المجلة تنفرد بنشر تفاصيل قضية «شوكان» ومذكراته

تداعيات خلاف القاهرة و«اليونيسكو» حول مصور صحافي سجين

المجلة تنفرد بنشر تفاصيل قضية «شوكان» ومذكراته

[caption id="attachment_55265394" align="aligncenter" width="1306"]«شوكان» يواجه تهماً تصل عقوبتها للإعدام. «شوكان» يواجه تهماً تصل عقوبتها للإعدام.[/caption]


القاهرة: عبد الستار حتيتة



* الجائزة تخصص لمن يسهم في الدفاع عن حرية الصحافة أو تعزيزها في أي مكان في العالم، خاصة إذا انطوى عمله على مخاطرة.
* الخارجية المصرية: «شوكان» متهم بارتكاب أعمال إرهابية، ومنحه الجائزة يعد «تسييساً لمنظمة اليونيسكو، وخروجاً على الأهداف التي أنشئت من أجلها.
* أوراق القضية: «المتهمون قتلوا، وآخرون مجهولون وآخرون توفوا، عدداً من المجني عليهم».
* شوكان في مذكراته: أنا مصور صحافي، لا أنتمي لأي فصيل سياسي، ولم أشارك حتى بالتصويت في الانتخابات.
* هيثم طوالة: ندين هذا التكريم، وانزلاق المنظمة الدولية في هذا الخطأ الكبير، ونطالبها بالتراجع الفوري عن هذا التكريم المشبوه.





وقعت خلافات بين مصر ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، حول مصور صحافي مصري سجين بالقاهرة، منذ نحو خمس سنوات، يدعى محمود أبو زيد، ويشتهر في أوساط صحافية مصرية ودولية باسم «شوكان». وقررت اليونيسكو، قبل أيام، منحه جائزة. وبالإضافة إلى الهجوم المصري على موقف اليونيسكو، تباينت مواقف جهات محلية ودولية معنية بالصحافة وحرية التعبير، بين مؤيد ومعارض لـ«شوكان»، حيث أخذت القضية أبعاداً متشابكة.

و«شوكان» مسجل تحت رقم 242 في قوائم اتهام وجهتها النيابة المصرية لـ739 شخصاً ممن جرى القبض عليهم في قضية فض اعتصام للموالين للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، في ميدان رابعة العدوية، في شرق القاهرة، صيف عام 2013. وكتب «شوكان»، في مذكرات من داخل السجن، حصلت عليها «المجلة»، أنه غير مذنب، وتناول فيها ملابسات القبض عليه، وآماله في الخروج من السجن، إلا أنها انتهت إلى ما يشبه اليأس المطبق.




وقبل فض اعتصام رابعة العدوية بأسابيع كان الجيش قد أعلن عزل الرئيس مرسي، القيادي في جماعة الإخوان أيضاً، وذلك بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر من صيف 2012 إلى صيف 2013. وتؤكد وكالة «ديموتكس» الإخبارية، وهي وكالة أنباء مصورة مقرها لندن، أن «شوكان» كان يعمل لصالحها، وكان مكلفاً بتصوير أحداث عدة في مصر، من بينها محاكمة الرئيس حسني مبارك. وأرسلت خطابات بهذا المعنى إلى السلطات المصرية خلال السنوات الماضية.

وبمجرد صدور قرار اليونيسكو الأخير، بمنح «شوكان» جائزتها العالمية لحرية الصحافة لعام 2018. أظهرت سلطات القاهرة غضباً، وحذرت من تنفيذ هذه العملية. لكن كريم عبد الراضي محامي "شوكان" يقول إن الجائزة ستسلم رسمياً لـ«شوكان»، أو من ينوب عنه، يوم الثاني من الشهر المقبل، والذي يوافق اليوم العالمي لحرية الصحافة، في حفل تستضيفه دولة غانا هذا العام، تحت شعار «توازن القوى: الإعلام والعدالة وسيادة القانون».
وتبلغ قيمة الجائزة 25 ألف دولار. وتخصص لمن يسهم في الدفاع عن حرية الصحافة أو تعزيزها في أي مكان في العالم، خاصة إذا انطوى عمله على مخاطرة، سواء كان شخصاً، أو منظمة، أو مؤسسة. وتحمل الجائزة اسم الصحافي الكولومبي جييرمو كانو إيسازا، الذي تعرض للاغتيال أمام مقر صحيفة «آلاسبكتادور» التي كان يعمل بها في العاصمة الكولومبية بوغوتا، في 1986.

