بون: زار المستشار الألماني أولاف شولتز، يوم 24 سبتمبر (أيلول) 2022، المملكة العربية السعودية وأجرى محادثات مع ولي عهدها، في بداية جولة خليجية، لإبرام صفقات جديدة للطاقة. وكان شولتز، برفقة وفد صناعي كبير، إلى جدة، حيث التقى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ونجح المستشار الألماني في الوصول إلى اتفاق وشراكة طاقة جديدة مع المملكة العربية السعودية. وتأتي أهمية الزيارة، وسط أزمة الطاقة عالميا، وتحديات سياسية دولية يشهدها العالم، أبرزها «حرب أوكرانيا وعدم الوصول إلى اتفاق مع إيران حول الملف النووي، ربما هي الأشد منذ الحرب العالمية الثانية».
ومن المملكة العربية السعودية، سافر شولتز إلى أبوظبي ثم إلى الدوحة، محطته الخليجية الأخيرة، لبحث مسألة الطاقة، والعلاقات الثنائية، والقضايا الإقليمية، مثل التوترات مع إيران. وقال مسؤولون ألمان إن جميع اتفاقيات الطاقة ستأخذ في الاعتبار خطط البلاد لتصبح محايدة للكربون بحلول عام 2045، مما يتطلب التحول من الغاز الطبيعي إلى الهيدروجين المنتج باستخدام الطاقة المتجددة في العقود المقبلة. وقالوا إن المملكة العربية السعودية، التي لديها مناطق شاسعة مناسبة لتوليد الطاقة الشمسية الرخيصة، يُنظر إليها على أنها مورد مناسب بشكل خاص للهيدروجين.
تاريخ العلاقات الثنائية
تعود العلاقات الثنائية بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية إلى عام 1929، مع توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين. وقد أقامت جمهورية ألمانيا الاتحادية علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية منذ عام 1954. وتجري حكومتا البلدين مشاورات على أساس منتظم. المملكة العربية السعودية هي ثاني أهم شريك تجاري لألمانيا في العالم العربي بعد الإمارات العربية المتحدة. من جانبها، تعد ألمانيا ثالث أكبر مورد للبضائع إلى المملكة العربية السعودية. يوفر برنامج رؤية 2030 والرغبة في تنويع اقتصاد المملكة العربية السعودية آفاقًا جيدة لمزيد من تطوير التعاون الاقتصادي الألماني والسعودي. تشمل الأهداف الرئيسية للبرنامج: دفع تنويع الاقتصاد، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم ومواصلة تطوير السياحة العامة، وكذلك قطاعا الثقافة والتعدين.
السعودية ثاني شريك تجاري مع ألمانيا
حافظت المملكة العربية السعودية وجمهورية ألمانيا الاتحادية على علاقات ثنائية اقتصادية ممتازة منذ عقود. وكانت الشركات الألمانية حاضرة في كل خطوة في عملية تطوير اقتصاد المملكة العربية السعودية. والمملكة العربية السعودية بدورها، زودت ألمانيا بالنفط ومشتقاته. اليوم، المملكة العربية السعودية هي ثاني شريك تجاري مع ألمانيا في المنطقة، في حين أن ألمانيا هي ثالث أكبر مستورد من المملكة العربية السعودية. وفي ضوء رؤية 2030، أبدت كل من المملكة العربية السعودية وألمانيا اهتمامًا كبيرًا بتعميق التجارة الثنائية وتعزيز نقل المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة. وتقدم الرؤية السعودية العديد من نقاط الانطلاق لتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية وبالتالي فتح فصل جديد في العلاقات السعودية الألمانية.
نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين
أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز عن نقلة نوعية، في ألمانيا في مجال السياسة الخارجية والدفاعية والأمنية بعد شن روسيا حربها ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022. ويبدو أن برلين تتجه اتجاها جديدا في منطقة الخليج العربي بعد النقص الذي تشهده ألمانيا ودول أوروبا في مجالات الطاقة. وتعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من دول العالم التي تعد المصدر الرئيسي للغاز الطبيعي المسال إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وتعتبر هذه الدول، أبرز منتجي النفط وتعتبر أسعار هذه الدول تنافسية في سوق الطاقة العالمية. وتستعد جميع الدول الخليجية الثلاث لتصبح منتجة رئيسية للهيدروجين.
