القاهرة: تمتلك مصر ثروات كثيرة من بينها الرمال السوداء المنتشرة على السواحل الشمالية للبحر الأبيض المتوسط خاصة في محافظة كفر الشيخ.
وتمثل الرمال السوداء ثروة لاحتوائها على الكثير من المعادن المهمة التي تدخل في عشرات الصناعات، منها المفاعلات النووية وصناعة الطائرات والعربات والذهب والفضة والحديد والصلب، ويعتبر مصنع الرمال السوداء الذي افتتحه الرئيس السيسي إضافة جديدة لسلسلة المشروعات القومية الكبرى التي تهدف إلى تعظيم الاستفادة والاستغلال الأمثل لموارد مصر الطبيعية، وتحقيق القيمة المضافة للمعادن المستخلصة من الرمال السوداء، ما يفتح الآفاق لاستثمارات جديدة تدعم الاقتصاد الوطني وعملية التنمية الشاملة.
وتحتوي هذه الرمال على معادن كثيرة وعلى الأملاح والكثير من الغازات المهمة التي تستخدم في صناعة الذهب، بالإضافة إلى المعادن المشعة التي تستخدم في صناعات الأصباغ، وصناعات تغليف أنابيب البترول، وصناعات الحديد والصلب، وهياكل الطائرات والذهب والفضة.
دراسة استكشافية
ونظرا للقيمة الاقتصادية للرمال السوداء، وحرص الدولة على الحفاظ على ثرواتها التعدينية، فقد قامت هيئة المواد النووية بعمل دراسة استكشافية شاملة لمناطق تواجد الرمال السوداء على طول سواحل البحرين المتوسط والأحمر، وقامت شركة مينرال الاسترالية بإعداد دراسة جدوى بشأن استغلال وتعدين الرمال السوداء في منطقة البرلس، وخلصت الدراسة إلى أن المشروع ذو جدوى اقتصادية عالية جاذبة للاستثمار، الأمر الذي دفع رئيس مجلس الوزراء المصري لإصدار قرار في سبتمبر (أيلول) 2014 بإنشاء الشركة المصرية للرمال كشركة مساهمة مصرية، وقامت فكرة إنشاء الشركة على استخلاص المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء سواء من سطح الأرض أو من المياه وفصلها وتسويق منتجاتها محليا وعالميا وتعظيم القيمة المضافة لخامات المعادن المستخلصة من الرمال السوداء وتحويلها إلى منتجات جاهزة للعمليات الصناعية المختلفة بدلا من تسويقها كمواد خام.
وتأسست الشركة كإحدى شركات جهاز خدمة المشروعات الوطنية برأسمال مصري قدره 500 مليون جنيه.
وجاء الغرض من إنشاء الشركة لسرعة تغطية معظم مناطق الرمال وخاصة منطقة غليون بما يسمح بالحصول على أعلى عائد اقتصادي وعدم تعطيل خطة التنمية في الدولة.
عناصر مشعة
أكد الدكتور علاء النهري نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، على أن «الرمال السوداء تحتوي على عناصر مشعة، ومصر تريد استخلاصها عن طريق عمل أكثر من مصنع، والرئيس السيسي افتتح واحداً منها على أساس إنتاج العناصر المشعة وليس له علاقة على الإطلاق بالاقتصاد الأخضر الذي يستخرج من الرمال البيضاء ويصنع منها السيليكون وكذلك ألواح الطاقة الشمسية التي يتم إطلاق اسم الطاقة النظيفة عليها، وفيما يخص الرمال السوداء فهي تحتاج في فصلها إلى تقنية عالية وهذه المساحة الممتدة من الرشيد حتى رفح شمالا تحتاج إلى رأسمال كبير يغطي هذا الإنتاج الكبير وهي منطقة واعدة».
وأشار النهري إلى أنّ اختيار منطقة كفر الشيخ لإقامة مصنع رمال سوداء، جاء لأنّها قريبة من ميناء رشيد. وتابع: «هذه الرمال السوداء محملة مع طمي النيل من إثيوبيا، الأمر الذي يستدعي اختيار هذه المنطقة بالذات. وهذه الرمال ترسبت عبر آلاف السنين والتي يحملها النيل إلى البحر المتوسط، وتتركز هذه الرمال السوداء في مصر على طول ساحل البحر المتوسط، ولأن مصر تمتلك المادة الخام من هذا المنتج، تستطيع أن تنافس في مجال تنقية الرمال السوداء في الأسواق العالمية عن طريق عمل شراكات مع بعض الدول التي تحتاج هذا المنتج، وعلى الرغم من أن فرنسا لديها مشروع كبير في الجزائر وكذلك الولايات المتحدة الأميركية لديها أيضا مشروع في أفغانستان، إلا أن مصر قادرة على المنافسة في هذا المجال لأنها تمتلك مواد خام كبيرة».
