باكو: كتاب أممي جديد حمل عنوان «مسح الحكومة الإلكترونية 2022» صادر عن دائرة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الثامن والعشرين من سبتمبر (أيلول) 2022، أظهر ريادة عالمية للمملكة العربية السعودية بتصنيفها في أعلى المؤشر العالمي لتنمية الحكومة الإلكترونية بترتيب 31 من بين 193 دولة شملها المسح الجديد، كما صنفت مدينة الرياض في أعلى مؤشر عالمي للمدن حول نوعية الخدمة المحلية عبر الإنترنت، وهو ما يعكس حجم الجهود المبذولة من جانب المملكة في مجال التحول الرقمي. وجدير بالإشارة أن هذا المسح يقوم بتقييم تطور الحكومة الرقمية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وفقاً لمؤشر كمي مركب يسمى EGDI (مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية)، والذي يعتمد بدوره على ثلاثة مؤشرات فرعية مركبة، هي: مؤشر الخدمة عبر الإنترنت، مؤشر البنية التحتية للاتصالات، مؤشر رأس المال البشري. وفقا لهذا المسح، يتم تصنيف الدول الأعضاء ضمن 4 مجموعات رئيسية لمؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية، هي: عالٍ جداً، عالٍ، متوسط، منخفض.
في ضوء ذلك، يستعرض التقرير الريادة السعودية في مجال التحول الرقمي من خلال محورين:
رؤية تنموية وجهود مستمرة
رؤية تنموية... مملكة 2030... ريادة طموحة لمستقبل واعد، هذه هي مسارات عمل المملكة العربية السعودية تحت قيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولى عهده رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، إذ سعت من خلال رؤيتها التطويرية إلى إعادة صياغة المجتمع السعودي بأفراده ومؤسساته للانطلاق إلى بناء المستقبل، استنادا إلى مرتكزات قوية، في مقدمتها القدرة على التعامل باحترافية مع متطلبات العصر وأسسه الرئيسية، وفي مقدمتها نجاح عملية التحول الرقمي، بما ينهض بمستوى الخدمات المقدمة من ناحية، ويحفز الاستثمار والابتكار من ناحية أخرى، ليصب كل ذلك في تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة برؤيتها الوطنية وأبعادها الدولية، وهو ما دفع المملكة لوضع العديد من الاستراتيجيات الوطنية في هذا الخصوص، كان آخرها إطلاق الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي من قبل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) والتي حملت رؤية سعت إلى جعل أفضل ما في البيانات والذكاء الاصطناعي واقعا عمليا لتطوير وخلق وتبني تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعى في كافة مناطق المملكة، مع العمل على التطبيق المبتكر والمستدام والعملي والأخلاقي للبيانات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب ترسيخ مرتكزات منظومة اقتصادية جاذبة وبنية تحتية بمستوى عالمي، ومبادرات مدعومة حكوميا.
وفي هذا الخصوص، أطلقت الهيئة ما سمته «أكاديمية سدايا» وهي إحدى المبادرات الهادفة إلى دعم وتطوير الكفاءات الوطنية العاملة في القطاعين الحكومي والخاص عن طريق تنفيذ عديد البرامج والأنشطة الواعدة والمتنوعة بالتعاون مع الجهات المحلية والعالمية الرائدة في مجالي البيانات والذكاء الاصطناعي لبناء القدرات والكفاءات المناسبة لسوق العمل، بما يسهم في دعم مسيرة التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، كون أن 70 في المائة من المؤسسات ستستخدم البنية التحتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2024 على حد قول رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي الدكتور عبد الله بن شرف الغامدي بأن ثمة أهمية للعمل على «تطوير الكفاءات الوطنية في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي، حيث يعد ذلك عنصرًا أساسيًا لدعم وسد احتياجات هذا القطاع الحيوي والمهم».
الدور العالمي في التحول الرقمي
ليست مبالغة القول إن ما حققته المملكة العربية السعودية من ريادة عالمية في مجال التحول الرقمي لم يكن راجعا فقط للجهود المبذولة على المستوى الوطني، وإنما كان للمملكة جهد متميز على المستوى الدولي، حينما أطلقت في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 المنظمة الدولية للتعاون الرقمي، والتي ضمت وقت تأسيسها كلا من الأردن والكويت والبحرين وباكستان ليسجل عدد أعضائها اليوم (11) دولة وفي طريقها لضم أعضاء جدد. وتتخذ المنظمة من العاصمة السعودية الرياض مقرا لها، وتهدف إلى تمكين الازدهار الرقمي للجميع، من خلال مبادرات تسعى لتطوير السياسات، وإرساء أفضل الممارسات التي يمكن للدول الأعضاء تطبيقها على برامجها الخاصة، بهدف إنشاء اقتصادات رقمية عادلة ومستدامة تُمكّن مواطنيها.
وقد أصدرت المنظمة العدد الأول من تقريرها المعنون بـ«الازدهار الرقمي»، بهدف تسليط الضوء على بعض القضايا الأكثر إلحاحا لتنمية الاقتصاد الرقمي، ومبادرات وبرامج منظمة التعاون الرقمي التي تدعم الدول الأعضاء لتطوير اقتصاداتها الرقمية.
