الاستخبارات الألمانية: نفوذ «الإخوان المسلمين» يتزايد

على خلفية تساؤلات مجتمعية عن كيفية التعامل مع الجالية المسلمة

الاستخبارات الألمانية: نفوذ «الإخوان المسلمين» يتزايد

[caption id="attachment_55265311" align="aligncenter" width="3000"]سيدة مسلمة تمر جوار ملصقات الحملة الانتخابية الاخيرة في ألمانيا سيدة مسلمة تمر جوار ملصقات الحملة الانتخابية الاخيرة في ألمانيا[/caption]

بون - جاسم محمد:


* جماعة «الإخوان المسلمين»ليست محظورة في ألمانيا، لكنها مصنفة على أنها جماعة متطرفة، تهدف إلى أسلمة المجتمع الألماني والأوروبي.
* دأبت الجماعة في أوروبا منذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي على ملء الفراغ الذي تتركه جماعات أخرى، والتركيز على الخدمات الاجتماعية والدعوية.
* خبير إنجليزي في مكافحة الإرهاب: الجماعة تحمل فكرًا متشددًا وداعمًا للإرهاب، وهو ما يجعلها ترى الغرب دار حرب كباقي التنظيمات الإرهابية.
* من المرجح أن تراهن «الإخوان المسلمين»في أوروبا على وجودها في ألمانيا، ربما لأسباب تتعلق بسياسة ألمانيا المهادنة، ومواقفها المترددة




تعيش ألمانيا جدلا مركزه الإسلام...
هل الإسلام هو ما نراه من تطرف؟
كيف يمكننا التعامل مع الجاليات المسلمة التي أصبحت جزءا من ألمانيا؟ ثم، هل أصبح الإسلام جزءا من ألمانيا أم لا؟
كثيرة هي التساؤلات التي تبحث عن إجابات، وما بين حدة التساؤل وحيرة البحث عن إجابة يحتدم الجدل في الواقع الألماني الآن...
ووسط هذا الواقع المربك، تبقى جماعة الإخوان المسلمين من أكثر الجماعات الإسلاموية جدلا في ألمانيا، كونها تمتهن السياسة، وتعمل على تأمين أنشطتها وأهدافها من خلال العمل تحت واجهات وأغطية يصعب الفرز بينها وبين العمل «الجهادي».
أشارت هيئة الاستخبارات الألمانية إلى أن نفوذ تنظيم الإخوان المسلمين بدأ يتزايد في الكثير من الولايات الألمانية، وعمدت جماعة الإخوان منذ ظهورها بألمانيا إلى توسيع أنشطتها وتأسيس كيانات تابعة لها. وبعد أن كانت الاستخبارات الداخلية الألمانية، تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين بوصفها تنظيما معتدلا ينأى بنفسه عن العنف في التقارير السابقة، جاء في تقرير حماية الدستور في بافاريا خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2018 من جديد، أن جماعة الإخوان المسلمين، تطرح نفسها منظمة منفتحة تدعو إلى التسامح، وتبدي استعدادها للحوار، لكنها في الحقيقة تتستر لتحقيق أهدافها التي تتمحور حول أسلمة الشارع الألماني والأوروبي.
يعود تاريخ وجود الإخوان المسلمين في ألمانيا إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأسسوا أول تجمعين لهما في مدينة ميونيخ في ولاية بافاريا وآخر في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا.
وفي حديث حصري مع الصحافي عارف جابو المختص بالشأن الألماني، من مدينة بون الألمانية، ذكر أن هجرة جماعة الإخوان إلى ألمانيا، كانت في منتصف الخمسينات. وكانت الموجة الثانية قد وصلت إلى ألمانيا منتصف السبعينات، من سوريا، بعد ملاحقة نظام حافظ الأسد لهم. وتعقيبا على تعليق الأستاذ عارف جابو، تمركزت جماعة الإخوان القادمة من سوريا في مدينة «آخن» في مقاطعة «نوردويستفالن» شمال غربي ألمانيا عند الحدود الهولندية البلجيكية. وكان أبرز مقراتهم في مدينة «آخن» مسجد بلال، الذي يعتبر صرحا ضخما في المدينة.
واعتبرت البروفسورة زوزانة شروتر، من مركز الأبحاث الإسلامية في فرانكفورت «الإخوان المسلمين» أساتذة في التخفي، سواء على صعيد العمل التنظيمي أو الأهداف السياسية، وقالت الباحثة إنهم يصبحون أكثر صراحة في الحديث عن أهدافهم السرية كلما تعزز موقفهم السياسي، لكنهم يفضلون الظهور بمظهر المتسامح والمتفهم حينما يشعرون بأنفسهم ضعفاء أو أقلية ويستخدمون المشروعات الاقتصادية والاجتماعية بهدف التغلغل في المجتمعات والتأثير فيها. وأشارت إلى محاولات التقرب من الأحزاب والشخصيات السياسية الفاعلة في ألمانيا، وأضافت أنهم يحققون شيئا من النجاح في هذه المساعي.
وينبغي التنويه إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست محظورة في ألمانيا، ولكنها مصنفة على أنها جماعة متطرفة، تهدف إلى أسلمة المجتمع الألماني والأوروبي، وفقًا لتقرير فرع مكتب حماية الدستور في «سكسونيا» عن الإخوان.


