنا حرروا إقرارات في الشهر العقاري، والرقم مرشح للزيادة بطبيعة الحال، نظرا لضخامة عدد السكان، وكذلك الأمراض التي لا حصر لها.
زرع الأعضاء والسياحة العلاجية
من المتوقع أن يكون لتوطين جراحات زرع ونقل الأعضاء البشرية في مصر عنصر جذب للمرضى العرب والأفارقة الراغبين في إجراء مثل هذه الجراحات، حيث يحظى معهد ناصر الطبي وهو المقر لإجراء هذه الجراحات بسمعة طيبة على المستوى العربي والأفريقي، الأمر الذي سيشجع هؤلاء المرضى على القدوم إلى مصر للتشافي، وهو ما يعني أنه سيكون هناك نشاطا اقتصاديا يدخل كرافد جديد يصب في شرايين الاقتصاد المصري حسبما أوضح الدكتور صلاح مراد استشاري جراحات الكبد في أحد المستشفيات الخاصة الكبرى في تصريح خاص لـ«المجلة».
كما أشار إلى أن الطقس في مصر معتدل على مدار العام باستثناء أسابيع الذروة في فصل الصيف وهو الأمر الذي لن يرهق المريض، وتابع مراد أن الاستشفاء والاستجمام بعد العمليات الجراحية الخطيرة يحتاج إلى مراكز متخصصة ومنتجعات صحية مجهزة على أعلى مستوى وجميعها موجودة في مصر بأعلى جودة عالمية، الأمر الذي يعني أن المريض سيغادر مصر إلى بلده، وهو معافى طبياً ونفسياً ولائق صحياً.