ما زال الوضع العراقي معقدا، وقابلا للاشتعال في أي لحظة، إذ شهد الأسبوع الماضي، عدة استعراضات عسكرية لميليشيات في بغداد والمحافظات الجنوبية، في ظل عدم اتفاق الكتل السياسية على تسوية الأزمة واختيار حكومة جديدة، مع رغبة الشعب في تدويل قضيته، عبر تدخل مجلس الأمن لإسقاط النظام السياسي الحالي أو دعم أي ثورة تطيح به خلال الفترة المقبلة.
خلال الأيام العشرة الماضية، حصلت مرتين اشتباكات مسلحة بين سرايا السلام التابعة للصدر، وعصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي، في البصرة، بالإضافة إلى تعرض مبنى البرلمان إلى قصف بقذائف الهاون، أدى إلى إصابة عدد من حراسات أعضاء البرلمان، خلال عقد جلسة انتخاب نائب رئيس البرلمان.
مخاوف من كارثة كبيرة
وقدمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جنيين بلاسخارت، إحاطة إلى مجلس الأمن في جلسته المنعقدة يوم 4 أكتوبر، والتي كشفت المستور للمجتمع الدولي، قائلة: «خلال الأشهر الاثني عشر الماضية أكّدنا (مراراً وتكراراً) أهمية الحفاظ على الهدوء والحوار والامتثال للدستور واحترام مبادئ الديمقراطية وسير عمل مؤسسات الدولة دون عوائق وحكومة فاعلة تؤدي وظائفها بفعالية. لكن للأسف، كان للشقاق ولعبة النفوذ الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك، وكنتيجة مباشرة للتقاعس السياسي الذي طال أمده، شهد العراق أوقاتاً حرجة وخطيرة للغاية».
وأضافت: «أمسى البلد على شفا الفوضى العارمة، وتحولت التوترات السياسية إلى اشتباكات مسلحة في قلب العاصمة وفي مناطق أخرى، وأسفرت عن نتائج محزنة تمثلت بمقتل العشرات وإصابة المئات من الأشخاص».
ترغب الأمم المتحدة، باختيار البرلمان حكومة جديدة، تقوم بواجباتها تجاه المجتمع، من إقرار المشاريع التي تهم الناس، مثل قانون الموازنة المالية، ولكن ترى أن هذا صعبا، في ظل التحديات السياسية الكبيرة، والتي ستؤدي إلى اندلاع اقتتال داخلي في أية لحظة.
وذكرت بلاسخارت أن «أصغر شرارة في العراق يمكن أن تكون كافية في التسبب بكارثة كبيرة»، مبينة أن إجراء انتخابات جديدة في العراق لن يكون بوسع بعثة الأمم المتحدة تقديم المساعدة في ذلك، وهذا يعتمد على طلب رسمي تقدمه الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن، ولكن ما الضمانات بأن إجراء انتخابات وطنية جديدة لن يذهب سدى مرة أخر؟، وكيف سيقتنع العراقيون بأن الأمن يستحق الإدلاء بأصواتهم».
خلافات كردية- كردية
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«المجلة»، إن «الوضع السياسي معقد جدا، وحتى الآن الخلافات الكرديةـ الكردية، هي المؤثرة بشكل أساسي على انتخاب رئيس الجمهورية، والذي يقوم بعد انتخابه بتكليف مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة المقبلة».
وأضافت أن الكرد، وتحديدا جناحي مسعود البارزاني، وبافل جلال الطالباني، بالرغم من تحالفهما مع الإطار التنسيقي، إلا أنهم يحتاجون إلى فترة أكثر من شهر للاتفاق على مرشح تسوية لرئيس الجمهورية، مبينة أن الكرد اتفقوا مع الإطار التنسيقي على عدة نقاط قبل تحالفهم وهي تتمثل بإحياء المادة 140 من الدستور التي تتضمن ضم المناطق المتنازع عليها مع بغداد إلى الإقليم، وإقرار قانون النفط والغاز الاتحادي وإحياء اتفاق سنجار بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والذي يتضمن خروج الميليشيات الشيعية منه، بالإضافة إلى عودة قوات البيشمركة إلى كركوك وعدم قصف الميليشيات الشيعية أربيل بالفترة المقبلة.
ونوهت المصادر إلى عدم اتفاق الأكراد على رئيس جمهورية، خصوصا بعد إصرار حزب طالباني على تجديد الولاية لبرهم صالح فقد يؤدي إلى تكرار سيناريو العام 2018 الذي يتضمن دخول الحزبين بمرشحين والاختيار يبقى لأعضاء البرلمان.
ووفقا للمصادر، فإن التيار الصدري، سيحاول تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي تحتاج إلى حضور أكثر من 220 نائبا من أصل 329 نائبا، بكل الوسائل من خلال الاعتصامات وقطع الطرق لمنع وصول أعضاء البرلمان.
وأكدت أن الأزمة تتعقد يوما بعد آخر، وتحتاج إلى اتفاق الصدر مع الإطار التنسيقي على مرشح تسوية، يدعمه الاثنان، وبعدها الاتفاق على تاريخ الانتخابات المبكرة التي يضغط الصدر على تنفيذها للعودة إلى مقاعد البرلمان بعد انسحابه.