تصنيف الإخوان جماعة إرهابية




تستند ألمانيا إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، بأنها جماعة متطرفة إلى ما يلي:
جماعة الإخوان المسلمين هي المصدر الرئيسي للآيديولوجيا المتطرفة المستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية.
كثير من كبار قادة تنظيم القاعدة، لا سيما أيمن الظواهري، ثم بعض قادة تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية هم من الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان المسلمين.
تاريخ جماعة الإخوان المسلمين مفعم بكثير من أعمال العنف والإرهاب، بما في ذلك حوادث الاغتيالات السياسية، ثم في الآونة الأخيرة، العمليات المناهضة للدولة في مصر.
يقول السياسي الفرنسي «أوليفي روا»: «دفعت العولمة بجميع مكونات الظاهرة الدينية إلى أقصى مدى، حيث لم يعد زوال الصفة الإقليمية يرتبط بانتقال الأشخاص فقط، بقدر ما بات يرتبط بانتقال الأفكار والمواد الثقافية»... ويمكن أن نجد النموذج الصارخ الذي يوضح بدقة ما ذهب إليه «أوليفي» [نموذج المسلمين في أوروبا بالنظر إلى فاعلية تيارات ومشاريع حركية إسلامية دعوية في صياغة جزء مهم من مخيالهم العام واستقطاب جزء من الشباب وشحنه بآيديولوجيا الكراهية والعنف وحشره في زاوية الأقليات حيث يتعمق الإحساس بأن المسلم لا يمكن أن يكون مواطنا أوروبيا].


كتاب «مسجد في ميونيخ» للكاتب إيان جونسون




الكتاب، يعتبر وثيقة، يمكن الرجوع إليها، لمعرفة أنشطة جماعة الإخوان في ألمانيا تحديدا، وعلاقة الجماعة مع أفراد وأحزاب سياسية وأمنية. الكتاب كشف تاريخ جماعة الإخوان في ألمانيا بالتفصيل ويركز على مرحلة انتقال القيادي الإخواني سعيد رمضان إلى ميونيخ عام 1958 بعد لقائه بأيزنهاور عام 1953. وينتقل الكاتب لمعركة بناء المسجد وتمويله (من قبل الولايات المتحدة) ونجاح الإخوان المسلمين في السيطرة عليه بشكل كامل لعقود مما أدى إلى طفرة في تنظيم الجماعة في جميع أنحاء أوروبا. ثم يتناول الكاتب علاقة القيادات الإخوانية المعروفة مثل غالب همت ويوسف ندا بالاستخبارات الأميركية حتى أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 حيث تم تجميد أرصدتهم كنوع من «الفعل للفعل» أملا في تهدئة الرأي العام.