وبغض النظر عن قيمة الجائزة، فقد أعطت تسمية المصري «شوكان» لنيلها هذا العام، زخماً لبعض المنظمات المعنية بحرية الصحافة، بينما ردت منظمات موالية بالقاهرة، ومنها «جبهة شباب الصحافيين»، بالقول إن «شوكان» متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية، وما كان ينبغي على اليونيسكو أن تتورط في الأمر.

بيد أن رئيسة لجنة التحكيم، ماري ريسا، التي منحت الجائزة للمصور المصري، قالت إن اختيار شوكان: «يشيد بشجاعته ونضاله والتزامه بحرية التعبير». وقالت اليونيسكو في بيان لها، يوم الاثنين الماضي، إنها منحت الجائزة للمصور المصري، وإن اختياره جاء من خلال لجنة تحكيم عالمية مستقلة مؤلفة من عدد من الإعلاميين.

ومن جهتها، ردت وزارة الخارجية المصرية بقولها إن «شوكان» متهم بارتكاب أعمال إرهابية، وإن منحه الجائزة يعد «تسييسا لمنظمة اليونيسكو، وخروجا على الأهداف التي أنشئت من أجلها». وعبَّر المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، عن «الأسف الشديد لتورط منظمة بمكانة ووضعية اليونيسكو في تكريم شخص متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية، منها جرائم القتل العمد، والشروع في القتل، والتعدي على رجال الشرطة والمواطنين، وإحراق وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة».

ويبدو أن الخارجية المصرية اعتمدت في ردها على اليونيسكو على اتهامات موجهة من النيابة المصرية إلى «شوكان»، وليس إلى حكم قضائي، كما يقول المحامي عبد الراضي. وتعد الاتهامات في حد ذاتها خطيرة، وتصل عقوبة بعض منها إلى الإعدام، كما يشير «شوكان» نفسه في صفحة من صفحات المذكرات التي كتبها من داخل السجن.

[caption id="attachment_55265399" align="alignleft" width="225"]«شوكان» يروي بخط يده تجربة نقله مع 39 من المحتجزين في سيارة واحدة لنقل المساجين. «شوكان» يروي بخط يده تجربة نقله مع 39 من المحتجزين في سيارة واحدة لنقل المساجين.[/caption]

واطلعت «المجلة» على الأوراق التي تحوي أمر إحالة المتهمين في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، للمحاكمة، حيث تبدأ القائمة بأسماء قيادات جماعة الإخوان، وعلى رأس هؤلاء مرشد الجماعة، محمد بديع، بالإضافة إلى الرئيس المعزول مرسي، وقادة آخرين من الإخوان، من أمثال خيرت الشاطر، ومحمد البلتاجي، وعصام العريان، وغيرهم. بالإضافة إلى 21 متهماً كانت أعمارهم أقل من السن القانونية في ذلك الوقت.

وورد اسم المصور الصحافي في هذه القائمة تحت رقم 242، واسمه بالكامل محمود عبد الشكور أبو زيد عطية الله. وكان يبلغ من العمر وقتها (أي في 2013)، 26 سنة. ويقطن في 20 شارع القناوي في ضاحية الهرم بمحافظة الجيزة... و«لا يحمل تحقيق شخصية»، وفقاً للصفحة 40 من أوراق القضية التي تحمل رقم 34150 لسنة 2015، جنايات قسم أول مدينة نصر.

وقالت الأوراق نفسها إن الاتهامات الموجهة إلى من وردت أسماؤهم في القائمة، بمن فيهم «شوكان»، هي أنهم قاموا «في غضون الفترة من 21-6-2013. حتى 14-8-2013، بدائرة قسم شرطة أول مدينة نصر، بمحافظة القاهرة، بالانضمام، مع آخرين مجهولين، وآخرين توفوا، إلى تشكيلٍ هاجم طائفة من السكان قاطني ومرتادي محيط ميدان رابعة العدوية، وقاوموا بالسلاح رجال السلطة العامة القائمة على إبلاغهم أمر وجوب تفرق تجمهرهم، نفاذاً للأمر القضائي الصادر من النيابة العامة، وكان ذلك بغرض ارتكاب جرائم تنفيذاً لغرض إرهابي».

