[caption id="attachment_55264451" align="aligncenter" width="2623"] 9 نوفمبر 2017: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (إلى اليسار) والرئيس الصيني شي جين بينغ يصافحان في مؤتمر صحفي عقب اجتماعهما خارج قاعة الشعب الكبرى في بكين.
[/caption]
جوزيف براودي
* وصفت «استراتيجية أمن قومي» أميركية جديدة موسكو وبكين بالتحدي أمام الأمن والرخاء الأميركي... ولكن سياسات البيت الأبيض تجاه القوتين العظميين ليست عدائية بالكامل
* اتخذت إدارة ترمب إجراءات صارمة في مجالات عدة بدت مؤشرًا على موقف أكثر حدة تجاه موسكو.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب إصدارًا جديدًا من «استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية» – وهي وثيقة أصدرها جميع الرؤساء الأميركيين منذ أن فرض «قانون غولدووتر نيكولز» عليهم ذلك في عام 1986. (يتطلب التشريع من البيت الأبيض مراجعة «المصالح والأهداف والمقاصد» الأميركية العالمية؛ وتوضيح «الاستخدامات قصيرة الأجل وطويلة الأجل المقترحة لعناصر القوى الوطنية السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها»؛ والإشارة إلى الكونغرس بشأن المضامين العملية والمتعلقة بالميزانية التي ستجلبها هذه الاستراتيجية على الحكومة). تؤكد مقدمة استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها ترمب أن الاستراتيجية الجديدة تساعد على الوفاء بوعده بـ«جعل أميركا عظيمة مجددًا» عن طريق «وضع سلامة مواطنينا ومصالحهم ورخائهم أولًا».
تصف الوثيقة «عالمًا متنافسًا» يتزاحم فيه الخصوم على السلطة والنفوذ. ومن بين خصوم أميركا الرئيسيين، أبرزت «قوتين رجعيتين» على وجه الخصوص: «تتحدى الصين وروسيا القوة والنفوذ والمصالح الأميركية، إذ تحاولان النيل من الأمن والرخاء الأميركي. وهما عازمتان على جعل نظامهما الاقتصادي أقل حرية وإنصافًا، وعلى زيادة جيوشهما، وعلى السيطرة على المعلومات والبيانات لقمع مجتمعيهما وتوسعة نفوذهما». فيما يتعلق بالصين، تذكر الوثيقة أن بكين تسعى إلى «إزاحة الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادي الهندي، وتوسعة نطاق نموذجها الاقتصادي الذي تقوده الدولة، وإعادة تنظيم المنطقة لصالحها». وتشير الاستراتيجية إلى أدلة على تطلعات أخرى أيضًا أكثر عالمية. أما فيما يتعلق بروسيا، فترى أن الدولة تسعى «إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى وإقامة دوائر نفوذ بالقرب من حدودها» وما وراءها. وتدفع أيضا بأن السعي وراء تلك التطلعات يضع روسيا في موقف عدائي تجاه الولايات المتحدة: «تهدف روسيا إلى إضعاف النفوذ الأميركي في العالم وإبعادنا عن حلفائنا وشركائنا. وترى روسيا اتفاقية الناتو والاتحاد الأوروبي تهديدين. كما تستثمر روسيا في إمكانيات عسكرية جديدة، تتضمن أنظمة نووية تشكل أكبر تهديد وجودي للولايات المتحدة، وفي إمكانيات إلكترونية مزعزعة للاستقرار». كذلك تشير استراتيجية الأمن القومي الأميركي إلى التدخل الروسي في «الشؤون السياسية الداخلية في البلدان حول العالم».
في وضع رد على تلك التهديدات، ذكرت الاستراتيجية أن الولايات المتحدة «تقف مستعدة للتعاون في جميع مجالات المصالح المتبادلة مع كلتا البلدين...». ولكنها أيضًا «سوف ترد مع المنافسات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتنامية التي نواجهها حول العالم».