أبرز القيادات الإخوانية




يعتبر مهدي عاكف ويوسف ندا من مؤسسي الجماعة في ألمانيا.
سعيد رمضان: يعتبر أحد الرواد الأوائل للإخوان المسلمين في ألمانيا، وكان سكرتيرًا شخصيًا لمؤسس الجماعة حسن البنا وصهره، وأسس في ألمانيا ما أصبحت واحدة من المنظمات الإسلامية الرئيسية في ألمانيا. وانتقل المرشد السابق للإخوان محمد مهدي عاكف بتكليف من مصطفى مشهور مرشد الجماعة في ذلك التوقيت، ليتولى المركز الإسلامي في ميونيخ. أما أبرز العناصر الإخوانية التي تنشط في الوقت الحاضر فهم: جمال حشمت وعمرو دراج ويحيى حامد ووليد شرابي.
علي غالب همت: هو الذي خلف سعيد رمضان في رئاسة التجمع الإسلامي في ألمانيا، وهو رجل أعمال سوري يحمل الجنسية الإيطالية، وخلال إدارته الطويلة للتجمع (1973-2002) تنقل همت بين إيطاليا والنمسا وألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة، وقد بحثت أجهزة الاستخبارات من كل دول العالم طويلاً في صلات همت بشبكات الإرهاب خاصة تنظيم القاعدة، باعتباره أحد مؤسسي بنك التقوى، الذي اعتبرته الولايات المتحدة أحد الأوعية التي مولت الإرهاب طويلا.
عصام العطار: اختاره الفرع المصري للإخوان في ميونيخ لكي يكون منطلقًا لعملياته في ألمانيا، بينما اختار الفرع السوري مدينة «آخن»، وهي مدينة ألمانية تقع قرب الحدود الهولندية، لتكون مقرًا له، وهي المدينة التي يسكنها الآن، عدد كبير من مسلمي سوريا، بينهم عائلة: «العطار» الإخوانية البارزة.
إبراهيم الزيات: وهو ابن لإمام مصري يخطب في مسجد «ماربورج»، وأم ألمانية ومتزوج من صبيحة أربكان بنت أخت نجم الدين أربكان، وقد خلف يوسف ندا أحد أهم العقول المالية المدبرة لجماعة الإخوان في رئاسة «التجمع الإسلامي في ألمانيا». وبعد وصول إبراهيم الزيات إلى رئاسة التجمع، أدرك أهمية التركيز على الشباب.
الباحث الألماني غيدو شتاينبرغ، يفصل في كتابه «الغرب والإخوان بعد ثورات الربيع العربي» للعلاقة بين الحكومات الألمانية وجماعة الإخوان المسلمين، بقوله إنها مرت بثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى: في أواخر الخمسينات وحتى عام 1979. واقتصرت فيها العلاقات الألمانية الإخوانية على الاتصالات السرية بين عناصر الجماعة وأجهزة الاستخبارات الألمانية.
المرحلة الثانية: منذ عام 1979 وحتى عام 2011. وفيها اكتسبت جماعة الإخوان اهتمامًا متزايدا من أجهزة الاستخبارات الألمانية، وزاد التعاون الاستخباراتي بصورة كبيرة بعد نشوب الثورة الإسلامية في إيران.
المرحلة الثالثة: مع بداية «ثورات الربيع العربي».


