لم تتخلف المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن موعد انطلاق موسمها المعهود منذ تأسيسها سنة 2015 والخاص بالعمل على ابتزاز معظم الدول العربية باسم حقوق الإنسان، مفتتحة إياه هذه السنة بالتركيز على ما سمته معاناة معتقلي الرأي في الإمارات العربية المتحدة.
في هذا الإطار بادرت المنظمة المذكورة، التي يقيم معظم القائمين عليها في لندن وعواصم غربية أخرى، بعيدا عن العالم العربي الذي يدعون الحديث باسم شعوبه، إلى تنظيم ندوة لهذا الموضوع عقدتها عن بعد يوم 23 سبتمبر (أيلول) 2022 بمشاركة سبعة متحدثين أغلبهم أجانب من بينهم شخص واحد يحمل الجنسية الإماراتية.
وفي الوقت الذي كان ينتظر أن يكون هدف الندوة هو القيام بتقييم موضوعي بلا مزايدات أو ترويج للمغالطات لوضعية حقوق الإنسان في الإمارات في مختلف أوجهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمقارنة بين الخطوات الإيجابية المتخذة في هذا المجال، وما يمكن اعتباره تراجعا إذا حدث في بعض الحقوق، اتضح أن الغاية التي كان يرومها المنظمون تكمن في تسليط الأضواء فقط على ما اعتبروه «تصرفات استبدادية» من شأنها إدانة السلطات الإماراتية الرسمية، وتشويه صورتها أمام الرأي العام الدولي.
لقد كان مستغربا أن يقتصر النقاش خلال أطوار الندوة حول ما سماه المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان المواطن العراقي الأصل خالد إبراهيم تصاعد انتهاكات الحريات العامة في الإمارات مثل حرية التعبير وحرية التجمع، فضلا عما ادعاه عن معاملة «السجناء السياسيين» في الإمارات بشكل أسوأ من معاملة المجرمين، وعن استمرار احتجاز بعض المعتقلين رغم انتهاء فترة الحكم التي أدينوا بها.
ولم تكتف الندوة بالتركيز على أن توجهها العام يتمثل في التهجم على السلطات الإماراتية وتصويرها كسلطات قمعية، وإنما بالسعي أيضا إلى البحث عن السبل الممكنة للضغط على هذه السلطات من أجل وقف ما تدعيه من تواصل معاناة «سجناء الرأي»، وتدارس كيفية تفعيل ما سمي الاستراتيجيات القانونية لمتابعة مسؤولين إماراتيين ضالعين حسب منظمي الندوة في تعذيب المعتقلين.
إن توجيه النقاش نحو تضخيم بعض المعطيات السلبية في مجال التعامل مع حقوق الإنسان والتي لا تخلو منها أي دولة في العالم كما اتضح ذلك من حادثة المواطن الأميركي جورج فلويد الذي قتله شرطي خنقا في ولاية مينيسوتا، ثم في اتجاه التركيز على حالات اعتقال فردية معزولة لا يمكن أن تعبر عن وجود سياسة رسمية يكشف بجلاء أن هدف القائمين على المنظمة المذكورة ليس الانتصار للحقوق الإنسانية كما يدعون أو حث السلطات الإماراتية وديا على إعادة النظر في ممارساتها وفي القوانين المنظمة لها.
فمن مجريات الندوة وتعمد عدم دعوة من يمثل وجهة النظر الإماراتية تأكد أنها جزء من حملة تحاول الضغط على السلطات الإماراتية لاعتبارات سياسية مرتبطة حسب مصادر أوروبية متابعة بالرغبة في تحجيم الأدوار الإماراتية النشطة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي التي حظيت دوما برعاية وعناية بريطانيتين فائقتين، فضلا عن إمكانية الابتزاز المادي أيضا.
وتماشيا مع نوايا الابتزاز المبيتة هذه تعمد منظمو الندوة إغفال الإشارة إلى التقارير الإيجابية لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي سجلت بتقدير لسلطات أبوظبي انتظام تقاريرها الوطنية حول هذا الموضوع منذ سنة 2008، وتجاوبها المتواصل إما عبر تقديم تعهدات طوعية أو تعديل نصوص قانونية من شأنها توسيع دائرة الحريات المدنية، وتعزيز مبادئ العدالة والمساواة وروح التسامح والتعايش ودعم جهود الإغاثة الدولية، ناهيك عن نجاعة سياساتها لتأمين كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها وللقاطنين فيها.
ومما لا شك فيه، فإن هذا الإصرار المقصود على رسم صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات مواطنا كان أم وافدا جعل المنظمين يسقطون في تناقض صارخ بدا جليا في الأرقام والمعلومات التي تعمدوا نشرها حول من سموهم سجناء الرأي. ففيما أشارت ديباجة تقديم الندوة إلى رصد 19 حالة لمعتقلين محرومين من حريتهم رغم انقضاء فترة سجنهم، رفع المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان الرقم إلى 48 حالة، كما بدا في حديث بعض المشاركين بنوع من التهكم حول أسلوب المناصحة الذي أثبت فعاليته في إعادة إدماج الكثير من الحالات في المجتمع وفي مختلف أنشطته.
وفيما يبدو، فإن التمادي في هذا الابتزاز المفضوح أنسى القائمين على المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا حقيقة مفادها أن أي دولة عربية لا تدعي أنها جنة لحقوق الإنسان، وأنها جميعا تؤكد دوما، وفي شتى المناسبات حرصها على الوفاء بتعهداتها الدولية والتزاماتها القانونية بغية تطوير هذه الحقوق على جميع الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبما يضمن المناصفة والمساواة بين الجنسين.
ورغم أن منظمي تلك الندوة وغيرهم من أعضاء منظمات دولية أخرى تدعي الاهتمام بحقوق الإنسان يدركون تماما أن في العالم العربي بكافة أطيافه، سلطات ومجتمعا مدنيا، وعيا كاملا بضرورة الإصلاح الشامل، الذي بات شرط وجود للبعض، وبأن أي تأخير في إنجازه سيرفع فاتورته أكثر من ذي قبل، إلا أنهم يتجاهلون ذلك، كما يغضون الطرف عن حقيقة مفادها أن لكل بلد عربي وتيرته الخاصة في كيفية تحقيق الإصلاح، التي يراعي فيها عدد سكانه، ومدى تعدد مكوناته الاجتماعية وتنوع انتماءاتها الدينية والعرقية، ناهيك عن مستوى اقتصاده، وأنه في ضوء ما يعرفه العالم من توترات وتناسل الأزمات، فإن الهاجس الطاغي حاليا هو تسريع الإصلاح الاقتصادي للانتقال من اقتصاد ريعي إلى آخر منتج يرفع النمو، ويعمم التنمية باعتبارهما ركيزة أساسية لأي إصلاح سياسي فعلي.