وأضافت الأوراق أن الأسماء الواردة في قائمة المتهمين: «اشتركوا وآخرون مجهولون وآخرون توفوا، في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص، من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر، وكان الغرض منه الترويع والتخويف وإلقاء الرعب بين الناس وتعريض حياتهم وحرياتهم وأمنهم للخطر».

وتابعت الأوراق: «وقعت منهم، تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر، مع علمهم به، الجرائم الآتية: استعرضوا وآخرون مجهولون وآخرون توفوا، ولوحوا بالعنف، واستخدموه ضد المعارضين لانتمائهم السياسي، وأفكارهم ومعتقداتهم من قاطني ومرتادي محيط ميدان رابعة العدوية المتاخم لتجمهرهم. و(ضد) ضباط وأفراد الشرطة، وكان ذلك بقصد الترويع والتخويف وإلحاق الأذى المادي والمعنوي والإضرار بالممتلكات العامة».

[caption id="attachment_55265398" align="alignright" width="295"]متحدث الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد. متحدث الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد.[/caption]

وقالت أوراق القضية إنه اقترنت بالجريمة السابقة، وارتبطت بها، وتلتها «جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ذلك أنهم (المتهمين) في ذات الزمان والمكان سالفي البيان، احتجزوا وقاوموا بالقوة، وبالعنف، وسرقوا متعلقات أشخاص مدنيين، ومن رجال الشرطة، وأصابوا رجال شرطة إصابات منعتهم عن العمل لأكثر من عشرين يوما، واحتلوا مباني بالقوة وخربوا عمدا مقتنيات ومباني».

وأضافت قائمة الاتهامات الأخرى، أن المتهمين «قتلوا، وآخرون مجهولون وآخرون توفوا، عددا من المجني عليهم» (ذكر أسماء قتلى من المدنيين، ورجال الشرطة في صفحات القضية من صفحة 39 إلى صفحة 47). وأن المتهمين «حازوا، وأحرزوا، بالذات والواسطة، مواد تعتبر في حكم المفرقعات (كلورات البوتاسيوم، وأكاسيد معادن) من دون ترخيص، وبقصد استخدامها في أنشطة مخلة بالأمن العام، والمساس بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي».

وانكر عبد الراضي هذه التهم قال:«نحن في انتظار أن تفصل فيها المحكمة». وأضاف أنه لا يوجد دليل على أن موكله له أي علاقة بهذه الاتهامات، مشيراً إلى أن القضية محالة للمحكمة منذ نحو سنتين وثلاثة أشهر، أمام محكمة جنايات القاهرة دائرة الإرهاب التي تعقد في معهد أمناء الشرطة. وتابع أنه «تُجرى حالياً مرافعات في القضية... ونحن في انتظار دورنا للمرافعة عن شوكان أمام المحكمة. وبعد المرافعة ستحجز القضية للحكم».

وأضاف أن كل الفترة الماضية التي أمضاها «شوكان» في السجن هي حبس احتياطي. وأعرب عبد الراضي كذلك عن أسفه لأن وزارة الخارجية المصرية، في بيانها المتعلق بقرار اليونيسكو منح الجائزة للمصور لم تنتظر الحكم النهائي للمحكمة.

وذكر عبد الراضي أن أصول «شوكان» وأسرته تعود أساسا إلى محافظة قنا، بجنوب البلاد، لكنه يعيش في القاهرة، وأنه من مواليد أكتوبر (تشرين الأول) 1987. وغير متزوج، وأنه تخرج في «أكاديمية أخبار اليوم» كصحافي، وبدأ التدريب على العمل الصحافي في صحيفة «الأهرام المسائي» المصرية التابعة للدولة، وتوجد له موضوعات منشورة باسمه في تلك الصحيفة في 2010.

وأيا ما كان الجدل بين القاهرة واليونيسكو، فإن الجديد في الأمر هو حصول «المجلة» على مذكرات كان قد كتبها «شوكان» داخل السجن. وتعكس الكلمات التي كتبها على ورق ذي لون أصفر، أجواء مضطربة كانت عليها مصر في الأيام والشهور التي أعقبت فض اعتصام ميدان رابعة العدوية.