أبرز المراكز والجمعيات




التجمع الإسلامي في ألمانيا: يعتبر سعيد رمضان مؤسس التجمع عام 1958، وخلفه فيما بعد سمير الفالح. ويتخذ ميونيخ مقرا له، والتجمع عضو في المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، وكذلك اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا. ويرتيط بشبكة مع كثير من المراكز الإسلامية وأهمها في برلين، نورينبرغ، ماربورغ، فرانكفورت، شتوتغارت، كولن، ومونستر. كما يدير التجمع الكثير من المساجد والمدارس وينظم سنويا لقاء للمسلمين الألمان، وينشر التجمع مجلة «الإسلام» الدورية.
منظمة رؤيا: تضم أكبر عدد من قيادات الإخوان المسلمين وأعضائها، وصل عددهم إلى أربعين ألف عضو، وتعتبر أكبر منظمة إخوانية في ألمانيا. وأفاد الباحث في التطرف ريكاردو بارتزكي في ديسمبر (كانون الأول) 2017 أن «هناك فسادا كبيرا في ملف تمويل الجماعات الإسلامية المتطرفة، يجب وقف كل المتورطين في دعم الجماعات الإسلامية والإخوان وحجز حساباتهم البنكية».
منظمة المرأة المسلمة في ألمانيا: منظمة نسائية تترأسها القيادية الإخوانية رشيدة النقزي، وهي تونسية الأصل، ورئيسة قسم المرأة باتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وإحدى أهم القيادات النسائية في جماعة الإخوان المسلمين، وتقيم في مدينة بون الألمانية.
المجلس الإسلامي في برلين: أبرز قيادات المجلس هو خضر عبد المعطي؛ أحد أهم قيادات تنظيم الإخوان الدولي، ويحتل منصب، المنسق العام للمجلس الأوروبي للأئمة في أوروبا.
المركز الإسلامي في ميونيخ: يعتبر المركز، التنظيم المركزي لجماعة الإخوان في ألمانيا، واعتبر خبراء في الإسلام السياسي في عام 2017 أن الجماعة دأبت خلال تجاربها في أوروبا منذ الستينات والسبعينات من القرن الماضي على ملء الفراغ الذي تتركه جماعات أخرى، والتركيز على الخدمات الاجتماعية والدعوية لاستقطاب المسلمين، مع إقناع السلطات بأن نشاطها لا يتناقض مع ثقافة البلاد وقوانينها.
الجمعية الإسلامية الموجودة في ألمانيا: أبرز قيادات الجمعية الشيخ أحمد خليفة، وهو من أبرز القيادات الإخوانية في ألمانيا، ويعمل في مجال «الدعوة»، ترتبط الجمعية بالمركز الإسلامي للإخوان في مدينة، ميونيخ.
المجلس الأعلى للشباب المسلم: تنظيم شبابي وهو تابع للمركز الإسلامي في ميونيخ، يخضع لسيطرة جماعة الإخوان في ميونيخ.
المركز الثقافي للحوار: أنشئ عام 2004. ويقع في حي فيدينغ ببرلين، يسيطر عليه تنظيم الإخوان، أهم قياداته الإخوانية: فريد حيدر، ومحمد طه صبري، وخالد صديق، وإحدى أهم مهامه جذب واستقطاب الشباب الألماني والمهاجرين، وذلك عن طريق إنشاء مركز لتعلم اللغة الألمانية للآباء والأمهات المهاجرين، بالإضافة إلى الدروس الدينية وتعليم اللغة العربية إلى جانب بيع الكتب الإسلامية، وألقاء الخطب والمحاضرات.
مركز الرسالة: يتخذ من برلين مقرا له، تقع مسؤوليته تحت إشراف القيادي الإخواني جعفر عبد السلام، وهو مركز لتعليم اللغة العربية، ويعمل الإخوان من خلال هذا المركز على توسيع قاعدة التنظيم في ألمانيا وذلك عن طريق جذب شباب وأطفال الجاليات المسلمة.
الجمعية الثقافية ملتقى سكسونيا: تتخذ مدينة درسدن مقرا لها، استغلتها جماعة الإخوان المسلمين، لاستقطاب المسلمين الوافدين إلى ألمانيا كذلك اللاجئون، ولتوسيع هياكلها ونشر تصورها عن الإسلام السياسي.
وما يثبت تورط جماعة الإخوان المسلمين، باتخاذ المنظمات الثقافية والتربوية والاجتماعية غطاء لها، ذكر موقع «سيشسشيه تسايتونغ»، أن رئيس «ملتقي سكسونيا» الثقافي في درسدن، سعد الجزار، استخدم شعار جماعة الإخوان المسلمين عدة مرات كصورة شخصية له على موقع التواصل الاجتماعي ««فيسبوك»» وكشفت التقارير المعلوماتية أن الاستخبارات الداخلية الألمانية، لديها معلومات تؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين تقف خلف المنظمة.
بيت الثقافات المتعددة: مقره مدينة أولم؛ من أكبر المراكز الإسلامية العاملة في بافاريا، التي تصنفها دائرة حماية الدستور ضمن المنظمات المتشددة التي تعمل واجهة لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وسبق حظر نشاط «بيت الثقافات المتعددة» عام 2005.
ويقول الكولونيل تيم كولنز الخبير الإنجليزي في مكافحة الإرهاب: «إن الجماعة تحمل فكرًا متشددًا وداعمًا للإرهاب، وهو ما يجعلها ترى الغرب دار حرب كباقي التنظيمات الإرهابية، مستشهدًا في ذلك بخطب مشايخ الإخوان على المنابر.


