نيويورك- فيروزه رمضان زاده*
* عدد من تعرضوا للإصابات والإعاقات خلال الحرب إثر الهجوم الكيماوي وغيره باتوا يشعرون بالندم من توجههم للحرب دفاعاً عن الثورة الإسلامية.
* هناك تقارير كثيرة نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأعوام الماضية بشأن تكرار حالات الانتحار بين ذوي الإعاقات والمصابين.
لقد مر نحو 30 عاما على الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) غير أن تداعياتها غير المباشرة ما زالت تطارد أهالي ضحايا الحرب والمصابين فيها.
أفادت الإحصائيات الرسمية بأن عدد «ذوي الإعاقة» بلغ 574 ألفا و101 شخص نحو 7 آلاف منهم من ذوي الإعاقات النفسية الحادة. وتطلق السلطات اسم «ذوي الإعاقة» على الذين تعرضوا لإصابات مختلفة خلال الحرب.
تدعى الزوجة السابقة لأحد ذوي الإعاقات النفسية (يبلغ مستوى إعاقته 70 في المائة) مرجان وهي انفصلت عن زوجها في 1994. تقول مرجان لـ«المجلة»: «بدأ يخضع زوجي السابق لإشراف من قبل طبيب الأعصاب والأمراض النفسية. منحتنا مؤسسة المستضعفين وذوي الإعاقات شقة مكونة من 3 غرف نوم في منطقة بارس في طهران في 1990 لكونه حصل على ترقية وأصبحت درجته العسكرية «جنرال»... كانت ظروفنا المعيشية جيدة ولكنه كان يضربني ويسيء إلي على الدوام وأنا ضقت به ذرعا».
ويروي أستاذ جامعي متقاعد أجرى دراسة حول الظروف المعيشية التي يمر بها نحو 200 شخص أصيبوا بإعاقات خلال الحرب الإيرانية العراقية لـ«المجلة» عما توصل إليه خلال تحقيقه. ولم يكشف الأستاذ الجامعي الإيراني عن اسمه لأسباب أمنية. ويقول إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية منعته من نشر دراسته بعد إكمالها. وأضاف أن المصابين بالإعاقات خلال فترة الحرب وعوائلهم يمرون بظروف صعبة ولديهم قصص وحكايات مؤلمة عن واقع حياتهم ولكن وسائل الإعلام المحلية لا تستطيع نشر مثل هذه الأخبار التي تنم عن الاستياء من الوضع الراهن «فقد نحو 90 في المائة من ذوي الإعاقات - الذين يتجاوز مستوى إعاقتهم 70 في المائة - قدرتهم الجنسية بعد انتهاء الحرب والعودة إلى بيوتهم مما أدى إلى حدوث حالات انفصال كثيرة بعد أيام قليلة من عودتهم من الحرب. وقالت زوجات عدد منهم خلال هذا التحقيق إنهن اضطررن إلى بيع جسدهن لتوفير مستلزمات الحياة في الوقت الذي انفصل البعض الآخر عن أزواجهن من ذوي الإعاقات خاصة أولئك الذين يمرون بظروف نفسية متدهورة وذلك بعد أن قمن برعاية أزواجهن والاهتمام بهم لعدة سنوات».
وأوضح: «يتمكن ذوو الإعاقات الذين لم تتجاوز نسبة إعاقتهم الجسدية 25 في المائة من الاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي ويتمتعون بإمكانيات مالية مناسبة وفق شروط محددة، فهم يحصلون على البيت والسيارة والمناصب العليا في المؤسسات الحكومية. تتولى مؤسسة الشهيد ومؤسسة المستضعفين مسؤولية الاهتمام والنظر في شؤون عائلات ضحايا الحرب وعائلات مصابي الحرب حيث تقدم لهم دعما ماليا سخيا مقابل مشاركتهم في المسيرات التي ينظمها أنصار النظام وأيضا مقابل أن يكونوا أوفياء وتابعين للسلطة».
وتابع: «إن متخصصي الأعصاب والأمراض النفسية يقدمون وصفات تشمل مهدئات ومزيلات القلق القوية للتخفيف من آلام ذوي الإعاقات الذين أصيبوا خلال الهجمات الكیماویة في فترة الحرب. ويتعرض هؤلاء للسمنة أو النحافة المفرطة بسبب أخطاء طبية ووصفات طبية خاطئة وتناول كم هائل من العقاقير التي لا صلة لها بالمرض مثل المضادات الحيوية وكورتين».
وحسب ضوابط مؤسسة الشهيد – المؤسسة الحكومية المسؤولة عن متابعة شؤون أسر الضحايا والمصابين في الحرب الإيرانية العراقية - فإن كل الذين تعرضوا للإعاقة خلال الحرب تقدم لهم خدمات صحية وعلاجية تتكفل المؤسسة بتكاليفها، ولكن موقع «عصر إيران» نشر خبرا منذ فترة أفاد بأن ذوي الإعاقات الذين لم يتجاوز مستوى إعاقتهم 50 في المائة محرومون من الكثير من الإمكانيات والخدمات التي تقدمها مؤسسة الشهيد على غرار المدارس الخاصة بعائلات الشهداء والسكن والرواتب وخدمات التأمين الصحي وغيرها من خدمات.
