القاهرة: تساؤلات عديدة أثارها إعلان مدير عام مؤسسة «روساتوم» الروسية، أليكسي ليخاتشوف، أنّ روسيا مقبلة على توقيع اتفاقية مع دولة الإمارات العربية لإنشاء خط دولي للنقل البحري بالحاويات عبر المحيط الشمالي، والذي يعرف بطريق بحر الشمال، وهو ممر شحن بحري من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، على طول ساحل القطب الشمالي الروسي من بحر بارنتس، بمحاذاة سيبيريا، إلى الشرق الأقصى.
ويمكن الإبحار من خلاله في مياه القطب الشمالي، الخالية من الجليد مدة شهرين فقط في العام، ويعرف هذا الممر باسم الممر الشمالي الشرقي.
ومن أهم هذه التساؤلات: ما هي تأثيرات هذا الخط الملاحي على قناة السويس، خاصة مع اهتمام كلٍ من الهند والصين بهذا الطريق؟
وهل يسحب هذا الطريق البساط من تحت أقدام قناة السويس التي تعد أهم ممر ملاحي؟
وما هي حظوظ هذا الخط في الصمود، خاصة وأن هناك مساعي تهدف إلى جعل الملاحة من خلاله طوال العام؟ وما هي الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها هيئة قناة السويس، للحفاظ على تنافسية هذا الممر الأهم في العالم، والذي أثبتت حادثة جنوح سفينة الحاويات العملاقة «إيفر غيفن»، والتي تسببت في تعطل العمل في القناة لمدة 6 أيام عانى فيها العالم، وشركات الملاحة، كما تأثرت حركة التجارة العالمية سلبا بهذا الجنوح، وحتى تعويم السفينة؟
كما تثار التساؤلات أيضا حول مدى تأثر الاقتصاد المصري سلبا جراء خلق طرق ملاحية جديدة تتمتع بميزات تنافسية مع قناة السويس، وهل تساهم الاضطرابات التي يشهدها العالم في تنامي قدرة القناة على المنافسة وازدياد أهميتها الاستراتيجية؟ خاصة وأنّ طريق بحر الشمال هو طريق موسمي، أما قناة السويس فهي تعمل على مدار اليوم وطوال العام؟ وهو ما بدا جلياً في ارتفاع إيرادات القناة في شهر أغسطس (آب) ارتفاعا تاريخيا لم تشهده القناة من قبل. في الوقت الذي تحدثت فيه عدة تقارير عن وجود نمو كبير في الشحنات على طريق روسيا في القطب الشمالي إذ بحسب الوكالة الفيدرالية الروسية للنقل البحري والنهري، فإنّ أحجام الشحن على طول طريق بحر الشمال بلغت 22.24 مليون طن في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول)، بزيادة 5.3 في المائة عن نفس الفترة من العام الماضي، وهو ما يوضح حجم التنافسية المستقبلية مع قناة السويس.
خطر حقيقي على قناة السويس
طريق بحر الشمال الذي أعلنت روسيا عن إنشائه بالتشارك مع دولة الإمارات العربية المتحدة يمثل خطرا حقيقيا على قناة السويس، ولكن كي يتم إنشاء هذا الطريق البحري المنافس لقناة السويس فإنه يحتاج إلى تكلفة مالية عالية جدا، وذلك حسب أستاذ الاقتصاد والباحث الاقتصادي في المركز المصري للفكر والدراسات الاقتصادية، الدكتور محمد شادي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، رأى فيها أنّه «على الرغم من أنه سيكون طريقا موسميا، أي إنه سوف يعمل في شهور فصل الصيف، ولن يكون متاحا العمل عن طريقه في فصل الشتاء لأنه كي يعمل في فصل الشتاء فإنه يحتاج إلى ذوبان الجليد في هذا الممر، وحتى في حالة ذوبان الجليد فإن التكلفة ستكون عالية جدا لأنه يحتاج إلى وجود قافلة من السفن التجارية، يتم تجميعها للمرور مجتمعة، ولا بد أن تتقدمها كاسحات الجليد، وهذا يحتاج لتكلفة عالية جدا، وهذا بالإضافة إلى أن هذا الممر خالٍ من الموانئ اللوجستية، وهو ما سوف يزيد من التكلفة، وروسيا والإمارات مدركين تماما للصعوبات التي تواجه إنشاء هذا الخط الملاحي البحري، كما أنه يحتاج إلى فترة زمنية طويلة من أجل إتمامه ويبدأ عمله ليصبح فعالا، أو مؤثرا تأثيرا سلبيا على المجرى الملاحي لقناة السويس، ومصر تعمل وبشكل مستمر على مدار اليوم لتطوير المجرى الملاحي لقناة السويس، كي تصعب من الفرص التنافسية للممرات البحرية العالمية التي تأتي على شاكلة خط الشمال المزمع إنشاؤه».
