لعبة «الحوت الأزرق» تصل مصر وتثير الرعب

إدمانها يدق ناقوس الخطر... والبرلمان والأزهر يتدخلان

لعبة «الحوت الأزرق» تصل مصر وتثير الرعب



القاهرة: خالد أبو الروس


* الإعلام هو السبيل الوحيد، الذي يمكن أن يحاصر زحف «الحوت الأزرق»، رغم أن خطر اللعبة في مصر لم يتحول بعد إلى ظاهرة.
* خبير نفسي: اللافت للنظر هو ظهور مرض إدمان ألعاب الفيديو، وليس إدمان الإنترنت فقط.
* خبير أمني: على الأجهزة الأمنية التصدي لهذه الألعاب عن طريق غلق هذه المواقع ومتابعة كل من يحاول الدخول عليها عن طريق الأجهزة الحديثة.



حالة من الرعب أصابت كثيرا من المصريين بعد خبر وفاة نجل حمدي الفخراني نائب مجلس الشعب السابق، حيث وُجد في غرفته ميتا، وحوله كتابات ورموز تشير إلى أن لعبة الموت «الحوت الأزرق» هي السبب المباشر في ذلك، كما أشارت شقيقته ياسمين على صفحتها على «فيسبوك». وعلى أثر ذلك صدرت فتوى من مفتي مصر الدكتور شوقي علام تقول إن ممارسة هذه اللعبة حرام شرعًا، لكن الواقع يقول إن الأمر أخطر من ذلك بكثير.
هذا الموضوع دفع مجلس النواب المصري لدراسة إدراج لعبة «الحوت الأزرق» القاتلة، ضمن الجرائم الإلكترونية، حرصا على الأمن القومي المصري، وحماية لأرواح الأطفال والمراهقين، الذين يمارسون اللعبة بدافع الفضول ويدفعون حياتهم ثمنا من خلال مشروع قانون يناقش حاليا، ويتضمن مشروع القانون 45 مادة، و4 أبواب، وسيتم إضافة جميع الألعاب الإلكترونية القاتلة ضمن الجرائم المقررة في القانون، وأنه سيتم إدراج عقوبات الحبس والغرامة للمخالفين، ومن يمارس اللعبة أو من يقوم بإدخالها ضمن التطبيقات الإلكترونية في مصر.

[caption id="attachment_55265245" align="alignleft" width="300"]حسام سويلم حسام سويلم[/caption]

ومن أبرز مواد القانون تلك التي تنص على الحبس 3 سنوات وغرامة لا تتجاوز مليوني جنيه لكل مزود خدمة امتنع عن تنفيذ قرار محكمة الجنايات بحجب أحد المواقع أو الروابط، وتكون العقوبة السجن المؤبد أو الإعدام إذا ترتب على الامتناع عن التنفيذ وفاة مواطنين أو الإضرار بالأمن القومي.
ومن آخر الوقائع ما تلقاه اللواء مصطفى النمر مدير أمن الإسكندرية، من إخطار بوصول «ي ا د»، طالبه بالمرحلة الإعدادية وتبلغ من العمر 15 عاما، لمستشفى الجمهورية العام، مصابة بحالة إعياء شديد.
وأثناء الكشف على المصابة تلاحظ للطبيبة المعالجة رئيس قسم السموم بالمستشفي الرئيسي الجامعي، وجود وشم عبارة عن حرف p على الساق اليسرى للمصابة، وقيامها بالإفصاح للطبيبة بأنها كانت تمارس لعبة «الحوت الأزرق» عبر الإنترنت والتي تتضمن في مراحلها رسم وشم حرف p «رمز اللعبة» على الساق اليسرى، وقيامها بتناول مبيد حشري. إلا أن المصابة أنكرت بعد ذلك ما سبق وذكرته للطبيبة، فتقرر إحالة الأمر للنيابة، وتكليف إدارة البحث الجنائي بالتحري حول الواقعة.


