جدة: عند تصميم تجارب السفر ورحلات المسافرين عبر المنافذ الجويّة، والبريّة والبحريّة، أي منذ أخذ بطاقة الصعود إلى وسيلة النقل وحتى لحظة المغادرة، يؤخذ في الحسبان ضمان مرور المسافرين على أكبر قدر من متاجر الصرافة والبضائع الفاخرة والمطاعم والمقاهي، عبر وسائل متعدّدة تشمل إبعاد بوّابات المغادرة لتطويل وقت المشي قبل الوصول إليها والعرض المغري لمتاجر التجزئة والأناقة المفرطة للبائعين والبائعات، إلى جانب دعوات تجربة العطور والمشروبات وعرض الهدايا. وقد يعرض المسافرون عن الشراء، ومنهم من يريد أن يتخلّص من فائض مصروف الرحلة (إن وُجد) أو يتذكّر أنه لم يحضر هديّة لأحد الأصدقاء، وهناك من لا يقاوم رائحة الطبخ، فيستغني عن وجبة الطائرة!
والأهم، من ناحية عميل الأسواق الحرّة، أن البضائع أصليّة 100 في المائة، فلا مجال لتقليد الدرجة الأولى أو الثانية، كما أن الأسعار تنافسيّة بشكل عام، وليس بالضرورة لكلّ شيء! المثير للاهتمام أن الحجم الإجمالي لمبيعات الأسواق الحرّة بلغ 55.33 مليار دولار عام 2021، وذلك وفقاً لموقع statista.com الإحصائي.
هذا الرقم من الدولارات بالذات، هو ما أثار اهتمام صانع القرار السعوديّ. فالسعوديّة تملك البنية التحتية الحاضرة لتوسيع نشاط الأسواق الحرة في المطارات وعلى متن شركات الخطوط الجويّة الوطنيّة، إلى جانب التطوّر الملحوظ على المنافذ البرّيّة والجوّيّة.
الفرصة الضائعة!
لا تعرف إدارة السعوديّة الجديدة مبدأ «الفرص الضائعة». لذا، تحرص على البحث وبناء تصوّرات لما يمكن إتاحته في البلاد والاستثمار فيه وتوسيع نشاطه، وذلك من أجل توفير المزيد من الخيارات وتوفير فرص العمل واستثمار الأموال بعد إصدار التشريعات اللازمة.
ليست الأسواق الحرّة غريبة على المسافرين عبر المطارات السعوديّة والخطوط الجويّة العربيّة السعوديّة؛ فالأسواق الحرّة موجودة منذ عقود، لكنها لم تأخذ المدى اللازم كتجربة مميّزة. ولا تركّز رحلة أو تجربة العميل داخل تلك المطارات بالشكل الكافي على استقطاب العملاء المسافرين.
الجديد في الأمر هو ما أعلنته وكالة الأنباء السعوديّة منذ نحو شهر أن مجلس الوزراء السعوديّ وافق على إنشاء أسواق حرّة- بحسب الحاجة- في المنافذ الجويّة والبحريّة والبرية، والسماح بالبيع فيها للمسافرين القادمين إلى المملكة والمغادرين منها.
تعريف السوق الحرّة
هي منطقة تضمّ مجموعة من متاجر التجزئة وملحقاتها، التي تبيع السلع معفاة من رسوم الاستيراد والمبيعات والضرائب، للمسافرين الأفراد بكميّات محدّدة (لسلع مختارة) عبر منافذ السفر المختلفة؛ دون دفع ضرائب أثناء الدخول أو الخروج. ولا يقتصر الأمر على تلك المتاجر، فالسفن والطائرات نقطة تواجد أساسيّة للسوق الحرة.
إنها وسيلة لتنشيط صناعة الاستيراد وإعادة التصدير بالاعتماد على إنفاق المسافرين. كما أن إعفاء البضائع من الرسوم والضرائب، يمنحها ميزة سعريّة تنافسيّة.
تستفيد الدول والشركات المالكة للمطارات من رسوم تأجير المساحات ومصاريف الطاقة وزيادة الكتلة النقديّة بالعملة الأجنبيّة. كما أن السمعة الحسنة للأسواق الحرة، ترفع القيمة المعنوية لمنفذ السفر أو الخطوط الجويّة أو السفينة، حيث إن جزءاً من المسافرين، يفضّل أسواقاً حرّة عن غيرها، ويختار منفذ السفر أو وسيلته، بناءً على ذلك. ويكون الأمر أكثر مشاهدة في رحلات الترانزيت. فالمسافر من جدّة إلى بانكوك، مثلاً، لديه 10 خيارات من رحلات الترانزيت على الأقل، لكن عوامل مثل وقت الانتظار وجودة السوق الحرّة ونوع الطائرة، يضعها المسافر في اعتباره عند اختيار الوجهة.