وقد حظيت هذه المنظمة بإشادات دولية عديدة، كان آخرها ما ذكرته ماريا فرانشيسكا سباتوليسانو الأمينة العامة المساعدة لتنسيق السياسات والشؤون المشتركة بين الوكالات في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، بأن: «هناك منظمة التعاون الرقمي التي أطلقتها وتقودها المملكة العربية السعودية، وهي تضم الآن مجموعة من الدول. وهذه منظمة لديها بالفعل إمكانية بناء القدرات بشكل أساسي، ولدينا اتصالات منتظمة معهم، لذلك هناك تبادل».
وغني عن القول إن التقرير الأممي السابق الإشارة إليه والذي وضع المملكة في مكانتها الريادية في مجال التحول الرقمي لم يكن الأول من نوعه، بل سبقته عديد التقارير الصادرة عن منظمات وشركات دولية وإقليمية، من أبرزها ما حققته المملكة من ريادة في مجال توفر الخدمات الرقمية وتطورها طبقا لمؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقالة الصادر من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في فبراير (شباط) 2022، حيث يقيس المؤشر مدى نضج الخدمات الحكومية المقدمة عبر البوابات الإلكترونية والتطبيقات الذكية، ويركز على 84 خدمة حكومية ضرورية سواء للأفراد أو للأعمال في قطاعات متنوعة أهمها التعليم والعدل والمال والأعمال والسياحة والصحة والداخلية والإسكان والشؤون البلدية والعمل والشؤون الاجتماعية والبيئة. وفي السياق ذاته، جاء التقرير الصادر في منتصف عام 2022 عن شركة «دل تكنولوجيز» العاملة في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، والمعنون بـ«التحول الرقمي» ليؤكد على ما حققته المملكة من نجاحات في هذا الخصوص، إذ أشار نائب الرئيس الأول للشركة محمد أمين بأن: «التحول الرقمي السعودي سجل نموا متصاعدا تخطى به المعدل العالمي، إذ سرعت 90 في المائة من المؤسسات في السعودية خلال العام الماضي (2021) من إنجاز بعض برامج التحول الرقمي، مقارنة مع المعدل العالمي الذي يبلغ 80 في المائة، وهو ما يشير إلى أن المؤسسات في جميع أنحاء المنطقة قد سرعت من تنفيذ برامجها للتحول الرقمي». كما أظهر تقرير المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي الصادر عن الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمي لعام 2022، بأن: «المملكة قد صعدت خلال الفترة ما بين العام (2020-2022) من المركز الرابع إلى المركز الثاني بين الدول العربية، وأنها رفعت متوسط سرعة الإنترنت من 9 ميغابايت/الثانية في عام 2017 إلى 109 ميغابايت/الثانية في عام 2020، وأوصلت خدمات النطاق العريض لكافة المناطق النائية لربط كافة المجتمعات والمناطق ببنية تحتية متطورة تحقق رؤية المملكة في بناء أحد أهم ممكنات الاقتصاد الرقمي والمتمثل في سرعة الاتصال بالإنترنت، كما احتلت المركز الـ15 من ناحية اشتراكات النطاق العريض في الإنترنت للحاسوب المحمول لكل 100 نسمة، والمركز الـ18 من جهة مؤشر نوعية الخدمات التي تقدمها الحكومة على الإنترنت».
ويذكر في هذا الصدد أيضًا أن المملكة كانت قد صنفت الثانية عالمياً بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية لعام 2021 الصادر من المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، كما تصدرت ضمن المجموعة الأولى لأعلى الدول الرائدة والمبتكرة في مجالي تقديم الخدمات الحكومية والتفاعل مع المواطنين بحسب تقرير التقنيات الحكومية GovTech الصادر عن البنك الدولي.
خلاصة القول، إن المملكة العربية السعودية تمكنت برؤيتها الاستراتيجية الطموحة 2030 من تحقيق قفزات كبيرة وملموسة وإنجازات قياسية، رسخت ريادتها العالمية ومكانتها الإقليمية ونجاحاتها الوطنية في مجال التحول الرقمي، وهو ما كان نتاجا كما أشار إلى ذلك محافظ هيئة الحكومة الرقمية أحمد بن محمد الصويان، تتويجًا للتكامل والعمل المشترك بين الجهات الحكومية لتحقيق التحول الرقمي الحكومي كأحد مستهدفات رؤية المملكة 2030، من خلال تقديم خدمات حكومية متقدمة عبر البوابات الرقمية والحلول الذكية بما يحققه من مردودات اقتصادية تعزز من تحقيق طموحات المواطن السعودي في بناء مستقبل واعد من ناحية، ويعزز في الوقت ذاته من قدرات الدولة في مجال الأمن السيبراني ومجابهة المخاطر السيبرانية من ناحية أخرى، إذ إنه بفضل الخطط الوطنية والعملية التي وضعتها الهيئة الوطنية للأمن السيراني، نجحت مجهوداتها في شغل المرتبة الثانية عالمياً من بين 193 دولة في محور التحسن المستمر في مؤشر الأمن السيبراني لعام 2021 الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات.