قبل أسابيع قليلة أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون طلب فيه من حكومة الولايات المتحدة تفكيك شبكات المخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا، كذلك طالب الأجهزة الأمنية الأميركية بوضع استراتيجية لمواجهة شبكات الإتجار بالمواد المخدرة المرتبطة بنظام الأسد، إضافة إلى مطالبة كل من وزراء الدفاع والخارجية والخزانة ومدير إدارة مكافحة المخدرات، والمخابرات الوطنية ورؤساء الوكالات الفيدرالية، بتزويد لجان الكونغرس خلال 180 يوما باستراتيجية مكتوبة لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والإتجار بها وبالشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا.
وحكاية نظام الأسد مع تجارة المخدرات ليست جديدة وإن كانت هذه التجارة قد نشطت بشكل كبير خلال السنوات الـ11 الأخيرة، فقد أطلقت صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل نحو عام على سوريا اسم «دولة المخدرات»، فيما ذكر تحقيق نشرته صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، أن قيمة شحنات المخدرات المصنعة في سوريا، وصلت إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات. وأكد خبراء دوليون وإقليميون ومسؤولون في عدة دول عن تزايد تجارة المخدرات وتعاطيها في سوريا ووصفوها بتقارير عدة بـ«دولة المخدرات»، و«جمهورية الكبتاغون».
ويكاد لا يمر أسبوع دون أن يعلن عن كشف وتوقيف شحنات من المخدرات وخصوصا الكبتاغون قادمة من سوريا في دول عديدة، ويبتكر نظام الأسد ومن معه في كل مرة أسلوبا جديدا لـ«تصدير» هذه الشحنات، إن عبر وضعها داخل شحنات الفواكه والخضراوات، أو علب حليب الأطفال، وجديدهم «صحون الفخار».
ويعد الأردن من أكثر الدول المتضررة من «تصدير» نظام الأسد والميليشيات الإيرانية العاملة معه وعلى رأسها حزب الله للمواد المخدرة، حيث اعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن «يُشكل خطراً بدأ يتفاقم بشكل كبير»، مؤكداً أن القوات المسلحة الأردنية تتعامل معه بشكل شبه يومي. وكشف في حديث صحافي أن الأشهر الماضية شهدت ارتفاعاً في محاولات التهريب «ما دعا إلى تغيير النهج الذي تتعامل معه القوات المسلحة في مواجهة هذا الخطر»، مشيرا إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعتها بلاده مؤخراً مع واشنطن، ليست مرتبطة بشكل مباشر بقضية تهريب المخدرات عبر الحدود بين سوريا والأردن. مؤكدا أن المنطقة تشهد «عملاً ممنهجاً تنفذه جماعات محترفة تمتلك معدات وطاقات كبيرة لتهريب المخدرات إلى وعبر الأردن، بحيث يستهدف جزءاً منه بلادنا، ويذهب جزء أكبر إلى أشقائنا العرب».
وإن كانت تقارير كثيرة قد ركزت على أن اعتماد نظام الأسد ومعه إيران من خلال حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى التابعة لها الهدف الأساسي منها هو إيجاد مصادر تمويل جديدة بعدما اشتد الخناق عليهم بسبب العقوبات، إلا أن متابعة أخبار هذه الشحنات ووجهاتها يجعل المرء يدرك أن ما يقوم به نظام الأسد ومعه إيران هو استخدام سلاح جديد في حربهم ضد الدول العربية، ودون أن نغفل أن هذا السلاح موجه أيضا ضد الداخل السوري بعدما ظن العالم أن الأسد استنفر اسلحته في حربه ضد السوريين.
فالأنباء القادمة من داخل سوريا ومن مناطق سيطرة النظام تحديدا تشي بحجم انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين من بقي من شباب في البلاد بشكل كبير، خصوصا مع فقدانهم أي أمل وانتشار اليأس والبطالة وانهيار الوضع الاقتصادي، إضافة إلى انتشار أنواع من المخدرات بأسعار رخيصة وفي متناول الجميع، حتى وصل سعر بعضها إلى أقل من سعر مواد غذائية أساسية.
ومع ذلك يحاول النظام بين الفترة والأخرى أن يعلن أنه يتصدى لهذه «الآفة» كما سماها وزير داخلية النظام محمد الرحمون، عندما ذكر في اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة المخدرات في يونيو (حزيران) الماضي، أن «سوريا تشارك المجتمع الدولي في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات تأكيداً منها على التزامها بمواجهة هذه الآفة الخطيرة». ولكن ادعاءات النظام لم تنطلِ على أحد، فالجميع في الداخل والخارج يعرف أنه حتى عندما يتم توقيف بعض المتورطين في هذه التجارة فالأمر ليس أكثر من «كبش فداء» في المعركة السياسية والإعلامية، والجميع يعلم أيضا أن التصنيع والتصدير يتم بإشراف مباشر من النظام ومحسوبين عليه، وأن الكثير من معامل تصنيع هذه المواد معروفة لدى الكثيرين وتحت حراسة النظام والميليشيات العاملة معه.
وهنا لا بد أن نسأل إن كان القانون الأميركي قد تمكن من وضع حد لـ«تصدير» المخدرات من سوريا، فما الذي ينقذ من بقي في سوريا منها، وخصوصا مع تزايد الأنباء عن تزايد انتشارها ليس فقط في مناطق النظام ولكن أيضا في مناطق سيطرة المعارضة حيث باتت تصل هذه المواد إليها من مناطق النظام؟