القامشلي: يخطط حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم الذي يقوده الرئيس رجب طيب إردوغان لتقديم مقترحٍ بتشريعٍ جديد إلى البرلمان للتصويت عليه في وقتٍ لاحق، حيث ينوي مع حليفه في حزب الحركة القومية اليميني المتطرّف الذي يتزعّمه دولت بهجلي، إجراء تقسيمٍ إداريّ جديد لولايات البلاد والبالغ عددها 81 ولاية، فما الذي يحاول فعله كلا الحليفين؟
تنص مسوّدة المشروع وفق تسريباتٍ حصلت عليها «المجلة» برفع عدد الولايات التركية من 81 إلى 100 ولاية، ما يعني إضافة 19 ولاية جديدة على خارطة التقسيمات الإدارية في تركيا، إذ ستعمل السلطات المحلية على تحديد 19 مدينة كبيرة تتبع في الوقت الحالي لعدد من الولايات، لتصبح بدورها ولاياتٍ ستلحق بها مدن وبلدات كبرى وصغرى في آنٍ واحد.
ويحظى هذا المشروع المقترح بتأييد بهجلي الذي يعد حزبه الوحيد من حلفاء العدالة والتنمية في الداخل التركي، والذي قال في وقتٍ سابق إن «تركيا يجب أن تضمّ 100 ولاية وأن يصبح عدد سكانها 100 مليون نسمة»، وهو موقف يتماهى مع سياسة الحزب الحاكم وقد عبّر عنه فيدات دميروز النائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم ومعاون رئيسه ورئيس الشؤون الإدارية والمالية قبل أشهر حين أبدى رغبته بإقرار هذا المشروع عبر البرلمان قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في يونيو (حزيران) من عام 2023 المقبل.
التحالف الحاكم يستبق أي خسارة برلمانية بهذا المقترح
وشدد المحلل السياسي والأكاديمي التركي إلهان أوزغال المقيم في العاصمة التركية أنقرة على أن «فكرة أو مسألة زيادة عدد الولايات التركية تعود بالدرجة الأولى لنواب حزب العدالة والتنمية الحاكم ويهدف لتحقيق عدّة أمور».
وقال أوزغال لـ«المجلة» إن «هذا المقترح يهدف لكسب التعاطف المحلي قبيل الانتخابات الرئاسية والنيابية التي ستشهدها تركيا في منتصف العام المقبل».
كما كشف عن وجود أهدافٍ أخرى لدى التحالف الحاكم في البلاد من زيادة عدد ولايات البلاد بمقدار 19 ولاية.
وتابع أن «زيادة عدد الولايات ستمنح التحالف الحاكم المزيد من المناصب الإدارية الجديدة وستساهم في منح الحزبين المتحالفين حصةً أكبر من الميزانية المالية المخصصة للأحزاب، إضافة لمزيدٍ من النواب في البرلمان، فهو يستطيع كسب 40 نائباً إذا ما حصل على نائبين عن كل ولاية جديدة، الأمر الذي سيخفف من خسارته المحتملة».
واعتبر الأكاديمي التركي المعروف أن «الروتين والبيروقراطية تقفان عائقاً أمام تطبيق هذا المقترح على أرض الواقع، وبالتالي سيستغرق تطبيقه بعض الوقت لا سيما وأن هذا الأمر سيحمّل الميزانية مزيداً من الأعباء المالية».
وحتى الآن، لم يحدد نواب التحالف الحاكم موعد تقديم مسودة هذا المشروع إلى البرلمان التركي، لكن بحسب مصادر «المجلة»، سيتمّ ذلك قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بأشهر، حيث يعد إقراره داخل البرلمان سهلاً باعتبار أن التحالف الحاكم يحظى بالأغلبية المطلقة، ما يمنحه تمرير المشروع دون معوقات من نواب الأحزاب المعارضة.