شروط المشاركة في اللعبة



ومن جانبه حدد عبد العزيز سيد، طالب في المرحلة الثانوية، شروط الانضمام لفريق لعبة «الحوت الأزرق» كما عرفها من الفيديو المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلا: «هناك شروط لكي تشارك في اللعبة ولكي تستمر فيها ومن أهمها الاستيقاظ مبكرا وفي ساعة محددة لمشاهدة مقطع موسيقي غريب يكون تأثير هذا الفيديو هو دخول اللاعب في حالة نفسية بخلاف ما كان عليها، ثم القيام بعمل جروح طولية في ذراع المشارك، بعدها يقوم برسم حوت على قطعة من الورق، وكتابة كلمة «نعم» على ساقه، ثم تأتي المهمة الصعبة، وهي وصول رسالة للشخص مكتوب بها التعليمات السرية، حيث يتم قراءة الرسالة وحفرها على ذراع اللاعب، في نفس الوقت عدم التحدث والصمت المستمر طوال يوم، بعدها تتم تلاوة قسم «الحوت الأزرق». ومن هنا يكون اللاعب قد أصبح ضمن الفريق.

[caption id="attachment_55265253" align="alignright" width="181"]رجب بدوي رجب بدوي[/caption]

ويضيف عبد العزيز سيد: «حينما يصل اللاعب إلى المهمة الخمسين والتي في غالب الأمر تكون تكليفا لا يستطيع أحد التغلب عليه، يطلب قائد اللعبة من اللاعب الانتحار نتيجة لفشله، بطريقة القفز من النافذة، أو بأي وسيلة للتخلص من الحياة، وإذا رفض اللاعب تنفيذ الأمر يتم تهديده، بما تم الحصول عليه من معلومات من خلال اختراق جهازه الخاص وغالبا تكون هذه المعلومات تخص أسرته أو فيديوهات مخلة، الأمر الذي يجعل الشخص يُقبل على الانتحار.
ويكشف عبد العزيز عن أن سبب إقبال من في سنه على هذه الألعاب، للآن، أن لديهم حبا للاستطلاع، لذلك يقوم المراهقون بالدخول والمشاركة في اللعبة القاتلة، والتي تسببت في انتحار شاب من مصر في الآونة الأخيرة، لذلك... يقول: «أطالب بحذف هذه اللعبة من شبكة التواصل في مصر والعالم العربي».

التحذير من الخطر



كشف رجب بدوي، الناقد الفني، عن حالة الذعر التي أصابت المصريين بعد علمهم بلعبة الحوت الأزرق وأنها تسببت في وفاة عدد من المراهقين في العالم ووصلت إلى مصر بعد انتحار أحد الشباب، الأمر الذي يتطلب مواجهة هذا الخطر القادم عن طريق شبكة التواصل الاجتماعي، ولا بد من قيام وسائل الإعلام العمومي بدورها الأساسي في توعية المجتمع، عبر حملات توعوية، تصل إلى الكبار، والصغار، وتنبههم إلى الخطر، الذي يمكن أن تمثله لعبة إلكترونية، لم يعد أحد في منأى عنها.
وأوضح بدوي أن الإعلام هو السبيل الوحيد، الذي يمكن أن يحاصر به خطر زحف «الحوت الأزرق»، على الرغم من أن خطر اللعبة في مصر لا يزال مقتصرا على حالات شاذة، ولم يتحول بعد إلى ظاهرة، إلا أن وجودها في الإنترنت، وعدم إمكانية محاصرتها بالحجب، والمنع، يجعل المسؤولية على عاتق القائمين على وسائل التوعية أكبر.



الدولارات وتنوع فئات الألعاب



من جانبه يقول ياسين غلاب، صحافي متخصص في شؤون تكنولوجيا الاتصالات: «ظهرت في الآونة الأخيرة لعبة جديدة من ألعاب الفضاء المميت، تسمى الحوت الأزرق، مارسها مئات وربما آلاف الشباب حول العالم ومن بينها مصر والسعودية والجزائر، وقد أقدم في أوائل شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في مصر عاطل على قتل والده بسبب ممارسته للعبة الحوت الأزرق».
وبدأت ممارسة هذه اللعبة في روسيا على يد أحد المطورين يدعى فيليب بوديكين في عام 2013 وتسببت في أول واقعة انتحار عام 2015، وحصدت هذه اللعبة تحديدًا زخما إعلاميا غير مسبوق ربما لأنها أوقعت بعدد من الضحايا في عالمنا العربي لكن الحقيقة أنها مجرد لعبة من آلاف الألعاب التي تستقطب فئات كثيرة أكثر أعضاؤها من فئتي الأطفال والشباب.