لقد توجه (حسين – د) إلى جبهة الحرب وهو عضو في قوات التعبئة (الباسيج) بصفته مسعفا وهو يبلغ من العمر 13 عاما. وبعد عامين من توجهه إلى جبهات الحرب استولت إيران على شبه جزيرة الفاو في 1986 حيث أصيب حسين بجروح إثر الهجوم الكيماوي الذي شنته القوات العراقية وفارق الحياة وهو ابن 32 عاما في شتاء 2004 إثر جروح بالغة في المستشفى.
قال حميد (نجل حسين - د) لـ«المجلة»: «كان والدي وجميع زملائه الذين كانوا معه – خلال الحرب – يقولون إنه لم يتم تدريبهم على استخدام القناع الواقي من الغازات الكيماوية وحتى لم يتم تزوديهم بعدد كاف من الأقنعة خلال الهجوم الكيماوي».
وأضاف (حميد – د) حول الخدمات العلاجية والصحية التي يتم تقديمها للمصابين وذوي الإعاقات خلال الحرب في إيران: «يضطر ذوو الإعاقات لدفع تكلفة الأدوية غالية الثمن من جيوبهم ولم يتم بناء مستوصفات ومستشفيات مجهزة بالإمكانيات اللازمة في مدينتنا ولا في أي مدينة إيرانية أخرى. إن الكثير من الأفراد ذوي الإعاقة (خلال الحرب) ممن أعرفهم يتوجهون إلى ألمانيا كل شهر مرة ليحصلوا على خدمات صحية وعلاجية».
عتب عائلات الضحايا وذوي الإعاقات خلال الحرب على مؤسسة الشهيد
«يتصور الكل في إيران أن أبناء ذوي الإعاقات إثر الحرب يتمتعون بكافة الإمكانيات»... هذا ما يقوله (حميد – د)، ويضيف: «لقد توجهت عدة مرات إلى مؤسسة الشهيد في 2014 وملأت استمارات للحصول على وظيفة هناك ولكنهم تجاهلوا ذلك. هذا لم يقتصر علي فقط بل هناك الكثير من أبناء الشهداء وذوي الإعاقة وهم يحملون شهادات جامعية عالية ولكنهم عاطلون عن العمل».
وينص قانون برنامج التنمية السادس على زيادة حصص عائلات ذوي الإعاقات والمشاركين في الحرب بنسبة 5 في المائة في امتحانات دخول الجامعات الإيرانية (المعروفة بكنكور في إيران) حيث تشمل هذه الزيادة كل ذوي الإعاقات إثر الحرب وزوجات الذين شاركوا لمدة تجاوزت 6 أشهر في الحرب الإيرانية العراقية وأيضا كل ذوي الإعاقات الذين لم يتجاوز مستوى إعاقتهم 25 في المائة وزوجاتهم.
ويقول (حميد – د) بشأن حصة عائلات الشهداء وذوي الإعاقات في امتحان الدخول للجامعات الحكومية (أفضل الجامعات في إيران): «كان علي أن أشارك في امتحانات الفروع الفنية بسبب فرعي الدراسي في المدرسة ولم أتمكن من المشاركة في امتحانات الدخول في الجامعات الحكومية. ذهبنا أنا وأشقائي إلى معهد الحرف والفنون ولكن مؤسسة الشهيد لم تدفع مصاريف المعهد. لم تدفع مؤسسة الشهيد هذه المصاريف لعوائل الشهداء وذوي الإعاقات بالأساس بل إنها تدفع مصاريف دراستنا حتى المرحلة الثانوية».
وأضاف: «لم يحصل أحد على إمكانيات مؤسسة الشهيد مثل السكن والسيارات المستوردة إلا الحلقة المقربة من السلطة. لقد توجهت مرارا لمؤسسة الشهيد في 2014 وذلك بهدف الحصول على السيارة (يتم تخصيص حصص لعوائل الشهداء وذوي الإعاقات للحصول على سيارة) ولكنهم قالوا لي في المرة الأخيرة إن حصص السيارة لعوائل الشهداء وذوي الإعاقات تم إلغاؤها ولم أتابع الأمر بعد ذلك».
وتابع (حميد – د): «أعرف الكثير من أبناء الشهداء وذوي الإعاقات وهم حصلوا من خلال الحصص المخصصة لهم على سيارات ثمنها مئات الملايين من التومانات من دون أن يكون لديهم شهادة جامعية أو وظيفة أو راتب مناسب».