مضاعفة إنتاج الغاز
تهدف المملكة العربية السعودية إلى مضاعفة إنتاج الغاز، فقد حددت الرياض هدفًا لمضاعفة إنتاج الغاز بحلول عام 2030 لتمكينها من أن تصبح مُصدرًا رئيسا للغاز، ويمكنها ، توفير مورد حيوي لسد الفجوة لمساعدة الاتحاد الأوروبي على تحقيق أهدافه الصفرية الصافية لانبعاثات الكربون. ويمكن أن يكون هناك تعاون آخر محتمل مع السعودية حول الهيدروجين الأخضر، والذي تعتبره ألمانيا أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على اقتصادها الصناعي مدعومًا بالكامل أثناء انتقال الطاقة النظيفةـ الهيدروجين الأخضر.
تمتلك المملكة مساحة صحراوية واسعة لمزارع الطاقة الشمسية الضخمة. المساعدة الألمانية للمملكة حول الهيدروجين الأخضر يمكن أن تكون مفيدة جداً. ومن المرجح أن تصبح ألمانيا وبعض دول أوروبا أكثر اعتمادًا على النفط السعودي، في أعقاب فرض الحظر على مصادر الطاقة الروسية والذي سيكون أكثر شدة خلال عام 2023. ورغم خطط روسيا لبيع نفطها إلى الهند والصين، بسعر مخفض، ضمن مبدأ سياسة تنافسية مع المصدرين الخليجيين، لكن تبقى الدول الخليجية الثلاث هي أفضل مصدر للطاقة إلى ألمانيا وأوروبا.
وقد أشار سايمون إنجلكس، المسؤول عن قسم الشرق الأوسط في مؤسسة «كونراد أديناور» في برلين إلى أن ألمانيا لديها أيضًا ما تقدمه لشركائها في الشرق الأوسط وأن الولايات المتحدة قد انسحبت من المنطقة إلى حد ما. لذا، تتجه ألمانيا نحو المملكة والشرق والغرب أيضًا. وهناك استعداد للمملكة العربية السعودية للتعاون مع أوروبا، ومع ألمانيا على وجه الخصوص؛ فالمملكة العربية السعودية لديها برنامج طموح يسمى رؤية 2030، والذي يتضمن بناء مدن بأكملها وطرقا سريعة وأنظمة قطارات. وسيتطلب هذا تعاونا مع الدول الغربية.
النتائج
ـ تشهد العلاقات الألمانية السعودية، تطوراُ إيجابيا خاصة في مجالات الطاقة والاقتصاد، حيث إن المملكة تعتبر ثاني أكبر شريك اقتصادي لألمانيا. وتعود العلاقات بين البلدين إلى مطلع القرن الماضي، إلى عام 1929، وهي علاقات طويلة ومتينة جدا، وهذا ما جعلها تستمر إلى أكثر من عقود.
ـ إن توجه المستشار الألماني شولتز إلى المملكة السعودية، جاءت نتيجة إدْراك برلين أن المملكة السعودية وبعض دول الخليج خاصة دولة الإمارات وقطر شركاء موثوقون في مجال الطاقة والمجالات الأخرى. وهنا الحديث لا ينحصر حول النفط والغاز، بل حول الطاقة النظيفة، (الهيدروجين الأخضر) والتي تشترك فيها ألمانيا مع الرؤية السعودية للطاقة النظيفة لعام 2030.
ـ يأتي اِنْفِتاح ألمانيا على المملكة بشكل أوسع، في أعْقَاب العقوبات التي فرضتها برلين على مصادر الطاقة والغاز الروسيين بالإجماع مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ودون شك فإن توجه برلين نحو جدة، لا ينحصر في فترة العقوبات الاقتصادية على موسكو ونقص الطاقة، بقدر ما هي معالجات حقيقية لسياسات ألمانية سابقة، تهدف إلى تعدد مصادر الطاقة وتخطي الاعتماد على الطاقة الروسية، والتي يعتبرها كثير من الخبراء واحدة من أخطاء سياسات الحكومات الألمانية السابقة، والتي لم تعتمد القواعد الأساسية لأمن الطاقة وأمن ألمانيا القومي.
ـ كانت زيارة المستشار الألماني ناجحة، وتخطت الكثير من التقديرات من خلال اللقاءات الثنائية المباشرة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمستشار الألماني شولتز. كما أن المستشار الألماني اصطحب معه وفدا صناعيا واِقْتِصاديا كبيرا، وأجرى عددا من الاجتماعات المطولة مع كبار المسؤولين في المملكة من أجل إيجاد شراكات اقتصادية، غير مقيدة بالطاقة بل تتعداها إلى مجالات الصناعة والاقتصاد أيضا.
- العلاقات الألمانية السعودية، تشهد نقلة جديدة، ومن المرجح أن تشهد تطورا أوسع بين البلدين في مجال الاقتصاد والطاقة والأصعدة كافة.