وذكر مصدر تركي مطّلع لـ«المجلة» أن «التحالف الحاكم يتمسّك بفكرة رفع عدد الولايات باعتبار أنها ستمنحه المزيد من النواب داخل البرلمان خلال الانتخابات المقبلة خشية من خسارة الأغلبية النيابية، ولذلك سيتمّ العمل عليها وإصدار قراراتٍ بشأن تنفيذها على أرض الواقع».
تعود فكرة المشروع لما قبل عامين
وكان من المقرر أن يتمّ تقديم مسوّدة هذا المشروع للبرلمان التركي قبل حوالي عامين، إلا أن تفشي فيروس كورونا آنذاك حال دون ذلك. كما ذكرت مصادر متطابّقة لـ«المجلة» أن التحالف الحاكم تمسّك أكثر بالتشريع الذي أقرّ تغييرات في قانوني الانتخابات والأحزاب في أواخر مارس (آذار) الماضي، ولهذا تأخر وصول مسوّدة المشروع الحالي إلى البرلمان.
وحصلت «المجلة» على معلوماتٍ من داخل التحالف الحاكم تفيد باستمرار النقاشات بين مسؤولي التحالف حول صياغة هذا المقترح لتقديمه في أقرب فرصة إلى البرلمان التركي بهدف التصويت عليه لاحقاً ومن ثم اتخاذ خطواتٍ فعلية بشأنه.
المشروع خطوة استباقية استعداداً للانتخابات
ويعد إقرار هذا المشروع قبل حلول موعد الانتخابات المقبلة، كخطوة استباقية للاستعداد لتلك الانتخابات وتهدف ضمناً لعدم فقدان التحالف الحاكم للأغلبية النيابية، إلى جانب اتصالات حزب العدالة والتنمية مع النظام السوري بعد قطيعةٍ تستمر منذ حوالي 10 سنوات.
ويحاول الحزب الحاكم ترسيخ جبهته الداخلية وكذلك الخارجية استعداداً لتلك الانتخابات التي ترجّح مراكز استطلاعاتٍ للرأي مثل شركة "أوراسيا" للدراسات والأبحاث هزيمة مرشحه أمام مرشح المعارضة إذا ما اتفقت الأحزاب المعارضة على منافسته بمرشحٍ واحدٍ فقط.
وكشف مصدران من أكبر حزبين معارضين وهما «الشعب الجمهوري»، و«الشعوب الديمقراطي» المؤيد للأكراد، لـ«المجلة» أن التحالف الحاكم يراهن على تشتت المعارضة، إلا أن الأخيرة تحاول تخطي هذه العقبة، ولهذا شكّلت تحالفاً يضم 6 أحزابٍ معارضة ومن المرجح أن ينضم إليه الحزب المؤيد للأكراد إذا ما توصل لاتفاقٍ مع بقية الأحزاب حول خارطة طريقٍ لحل المسألة الكردية في تركيا إلى جانب مشاكل أقلياتٍ أخرى تعيش في البلاد.
ترسيخ الجبهات الداخلية والخارجية
وفي الوقت الذي تحاول فيه المعارضة ترسيخ تحالفاتها الانتخابية، يواصل الحزب الحاكم اتصالاته مع النظام السوري لإعادة العلاقات معه بعد قطيعةٍ تمتد منذ حوالي عشر سنوات إثر دعم أنقرة للجماعات المعارضة لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وبالفعل بدأت أنقرة بتخفيض رواتب أعضاء «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» الذي يتخذ من الأراضي التركية مقرّاً رئيسياً له، بعد أيامٍ من زيارةٍ قام بها هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية إلى العاصمة دمشق.
ومن المقرر أن تعمل أنقرة على تحجيم «الائتلاف السوري»، و«الحكومة السورية المؤقتة» في الفترة المقبلة لتطوير المفاوضات مع نظام الأسد ريثما يصل الجانبان إلى اتفاقٍ بينهما.
