
بيروت- فايزة دياب
* الشيخ الجوهري لـ«المجلة» : حجم المأساة التي خلفتها الحرب السورية، تركت آثارها على العلاقة بين «حزب الله» وأبناء بعلبك الهرمل، خصوصا أنهم قدموا الدماء دون مقابل إنمائي.
* شمص: يجب أن يعود خيارنا وقرارنا إلى مدينتنا، وإلى لبنان، فنحن مسلمون ولبنانيون قبل أي شيء آخر.
* بعد فشل لشهور من محاولات التلاقي بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، قرر الحليفان السابقان التغاضي عن كلّ الخلافات ومواجهة «حزب الله» في عقر داره لوقف احتكار قضاء بعلبك – الهرمل.
على بُعد أسابيع معدودة من معركة الانتخابات النيابية المنتظرة في السادس من مايو (أيار) المقبل، تتجه الأنظار إلى «أم المعارك» كما أطلق عليها البعض، معركة بعلبك – الهرمل، التي فرضت على «المتخاصمين الجدد» تحالفًا استثنائيًا لتوحيد الصفوف ضدّ لائحة «الوفاء والأمل» المدعومة من «حزب الله» وحركة أمل.
قانون الانتخابات الجديد المبني على النظام النسبي والصوت التفضيلي، إضافة إلى جوّ الامتعاض والعتب الشديد من سياسة «حزب الله» في المنطقة والتهميش الذي طال أبناءها على مدى عقدين من الزمن شكّلا رافعة للمعارضين من أبناء بعلبك - الهرمل، الذين يؤكدون إمكانية خرق لائحة الثنائية الشيعية بمقعدين على أقل تقدير. فبعد أن كثر عدد المرشحين واللوائح المفترضة وبالتالي تشتيت المعارضين لسياسة «حزب الله»، قرّر المعارضون الانسحاب لبعضهم البعض لصالح المعركة «الكبرى» وهذا القرار أنتج تشكيل لائحة تحالف بين (تيار المستقبل - والقوات اللبنانية - وشيعة مستقلين) على الرغم من فشل المفاوضات والتلاقي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية في غالبية الأقضية والدوائر الانتخابية إلا أنّ أهمية المعركة فرضت نفسها على الحليفين السابقين.
لملمة صفوف المعارضة وتحضيرها للمعركة في قضاء بعلبك الهرمل في عقر دار «حزب الله» و«عرين المقاومة» ومنبتها، يبدو أنّه أقلق «حزب الله» الذي يمثّل هذه المنطقة منذ تسعينات القرن الماضي، هذا الأمر دفع أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله إلى شنّ حملة هجوم ضدّ المعارضين، مطلقًا عليهم تسمية «حلفاء داعش والنصرة»، وذلك خلال لقاء جمعه مع محازبيه في بعلبك – الهرمل عبر الشاشة.
وأعلن نصر الله أنه «في حال رأينا أن هناك وهنًا في الإقبال على الانتخابات في بعلبك - الهرمل فسأذهب شخصيًا لأتجوّل في القرى والمدن والأحياء للسعي لإنجاح لائحتنا، ولو تعرّضتُ للخطر».
و«لن أسمح أن يمثّل حلفاء النصرة وداعش أهالي بعلبك - الهرمل، وأهالي بعلبك الهرمل لن يسمحوا لمن سلّح النصرة وداعش أن يمثّلوا المنطقة».
كلام نصر الله الذي يدل على عدم ارتياح «حزب الله» للمعركة المنتظرة، أثار موجة غضب لدى الموالين والمعارضين على السواء، خصوصا أنّ هناك موجة من الغضب تصب على نواب «حزب الله» المتهمين بالتقصير بإنماء منطقتهم.
وفي هذا السياق يؤكد رئيس المركز العربي للحوار، والمرشح السابق لصالح لائحة التحالف ضد «حزب الله» عن المقعد الشيعي في بعلبك الهرمل الشيخ عباس الجوهري – الذي تم توقيفه الخميس الماضي وفقا للوكالة الوطنية للإعلام من قبل عناصر من الأمن العام- وقبل ساعات من توقيفه رأى الجوهري في حديث لـ«المجلة» أنّ «الناس شعرت في منطقتنا أنّها متروكة بشأنها اقتصاديا واجتماعيًا منذ سنوات، ويبدو أن نصر الله اكتشف أن المسؤولين في (حزب الله) لا ينقلون له امتعاض الناس من السياسة المتبعة، ولكنه اكتشف مؤخرا أن الناس تحتاج لمن يسمع شكواها وألمها وهم أنفسهم الناس الذين وثقوا به وقدموا له دماء أبنائهم، لكن في المقابل لم يتلقوا أي دعم إنمائي أو اقتصادي لمدينتهم، بل هناك استمرار لتراجع الأوضاع المعيشية والاقتصادية».
