يوكيا أمانوا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية

يوكيا أمانوا مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية

[escenic_image id="5511451"]

"تواجهني العديد من الصعوبات ، و لكني سوف أبذل قصارى جهدي للتغلب عليها"

هذه كانت أولى الكلمات التي نطق بها  يوكيا أمانوا المدير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمجرد توليه مهام عمله يوم الثلاثاء الماضي . وهو ما اعتبره خبراء الوكالة، أصاب كبد الحقيقة حيث تواجه الدبلوماسي المخضرم العديد من التحديات الدولية و الضغوط السياسية التي ستجعل من مهمته أشبه بحرب يخوضها على عدة جبهات.

وهو لا يخشى هذه المهمة بل يبدي كل الاستعداد لخوضها، فأمانوا من خبراء نزع السلاح النووي المعروفين بحنكتهم وقدرتهم على إدارة الملفات الصعبة، حيث قضى ما يقرب من 12 عاما في وكالة الطاقة الذرية، تقلد خلالها العديد من المناصب التي أهلته لمنصب مدير الوكالة وتجعله الآن قادرًا على مهمته الثقيلة. و لعل أحد أهم المناصب التي أصقلت خبرات أمانوا منصب مدير التنسيق البحثي و كبير الباحثين  بمعهد اليابان للعلاقات الدولية والذي أتاح له فرصة الاحتكاك بكثير من الدبلوماسيين والسياسيين واستفاد من خبراتهم كما أنه على مدار 36 عامًا من العمل بوزارة الخارجية، تخصص في مجالات نزع السلاح بالإضافة إلى مشاركته في محادثات الحد من التسلح

ومفاوضات مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في الأعوام 1995، 2000، 2005، ثم عين أمانوا سفيرا لبلاده بهيئة الطاقة الذرية. و عقب خمس جولات من التصويت أصبح الرجل الأول بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عن عمر يناهز 62 عامًا.

ورغم مرور أيام معدودة على توليه منصبه، يجد أمانوا نفسه محملا بالمهام و المسئوليات التي تركها على عاتقه المدير السابق للوكالة محمد البرادعي. و أولي التحديات، نجاح البرادعي و تأثيره الفعال في حل القضايا النووية العالقة وهو ما يضع أمانوا في مقارنة مبكرة مع سابقه . خاصة في ميزة  الحياد التي ظل البرادعي يتبعها في مواجهة التناقضات النووية و هو ما ينوي أمانوا أن يحققه في موقعه الجديد وإن كان يعلم أنه مهما فعل ففي النهاية ستلاحقه اتهامات العمالة والخيانة مثلما لاحقت البرادعي طوال 12 عاما قضاها مديرًا للوكالة، فتارة سمي بعميل الغرب،و تارة أخرى الموالي لإيران.

 وعلى قدر الاحترام الذي يكنه أمانوا للبرادعي وإذا كان سيقلده في حياده إلا أنه منذ اللحظة الأولى أعلن اختلافه مع البرادعي في نقاط أخرى في مقدمتها قناعته بأن  " المفاوضات السياسية ليست من اختصاصات الوكالة و إنما مهمتها الأساسية هي  تطبيق الضمانات المتفق عليها "  فأمانوا لا يرى للوكالة دورًا سياسيًا. وإنما كل مهمتها فنية.  

فهو يتخذ منهجًا أكثر تحفظًا و لا يميل إلى تسييس مهام الوكالة. فعلى الرغم من إيمانه بدور الوكالة في دعم المفاوضات السلمية، فإنه يرى أن أكبر خطر قد يهدد الوكالة هو تسييس مهامها، ويؤمن بأن الظهور الإعلامي تكون أضراره دائما أكثر من منافعه. لذلك لم يخف أمانوا أن التصريحات التي يدلي بها مدير الوكالة دائمًا ما تحمل الطابع السياسي، و إن لم يؤخذ الحذر في فهم فحواها، قد يترتب عليها ما لا يحمد عقباه.