تعداد الجماعة في ألمانيا




تشير التقديرات، غير رسمية، إلى أن عدد عناصر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا لا يقل عن (3000) عضو تحت اسم «رابطة المسلمين في ألمانيا» (IGD)، يروجون لدعوتهم وجماعتهم باعتبارها تجسد «الطريق الإسلامي الصائب» من وجهة نظرهم، ويستقبلون قيادات إخوانية عربية، ويعقدون اجتماعات معهم.
ولاحظ الخبراء المعنيون بالجماعات الإسلاموية خلال عام 2017 أن جمعيات مختلفة كانت عضوا تابعا للجمعيات والمراكز الإسلامية في أوروبا المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين بدأت تعلن انفصالها عن الجماعة وتنظيمها الدولي، لافتين إلى أن الهدف من ذلك هو التحسب لحظر جماعة الإخوان في عواصم أوروبية والولايات المتحدة.
وتاريخ تغلغل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في ألمانيا كان قد بدأ من مسجد ميونيخ الذي تم الإعلان عن إنشائه عام 1963 واستندت استراتيجية الإخوان في هذا التغلغل على ثلاث أدوات رئيسية وهي:
المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا.
المؤسسة الإسلامية لألمانيا حيث تتحكم في نحو (60) مركزا إسلاميا في أنحاء ألمانيا.
جمعية «ميللي غوروش» وهي أحد روافد الإخوان في إطار مشروع الإسلام السياسي التركي.
ورصدت هيئة حماية الدستور الألمانية خلال عام 2018 تزايدا ملحوظا في نفوذ جماعة الإخوان المسلمين داخل ولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، واستغلالها للكثير من المنظمات مثل الجمعية الثقافية «ملتقى سكسونيا»، وشراء العقارات بأموال طائلة لتوسيع هياكلها ونفوذها.
وفي ذات السياق أشار تقرير الأمن البافاري في يناير 2018 عن تقييم ومراجعة الأهداف الحقيقية لتنظيم الإخوان وأنصارها من «الجماعة الإسلامية»، التي لا تختلف في ألمانيا عن الأهداف التي رسمها حسن البنا، وهي تأسيس نظام إسلاموي بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين.
وقدر التقرير أعضاء وأنصار «الجماعة الإسلامية» في ألمانيا بنحو (3000)، يقيم أغلبهم في ولاية بافاريا، ويمتلك التنظيم شبكة من المنظمات التابعة له في معظم المدن الألمانية الكبيرة، إضافة إلى جمعيات أخرى تعمل واجهة للإخوان، كما تسعى جماعة الإخوان لتعزيز العلاقات بالجهات السياسية الألمانية المختلفة، ومع أصحاب القرار في ألمانيا، بهدف توسيع نفوذها.
وأفادت دراسة في فبراير (شباط) 2018 بالتعاون مع الاستخبارات الألمانية، أن جماعة الإخوان المسلمين هي تنظيم مخادع ومتطرف، يُظهر ما لا يبطن، ويقول علنًا ما يخالف إيمانه وعقيدته السرية، وأكدت الدراسة على أن السلطات الألمانية بدأت في مراجعة وتقييم أحوال وأنشطة جماعة الإخوان المسلمين ومصادر تمويلها.
وقد وضعت الاستخبارات الألمانية الداخلية «ملتقى سكسونيا» الثقافي في ولاية درسدن الألمانية تحت المراقبة، ويقول المتحدث باسم مكتب حماية الدستور في سكسونيا، مارتن دورنغ، إن المؤسسة تبدو مسالمة، ولكنها غير كذلك.