[caption id="attachment_55265248" align="alignleft" width="299"]شوقي علام شوقي علام[/caption]

وصناعة ألعاب الفيديو صناعة ضخمة تستثمر فيها مئات المليارات من الدولارات وتتنوع فئات الألعاب فيها، فمنها فئة الألعاب المميتة والتي تنتمي لها لعبة الحوت الأزرق ويطلق عليها Dead space games أو visceral games ومنها فئات أخرى تستهدف أغراضا أخرى مثل جذب الإعلانات أو جمع البيانات كألعاب التجسس وتتسع أغراض هذه الصناعة باتساع الفضاء الإلكتروني ذاته، أن هذه الألعاب تطورت منذ 2008 تقريبا بواسطة إحدى الشركات التابعة لشركة إلكترونيك آراتس، إحدى أكبر الشركات الأميركية لصناعة ألعاب الفيديو لاستخدامها على أنظمة تشغيل الويندوز وأجهزة البلاي ستيشن والإكسبوكس 360. ومنذ يومها والمجال متسع للآلاف في تطوير مختلف هذه الألعاب وغيرها.

وأكد غلاب أن اللافت للنظر والذي يستدعي من علماء النفس والاجتماع بحوثا مستفيضة لعلاج هذه الظاهرة، التي أصبحت لا تفرق بين فئات المستخدمين لهذه الألعاب، وأصبح خطرها يزداد يوما بعد يوم، هو ظهور مرض إدمان ألعاب الفيديو، وليس إدمان الإنترنت فقط والذي يعرف بأنه إدمان سلوكي ناتج عن الاستخدام المكثف لهذه الألعاب، والذي يتداخل مع حياة المستخدمين الشخصية، وآثاره متعددة تتنوع ما بين أمراض التوحد والعزلة الاجتماعية وتقلب المزاج وضيق الخيال إلى الانتحار والإيذاء البدني والنفسي للغير، كما رأينا في لعبة الحوت الأزرق، للمستوى الذي جعل الجمعية النفسية الأميركية في مايو (أيار) 2013 تحدد شروطا وأوصافا لإدمان ألعاب الفيديو في نسختها الخامسة تحت اسم الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، وتخصص قسما خاصا للاضطرابات العقلية الناتجة عن إدمان ألعاب الإنترنت.

[caption id="attachment_55265249" align="alignright" width="300"] عبد العزيز سيد عبد العزيز سيد[/caption]

انتشار في أكثر من 60 دولة



يضيف غلاب أن عدد ضحايا لعبة الحوت الأزرق والذين تم توثيقهم وصل إلى أكثر من 130 حالة وفاة لأشخاص أقدموا على الانتحار مما دفع السلطات الروسية إلى القبض على مطور هذه اللعبة لكنها ما زالت منتشرة في أكثر من 60 دولة حسب موقع جريدة «مترو» البريطانية، وقد دفع هذا العدد الضخم من الضحايا أليكسي موشكوف رئيس وحدة مكافحة جرائم الكومبيوتر في وزارة الداخلية الروسية إلى التحذير من أنه تم اكتشاف 1339 مجموعة انتحار على الإنترنت ووصل عدد أعضائها إلى 12 ألف شخص. ومن بين أحدث ضحايا لعبة الموت هذه فتاة لم تتجاوز من العمر 12 عامًا إذ كتبت: «أنا ستازيا كيسلوك الأوكرانية تبحث عن وسيلة للانتحار على الإنترنت بعد أن تركتها والدتها للعمل في بولندا وعاشت مع جدها وجدتها حتى وجدت في هذه اللعبة ضالتها».

أما الدكتورة وفاء محمد فتحي أستاذ علم النفس ووكيل كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر بالقاهرة، فقد أشارت إلى انتشار لعبة «الحوت الأزرق» بين الأطفال والمراهقين في مختلف أنحاء العالم التي تبدو مثل لعبة بسيطة ولكن للأسف اللعبة تستخدم أساليب نفسية معقدة للتأثير على الحالة النفسية، فتضر بالحالة النفسية والاجتماعية وتحرض على الانتحار وقتل النفس وتأخذ اللعبة اسمها من ظاهرة انتحار الحيتان الزرقاء، واللعبة تستهدف فئة عمرية محددة وهي سن المراهقة، نتيجة لغيب الدور الرقابي للأسرة، وهذا السن تكون نسبة الفضول فيه مرتفعة لاستكشاف مثل هذه الألعاب.