ويقول «شوكان»: «في الرابع عشر من أغسطس (آب) (2013)، يوم فض اعتصام (أنصار الرئيس الأسبق مرسي) وجهت وزارة الداخلية (بمصر) عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك» خطاباً تناشد فيه الصحافيين بالوجود أثناء الفض، والعمل بحيادية، ونقل صورة حقيقية أثناء العمل على ذلك. وبالفعل توجهت إلى هناك صباحا، لأشارك كصحافي مصور بتغطية تلك العلمية».


ويتابع: «أثناء عملي، وفي الساعات الأولى من عملية الفض، تم إلقاء القبض عليّ، وتجريدي من معداتي،ووضعي في السجن منذ التاريخ المذكور أعلاه، وتوجيه تهم لي كواحد من المتظاهرين، كالقتل، والتجمهر، والانتماء لجماعة الإخوان المسلمين... على الرغم من أنني لا أنتمي لأي فصيل سياسي، أيا كان توجهه».

ويكتب شوكان في مذكراته بخط يده، والتي جرى التأكد من صحتها من محاميه، عبد الراضي، كلمات مبعثرة لكنها تبدو أنها كانت تنم، في البداية، عن ثقة بأن المشكلة التي وقع فيها ستجد طريقها للحل، لكن مع الاستمرار في قراءة ما كان يكتبه، ستشعر أن اليأس أخذ يتسلل إليه بسبب طول مدة احتجازه، وتراجع الأمل في خروجه من السجن، رغم بعض الاهتمام المحلي والدولي بقضيته.
ويذكر مرافقون له أثناء تغطية فض اعتصام رابعة العدوية أن «شوكان» استشعر خطراً مع الاقتراب من اعتصام الإخوان، وأنه بعد أن التقط صوراً، أشار على مرافقيه، ومن بينهم اثنان من الصحافيين الأجانب، هما مراسل «نيوزويك»، الأميركي مايك جيجلو، والمصور الفرنسي لويس جايمس، أن يتراجعوا لكي يقفوا في الجهة التي توجد فيها الشرطة، من أجل الحماية والتصوير بحرية أكبر، بعيدا عن الهرج الإخواني داخل الميدان.
ويذكر محاميه أن شوكان ومن معه، وبمجرد وصولهم إلى الجانب الذي توجد فيه الشرطة، تم القبض عليهم جميعا. ويذكر شوكان نفسه في مذكراته ما حدث قائلا: «بعد تجريدنا من كل محتوياتنا، بما فيها حزام الخصر (حزام البنطال)... قادتنا قوات الشرطة لركوب عربة الترحيلات (سيارة نقل المسجونين). وفي الداخل وجدنا مجموعة من المعتصمين، ممن تم القبض عليهم».
ويقول عن بداية الأيام التي جرى توقيفه فيها: في الساعة 8.00 صباحاً... «أنتم إذن الذين تخربون البلد، وتنشرون أخبار كذب! وأنت ماذا تشتغل؟ صحافي».
ويبدو أن «شوكان» كان يصف، هنا، غضب أحد رجال الأمن من المقبوض عليهم، مع علمه بطبيعة عملهم. ثم يشير إلى طلب الأمن كلمة السر لكاميرات المصورين الصحافيين الذين كانوا مع «شوكان» بمن فيهم المصورون الأجانب، رغم أن الكاميرات ليس لها، في العادة، كلمات سر.
ويضيف: «في الصالة المغطاة، في استاد القاهرة، وجدنا الكثير من المعتصمين المقبوض عليهم. تم تقسيمنا... أنا تم دمجي مع مجموعة المعتصمين، أما لويس، وجيجلو، فتم عزلهما عنا... بعد ساعات قليلة تم الإفراج عن لويس وجيجلو... شعرت بالارتياح لهذا الأمر اعتقاداً مني بأن ما تم معهما سوف يجري عليَّ».
لكن هذا لم يحدث أبداً. يقول: «مراراً، وتكراراً... ذهاباً، وإياباً، أتحدث مع الضابط المسؤول، وأخبره أنني صحافي، وأن الصحافيين الأجنبيين صديقاي، وتم الإفراج عنهما، وأنا ما زلت هنا... مسكنات. أخذ الضابط في إعطائي مسكنات، دون جدوى... ذهول أصابني، مع صمت... لا أعلم ما الذي سيجري. وفي الوقت، ومع مروره، يزداد عدد المقبوض عليهم داخل الصالة. نمت من شدة ذهولي... استيقظت مرات كثيرة... حتى دخل اليوم الثاني عليّ... وأخذتْ الأعداد تقل».

