لندن: أفلام الرعب هذا الأسبوع تُباع بالكيلو: 14 فيلما جديدا كلها من نتاج المخيّلات التي ترفض أن تترك المشاهدين يشعرون بالأمان. بين ما يعرض منها في الصالات وما يعرض منها في المنصات الإلكترونية يمكن القول إنها مثل الفاكهة.. رخيصة في مواسمها.
صورة لأميركا غير مستقرّة
الواقع أن سيل أفلام الرعب لم يتوقف منذ مطلع العام. في الشهر الأول منه شاهدنا Scream الذي كان تكملة لسلسلة أطلقها المخرج الراحل وس كرافن قبل 25 سنة. الفيلم الجديد استعاد الممثلة نيف كامبل التي كانت ظهرت في تلك الأفلام وهي ما زالت مراهقة وأنجز إقبالاً معتدلاً.
في الشهر ذاته خرج للعرض Speak No Evil وWatcher ثم Master وكلها نالت تقديراً نقدياً جيداً لكنها مرّت من دون أثر يذكر في شبّاك التذاكر.
والسبحة كرّت من هناك وحوَت، على مدار الأشهر الماضية، أفلاماً مثل Hatching وYou Won't Be Alone وResurrection وThe Coven كما Dark Glasses الذي دشّن به المخرج الإيطالي المتخصص بسينما الرعب داريو أرجنتو عودته بعد غياب.
إعادة إحياء الأفلام الشهيرة السابقة استمرت. وبدوره كان Texas Chainsaw Massacre إعادة صنع على بعض الأهمية مستوحى من الفيلم الأصلي الذي انتمى إلى مجموعة أفلام في السبعينات امتزجت بها المشاهد المخيفة بالبعد السياسي الذي كان مفاده انهيار الحلم الأميركي بالأمان والثقة في المجتمع والمبادئ.
«مذبحة تكساس المنشارية» الأصلي أنجزه توبي هوبر سنة 1974، وبقي كأحد أفضل أعماله لحين طويل، دار حول وصول خمسة شبان من الجنسين إلى ما يشبه المنزل المهجور ليكتشفوا أنهم وقعوا ضحية عائلة من آكلي لحوم البشر يتقدّمهم رجل مشوّه يحمل منشاراً آلياً يلاحقهم بغية تقطيعهم.
إنه في الفترة ذاتها، في سنة 1977 تحديداً، قام وس كرافن بتحقيق فيلمه المشابه من حيث التكوين حول عائلة من خمسة أفراد في رحلة عبر صحارى الغرب عندما يتوه رب الأسرة ويتوقف في منطقة مهجورة. هناك يخرج عدد من آكلي لحوم البشر ليصطادوهم واحداً تلو الآخر.
جذور هذا النوع من الأفلام تعود إلى الفيلم الأول الذي أطلقه المخرج جورج أ. روميرو تحت عنوان Night of the Living Dead سنة 1968.
ذلك الفيلم كان بالأبيض والأسود وبتكلفة مشهد واحد من أفلام اليوم ودار حول عدد من الأشخاص يحتمون في كوخ مؤلف من طابقين وغرفة تحت الأرض وفي أعقابهم مجموعة كبيرة من الزومبيز الذين يودّون التهامهم.
من المشهد الأول لذلك الفيلم يضعنا المخرج تحت الأسر: رجل وشقيقته يزوران قبر والدتهما. في الخلفية رجل يسير على نحو غريب، يحاول الأخ منعه من الوصول إلى شقيقته لكن الرجل يتغلّب عليه. أما هي فتلجأ إلى ذلك الكوخ الذي سريعاً ما يستقبل طالبي نجدة آخرين بعدما تكاثر وجود الزومبيز ومن بينهم شقيق الفتاة ذاتها.
منابع الخوف في هذا الفيلم الجيد لا تتأتى من طوق الزومبيز الذين أحاطوا بالبيت فقط، بل من الداخل حيث هناك فتاة قد تتحوّل إلى زومبي ووالدها العنصري والأناني الذي يعادي الرجل الأسود الذي يدير بحكمته ومهارته المعركة.
لم يكن «ليلة الموتى- الأحياء» شبيهاً بأي فيلم رعب آخر (وأفلام الرعب تعود إلى سنوات السينما الصامتة). بدوره دمج الموقف السياسي بالمرعب ليتحدث عن أميركا غير مستقرّة.
للتنويه، الفارق بين الزومبي وآكل لحوم البشر هو أن الأول ليس حيّاً بل ميّت يعود للحياة كما لو أن الحياة الآخرة رفضته. أما آكل لحوم البشر فهو حي يرزق وقد يبدو إنساناً عادياً للغاية كما كان حال أنطوني هوبكنز في Silence of the Lambs.