مادة نادرة
وكشف النهري عن أن «نسبة الرمال السوداء في العالم قليلة للغاية، لذلك ومنذ تولي الرئيس المصري الحكم في البلاد، وهو يعمل على عدم تصدير مواد خام مثلما حدث في وقف تصدير الرمال البيضاء، وأصبح الآن يتم إنتاج بعض الصناعات منها، فهناك عدد كبير من مصانع اللوائح الشمسية، هذا الأمر ينطبق أيضاً على الرمال السوداء من زيادة القيمة المضافة خصوصا ًوأن الرمال السوداء تدخل في العديد من الصناعات مثل الصناعات الذكية التي تحتاج إلى نسبة معينة من الإشعاع».
وأكد النهري على أن «هناك إمكانية لتوطين صناعة تقنية الرمال السوداء في مصر، وهو تفكير القيادة السياسية بصفة عامة أن تجعل مصر تدخل في مجال الصناعات بصفة عامة وصناعة تنقية الرمال السوداء بصفة خاصة، والتي تختلف عن الرمال البيضاء بأنها تحوي عناصر ثقيلة ومشعة مثل اليورانيوم الذي تستخدمه مصر في الأغراض السلمية مثل توليد الطاقة الكهربائية».
بدوره، قال الدكتور نبيل رشوان الخبير في الطاقة النووية إنّ «افتتاح مصر مصنعا للرمال السوداء أمر جيد جداً ليس لأنه يتم استخراج مواد مشعة منها فحسب، بل لتطوير الصناعات أيضاً».
وأشار إلى أنّ «مصر تمتلك كميات كبيرة من هذه الرمال ما سيساعد بلا شك في دخولها بشكل أوسع في الصناعات، وهذه الرمال ليست محرمة دولية لأنها تحتوي على مواد مشعة خصوصاً اليورانيوم، لأن النووي يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة جداً».
مواد خام لصناعات عدّة
اعتبر رشوان أن افتتاح مصنع الرمال السوداء في كفر الشيخ من الممكن أن يوفر مواد خام لصناعات عديدة، وأن البحث عن المعادن الأرضية النادرة يعكس اهتمام مصر بإنشاء صناعات جديدة ويخلق طفرة كبيرة في نوعية الصناعات، والسبب في ذلك أن هذه المعادن يطلق عليها المواد الجديدة وهي تدخل في كافة مجالات الصناعة خصوصا أجزاء الطائرات والسيارات.
وعلل رشوان سبب إقبال العالم على صناعات الرمال السوداء، بأن روسيا كانت تمتلك العناصر الأرضية النادرة وكانت معظم الدول الأوربية والولايات المتحدة الأميركية والصين تستورد هذه المواد منها، أما الآن فالموقف تغيّر حيث وقع الرئيس الفرنسي ماكرون على اتفاقية بين فرنسا والجزائر لإقامة عدة مصانع للرمال السوداء، وعلى أساسها تقوم فرنسا باستخراج المعادن الأرضية النادرة وعلى رأسها الرمال السوداء، والولايات المتحدة أيضا حصلت على كميات ضخمة من المواد النادرة من أفغانستان، كذلك الصين دخلت في هذا المجال خاصة وأنها تمتلك مناجم نحاس».
من جانبه، قال الدكتور حامد ميرا، رئيس هيئة المواد النووية، التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، إن «مشروع الرمال السوداء تم العمل عليه بعدما اكتشفت هيئة المواد النووية المصرية ما يقرُب من 400 كيلومتر من هذه الرمال، ليتم بعدها عمل دراسات جدوى لاستغلال الخام في الصناعات».
وأضاف رئيس هيئة المواد النووية المصرية أنه «تم تنفيذ هذه الدراسات على أرض الواقع، مؤكدًا أن هيئة المواد النووية المصرية ساهمت بالمشاركة في هذا المشروع»، موضحاً أن «صناعة الرمال السوداء لا بد أن تكون بالقرب من أماكن وجود الخام».
وأكد أن القيادة السياسية المصرية تعمل على توطين هذه الصناعات في مصر، لما لها من مردود اقتصادي كبير، وكونها تُمثل جزءا من الاقتصاد الأخضر، وأن مشروع الرمال السوداء سيُساهم في سد الكثير من احتياجات الصناعات المصرية، مشيرا إلى أن هذه الصناعة ستُساهم في تطهير السواحل المصرية من الآثار السلبية للمعادن.