ورجّحت مصادر «المجلة» إلى قيام السلطات التركية بطرد أعضاء «الائتلاف» الذين يرفضون إعادة العلاقات بين النظامين التركي والسوري، وقطع الدعم المالي والعسكري عن المعارضة المسلّحة حال تطور مباحثاتها مع نظام الأسد.
سحب ورقة اللاجئين من المعارضة
ويسعى الحزب التركي الحاكم من هذا التقارب إلى رفع رصيده الشعبي داخل البلاد بعد تدهورها مؤخراً على خلفية ملف اللاجئين السوريين البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين لاجئ داخل الأراضي التركية.
ويحظى ملف اللاجئين بأهمية كبيرة لدى حزب العدالة والتنمية، لا سيما وأنه ينوي قطع الطريق أمام استفادة أحزاب المعارضة من هذا الملف الشائك الذي بات وسيلةً جديدة لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
وشدد مصدر من حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، وثاني أكبر حزبٍ في البلاد، على أن «الشعب الجمهوري كان يؤيد الانفتاح مع الأسد، لكن التحالف الحاكم كان يرفض ذلك وها هو اليوم يتباحث معه لحل مشكلة اللاجئين وقضايا خلافية أخرى بين الجانبين».
لا خيار سوى التواصل مع الأسد لحل مشكلة اللاجئين
وسبق أن اقترح حزب الشعب الجمهوري أكثر من مرة، ضرورة التواصل مع الأسد، إلا أن حزب العدالة والتنمية كان يرفض ذلك.
ورأى المصدر السابق أنه «لا خيار اليوم أمام الحزب الحاكم سوى التعاون مع دمشق لحل مشكلة اللاجئين والخطر الذي تشكله جماعات كردية مسلّحة على حدودنا الجنوبية»، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية أبرز مكوناتها.
وتتخوف أنقرة ومعها نظام الأسد من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، على مساحاتٍ شاسعة من سوريا تضم أجزاءٍ من محافظات حلب والرقة ودير الزور والحسكة.
لقاء مرتقب بين وزير الخارجية التركي ونظيره السوري
وكشف مصدر دبلوماسي مقرّب من وزارة الخارجية الروسية عن عزم موسكو لعقد لقاءٍ يجمع بين وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد قبل نهاية العام الجاري.
وكانت دمشق تستعد لاستقبال دوغو برينتشك المقرب من إردوغان والذي يقود حزباً يسارياً صغيراً، لكنها رفضت طلبه بزيارة العاصمة السورية بذريعة انشغال الأسد دون أن تقدم مزيداً من التفاصيل، بحسب ما أعلن برينتشك شخصياً.
وذكر مصدر مقرب من نظام الأسد أن دمشق رفضت طلب زيارة برينتشك إليها باعتباره لا يحظى بأي ثقل سياسي في تركيا.
وأكد المصدر لـ«المجلة» أن «وجود خطة لعقد لقاءٍ بين جاويش أوغلو والمقداد ساهم في إلغاء زيارة زعيم حزب الوطن إلى دمشق».
وكانت تركيا تسعى خلال الصيف الماضي إلى شنّ هجومٍ جديد على قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن الرفض الأميركي والروسي والإيراني لتلك العملية حال دون تنفيذها، ولهذا فتحت أنقرة باب التفاوض مع دمشق علناً، وفق ما وصفت مصادر مطلعة لـ«المجلة».
وتسعى أنقرة بالإضافة لحل أزمة اللاجئين إلى إيجاد صيغة من التعاون مع دمشق ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على أغلب الحقول النفطية شمال شرقي سوريا، بحسب المصادر السابقة.
وسبق للجيش التركي أن شنّ ثلاث عملياتٍ داخل الأراضي التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بين عامي 2016 و2019. وفي العملية الأولى تمكنت أنقرة من فصل مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، شرقي نهر الفرات عن أخرى تقع غربه، في حين أنها سيطرت على ثلاث مدن كانت تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية بعد عمليتين متتاليتين في عامي 2018 و2019.