وكانت تلك الأيام التي يتحدث خلالها «شوكان» متخمة بالأحداث الكبرى في مصر، بينما العالم يراقب ما يجري في هذا البلد المطل على قناة السويس التي تعد شريانا حيويا للتجارة والسفن العملاقة بين شرق الكرة الأرضية وغربها. لقد كان صراع المصريين يدور هذه المرة بعيدا عن صناديق الاقتراع، وبعيدا عن أي حوار. وكانت هناك مخاوف دولية من أن تدخل هذه الدولة ذات الموقع المهم في معمعة من الفوضى والاضطرابات بلا نهاية.
وجرى القبض، في الأيام الأولى لفض هذه الاعتصامات، على ألوف من المناصرين لمرسي وجماعته. وظهرت بيانات لعدة قادة حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية، وهم ينددون بما يجري في مصر بحق مرسي ومناصريه. كما أن الأجهزة الأمنية المصرية رصدت، قبيل فض اعتصامات الإخوان في تلك الفترة، اجتماعات ذات مؤشرات خطرة، عقدها كبار زعماء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، من بلدان عدة من أفريقيا وآسيا، وغيرهما، في فندق هوليداي إن، في إسطنبول بتركيا.
وأدت كل هذه الملابسات إلى إصرار من جانب السلطات في مصر على حماية البلاد من خطر الفوضى، وإنهاء أي مظهر من مظاهر الاضطراب في الشارع، في أقصر وقت ممكن. وتضمنت أوراق النيابة المصرية، التي ورد فيها اسم «شوكان»، كأحد المتهمين المقبوض عليهم في اعتصام رابعة العدوية، تقارير تلخص مراقبة الأجهزة الأمنية بمصر لاجتماع التنظيم الدولي في إسطنبول، وما ورد فيه من تحذيرات جعلت القوات الأمنية أكثر رعونة، على ما يبدو، في التعامل مع المقبوض عليهم، بدافع من مخاوف بشأن حدوث أي عمليات غير محسوبة من جانب جماعة الإخوان، ضد رجال الأمن، في تلك المعمعة التي شملت عموم البلاد، حينها.
لقد كانت المخاطر المحدقة بمصر تنسج خيوطها من الداخل والخارج، وعلى مستويات رسمية معلنة، من دول كبرى، ومستويات استخباراتية وتنظيمية تعمل من قاعات مغلقة مثل اجتماع التنظيم الدولي المشار إليه وقتها.
وتشير هذه الأوراق إلى أن من بين من حضروا اجتماع إسطنبول، حينذاك، المصري إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي للإخوان (يقيم في بريطانيا)، ومحمود الإبياري، الأمين العام المساعد للتنظيم (يقيم في النمسا)، وعلي جاوش، المراقب العام لإخوان السودان، وإبراهيم المصري، المراقب العام للإخوان في لبنان، وعلي حاج، المسؤول عن القرن الأفريقي للتنظيم الدولي للإخوان، ومحمد الشقفة، المراقب العام السابق للتنظيم في سوريا، وهمام عبد الرحمن، المراقب العام للإخوان في الأردن، وراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة في تونس، ومحمد فرج، زعيم في التنظيم الدولي من كردستان، وشيخان عبد الرحمن، القيادي بالتنظيم من اليمن، ومحمد الهلالي، النائب الثاني لرئيس حركة التوحيد والإصلاح المغربية.

[caption id="attachment_55265403" align="alignright" width="222"]كريم عبد الراضي، المحامي عن «شوكان». كريم عبد الراضي، المحامي عن «شوكان».[/caption]

وحول هذا الأمر، تقول أوراق رسمية في ملف قضية «فض رابعة» بالنيابة العامة، والمتهم فيها «شوكان»، ضمن مئات آخرين، إن اجتماع التنظيم الدولي المشار إليه، في إسطنبول، تناول «المخاطر المحتملة في حالة فض اعتصام رابعة، وعودة العمل السري، وحدوث انشقاق من جانب شباب الإخوان، ووضع عدة سيناريوهات لمواجهة ذلك، أهمها اللجوء إلى المواجهة المسلحة، ومحاصرة مؤسسات الدولة السيادية (في مصر)».