يعمل حاليا الإطار التنسيقي، على إنزال جمهوره إلى الشارع، للضغط على القوى السياسية، من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة، خوفا من أي تطور دولي قد يؤثر عليه.
من جهة أخرى، قال عضو البرلمان العراقي، عن الحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برهان رؤوف لـ«المجلة»، إن الاتفاقات السياسية حاليا تذهب نحو تشكيل حكومة، والالتزام بالبرنامج الحكومي الذي تضعه الكتل السياسية، وهو يمثل تطلعات الشعب العراقي، مشيرا إلى أن الاتحاد الوطني هو جزء من ائتلاف إدارة الدولة الذي يضم الإطار والسيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وأكد أن جزءا من الاتفاقات السياسية حول كركوك، الذي يتضمن عودة قوات البيشمركة إليها، بالإضافة إلى الحصول على المنافذ التنفيذية في كركوك وكذلك يتعلق الموضوع برواتب الموظفين بإقليم كردستان التي يجب على بغداد إرسالها بشكل شهري، مبينا أن المفاوضات مستمرة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لاختيار رئيس الجمهورية المقبل بالرغم من وجود الخلافات الداخلية التي تتعلق بإدارة إقليم كردستان، ونحتاج أياما لحلها والاتفاق على اختيار الرئيس.
الطبقة السياسية تحولت إلى نقمة
خسر النظام السياسي الحالي، ثقة الشعب به، إذ تتسع الفجوة بشكل كبير جدا، الأمر الذي جعل الميليشيات الشيعية تستعرض بشكل شبه يومي في بغداد والمحافظات الجنوبية، لإرعاب المواطنين خوفا من أي ثورة قد تطيح بالنظام السياسي القائم.
وقال المحلل السياسي، عصام الفيلي، إن الطبقة السياسية تحولت إلى نقمة على الشارع، وأن حديث بلاسخارت أمام مجلس الأمن، يمثل رأي المواطن، الذي بدأ يفقد ثقته بالطبقة السياسية الحالية غير القادرة على انتشال النظام من واقعه المرير، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية جزء أساسي بتبديد ثروة العراق، وتدمير الاقتصاد بعد زيادة البطالة والفقر.
وأكد أن الفساد السياسي هو العامل الأساسي في تدمير العراق، مضيفا أن استمرار الطبقة السياسية بالحكم قد يؤدي إلى الإطاحة بها من قبل الشباب الصاعد الذي بدأ يرى أنها جزء أساسي من المشكلة ولا بد من إزاحتها.
تبدأ حاليا، قيادات احتجاجات أكتوبر، والتي يسميها العراقيون «ثورة تشرين»، الاستعداد لجولة ثانية من المظاهرات التي تطالب بإزاحة النظام السياسي الحالي، خلال يوم 25 من أكتوبر الحالي، في جميع المحافظات، خصوصا بعد تراجع شعبيتها نتيجة الانشقاقات التي تحصل بينها.
وقال عضو البرلمان، وهو أحد قيادات احتجاجات أكتوبر، سجاد سالم، لـ«المجلة»، إن عمق أكتوبر هو عمق مدني، وتسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد وظواهر الميليشيات المسلحة، وتحقيق الديمقراطية، مضيفا أن نسبة المقاطعة للانتخابات النيابية أقل من 80 في المائة، مما يدل على أن الجمهور فقد الثقة بالنظام السياسي الحالي، ويحاول التغيير من خلال أكتوبر.
وأكد أن الفوضى التي تحصل حاليا في العراق، بسبب هيمنة السلاح غير التابع للدولة وقد يدخل المجتمع في أزمة معقدة جدا، وعدم محاسبة المقصرين وسحب السلاح من الميليشيات التي سفكت الدم خلال ثورة أكتوبر، فإن الوضع بالعراق سيتدهور، مشيرا إلى أن الانتخابات النيابية المبكرة قد تقلب المعادلة على الأحزاب التقليدية.
تمتلك احتجاجات أكتوبر، جماهير كبيرة في أكثر من 11 محافظة، ولكن الغالبية في بغداد وذي قار وميسان والبصرة، وهي مراكز التنافس مع أحزاب الإطار التنسيقي، إذ يطالب المحتجون بمفوضية انتخابات مستقلة بعيدة عن أحزاب السلطة، وإبعاد المال السياسي الفاسد.
وقال القيادي في احتجاجات أكتوبر، ضرغام ماجد لـ«المجلة»، إن الثورة ستبقى مستمرة حتى الإطاحة بالفاسدين والقائمين على النظام السياسي الحالي، مشيرا إلى أن هناك جولة أخرى يوم 25 أكتوبر الحالي ونعمل على التحشيد لها من الآن.
وبين أن ضعف المشاركين في احتجاجات يوم 1 أكتوبر الماضي، يعود إلى خوف الشعب من اختراقها من قبل الإطار التنسيقي والتيار الصدري، ونحن نعمل على خطوات تصعيدية أخرى، سنعلن عنها لاحقا.