وأضاف شادي: «الموضوع ضاغط، لأن هذا الممر في حال اكتماله سوف يسبب مشكلات لقناة السويس، ولكن حتى الآن ليس هناك ضغوط كبيرة على مصر، وتأتي ملامح الخطورة التي سيمثلها طريق بحر الشمال على قناة السويس في حال إتمامه أنه يمكنه الوصول إلى الموانئ الأوروبية على بحر الشمال وغيرها من الموانئ الأوروبية، مثل ميناء ليفربول، وروتردام، كما يعد الطريق السهل في الوصول إلى الموانئ الموجودة في شرق آسيا خاصة كوريا الشمالية، وجنوب شرقي آسيا».
وتابع: «كما أنه وبالعكس مما قد يتصوره البعض من أن الأزمات الموجودة في العالم حاليا، وأهمها الحرب الروسية الأوكرانية قد تزيد من ارتفاع نسب المخاوف على مستقبل قناة السويس في ظل الأحاديث المتواصلة عن إنشاء طرق برية، وبحرية من شأنها منافسة قناة السويس، إلا أنه وبالعكس تماما، فالمشاكل الموجودة حاليا في العالم، تصعب الموقف الروسي وتقوي من أهمية قناة السويس، لأنه كلما كثرت الأزمات زادت أهمية قناة السويس، وصعب الموقف على مثل هذه الطرق سواء كانت برية، أو بحرية لأنها تحتاج إلى تكلفة إنشائية عالية، وهذه الطرق لن تستطيع تحقيق عائد إلا إذا كانت حركة التجارة وحركة البضاع منتظمة، وبالتالي كلما اضطربت أوضاع التجارة العالمية، كلما كانت هناك مشكلة، وعلى سبيل المثال منطقة جنوب آسيا، وجنوب روسيا، جميعها معطلة بسبب ما يحدث في روسيا، فمثلا كان هناك طريق في إيران يسمى طريق ساوث نورث، وهو طريق هندي روسي يمر عبر إيران، وسوف يتوقف تماما بسبب الأحداث التي تحدث في روسيا، بالإضافة إلى أن كل الطرق البرية لديها مشكلة كبيرة جدا في فاعليتها بسبب قلة فاعلية النقل البري، إضافة إلى الأزمات السياسية، والخلافات بين الدول».
ورأى أنّ «هناك دولا قد تستفيد من إنشاء طريق بحر الشمال، وأخرى قد تتضرر، فكل دول الشرق والغرب من ناحية الجنوب والمرتبطة بقناة السويس سوف تتضرر، فمثلا الموانئ التركية على البحر المتوسط مثل ميناء جيهان، وكل الموانئ في الجنوب سوف تتضرر بشكل كبير، وعلى العكس تماما سوف تستفيد كل دول الشمال خاصة روسيا، وامتدادها وحتى الوصول إلى دول جنوب شرقي آسيا مثل كوريا الجنوبية، واليابان، والصين».
ولتقليل مخاطر هذه الطرق على المجرى الملاحي لقناة السويس، قال شادي إنّ «هيئة قناة السويس قامت بعدد كبير جدا من الإجراءات التي من شأنها تقليل المخاطر، مثل عملية ازدواج المجرى الملاحي للقناة، وربط البحر الأبيض بالبحر الأحمر عن طريق إنشاء طرق شحن برية، عن طريق السيارات والقطارات كي تقلل المخاطر، كما أن مصر تراهن على مضاعفة أهمية قناة السويس، وتنقلها من مجرد ممر ملاحي إلى ممر لوجستي، وأن تكون منطقة القناة منطقة خدمات للسفن، مثل التزود بالبترول، والطعام، والإصلاح، والتفريغ والشحن.. وهكذا، حيث تساهم القناة في الاقتصاد المصري بما يقارب 7 مليارات دولار سنوياً».