وأثناء تنفيذ عملية فض اعتصامات الإخوان، اجتاحت قوات الأمن معاقل تلك التجمعات، وتغلبت على المقاومة الشرسة التي أبدتها الجماعة وأنصارها. ويبدو أن حظ «شوكان» ألقى به، مع مجموعات أخرى من الإخوان، بين يدي القوات الأمنية التي كانت تتحسب من مسلحي الجماعة المتمركزين في مواقع في ميدان رابعة العدوية.
وبعد أن تم إخلاء سبيل زميليه الصحافيين الأميركي والفرنسي، ظل «شوكان» محتجزا مع مئات آخرين في الصالة المغطاة، باستاد القاهرة. وفي الأيام التالية أخذت الأعداد تقل رويدا رويدا، كما كتب في مذكراته. ويقول إنه بدأت عملية ترحيل «كل مجموعة تليها المجموعة الأخرى». وهنا سأل: «إلى أين نحن ذاهبون يا باشا؟» فقيل له: سوف تذهبون لبيوتكم». ومن المعتاد في مصر أنه حين يتم القبض على أي شخص في مكان ما فإنه يتم إخلاء سبيله من قسم الشرطة التابع له محل سكنه.
ويقول: «شوكان»: «وبالفعل تم ترحيل المحتجزين إلى الأقسام (التابعين لها) على مستوى العاصمة، أما مجموعتي، فقد تم ترحيلها في الساعة 12.00 ظهراً... إلى قسم شرطة القاهرة الجديدة أول».
ويضيف: «هناك نزلنا من سيارة الترحيلات. وبدأ الضابط بالحديث اللطيف معنا. التفتُّ إلى الحائط، فوجدتُ لافتة معلقة ومكتوباً عليها (الشرطة في خدمة الشعب)... و(المتهم بريء حتى تثبت إدانته)». ويقول: «شعرت بارتياح. كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها قسماً للشرطة في مصر ».


[caption id="attachment_55265435" align="alignleft" width="300"]شهادة تقدير لعام 2017 من شعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية لـ«شوكان». شهادة تقدير لعام 2017 من شعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية لـ«شوكان».[/caption]

وحين يتذكر «شوكان» نقله لأول مرة إلى قسم الشرطة، قبل ترحيله إلى أبو زعبل، يقول: «في القسم كانت المرة الوحيدة التي يتم التحقيق فيها معي، يوم الجمعة التالي ليوم فض اعتصام رابعة العدوية، الذي كان يوم الثلاثاء. وهناك جاء المحقق ووجه لي 12 تهمة، منها التجمهر، والانضمام لجماعة الإخوان المسلمين... ، مما زاد من حدة ذهولي. يا بيه أنا مصور صحافي، لا أنتمي لأي فصيل سياسي، ولم أشارك حتى بالتصويت في الانتخابات... ولكن البيه لم يكترث كثيراً لما أقول».
وكتب «شوكان» بعضاً من مذكراته عن الأسابيع الأولى، وهو قيد الاحتجاز، وكانت مفعمة بالأمل في الخروج قريباً من السجن، إلا أن ما كتبه بعد ذلك بأربعة أشهر أصبح ذا طابع مختلف، وأقرب إلى نفاد الصبر، ولوم المنظمات المعنية وزملاء المهنة المحليين... «أمضيت 4 شهور في سجن أبو زعبل، ثم تم ترحيلي لسجن طرة بتاريخ 16 ديسمبر (كانون الأول) 2013. وها أنا أختم شهري الرابع في سجن استقبال طرة، وما زالت حالة الخطف الجسدي والنفسي مستمرة».
ويضيف على النسق نفسه: «أما سبب كل ذلك فكان العمل؛ العمل صحافياً مصوراً مستقلاً. أما الغريب والأغرب، فهو كالآتي... الغريب يتمثل في أن منظمات الصحافة الدولية تعترف بي كمصور صحافي حر، أعمل في وكالة (كورس) و(ديموتكس)، وتحاول جاهدة الدفاع عني، أما الأغرب فيتمثل في منظمات بلدي المحلية، التي لا تعترف التي تقول إنني لست نقابياً (أي ليس عضواً في نقابة الصحافيين)». هذا رغم أن «شوكان» نفسه أثنى، فيما بعد، على موقف نقابيين صحافيين مصريين، حين أعلنت شعبة المصورين بالنقابة منحه شهادة تقدير لعام 2017.
وعلى كل حال تغيرت لغة «شوكان» إلى ما يشبه اليأس والاستسلام لمصيره، ابتداء من الشهر الثامن، وهو قيد الاحتجاز، حيث ابتعد في بعض المذكرات عن النظر إلى المستقبل، وأخذ يتحدث عن الماضي. وعلى سبيل المثال يقول في جانب مما كتبه: «أنا أعمل كصحافي مصور مستقل (حر freelancer) منذ 2010. وعملت في جريدة (الأهرام المسائي) أثناء تدريبي لمدة 6 أشهر. أنا حديث التخرج من أكاديمية أخبار اليوم، قسم صحافة. أعمل بكد، وأعمل حتى أحقق ذاتي كشاب مصري ينحت في الصخر للوصول إلى بر الأمان. أقبع هنا في السجن دون وجه حق، ولا أدري لماذا أنا هنا... لماذا أجلس في الزنزانة طوال هذه المدة. نزلت من البيت الذي أرعى فيه أبوي لأداء علمي. ولم أرجع بعد».
ووقَّع مجموعة من المصورين في صحف مصرية إقراراً بأن «شوكان» كان يؤدي عمله لا أكثر، وأنه لا يوجد ثمة ما يدينه، مطالبين بالإفراج عنه. وفي خطاب من وكالة «ديموتكس» بتاريخ 9 أبريل (نيسان) 2013 يقول إن محمود أبو زيد (شوكان) عضو بالوكالة الإخبارية. وكانت الوكالة تطلب من السلطات المصرية، وقتها، منحه تصريحاً لتغطية محاكمة مبارك. وبعد القبض عليه كتبت الوكالة للسلطات المصرية مطالبة بالإفراج الفوري عنه. وقالت في خطاب ممهور بتوقيع أوسيه ايكيوجو، مدير المكتب الإخباري والتكليفات في الوكالة، إن «شوكان» مصور خبير، و«هام لوكالة الصور لدينا. ونحن نرى أن توقيفه غير قانوني، حيث إنه كان يغطي المظاهرات فقط بصفته صحافياً مصوراً».

