أخبار الميدان الآتية من أوكرانيا تفاجئ الجميع بمن فيهم الرئيس الروسي بوتين نفسه. فلا أحد كان يعتقد قبل أشهر قليلة أن أوكرانيا ستصمد بوجه هذا الاجتياح الروسي غير المبرر لدولة يرتبط شعباهما بأواصر قربى وصداقة تاريخية. والمفاجأة الكبرى تكمن في انتقال القوات الأوكرانية من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم والبدء بتحرير بعض المدن التي احتلها الجيش الروسي.
المشاهد الأولى من الحرب وضعت بعض الشك في عقول البعض عن مدى استعداد الجيش الروسي لخوض حرب ضد الجار الأوكراني وطرحت علامات استفهام حول معداته العسكرية التي بدا أن الدهر مر عليها من دون أن يعمل فيها أي تطوير. وكان التقدير أن الحرب ستطول لا أن يتراجع الجيش الروسي أمام الجيش الأوكراني. فمنظر رتل الدبابات الروسية المتوقفة على جنب الطريق لافتقادها لمادة المازوت كان شيئا سيرياليا، كما الصعوبة في تقدم الجيش الروسي على الجبهات ثم تغيير الأهداف العسكرية مع تقدم العملية العسكرية كمحاولة حصار كييف في البدء ومن ثم العدول عن هذا الفكرة والتوجه نحو الساحل، وكلها أمور نالت من صورة الجيش الروسي.
أمام هذا الواقع هدد الروس مرارا وتكرارا باستعمال السلاح النووي ولكن هذا لم يردع الغرب ولا أميركا بتزويد أوكرانيا بالسلاح النوعي ولا حتى تركيا التي تلعب حتى الساعة دور الوسيط بين البلدين والتي استطاعت أن تحرر حمولات القمح لتصل للعالم من فوق الحواجز التي وضعتها الحرب من تزويد الجيش الأوكراني بمسيرات بيرقدار التي فعلت فعلها في هذه الحرب.
أصبحت هذه الحرب عبئا على بوتين فلا تقدم ميدانيا يمكن أن يعتد به لا بل تراجع في ظل عزل روسيا بالكامل من خلال عقوبات اقتصادية موجعة وعقوبات تطال الرياضيين والفنانين والكتاب الروس أيضا.
في روسيا نفسها هناك رفض للحرب تجلى في هروب عشرات الآلاف من الشباب فور إعلان الرئيس بوتين عن التجنيد الإجباري.
أمام هذا الواقع قام الرئيس بوتين بضم الأقضية الأربعة التابعة لأوكرانيا بحجة رغبة شعبها بالانضمام إلى روسيا في احتفال ضاعف من عزلته إذ الرفض لهذه الخطوة لم تقتصر على أخصامه بل أتت من حلفائه أنفسهم إذ رفضت إيران الاعتراف باستقلال تلك الأقضية.
حليفه الصيني غير راض عن هذه الحرب لأنها تعود على اقتصاده بالضرر وتؤثر على الأسواق سلبا من خلال إضعاف القدرة الشرائية لزبائنهم في كافة أنحاء العالم. رئيس الوزراء الهندي كان واضحا جدا في الطلب مباشرة من الرئيس الروسي إيقاف هذه الحرب في المؤتمر الذي جمعهم في شنغهاي.
وها هي أوروبا التي كان يحاول بوتين ابتزازها من خلال الغاز الروسي وجدت حلولا للعيش من دونه، إن كان من خلال إعادة إنتاج الكهرباء بالفحم الحجري ولو على حساب البيئة والتفتيش بالتوازي عن موردين جدد آخرين كقطر مثلا وفرض نوعا من التقنين لتمرير موسم الشتاء في إشارة واضحة أن الإذعان لبوتين ممنوع.
يقول بترايوس المدير السابق للاستخبارات الأميركية إن أوكرانيا ستستعيد كامل المناطق التي احتلها الروسي وإن لم يبق أمام بوتين سوى الانتقام عبر قصف المناطق الأوكرانية وتدميرها. ولكن هذا لن يغير في الواقع. بوتين أصبح وحيدا ومعزولا.
المشكلة أنه ربط روسيا بشخصه وجعلها تدفع ثمن مخططاته التي كتب عنها الكثير، من إعادة أمجاد روسيا القيصرية إلى إعادة جمع جمهوريات السوفيات سابقا وما بينهما من إعادة إحياء سيناريو الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، والتي لا يملك مقوماتها.
وحقيقة الأمر فإن الحلفاء يدعمونه بالكلام فقط وغير راضين أساسا عن هذه الحرب، والأوروبيون قرروا هزيمته لمجرد إشعال الحرب في أوروبا. أما الأميركيون فيحاربونه بالواسطة ومن بعيد وهم يبدون المنتصرين الوحيدين في هذه الحرب.
هكذا يجد بوتين نفسه وحيدا في مواجهة الخارج. فماذا عن الداخل؟