منافسة دائمة مع خطوط الملاحة الكبرى
يخالف هذه الرؤية أستاذ الاقتصاد والاستثمار، والمستشار السابق بوزارة الاستثمار، الدكتور إبراهيم مصطفى، الذي قال في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «طريق بحر الشمال لا يمثل خطرا حقيقيا على قناة السويس، بل على العكس تماما فهذا الخط الملاحي سوف يخدم قناة السويس، حيث إن السفن العابرة من الشمال والتي ترغب في الوصول إلى الموانئ في شرق آسيا لا بد أن تمر بقناة السويس، وما يحكم المنافذ البحرية كلها الآن هو معيار المسافة، إضافة إلى غلاء أسعار الوقود، فكلما كان خط السير أقل فهذا مفيد أكثر لشركات الشحن، إضافة إلى رسوم العبور، وظروف التجارة العالمية، التي تواجه عدة عقبات بسبب الظروف التي تحدث في العالم، وارتفاع الأسعار، كما أن هناك مشكلة في سلاسل الإمداد، وهو ما يجعل هناك ارتباكا في مسألة التسعير، إضافة إلى أن شركات الشحن تحاول الهرب من الممرات التي توجد بها قلاقل وأزمات، حتى لو ظلت الحرب الأوكرانية، وظلت الحرب على روسيا فإن الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية ستكون لديها مخاوف. كما أن الأزمات العالمية تدعم من موقف قناة السويس لأن جميع شركات الشحن تسعى للمرور من المعابر الآمنة التي ليس بها قلاقل، أو مشكلات سياسية، أو توترات، سواء توترات على مستوى المنطقة، أو توترات مع دول حليفة».
وتابع: «تعد روسيا من أكبر المستفيدين من طريق بحر الشمال الملاحي لأنها دخلت في شراكة مع دولة الإمارات، والتي تعد حليفة لكل الدول وذلك كي تتمكن من إخراج منتجاتها، لأن روسيا في حاجة ماسة لإخراج منتجاتها، لذا فهي تسعى للتعامل مع حليف يساعدها على ذلك، كما ستستفيد الإمارات من هذا الخط الملاحي عن طريق الاستثمار فيه، إضافة إلى الدول التي تتعامل مع هاتين الدولتين مثل مصر على سبيل المثال، ومنافع هذا الخط الملاحي أكبر من أضراره».
ورأى مصطفى أنّ «مصر وقناة السويس في منافسة دائمة مع خطوط ملاحية كبرى مثل رأس الرجاء الصالح، ومضيق هرمز، وكل المضايق الموجودة في العالم تعد منافسا لقناة السويس فهي دائما في منافسة في جميع الأحوال، لذا تسعى قناة السويس دائما لخلق مزايا تنافسية ترجح كفتها دائما، كما تراهن مصر على أهمية الموقع الاستراتيجي لقناة السويس، لأنه موقع استراتيجي لا يمكن تعويضه، والمطلوب هو متابعة كل التطورات في العالم كي تحافظ على تنافسيتها مع الآخرين، والجميع لديه عيوب ومزايا، إلا أن خط البحر الأحمر- قناة السويس، هو خط رئيسي لا يمكن تعطله، وهو ما ظهر جليا خلال جنوح السفينة (إيفر غيفن) في المجرى الملاحي للقناة، كان العالم يعاني وقتها، وهذا نموذج مصغر يقول إن قناة السويس معبر لا يمكن الاستغناء عنه».
مزايا تنافسية على المستوى الملاحي والاقتصادي
بدوره أكد الخبير الاقتصادي أحمد علي، أن «الممر الملاحي لقناة السويس له أكثر من ميزة تنافسية على المستوى الملاحي، والاقتصادي، والزمني عن طريق بحر الشمال، لأن قناة السويس تربط الشمال بالجنوب، والغرب بالشرق، كما اكتسبت قناة السويس ميزة تنافسية، بتقليل انتظار السفن، وذلك بعد افتتاح قناة السويس الجديدة في 2015، والتي قضت على انتظار السفن لفترات كانت تتجاوز أكثر من 11 ساعة، لمرور كل من قافلتي الشمال والجنوب، وأن أي تفكير بالنقل البحري بخلاف قناة السويس لن يكون مجديا من الناحية الاقتصادية والزمنية لأي دولة أخرى، حيث يتواجد العديد من الممرات الملاحية غير المجدية للعديد من الدول بسبب طول الفترة الزمنية التي تستغرقها الرحلة، إضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز لقناة السويس، والذي يجعلها عامل جذب رئيسيا لحركة التجارة العالمية لما تشكله قناة السويس من سهولة الربط بين كافة أنحاء العالم، لذا فلن يؤثر بشكل يذكر على حركة التجارة العالمية في قناة السويس، وبالتالي على حجم عائدات القناة، فالأمر لا يقتصر على القناة كممر فقط، بل وتحول المنطقة المحيطة بها لمنطقة لوجستية، واقتصادية تحاكي أكبر وأهم المناطق الملاحية البحرية كموانئ سنغافورة».