إجراءات الحكومة الألمانية ضد أنشطة الجماعة




ينشط الإخوان في الشبكات الاجتماعية في المدن الألمانية، وعلى الإنترنت، وقد حددت الاستخبارات الألمانية وجود نشاط الجماعة بين اللاجئين بحسب تعليمات سرية للتنظيم عبر تقديم المساعدات والمشاركة في الترجمة لهم أمام دوائر اللجوء والهجرة والسكن، بهدف توسيع نفوذ التنظيم، وتكشف تعليقاتهم على الإنترنت الترويج والدعم اللوجستي للجماعات المتطرفة الأخرى في دول المنطقة.
وبالعودة إلى تعليق الأستاذ عارف جابو، يقول: «إن هذه الجماعة تمكنت من ترتيب أوضاعها داخل ألمانيا وبناء شبكة علاقاتها التنظيمية داخل ألمانيا وخارجها». وأضاف أن الجماعة، تمثل خطرا لا يقل عن الجماعات التي التحقت بتنظيمات القاعدة وتنظيم داعش والنصرة. وأن جماعة الإخوان أيضا كان لها نشاط داخل موجات اللاجئين بحجة تقديم المساعدة في اللغة وغيرها من الأمور التي يحتاجها اللاجئون.
وقد أصدرت محكمة إدارية في ولاية هيسن الألمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 قرارا يقضي بمنع الحصول على الجنسية لشخص ثبتت صلته بجماعة الإخوان المسلمين، وبررت المحكمة ذلك بأن قيم هذا الشخص لا تنسجم مع الدستور الألماني والمبادئ الديمقراطية، ويعتبر هذا الحكم سابقة في ألمانيا، إذ إن جمعية الإخوان المسلمين غير محظورة وفق القانون الألماني.
وتعتبر دائرة الأمن البافارية من أكثرها حزمًا مع نشاط الإخوان المسلمين بالمقارنة مع الولايات الألمانية الأخرى، وسبق للولاية أن حظرت نشاط «بيت الثقافات المتعددة» الذي صنفته دائرة حماية الدستور ضمن المنظمات المتشددة، والمحسوبة على الإخوان المسلمين، في مدينة أولم سنة 2005. وحولته إلى بيت لإيواء المتشردين.
وأدركت الاستخبارات الألمانية خطر «مهادنة» جماعة الإخوان في ألمانيا، وعدم اتخاذ إجراءات شديدة ضد أنشطتهم ومقراتهم. من جانب آخر، فإن شهادات بعض المعنيين بالإسلام السياسي في ألمانيا، أكدت حصريا لمجلة «المجلة» أن الجماعة تسعى حاليا لجعل ألمانيا مركز أنشطتها في أوروبا، خاصة مع حرص تنظيم الإخوان على نقل قياداته ونشاطاته واستثماراته والهيكل الإداري لتنظيمه الدولي إلى مراكز أكثر أمنا، بعد الإجراءات المزمع اتخاذها ضد التنظيم في كثير من الدول الأوروبية.
وتعتبر الاستخبارات الداخلية أن الجماعات الإسلاموية تشكل خطرا على أمن ألمانيا، بينها جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن هذه الخطوة جاءت متأخرة خلال عام 2014، في أعقاب موجة الإرهاب التي ضربت ألمانيا وعواصم أوروبية.