كل هذا التحفظ لم يكن مستغربًا من شخصية تتسم بالهدوء الياباني والخبرة الدولية، فأمانوا خريج الحقوق المولود بعد عامين فقط من كارثة هيروشيما ونجازاكي يعلم أنه يدخل بؤرة من النار، فالملفات النووية استعر لهيبها خلال السنوات الماضية وإن لم يتم التعامل معها بحنكة وصبر فربما تنفجر في وجه الجميع و أولهم أمانوا نفسه. فعلى الصعيد الإيراني تحتد المواجهة في ظل التعنت الإيراني و الضغوط الغربية، وهو الموقف الذي سوف يتطلب جهودًا مضنية للوساطة بين الأطراف المعنية. ففي الوقت الذي أصدرت الوكالة قرارًا يطالب إيران بالتعاون مع المجتمع الدولي، قابلت طهران القرار برفض غير مباشر بإعلان نيتها بناء 10 منشآت لتخصيب اليورانيوم وكانت النتيجة  أن قرارها قوبل باستهجان دولي شديد. و هذا بدوره يلقي بمزيد من العبء على عاتق أمانوا لأنه  هو من أشار سابقًا إلى أن إيران دولة مهمة و يجب التعامل معها باحترام و إبقاء خطوط التواصل مفتوحة معها دائمًا.إلا أنه عاد ليؤكد أنه لا يتوقع أن تحل تلك الأزمة سريعًا.  و لذا يفرض التساؤل نفسه: ما السبل الجديدة التي بإمكان أمانوا أن يوفرها للإبقاء على المفاوضات مع الدولة المشاغبة؟

وعلي صعيد آخر يظل الملفان السوري و الكوري في غاية الأهمية رغم تواريهما عن الأنظار في الفترة الراهنة. خاصة مع انتهاء إشراف الوكالة على الوضع الكوري و تصاعد الشكوك الدولية تجاه سوريا و التي يشتبه في تواجد منشآت نووية على أراضيها، وهو ما قد يمثل حجر الزاوية الجديد في تعامل الغرب مع الوكالة ممثلة في أمانوا. كما أن الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة و سوريا قد تمتد ذراعها لتشمل الوكالة والتي قد تستخدم كعامل ضغط سياسي علىعكس ما يريده أمانوا.

الطريف أن كل هذه المبادئ المثالية التي أعلنها أمانوا كخارطة طريق لنفسه في الوكالة لا يصدقها كثيرون من الدبلوماسيين العاملين معه فهم يرونها مجرد مراوغة سياسية من دبلوماسي محنك ويستدلون على ذلك بتعاملات أمانوا قبيل انتخابات الوكالة والتي تثبت أنه ليس رجلًا مثاليًا إلى هذا الحد الذي حاول الظهور به. فلا ينسى أعضاء الوكالة كيف تعامل أمانوا بخبث سياسي مع منافسه وكيف استغل كراهية الغرب لوجود مدير آخر قوي في الوكالة على نمط البرادعي حتى لا يعرقل مصالحهم، فلم يتردد أمانوا في مهاجمة سياسات الوكالة وأسلوب البرادعي ليس لقناعته بهذا وإنما لمغازلة الغرب وكسب تأييدهم وهو ما حدث بالفعل فتحولت الدفة الانتخابية لصالحه وهو ما يجعل بعضهم يرى أن أمانوا ربما يكون رجل المرحلة التي لا تتطلب الحياد الكامل أو المواجهة بقدر ما تحتاج إلى مراوغ محترف ومناور خبيث.

ولكن كما يقول الخبراء فقد تنقلب المناورة السياسية التي ابتدأها أمانوا عليه بنتائج عكسية فهو حتى الآن مازال يتحدث في الهواء ، لكن عندما يدخل في مرحلة العمل الجدي سيجد نفسه مضطرًا لتغيير الكثير من قناعاته ووقتها لن يكون مستبعدًا أن يكرهه الغرب ربما أكثر من كراهيته للبرادعي .

font change