مر ما يقارب الشهر على وفاة مهسا أميني التي دخلت في غيبوبة بعد اعتقالها وتعذيبها من قبل «شرطة الآداب»في إيران لأنها لم تكن ترتدي حجابها بالطريقة التي يراها النظام الإيراني ملائمة. ومر أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاق الاحتجاجات في أغلب المدن الإيرانية ضد النظام الإيراني، المظاهرات التي بدأت احتجاجا على مقتل أميني توسعت ليبدأ الشباب الإيراني مطالبتهم بإسقاط نظام الولي الفقيه.
هي ليست المرة الأولى التي تعم فيها الاحتجاجات المدن الإيرانية، فأقله في العقدين الأخيرين كانت تخرج المظاهرات كل عام أو أقل احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية حينا واحتجاجا على وضع الحريات وما يفرضه نظام الولي الفقيه على الإيرانيين من أسلوب حياة وقمع للحريات وحتى التدخل بالخيارات الشخصية للأفراد أحيانا أخرى.
سارع النظام الإيراني إلى اتهام الولايات المتحدة باستغلال حالة الاضطراب لمحاولة زعزعة استقرار الدولة، تم استدعاء بعض السفراء الأوروبيين وتبليغهم احتجاج طهران الرسمي على ما سمته تدخل بلادهم في الاضطرابات الحادثة في إيران ووجود «طابع عدائي»في تغطية وسائل إعلامهما للأحداث.
قيدت السلطات الإيرانية وصول الإيرانيين إلى بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وأخرجت مسيرات مؤيدة للنظام الإيراني في عدة مدن إيرانية طالب المشاركون فيها بـ«إعدام المتظاهرين». وكان لسان حال النظام في الأسابيع الماضية كما مؤيديه إيرانيين وغير إيرانيين «مؤامرة خارجية ضد الجمهورية الإسلامية يجب التصدي لها بكل الوسائل». ليس هذا وحسب، بل بدأ المسؤولون الإيرانيون بتحميل مسؤولية وقوع قتلى إلى «مجموعات إرهابية».
ما يحصل اليوم في إيران حصل قبله بـ11 عاما في سوريا، الشعب يفاجئ العالم بمظاهراته رغم النظام الدموي الذي يحكمه، يخرج مطالبا بحريته، فيرد عليه النظام بمزيد من القتل والاعتقال، يصفون المحتجين بالإرهابيين والدول والمنظمات المنددة بالقتل والقمع والتعذيب بالمتآمرين، هو سيناريو شبيه لما عاشته سوريا بدءا من مارس (آذار) 2011.
أنظمة حديدية تحاول أن تسيطر حتى على عقول مواطنيها، تحتكر التعليم والكتاب والصحافة، فيخرج جيل شاب لم يعرف في سنوات عمره القليلة سوى هذه الأنظمة ليعلن رفضه لها وثورته عليها.
في سوريا خمسون عاما وعائلة واحدة مع شركائها تمسك بكل مفاصل الحكم وتنهب خيرات البلد، في إيران أكثر من أربعين عاما ورجال الدين يتحكمون بحياة الإيرانيين، والحال واحد شعوب مهمشة ومقموعة وأنظمة تعيش على نهبها وقتلها والمتاجرة بقضايا عادلة يستخدمونها كشماعة لفرض سيطرتهم واتهام كل من يعترض على حكمهم بالتآمر.
لا يبدو أن المظاهرات الإيرانية ستهدأ عما قريب، ولكن ذلك لا يعني أن نظاما كالنظام الإيراني ستسقطه المظاهرات، فللاسف الإشكالية مع هذه الأنظمة أكبر وأبعد من الضرر والإجرام الذي ترتكبه بحق شعوبها، حتى وإن تحولت الدولة إلى دولة هشة ومتآكلة كما هو الحال في سوريا حيث ذابت الدولة لصالح النظام أولا، واليوم لصالح الميليشيات وداعميها.
تمسك هذه الأنظمة بعدة خيوط تجعلها حاجة للآخرين حتى ولو كان الآخرون خصومها، فنظام كالنظام الإيراني يمسك بخيوط ميليشيات إرهابية صارت منتشرة في دول عدة في المنطقة، والعالم يفضل أن يفاوض صاحب القرار حتى وإن كانت المفاوضات لتقنين الإرهاب، أي تحويله إلى جهات ومناطق تخدم الرؤية الأمنية للمتنفذين الكبار في هذا العالم، فخطر الميليشيات والمجموعات الإرهابية التي لا يعرف قاداتها وتوجيهها كبير جدا، لأن لا أحد يعرف أين ستضرب هذه المجموعات الإرهابية المنفلتة من كل عقال. لقد فاوض العالم مرات ومرات الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وبعده ابنه بشار لوقف دعم الإرهابيين، كما رضي العالم بالتطبيع مع نظام بشار بعد كل الجرائم التي ارتكبها في لبنان مقابل تعهده بوقف الاغتيالات والتفجيرات.
واليوم مع أزمة الطاقة الناجمة عن حرب روسيا على أوكرانيا، أصبحت إيران بنفطها حاجة للغرب أكثر من حاجته للدفاع عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها.
أمام الإيرانيين طريق صعب للوصول إلى ما ينشدونه، وربما عليهم أن يدرسوا التجربة السورية بعمق فلا يقعوا بالأخطاء والخطايا التي وقعت بها المعارضة السورية.
تتبدل الوجوه في الجمهورية الإسلامية في إيران، ولكن الحاكم لا يتبدل إلا إن وافته المنية، و«الموت لخامنئي»أحد الشعارات التي يكررها المتظاهرون في إيران، ولكن حتى موت الديكتاتور في هذهالدول لا يكفي، طالما أن خليفته سيكون على صورته.