وأضاف: «وأيضا حجم المأساة التي خلفتها الحرب السورية، تركت آثارها على العلاقة بين حزب الله وأبناء بعلبك الهرمل، خصوصا أنهم قدموا الدماء دون مقابل إنمائي، ولم تعد حجة لوم السلطة تنفع لدى أبناء هذه المنطقة فحزب الله متمثل بالسلطة منذ 25 سنة أي أنه هو السلطة بالنسبة لهم، وفي مقابل تراجع الوضع الاقتصادي والإنمائي هناك أيضا إخفاق نواب ووزراء حزب الله في دورهم، إضافة إلى فسادهم الذي كان السبب الرئيسي لامتعاض جمهور حزب الله، وأبرزها فتح كسارات لوزير الصناعة حسين الحاج حسن، وفرض نفسه شريكا في أي معمل يتم اقتتاحه، هذه الممارسات وصلت إلى الناس الذين رفضوا أن تتم مخاطبتهم بخطابات عاطفية وتعبوية رنانة تتحدث عن القضايا الكبرى، وفي المقابل يمتلئ مسؤولو حزب الله بالفساد. حتى أصبح هناك طبقة من المسؤولين في حزب الله تمتلك ثروات هائلة، وفي المقابل هناك طبقات في المجتمع الشيعي تعيش تحت خط الفقر أفرزتها الـ25 عاما من تمثيل حزب الله لهم في السلطة، لذلك لم تعد الخطابات تنفع مع الناس، والتوجه إلى اتهام أي مرشح ضده بأنه يمثل داعش والنصرة، انقلب على حزب الله، فهم يواجهون النقمة الشعبية بخطابات سيئة وبالتالي سوف ينكشف مع الأيام زيف خطاباتهم ورسالاتهم، وستسقط اتهاماتهم الفاشلة».
وتابع: «وصل حزب الله إلى مرحلة الجنون، هم اليوم يؤكدون أنّهم من فصيل داعش عندما لا يقبلون الآخر انتخابيا في عرس ديمقراطي، مشكلتهم أنهم نسوا أن الناس ستحاسبهم في صناديق الاقتراع كانوا يعتقدون أنهم سيبقون إلى الأبد في مقاعدهم، حتى أنّهم اضطروا إلى اتهام منافسيهم بصفاتهم، فاتهامنا بداعش الذي لا يقبل الآخر هو خير دليل على أنّهم فصيل من فكر داعش المتطرف»
وعن اللائحة المعارضة لـ«حزب الله» قال الجوهري: «هناك محاولة جدية لتجميع جميع المعارضين في لائحة واحدة، وسينسحب بعض المعارضين لصالح هذه اللائحة وأنا منهم لكي نستطيع أن نخرق لائحة الثنائية الشيعية. نحن اليوم في خط مواجهة مع حزب الله لذلك وضعنا المصالح الشخصية وبعض التحفظات جانبا لنصب جهودنا في معركتنا بالتعاون مع الصوت السني الوازن المتمثل بتيار المستقبل والصوت المسيحي الوازن المتمثل بالقوات اللبنانية، فأمام المعركة الأساسية يجب التنازل عن بعض التفاصيل.
ولكن غالبية الناخبين الشيعة لم يصلوا إلى مرحلة أن يترجموا عدم رضاهم عن سياسة حزب الله بانتخاب اللائحة المقابلة، ولكن في المقابل سيترجم امتعاضهم بعدم انتخاب حزب الله وهذا سيصب في مصلحة لائحتنا، وهذا ما يسعى حزب الله إلى تجنبه، والعمل على حثّ الناخب الشيعي على المشاركة بأن يدير هذه المعركة نصر الله بنفسه بحسب ما أعلن».
[caption id="attachment_55264817" align="aligncenter" width="900"]

امتعاض أهالي بعلبك – الهرمل من سياسة «حزب الله» ترجم في أكثر من موقف؛ أبرز هذه المواقف حالة من الغضب أبداها الحضور في حسينية شمسطار البقاعية يوم الأحد 20 أغسطس (آب) 2017 خلال مأتم لفتاتين احتجاجًا على حضور وزير الصناعة حسين الحاج حسن، الذين وجهوا له الانتقادات ولزملائه نواب ووزراء المنطقة بتغطية تجار المخدرات وسوء الأوضاع الأمنية إضافة إلى غياب المشاريع الإنمائية والاقتصادية عن المنطقة. وأيضًا آخر تلك الحوادث التي أحدثت شرخًا بين «حزب الله» والقاعدة «الشيعية» التي كان يعتبر أصواتهم أمرًا محسومًا هو الغضب من الأسماء التي أعلنها «حزب الله» لخوض المعركة الانتخابية عبرها، فالأمل كان لدى أبناء وعشائر هذه المنطقة بتغيير سيحدثه «حزب الله» في الانتخابات المقبلة، إلاً أن التسميات لم تكن بقدر التوقعات، فإعادة تسمية النائب حسين الحاج حسن ترجم برفع لوائح مناهضة له في إحدى القرى، وغضب حول عدم تمثيل العشائر الكبيرة في الندوة البرلمانية، الأمر الذي يصعّب المعركة على «حزب الله» وسط مطالبات برفع الحرمان عن بعلبك – الهرمل بعدما دفع أبناؤها الدماء لاستمرار «نهج المقاومة» كما يقولون.