منافذ واعدة
يصل عدد المنافذ البريّة والبحريّة والجويّة السعوديّة، إلى أكثر بقليل من 30 منفذاً، وذلك بحسب المواقع الحكومية السعوديّة، إلى جانب وجود 3 شركات طيران وطنيّة، ستنضم إليها خطوط جويّة عملاقة قريباً، وكذلك وجود سفن سياحية من الحجم الكبير.
وبحسب حديث قصير مع أحد العاملين المخضرمين في إحدى الأسواق الحرّة السعوديّة، فإن المنافذ الجويّة هي الأكثر نشاطاً وقابليّة لتطوير الأسواق الحرّة وتليها المنافذ البريّة والبحريّة. أمّا السبب، فيعود إلى أن المسافر البرّي أو البحريّ لغير أغراض الاستجمام والترفيه، يكون أقل إنفاقاً من نظيره المسافر الجويّ.
كما أن المطارات ذات الطابع المحلّي في المدن الصغيرة أقل قابليّة لاستضافة الأسواق الحرّة. لذا يكون التركيز غالباً على المطارات الدوليّة فيما يخص تطوير الأسواق الحرّة.
ولا يتم استحصال ضرائب على مشتريات الأسواق الحرّة في بلد الوصول؛ لأنّها تكون ذات طابع شخصيّ، وليست بكميّات تجاريّة، لكن دولاً كثيرة تفرض كمية معيّنة معفاة من البضائع. فمثلاً، لا تسمح سنغافوره بدخول منتجات التبغ أياً كانت، فيما تسمح السعوديّة بإدخال 200 سيجارة (10 علب)، وما زاد عن ذلك، فهو عرضة للضريبة أو المصادرة في حال عدم رغبة المشتري في دفع الجمارك والرسوم والضرائب.
المنافسة والسياح
ترحّب السعوديّة وجاراتها الخليجيّة بالمنافسة. ولطالما كانت تلك المنافسة مصدر الابتكار والإبداع في تقديم خدمات الأسواق الحرّة وغيرها، وتحسين شروط تجربة العميل والتفاني في تطوير الخدمات.
تمتاز السعودية بقدرة على اجتذاب السيّاح الدينيّين، وهم غير السيّاح الترفيهيّين أو الثقافيّين، الذي فتحت الأبواب لهم في الأعوام الأربعة الأخيرة، وهو ما يضيف ميزة تنافسيّة، غير متوفّرة لدى باقي دول الإقليم. ويعد السيّاح الدينيّون من الحجاج والمعتمرين عملاء أقوياء ومحتملين للأسواق الحرّة السعودية. كما أنّهم موجودون طوال العام، بفضل تعدد مواسم العمرة.
ليس معلوماً حجم الإنفاق المحتمل، فنحن بانتظار الإحصائيّات، التي تفصّل ذلك في التقارير الحكوميّة أو الخاصّة، بعد تجربة إنعاش الأسواق الحرّة السعوديّة وتطويرها.
وكما يمكن استشفافه من القرارات الحكوميّة المتسارعة أن صانع القرار السعوديّ، يريد للمملكة أن تكون قبلة للتسوّق في الأسواق الحرّة، وبخاصة مع توسع صناعة السفر السعوديّة بشكل غير مسبوق في السنوات الماضية، إلى جانب ما يرتقب من نموّ في السنوات المقبلة.
تاريخ الأسواق الحرّة
تأسست أوّل سوق حرة في المطارات عام 1959 في مطار شانون الأيرلندي عبر مجموعة مطارات شانون. وانتقلت عدوى الأسواق الحرّة بالتدريج إلى المطارات أوّلاً، ثم إلى بقيّة منافذ السفر.
وقد خاطبت الشركة الحكومة بشأن إنشاء منطقة خاصة ضمن مبنى المطار، تتمتّع بإعفاءات ضريبيّة، تفيد في تنشيط حركة التجارة في مبنى المطار، فلا يقتصر استخدامه على تسيير الرحلات، بل تجاوز ذلك نحو تحوّل المنفذ الجوّي إلى مكان للترفيه والتسوّق وقضاء وقت ممتع!