بيوت مسكونة
عمد روميرو، في 1972 و1973 لأفلام رعب أخرى، لكنه قرر في العام 1978 العودة إلى ذلك الفيلم الذي جعله الأشهر بين أترابه فأنجز Dawn of the Dead ، وتبعه بـ Day of the Dead (الأول سنة 1978 والثاني سنة 1985) ثم استكمل حلقاته بـ Land of the Dead سنة 2005 ثم Diary of the Dead سنة 2009 وفيها جميعاً انتقد المجتمع الأميركي على نحو مركّز. هو ضد مجتمع الاستهلاك في «فجر الموتى» وضد الإعلام السائب في «يوم الموتى» مع نقد لمسألة تحويل العلم إلى أداة عسكرية في الفيلم ذاته. هذا قبل أن يصوغ رسالة مفادها أن الزومبيز إنما يريدون إنهاء الحياة على الأرض كون الأحياء ليسوا أفضل حالاً من الموتى حين يأتي الأمر لشرورهم وما حققته الرأسمالية من نجاحات وذلك في «مفكرة الموتى».
بالعودة إلى ما شوهد من أفلام رعب في العام 2022 تطالعنا نماذج مختلفة، ليس من بينها ما هو جديد أو مميّز بأفكار وطروحات سياسية. كثير منها دار حول تلك المواقع المنعزلة التي تلجأ إليها شخصيات كل فيلم وتندم. الموجة الجديدة، ومنذ عدّة سنوات، قلّما تتحدث عن موضوع آخر له ارتباط سياسي أو اجتماعي على نحو فاعل.
إنه بيت كبير في منطقة إنسينو في لوس أنجليس في Studio 666 وقلعة قديمة في House of Darkness وشقة في عمارة سكنية في Night s End ومجرد «كابينة» صغيرة في Sissy. في قبو في «القبو» ومنزل شاسع تحيط به مزرعة واسعة في Vodies Bodies Bodies.
عند ضروريات التنويع نجد في Deadstream لجوزيف وفنيسا وينتر حكاية حول الأرواح التي تبغي الانتقام من أبطال الفيلم (أحدهم المخرج جوزف وينتر نفسه في دور مساند)،
أسماك القرش عادت في فيلمين (على الأقل): The Reef، Stalked لأندرو تروكي حيث أربع نساء يخترن شاطئاً معزولاً للسباحة دون أن يدركن أن قرشاً ضخماً كان بانتظارهن طمعاً في وليمة كبيرة. مثله في التركيبة القصصية شاهدنا Shark Baid لجيمس نَن... قرش آخر وسابحون آخرون يغوصون في البحر ولا يخرجون.
في الواقع، إيجاد حبكات جديدة ليس بالأمر الهيّن، لذلك تتشابه الحكايات كثيراً في حبكاتها ومشاهدها ونهاياتها. بل وحتى في الأسباب التي تدفع الشخصيات إلى المغامرة ودخول المخاطر كما الحال في Mid- Country لسونيا أوهارا حيث يكتشف زوج وزوجته أن صاحب المنزل الذي أجّرهما بيتاً للسكن لبضعة أيام ما هو إلا مريض نفسي خطير.
هذه الحكاية تتشابه وAbandoned لسبنسر سكوير إذ يلجأ زوجان وطفلهما إلى مزرعة ليكتشفا أن هذا هو أسوأ اختيار قاما به لأن مالكة المزرعة مجنونة.
في معظم هذه الأفلام، كما غيرها من النماذج، رسالة تحتية تنص على أن الحياة المزدحمة بالمشاكل الاجتماعية والمحفوفة بالمخاطر ليست أسوأ من الحياة في البرية. الأفراد أو العائلات الذين يقصدون الريف والمناطق البعيدة للعطل أو للبقاء في أماكن لم تصل إليها المدنية بعد.
المقصود هنا هو عكس ما كنا نشاهده في أفلام هوليوود الكلاسيكية حيث الريف هو الطمأنينة والمدينة هي وكر الجريمة والشر. كان لا يزال هناك أمل. الآن أينما توجّهت، ستجد أن المخاطر موجودة. قد تكون في موقع ريفي أو جبلي أو في البحر أو داخل المدينة ذاتها.
هالووين وأتباعه
لن يفوتنا ذلك المسلسل الطويل الذي سار بموازاة كل ما مر معنا من أفلام وتيارات وذلك منذ العام 1978 وحتى اليوم.
في ذلك العام توجه اثنان هما المنتجة دبرا هِل والمخرج جون كاربنتر إلى مكتب منتج عربي اسمه مصطفى العقاد في منتصف بوليفارد صنست الشهير. حملا معهما مشروع فيلم بعنوان Halloween الذي تتوسطه شخصية قاتل مقنّع ارتكب جرائمه الأولى حين كان طفلاً، بعد نحو 20 سنة، ظهر من جديد ليتخلّص من الناجية الوحيدة من العائلة.