وفي هذا السياق يؤكّد المرشح عن المقعد الشيعي في دائرة بعلبك – الهرمل يحيى شمص في اللائحة المعارضة لـ«حزب الله» في حديث لـ«المجلة»: «نأمل أن نخوض الانتخابات بديمقراطية وبعيدا عن التشنج ومحاولات التهميش وتراشق التهم، ولنترك الخيار للناخب البعلبكي، وهو سيقرر. ولكن في المقابل لا نقبل من أحد تخويننا ولا أحد يستطيع أن يجري لنا «فحص دم بالوطنية» أبناء منطقتي قاوموا الاحتلال العثماني والفرنسي والإسرائيلي وقدموا الدماء دفاعا عن لبنان».
وأضاف: «قررنا إطلاق شعار (الكرامة والإنماء) على لائحتنا، والكرامة أولاً؛ لأنه من غير المسموح أن يبقى قرار أبناء بعلبك والهرمل تابعا لقيادات من خارج منطقتنا يتبعون قيادات خارجية، يجب أن يعود خيارنا وقرارنا إلى مدينتنا، وإلى لبنان، فنحن مسلمون ولبنانيون قبل أي شيء آخر».
خرق لائحة الثنائية الشيعية وتمثيل الشيعة بمرشح من خارج الثنائية التي فرضت نفسها على أبناء هذه المنطقة منذ عشرات السنين ليس الهدف الوحيد من لائحة «الكرامة والإنماء»، العين أيضا على إعادة تمثيل بلدة عرسال التي تعاني الحرمان والتهميش منذ عشرات السنين إضافة إلى المعاناة التي عاشتها البلدة منذ بداية الحرب السورية، وحرمان التمثيل بسبب النظام الانتخابي الذي كان قائما... بكر الحجيري مرشح «تيار المستقبل» عن المقعد السني قال في حديث لـ«المجلة» إنّ «في بلدة عرسال كان هناك عدد من المرشحين، ولكن هناك جهود أفضت إلى انسحاب غالبية المرشحين لصالح اللائحة المدعومة من تيار المستقبل والقوات اللبنانية والمستقلين، فهناك إصرار عند أبناء عرسال لاسترداد الموقع النيابي الذي كان في الأساس من نصيب أبناء بلدتنا، ولكن بسبب الظروف التي مرّت ووجود الوصايا السورية خسرنا هذا المقعد ولكن مع القانون الجديد وتوحيد الجهود يمكننا استعادته، فالتحالف بين حزب الله والسوريين، ووجودنا في منطقة ذات أكثرية شيعية مؤيدة لـ«حزب الله»، جعل المرشح يعيّن تعيينا وليس بالانتخاب من قبل حزب الله والسوريين، وهذا القانون أنصفنا، ونستطيع مع الصوت التفضيلي أن نسترد وجودنا وتمثيلنا».
وختم الحجيري «خرق لائحة الثنائية الشيعية المدعوكة من «حزب الله» وأمل لها دلائل أكبر من الترشيح والحصول على مقعد بالزائد أو بالناقص، الخرق هو تأكيد أن حاضنة «حزب الله» لم تعد كما السابق بل هناك رأي وواقع آخر، يقضي على «حزب الله» إعادة النظر في سياسته تجاه المنطقة بعيدا عن لغة التخوين والتهديد التي تستخدم».
إذن بعد فشل لشهور من محاولات التلاقي بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، قرر الحليفان السابقان التغاضي عن كلّ الخلافات ومواجهة «حزب الله» في عقر داره لوقف احتكار قضاء بعلبك – الهرمل من قبضة الثنائية الشيعية، فهل سيترجم الناخب الشيعي غضبه من تهميش «حزب الله» لمنطقته عبر صناديق الاقتراع لإعادة الإنماء إلى منطقته وإحياء تراثها مثل «مدينة الشمس» التي كانت قبل الحرب الأهلية منارة وقبلة للسياح العرب والأجانب، ومقرا للمهرجانات والإبداع المسرحي؟