[caption id="attachment_55265436" align="alignright" width="224"]هيثم طوالة، رئيس «جبهة شباب الصحافيين» بمصر. هيثم طوالة، رئيس «جبهة شباب الصحافيين» بمصر.[/caption]

وفتح اللغط بين القاهرة واليونيسكو شهية جماعات منتقدة للسلطات المصرية، للعمل مجدداً، مستخدمة ملابسات القضية لاتهام مصر بتقييد الحريات، رغم أن قضية «شوكان» أصبحت في ذمة القضاء، وفي انتظار حكم من المحكمة. ومما أثار غضب السلطات المصرية، وفقاً لمصادر على صلة بوزارة الخارجية بالقاهرة، أن الاهتمام بـ«شوكان» مصدره بعض المنظمات التي تتلقى دعماً من دول على خصومة مع نظام الحكم بمصر.
ومن المعروف أن منظمة العفو الدولية دأبت على توجيه انتقادات للسلطات المصرية،. واحتفت المنظمة بقرار اليونيسكو منح جائزة لـ«شوكان». وقالت على صفحتها على «تويتر» إنها «تدعم اختيار الصحافي وسجين الرأي محمود أبو زيد (شوكان)، لنيل جائزة اليونيسكو لحرية الصحافة».
لكن منظمات محلية في مصر ردت بقوة على اليونيسكو، وغيرها من مؤيدي قضية «شوكان». وعلى سبيل المثال أدانت «جبهة شباب الصحافيين» اعتزام اليونيسكو منح الجائزة. وقالت: إن «شوكان» متهم بارتكاب أعمال إرهابية وجرائم جنائية. وأضاف هيثم طوالة، رئيس الجبهة، أن «شوكان» سبق تعاونه مع منظمة العفو الدولية، التي تشوه الدولة المصرية لصالح الجماعة الإرهابية. وتابع أن تكريم اليونيسكو «أبعد بكثير عن حرية التعبير والصحافة، ويخدم الإرهابيين والمتآمرين على البلاد... إننا ندين هذا التكريم، وانزلاق المنظمة الدولية في هذا الخطأ الكبير، ونطالبها بالتراجع الفوري على هذا التكريم المشبوه».
font change