ضرورة المتابعة المستمرة



أكدت أستاذة علم النفس على ضرورة المتابعة المستمرة من الأسرة للأبناء وخصوصا ما يتصل بالألعاب على شبكة الإنترنت، مع الاقتراب من الأبناء في هذه السن بالذات، في نفس الوقت لا بد من تنشئه اجتماعية سليمة خصوصا في السنوات الأولى للأطفال وتحديد السلوك السليم، لتكوين شخصية واعية لديها الثقة في النفس، حتى يستطيع التغلب على هذه الأمور، مع تعليمه كيف يتعامل مع المشاكل التي تواجهه وتفنيدها، خصوصا أن في مثل هذه الألعاب يتم تهديد المراهق، من هنا يمكن الوقاية من مثل هذه الألعاب.

[caption id="attachment_55265250" align="alignleft" width="300"]فيليب بوديكين فيليب بوديكين[/caption]

ومن جانبه قال محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية بالقاهرة، إنه كان للإعلام دور إيجابي في إلقاء الضوء على خطورة هذه اللعبة، وحذر من خطورتها على الشباب، حتى قبل وقوع حادثة الانتحار، ولا بد أن يستمر الإعلام في مواجهة هذه الظواهر التي تأتي من الغرب، لتوعية أولياء الأمور كيفية متابعة الأبناء فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبتهم، وذلك عن طريق رسم خريطة محدده من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية وأيضا عن طريق الصحف، لأن ما يحدث في مجتمعنا أمر خطير للغاية، وهو ترك الأبناء أمام الإنترنت.

وأكد شومان على ضرورة قيام المؤسسة التعليمية سواء كانت مدرسة أو جامعة، في المجتمعات العربية بدورها في مواجهات هذه الألعاب، وأنه لا بد من فرض مقرر على الطلاب في مراحل التعليم المختلفة يطلق عليه مادة «التعامل مع الإعلام» بكافة الوسائل بداية من الفضائيات نهاية بمواقع التواصل الاجتماعي، لكي يتعاملوا مع النص الإعلامي الذي يقدم لهم من وسائل الإعلام.
وقال: إن مؤسسة اليونيسكو لها توصيات في هذا الشأن، والتي أكدت على ضرورة أن لا يتعامل الشخص مع النصوص الإعلامية المقدمة له بشكل تقليدي، ولكن عليه معرفة كيفية التعامل مع النص. وطالب شومان كافة الدول العربية بضرورة عمل مشروع قومي لتوعية المواطنين بكيفية التعامل مع الإعلام التقليدي بصفة عامة والإعلام في وسائل الإنترنت بصفة خاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ويكون له أهمية خاصة لمواجهة مثل هذه الألعاب، مع ضرورة قيام الدول العربية بحجب كافة مواقع الألعاب التي ترسخ للعنف.
[caption id="attachment_55265251" align="alignright" width="300"]محمد شومان محمد شومان[/caption]

الكشف عن قصة أي منتحر



اللواء حسام سويلم الخبير الأمني طالب الحكومة المصرية بصفة خاص بضرورة الكشف عن قصة أي شاب يقوم بالانتحار من خلال لعبة «الحوت الأزرق» دون تجاهل أي واقعة في حياة هذا الشخص لتوعية الشباب بخطر هذه الألعاب، والتركيز على أن مثل هذه الألعاب تكون نهايتها الانتحار، ومن ثم يتم تراجع الشباب عن هذه الألعاب، مع الكشف عن خطوات هذه اللعبة وإلقاء الضوء على طريقة التجنيد للدخول فيها. وأضاف: «نحن لدينا الكثير من الساعات الإعلامية التي لا تستغل، ولا بد من توجيهها للتصدي لمثل هذا الخطر».

وأضاف سويلم أن إلقاء الضوء على لعبة «الحوت الأزرق» وتشريحها مثلها مثل أي قضية يتم التصدي لها أمر ضروري، وعلى الأجهزة الأمنية التصدي لهذه الألعاب عن طريق غلق هذه المواقع ومتابعة كل من يحاول الدخول عليها عن طريق الأجهزة الحديثة.



font change