ويجلس يوميا ممثلون عن 40 وكالة أمن مختلفة، من الدولة الاتحادية ومن مجالس الولايات في أحد المراكز لمكافحة الإرهاب GTAZ في برلين، بما في ذلك موظفو جميع دوائر هيئة حماية الدستور، والاستخبارات الألمانية الداخلية، وأقسام الاستخبارات الاتحادية BND، ودائرة مكافحة التجسس العسكري MAD، من أجل عرض التقارير والمعلومات، وهي بالغالب تتحدث عن أنشطة الجماعات الإسلاموية على مستوى العناصر الخطرة ومستوى الدعوة وتقديم الدعم اللوجستي للجماعات المسلحة المتطرفة في دول منطقة الشرق الأوسط.
ويعتبر مكتب المدعي العام الذي يرأسه بيتر فرانك من المؤسسات التي تكافح الإرهاب وتعمل على تجميع إجراءات قانونية ضد الإرهابيين في ألمانيا. واعترف فرانك في لقاء أجراه مع صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» بأنه يواجه «صعوبات في جمع الأدلة من سوريا أو العراق»، وقال فرانك: «نعتقد أن بعضا منهم، ملطخة أيديهم بالدماء، إلا أننا لا نستطيع إثبات ذلك في كثير من الأحيان».
تعمل ألمانيا بشكل جاد على تعزيز قدرتها الأمنية من خلال زيادة تسليح الشرطة، وإعادة تسليح الأجهزة الأمنية، مع استحداث جهاز لمكافحة الإرهاب، تحسبا لأي استهداف إرهابي. واعترفت الشرطة الألمانية بأنها تتعامل مع مقاتلين متمرسين على العمليات الإرهابية ويجيدون استخدام الأسلحة. ويتميز هؤلاء الإرهابيون بقدرتهم على التحرك وتنفيذ عمليات عدة في مواقع مختلفة في وقت واحد، وهذا التكتيك الذي ينتهجه الإرهابيون يشكل تحديا كبيرا أمام الشرطة.
وردا على سؤال: كيف تعاملت أجهزة الاستخبارات والحكومة الألمانية مع الجماعة؟ أجاب الصحافي المختص في الشأن الألماني من مدينة بون الألمانية، عارف جابو قائلا: «إن الاستخبارات الألمانية تعاملت مع الجماعات الإسلاموية ومن ضمنها جماعة الإخوان بشيء من (السذاجة) كونها لم تقدر الخطر الحقيقي لجماعة الإخوان».
واستدرك السيد جابو قائلا: «إنه رغم أن الاستخبارات الألمانية أدركت خطر الجماعة في أعقاب الضربات الإرهابية التي تعرضت لها ألمانيا خلال الأعوام الأخيرة ومنها العاصمة برلين، فإنها لم تتعامل مع القضية بشكل جاد».

ما زالت ألمانيا، تتعامل في موضوعات محاربة التطرف والإرهاب بحذر، وهناك انتقادات للحكومة الألمانية من قبل المعنيين في الإرهاب والتطرف، بأن هناك بيروقراطية في تعاملات ألمانيا مع الجماعات المتطرفة على أراضيها. وحتى الآن لم تطرح ألمانيا حلولا كاملة لمعالجة التطرف والإرهاب، والتي توصف بأنها نصف حلول. وهذا ربما يتعلق بطبيعة التركيبة السياسية الألمانية وربما تنطبق أيضا على الشخصية الألمانية، التي تأثرت كثيرا بالبيروقراطية بعد الحرب العالمية الثانية 1945.
رغم أن ألمانيا أدركت وبشكل متأخر، نتائج مهادنتها لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة على أراضيها، فهي تخشى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة حيث إن تصنيفها ضمن الجماعات المتطرفة، ربما يدفع الجماعة إلى استهداف المصالح الألمانية.

المشكلة الأكثر تعقيدا في ألمانيا، في محاربة الإرهاب والتطرف، أنها تنظر للقضية، من الناحية الجنائية، وليس من الناحية الآيديولوجية المتطرفة وتسييس الدين، وأسلمة المجتمع الألماني. والمشكلة الأخرى، التي تواجه الاستخبارات الألمانية هنا هي القضاء ونصوص الدستور. وهذا ما يدفع باللوم على المشرع الألماني ربما أكثر من أجهزة الأمن والاستخبارات التنفيذية.
يبقى تنامي جماعة الإخوان في ألمانيا تحديا أمام أجهزة الاستخبارات، بسبب اتخاذ الجماعة، واجهات وأغطية لعملها السري، مثل المدارس والجمعيات الثقافية ومساعدة اللاجئين، وهذا يصعب مهمة أجهزة الاستخبارات بالحصول على الشواهد والادلة. وبات متوقعا أن ألمانيا بسبب سياستها هذه، سوف تعاني أكثر من أنشطة جماعة الإخوان السرية، ومن المرجح أن تراهن جماعة الإخوان في أوروبا على وجودها في ألمانيا، ربما لأسباب تتعلق بسياسة ألمانيا المهادنة، ومواقف ألمانيا المترددة، غير الحازمة بتصنيف الجماعة منظمة إرهابية، أو على الأقل حظر أنشطتها وتحديد نشاط مقراتها في المدن الألمانية.
font change