وأضاف (حميد – د) وهو طالب في جامعة الحرة الإسلامية (جامعة خاصة) أنه لم يتمكن من حضور الحصص الجامعية لمدة فصلين دراسيين وقال: «قالت لي إدارة الجامعة إنك يجب أن تدفع مقابل الفصلين الدراسيين وبما أن مؤسسة الشهيد لم تدفع إلا كلفة 4 فصول دراسية لعوائل الشهداء وذوي الإعاقات فأجبرت حينها أن أدفع ثمن فصلين دراسيين لم أشارك فيهما بقيمة 4 ملايين تومان من جيبي. ورغم ذلك فالكل يتصور أنني حصلت على حصة مجانية وكل مخارج دراستي مدفوعة».
وأشار الأستاذ المتقاعد في جامعة طهران إلى أن عددا من الذين تعرضوا للإصابات والإعاقات خلال الحرب إثر الهجوم الكيماوي وغيره باتوا يشعرون بالندم من توجههم إلى جبهة الحرب للدفاع عن الثورة الإسلامية وينتقدون الثورة والنظام بشكل مباشر أو غير مباشر.
واعتبر (حميد – د) أن نظرة الشعب إلى عوائل الشهداء وذوي الإعاقات أكثر إيجابية من موقف السلطة الحاكمة، قائلا: «تستخدم السلطة الحاكمة هذه الأسر كأداة لتحقيق مآربها. على سبيل المثال، تدعي السلطات أن المواجهة مع الشعب على غرار إلغاء الحفلات الموسيقية أو التعرض لغير الملتزمات بالحجاب الإسلامي هي ما تريده عوائل الشهداء. وضعت السلطات لعدة مرات عوائل الشهداء وذوي الإعاقات في مواجهة مع الشعب وهذه سياسة خبيثة تسعى السلطات من خلالها الادعاء بأن هذه الأسر تابعة وموالية لها. كلما شعرت السلطة الحاكمة بالتهديد وشعرت بأن ثورتها مهددة بالخطر تستغلنا وتجبرنا على النزول إلى الشوارع وتدعي أن أسر الشهداء وذوي الإعاقات هم عرابو هذه الثورة».
وأضاف: «هناك شواهد ونماذج كثيرة على أن السلطة الحاكمة تجبر الكثير من موظفي الدولة وحتى المؤسسات غير الحكومية وأيضا عوائل ذوي الإعاقات على المشاركة في مظاهرات صورية مثل مسيرات يوم القدس أو المسيرات السنوية في ذكرى يوم انتصار الثورة أو مسيرات ومناسبات أخرى. بالمناسبة يتم استغلال عوائل الشهداء أقل بكثير من أسر ذوي الإعاقات».
وتابع: «أتذكر بأنه وبعد الاحتجاجات العارمة التي انطلقت في ديسمبر (كانون الأول) 2017 وقمع المحتجين، أعلنت السلطات في أحد أيام الخميس أن الشعب الملتزم بمبادئ الثورة وولاية الفقيه سينزل إلى الشارع معلنا استنكاره للاحتجاجات وسيوجه صفعة قوية إلى المحتجين والمستكبرين، حسب قول السلطات. ذهبت إلى مركز سلمان لرعاية ذوي الإعاقات في شيراز في اليوم ذاته في الساعة 12 ظهرا وذلك للقاء عدد من أصدقاء والدي هناك. لم أجد أحدا هناك فقالوا لي إن السلطة أخذتهم للمشاركة في مسيرة لموالي النظام. لقد وصلوا بعد ساعة إلى المركز بباصات مخصصة لهم. إن عملية انتقال هؤلاء المعاقين والمصابين والطاعنين في السن الذين يعاني بعضهم من السمنة المفرطة من مكان إلى مكان آخر مهمة صعبة للغاية. شاهدت بأم عيني كيف يتولى عدد من مسؤولي مؤسسة الشهيد والحرس الثوري نقلهم من خلال الكراسي المدولبة وذلك في ضوء ظروف سيئة. عندما توجهت إلى باب الباص لأسلم عليهم شاهدت الاستياء العارم والنظرة العابسة على وجوههم».
وبغض النظر عن المشاكل النفسية والجسدية التي يعاني منها الأشخاص الذين شاركوا في الحرب الإيرانية العراقية وأصيبوا بإعاقات مختلفة وعائلاتهم، فهناك تقارير كثيرة نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية خلال الأعوام الماضية بشأن تكرار حالات الانتحار بين ذوي الإعاقات والمصابين منها انتحار واحد من ذوي الإعاقات النفسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 (58 عاما). كما كان قد أقدم رجل يبلغ من العمر 40 عاما وهو من ذوي الإعاقات على الانتحار حرقا أمام مبنى بلدية طهران قبل ذلك بعام واحد. كما قام رجل من مدينة جرجان تعرض للهجوم الكيماوي في الحرب بشنق نفسه.