«الآن نستطيع القول إنها النهاية» أعلنتها الممثلة القديرة منى واصف في آخر مشهد في فيلم «الهيبة» الذي افتتح مساء الأربعاء في بيروت وقبلها في الإمارات العربية والأردن، بعد أن أتمّت مهمّتها الأخيرة، مسدلة الستار على العمل الجماهيري المستمر منذ أكثر من 6 أعوام، مع 5 مواسم وفيلم، قال فيه صنّاع العمل إنّ باستطاعة أي موسم من 30 حلقة أن يكون موسماً مختصراً بفيلم من ساعتين فقط.
ساعتان كان فيهما جبل الشيخ جبل (تيم حسن) البطل الأول والأخير، والكل يدور في فلكه، حتى القديرة منى واصف كانت ضيفة شرف بثلاثة مشاهد أطلقت في أوّل مشاهدها الأحداث وختمتها في الأخير.
وعلى طريقة إعادة إحياء الموتى التي يلجأ إليها صناع عمل درامي حين يرون أنّ في إعادة شخصية من الموت أمر لا بد منه لتستقيم الأحداث، أعادت «الهيبة» الختيار (رفيق علي أحمد) إلى الحياة، بعد أن مات ودفن في القرية وطوى جبل بموته صفحة الثأر لوالده الذي قتل على يده قبل 17 عاماً.
ولأنّ «الهيبة» بمواسمه الخمسة قال كل ما لديه، واستنزف كل أفكار الأكشن والمافيات والتهريب وحتى قصص الحب، وجد صناعه في تركيا أرضاً خصبة لأحداث تقع خارج حدود الهيبة الخارجة عن القانون، لتبدو إسطنبول بدورها مدينة عصية على الشرطة، يجول فيها جبل ويصول، ويقتحم حراس الحدود وصولاً إلى بلغاريا، للقبض على «الختيار» وإعادته إلى الهيبة، ليعيد تنفيذ ثأر كنا وكان قد ظنّ أنّه طوى صفحته.
يسلط الفيلم الضوء على معاناة المهاجرين، الذين إن نجوا من مراكب الموت، قد لا ينجون من هراوات حرس الحدود التركية البلغارية في طريق عبورهم إلى أوروبا.
يعانون إهانات وضرباً وإن أفلتوا من حراس الحدود يصطادهم مسلحون بلغاريون قال المهرب الذي كان يشرف على نقل جبل من تركيا إلى بلغاريا إنّهم أشبه بميليشيات يتم استئجارها لترويع اللاجئين.
إلا أنّ جبل البطل الخارق لا شيء يروعه، يصاب بطلق ناري وبعد ساعات يخوض حرباً ضروساً على طريقة أفلام هوليوود، حيث البطل الذي لا يقهر، يعبر الحدود رغم أنف الحرس وعلى طريقة سوبرمان يقضي على عناصر الميليشيا، قبل أن ينفذ مهمته في القبض على «الختيار» وعبور الحدود معه، ثم إحضاره إلى الهيبة.
مهمة قد تبدو شبه مستحيلة لجبل المطلوب أصلاً للعدالة، إلا أنّ لا شيء يستعصي على البطل، فكما في الهيبة كذلك في بلغاريا الأمر له، والبوليس كما المشاهدين في الصالة، يتفرّج دون أن يحرّك ساكناً على عملية أمنية استخدم فيها رجل الهيبة ورجاله أسلحة ثقيلة.
مطاردات وتبادل رصاص ودماء وجرائم على مدى ساعتين مرهقتين إلا لهواة النوع ومحبي الأكشن والهيبة على وجه الخصوص، تفوّق إخراج سامر برقاوي وكاميرته على الأحداث المتوقّعة، أقله بالنسبة إلى مشاهد يدرك أنّ لا شيء يهزم جبل، وأن الجبل يقع لكنه لا ينهار، وأنّ بطولاته التي حققها على مدى خمسة مواسم لا تزال قادرة على الإدهاش، وأنّ المبالغة التي التصقت بأحداث الهيبة وببطلها جزء من تكوين عمل صفق له الجمهور مطوّلاً.
تفوّق الممثل رفيق علي أحمد ملك المسرح والشاشة، وبدا مقنعاً حتى وهو عائد من الموت، وناجٍ بأعجوبة من معارك تبدو فيها النجاة أصعب حتى من إعادة ميت إلى الحياة.
يسجل للممثل الشاب سعيد سرحان بدور (علي) حضوراً مميزاً، وأداءً مدهشاً بدا فيه القائد حتى وهو في حضرة شيخ الهيبة وكبيرها.
أما الممثلة زينة مكي فكان حضورها لطيفاً، بذلت جهداً جباراً لتترك أثراً في الفيلم رغم صغر مساحة دورها وعدم تأثيره على مجريات الأحداث. كان حضورها أشبه بقطعة سكر أضيفت إلى فنجان قهوة، يصدف أن الكثير يفضلونها مرّة، ليكتمل عقد نساء جبل.
الممثلون نقولا دانيال، ومحمد عقيل، وناظم عيسى، لا تكتمل أجواء الهيبة إلا بحضورهم.
يسجّل للعمل الإنتاج السخي الذي يبشّر بسينما بمواصفات عالمية شرط توفّر النص المكتوب على قياس الإبداع، لا على قياس النجوم ولا ما يطلبه المشاهدون، ويسجّل له أنّه أنهى أحداث مسلسل قدّم كل ما لديه ولم يعد يحتمل أي أجزاء جديدة تجعل منه «باب حارة» جديدا، كمل يسجّل له أنّه صوّر عملاً عربياً خالصاً في تركيا التي تصوّر فيها أعمال عربية مقتبسة من مسلسلات تركية.
نقاط ضعف الفيلم زلات مغفورة لدى جمهور الهيبة الذي نجح صناعها في إقناعه بأنّ جبل بطل بمواصفات خارقة، المهرّب الخارج عن العدالة، الذي يقتل بدم بارد، الشهم الكريم المحب، البار بأسرته، معشوق النساء، يملك من الصفات نقيضها، أسر القلوب ومعه تيم حسن في دور استهلكه، ظهر في افتتاح الفيلم بلوك «عاصي الزند» الدور الذي يعلن فيه انتهاء مرحلة جبل إلى الأبد.
مغامرة يخوضها المنتج صادق الصباح عبر فيلم ينطلق لجمهور ابتعد عن صالات السينما في زمن كورونا، بعضه اعتاد على هذا النمط، والبعض الآخر يشعر بشغف استعادة إيقاع حياة طبيعي، فهل يقوده هذا الشغف إلى فيلم جديد بقصته وأبطاله؟ أم إلى تتمة لقصة تورّط معها قبل سنوات؟ يبقى أن شباك التذاكر هو الفيصل لتحديد ما إذا كان الأمر يستحق فعلاً المغامرة.