لماذا رفضت القارة العجوز تنصيب بلير رئيسًا للمجلس الأوروبي؟

لماذا رفضت القارة العجوز تنصيب بلير رئيسًا للمجلس الأوروبي؟

[escenic_image id="5511133"]

في الأشهر الأخيرة، لم يرتبط اسم بمنصب رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أكثر من توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، ولكن سرعان ما تخلى قادة دول الاتحاد الأوروبي عن هذه الفكرة.

فقبل أسبوعين، عندما تم إعلان رئيس الوزراء البلجيكي غير المعروف "هيرمان فان رومبوي" كأول رئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي، كان رد الفعل العام متمثلًا في الشعور الطبيعي بخيبة الأمل، نظرًا لثقل بلير السياسي.

لم تكن بريطانيا أبدًا واحدة ضمن قائمة الأكثر حماساً بين أعضاء الاتحاد الأوروبي ، مما أعطى بلير مصداقية كبيرة كسياسي داعم للوحدة الأوروبية وقائد يبني جسور التفاهم بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وباستثناء الزعماء الوطنيين مثل أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي، فإن بلير، بلا شك، أكثر سياسي بالاتحاد الأوروبي شهرة على المستوى الدولي. وكان تخوف أمثال " ميركل و ساركوزي"  من أن يطغى بلير، كرجل سياسي له قدره، عليهم أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الاختيار.

أيضًا ، لعب اتفاقٌ ضمني بين الكتل السياسية الرئيسية بالاتحاد الأوروبي دورًا ضد بلير. ومع ذلك ، قد يكون هناك عامل آخر ساعد في تدمير فرص بلير في الارتقاء لصدارة مجلس الاتحاد الأوروبي. ويتمثل هذا العامل في الأحداث السياسية التي أدت إلى غزو العراق، والتي يُجرى حولها حاليًا استجواب في بريطانيا. ويدين بلير بشهرته في الخارج لدوره المثير للجدل في قضيتين دوليتين حساستين بشكل يجعل هذه الشهرة أكثر من الحالة التي أدت إلى شهرة أوباما، ففي عام 1999، ألقى بلير خطابًا أمام نادي شيكاغو الاقتصادي، أوضح فيه "عقيدته الجديدة للمجتمع الدولي"   وعرفت  باسم "عقيدة بلير"، وقام خلاله بعرض الظروف التي تجيز للمجتمع الدولي التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. وألقت  تصريحات بلير  الضوء على هذه المشكلة التي اعتبرها أكثر مشكلات السياسة الخارجية التي يواجهها المجتمع الدولي إلحاحًا." وكان عام  1999  قد  شهد تدخل حلف شمال الأطلسي(الناتو) في كوسوفو لوضع حد لمذبحة ألبانيي كوسوفو من قبل القوات اليوغوسلافية. اليوم، يعتبر الكثيرون تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو غير قانوني، لأنه لم يكن بتفويض من مجلس الأمن الدولي، ولكنه في ذات الوقت تدخل مشروع، لأن الحلف استجاب لمسألة أمنية ملحة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي ، وكان لديها هدف إنساني  محدد بوضوح.

بريطانياً وكان هناك إجماعٌ كبير على إدانة  الدور المثير للجدل الذي لعبه بلير في غزو العراق عام 2003. ففي يونيو/حزيران، أعلن جوردون براون عن التحقيق الذي بدأ في  بريطانيا 24 نوفمبر/ تشرين ثانٍ بشأن الغزو الأمريكي للعراق. وفي البداية قال براون: إنه سيتم عقد جلسة تحقيق سرية. ولكن رئيس وزراء بريطانيا الحالي تعرض لضغوط من قبل القائمين بالحملات المناهضة للحرب وأسر الجنود الذين قتلوا في العراق لكي يجعل الجلسة علنية. وهذا يعني أن مسئولين وسياسيين كبارًا يتم استجوابهم علنًا عن التطورات السياسية التي أدت إلى قرار بريطانيا للمشاركة في غزو العراق عام 2003، بما فيهم بلير.

بلير نفسه لن يكشف عن معلومات جديدة أو أدلة تورطه، وعلاوة على ذلك ، فإن الاستجواب الخاص بالعراق لن يقسم المسئولية الجنائية بين مرتكبيها، وحسب تصريحات بشكل عام السيد جون شيلكوت، رئيس المجموعة التي ستُجري الاستجواب ، فإن هدف الفريق هو تقييم الأمور وخاصة والتي لم تجرَ على ما يرام، والأهم من ذلك معرفة السبب". ومع ذلك سيتم استجواب بلير بشأن تحالفه مع بوش، وكذلك سيتم استجوابه بشأن التقارير الاستخباراتية المزورة أو الملفقة عن البرنامج النووي العراقي. كما سيتم النظر إلى إذا ما كان بلير قد ساند إدارة الرئيس جورج بوش في خطتها لغزو العراق قبل فترة طويلة من قيام البرلمان البريطاني بإعطائه التصريح للقيام بعملية عسكرية ضد العراق أم لا. ومن المحتمل أن يتم الإعلان عن المعلومات الحساسة التي يتم الحصول عليها من الدبلوماسيين وموظفي الحكومة والجواسيس السابقين.

وبالفعل أصبح واضحًا قبل بدء التحقيق، أن فكرة غزو العراق وتغيير نظامه ترجع إلى عام 2001، على الأقل. ففي الولايات المتحدة، بدلًا من أن تتشكل السياسة تجاه العراق، وفقًا لمعلومات خطيرة مبنية على تقارير استخباراتية وحقائق، تم تشكيل هذه السياسة وفقًا لفكرة الإطاحة بنظام صدام حسين.

وبغض النظر عن كل المزايا الممكنة التي يفترض أن يحققها العراق للشرق الأوسط وخارجه إذا ما تمت الإطاحة بصدام حسين وتمتع هذا البلد بالديمقراطية والاستقرار، فإن استخدام القوة كأداة من أدوات السياسة الخارجية في ظل ظروف غزو العراق عام 2003، لا تعبر عن روح السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

النقد الأكثر وضوحًا الذي يتم توجيهه لاختيار قادة الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي ويرتبط بالتباين بين شخصيتي فان رومبوي وبلير، فاختيار فان رومبوي يعتبر بمثابة خطوة للوراء بالنسبة للهدف الذي يسعى الاتحاد الأوروبي لتحقيقه والمتمثل في تقوية الصورة السياسية للاتحاد في الخارج وينظر إليه على أنه دليل على نقص الطموح الدولي. وبالرغم من أن بلير يدعم الاتحاد الأوروبي، فإن المسار الذي أدى إلى غزو العراق مخالف تمامًا للقيم والصورة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لنقلها للعالم، وهذا الموروث السلبي لا يستطيع بلير أن يمحوه كمبعوث خاص للشرق الأوسط. وفي النهاية نقول: إنه من الصعوبة بمكان أن نتخيل كيف يستطيع سياسي متورط بشدة في فصل سلبي من فصول التدخل الدولي الغربي، أن يصبح بمثابة إضافة لها أهميتها في تعزيز صورة أوروبا في الخارج.

font change