حكى لي الراحل مصطفى العقاد ملابسات تبنيه المشروع. قال: «اتصل بي المنتج إرفينغ يابلانس وأخبرني بأن المنتجة دبرا هِل والمخرج جون كاربنتر يريدان زيارتي في المكتب لعرض مشروع فيلم هالووين. استقبلتهما واستمعت إلى شرح كاربنتر للمشروع. وبصراحة لم أشعر بالحماس ولم أعد بشيء. بعد الزيارة اتصل بي يابلانس مرّة أخرى وحثني على قبول تمويل الفيلم».
لم تزد تكلفة الفيلم عن 325 ألف دولار لكن ما حققه كان أضعاف هذا المبلغ المتواضع إذ بلغت إيرادته في الولايات المتحدة أكثر من 47 مليون دولار بقليل. النتيجة فاجأت الجميع بمن فيهم مصطفى العقاد فبرمج سريعاً إطلاق جزء ثانٍ وذكر تكراراً بأن شروعه في هذه السلسلة من الأفلام منتجاً يؤمّن له الاستقلالية التي يبحث عنها.
«هالووين» عُرض في مثل هذا الشهر سنة 1978 وبناء على نجاحه تم إنجاز أحد عشر جزءاً بين 1981 والسنة الحالية. في العديد منها قامت الممثلة جايمي لي كيرتس بالبطولة (بما في ذلك الفيلمان الأخيران: Halloween Kills الذي شوهد في العام الماضي، وHalloweedn Ends الذي انطلق للعرض في الرابع عشر من هذا الشهر.
مايكل مايرز هو قاتل متوحش يرتدي قناعاً خافياً ورداءً أسود ويحمل سكيناً يقتل به. في الجزء الأول، كما تقدّم، قام بقتل أفراد عائلته إلا واحدة عاد بعد سنوات عديدة لينجز عليها.
الأجزاء اللاحقة، حافظت في معظمها، على هذا الخط غير المفسّر وبنجاح. لغز مايرز لم يتم الإفصاح عنه بل التعامل معه كما هو. والنتيجة سلسلة الأفلام التي أنجزت أكثر من 773 مليون دولار منها نحو 450 مليون دولار قبل أن يتوفى العقاد سنة 2005. الباقي جناه ابنه مالك الذي أكمل السلسلة من العام 2007 إلى اليوم. 558 مليونا و866 ألف دولار هي من إيرادات الولايات المتحدة وكندا فقط.
الفيلم الجديد سينهي السلسلة (هذا ما هو مؤكد إلى الآن) لا حسب عنوانه فقط (Halloween Ends) بل تبعاً لرغبة مالك العقاد الذي ينوي تحقيق أفلام أخرى بعيداً عن هذه السلسلة.
«هالووين ينتهي» من بطولة كيرتس وكايل ريتشارد وول باتون سيدخل منافسة شديدة مع أكثر من عشرة أفلام كلها ستعرض خلال هذا الشهر بمناسبة عيد هالووين.
هذه كلها، ستحتشد في الأسبوع الواقع بين 10 و16 من الشهر الجاري وإن ليست كلها ستعرض على الشاشات الكبيرة كما حال «هالووين ينتهي».
على سبيل المثال، محطة Hulu ستطلق Grimcutty الذي يدور حول مخاوف ولين صغيرين من أن والديهما تحوّلا إلى مخلوقين مخيفين بعدما أدمنا الإنترنت (أمر لم يعد مستغرباً كما كان من قبل).
بدوره، يتعاطى Spirit Halloween ومسألة الأرواح الشريرة من خلال حكاية ثلاثة مراهقين يدخلون متجراً لبيع كل شيء «هالويني» من بعد إغلاق المتجر ليكتشفوا وجود تلك الأرواح التي سترغب في عقابهم.
رعب من نوع مختلف نراه في Frost حيث إن امرأة ووالدها يجدان نفسيهما في منطقة جبلية ثلجية منعزلة يدافعان عن نفسيهما ضد عصبة من الأشرار. ثم هناك The Curse of Bridge Hollow الذي تطلقه «نتفلكس» من بطولة ماريون وايانز.
هذا وسواه يأتي في أعقاب النجاح الجيد الذي حققه قبل أسبوعين فيلم رعب جديد عنوانه Smile على صعيد الإقبال الجماهيري. كتبه وأخرجه باركر فِن كأول فيلم له الذي استمدّه من فيلم قصير قام بإخراجه قبل فترة ليست بالبعيدة بعنوانLaura Hasn t Slept. فحوى الفيلم هو أن طبيبة نفسية تستقبل مريضة نفسية تحدّثها عن أستاذها في الجامعة الذي أقدم على الانتحار أمامها. فجأة ستبتسم المتحدّثة وتغادر العيادة بعدما حذّرت بطلة الفيلم (سوسي باكون) من مصير مشابه.
هذه التركيبة تتطوّر بنجاح مقبول وكاف لأن يجلب الفيلم في أسبوعيه 92 مليون دولار عالمياً بينما لم تزد تكلفته عن 17 مليونا دفعتها شركة باراماونت مدركة أنها التقطت بيضة من ذهب تستحق الإنتاج.