ليس من المفاجئ أنه بعد إصدار الوثيقة اتخذت كل من موسكو والصين رد فعل انتقاديا. صرح ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن لغة الوثيقة ومضمونها ينمان عن «طبيعة إمبريالية.. ولا يمكننا الاتفاق مع أسلوب يرى بلادنا كتهديد للولايات المتحدة. في الوقت ذاته، هناك بعض الجوانب الإيجابية المعتدلة، على وجه التحديد الاستعداد للتعاون في المجالات التي تتفق مع المصالح الأميركية». أما بالنسبة لرد فعل الصين، فقد رفضت هوا شون ينغ، المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية في بكين الاتهام الأميركي بأن الصين ترهب جيرانها وتسعى بأي شكل لفرض الهيمنة خارج حدودها: «نطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن التشويه المتعمد لنوايا الصين الاستراتيجية والتخلي عن الأفكار البالية مثل عقلية الحرب الباردة والمنافسة ذات المحصلة الصفرية. وإلا فسوف تضر ذاتها أو آخرين».
هل تشبه أو تختلف عن استراتيجيات سابقة؟
تمثل استراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2017 اختلافًا في اللهجة عن إصدارات سابقة، إذ أشارت مرارًا إلى «المنافسة» بصفتها مبدأ مُحركًا في السياسة الخارجية الأميركية في كل من القوتين الصلبة والناعمة. ولكن إلى أي مدى يعكس ذلك نظرة مختلفة حقًا في تقييمها لروسيا والصين؟
فيما يخص الصين، يجد مؤيدو سياسات الرئيس أوباما تجاه بكين غالبًا اختلافًا صارخًا في استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها ترمب. في لقاء مع إذاعة «ناشيونال بابليك»، قال غراهام ويبستر الباحث في العلاقات الأميركية الصينية في كلية القانون بيال إن النهج الجديد «يمثل تحولًا كاملًا مباشرًا عما كانت عليه خطة أوباما، إذ كانوا يتحدثون عن الترحيب بصعود الصين بطريقة ما». وقال غراهام إن إدارة أوباما سعت إلى كسب الصين «كشريك استراتيجي». ذكر غراهام «اتفاقية باريس» بشأن التغير المناخي ومجموعة من جهود الاستجابة للكوارث العالمية التي عملت بها أميركا والصين معًا، ويرى أن تجارب البيت الأبيض في عهد أوباما اتخذت نهجًا أقل ميلًا للمواجهات. أما من جهة المدافعين القدامى عن اتخاذ موقف صارم من الصين، فقد أثلجت وثيقة ترمب صدورهم. قال دان بلومنتال، وهو مسؤول سابق عن الصين في البنتاغون ويعمل حاليًا في معهد «أميركان إنتربرايز»، في تصريح لصحيفة «واشنطن بوست»: «الاعتراف المهم في تلك الاستراتيجية هو أن الصين ترانا خصمها الجغرافي والسياسي الرئيسي، كما كانت تفعل منذ 20 عامًا». وأضاف: «أدركنا الأمر الآن فحسب في الولايات المتحدة».
أما فيما يتعلق بنهج استراتيجية ترمب للأمن القومي تجاه روسيا، فقد جاء الموقف الصارم مفاجئًا نوعًا ما للمراقبين الأميركيين، إلى حد ما لأن المرشح ترمب في حملته الانتخابية دعا مرارًا إلى تحسين العلاقات مع موسكو. كذلك يبدو أن الجدل التالي لقضية الاستغلال الروسي المزعوم للانتخابات الأميركية لمصلحة ترمب – والاعتقاد المنتشر بأن مسؤولين روس قابلوا مسؤولين في حملة ترمب- ينذر بتصاعد الموقف التصادمي. ويميل محللون أميركيون إلى استيعاب لهجة استراتيجية الأمن القومي الحادة بشأن روسيا إما على أنها تقييم جاد لاسياسي صدر عن كاتبي الوثيقة وإما على أنها محاولة للتوضيح أمام العامة أن الإدارة ليست مدينة لموسكو – أو ربما الاثنان معًا.
سجل التنفيذ
أما عن مدى تطبيق الأفكار التي عبرت عنها استراتيجية الأمن القومي بشأن الصين وروسيا، فالسجل مُعقد.
فيما يخص روسيا، اتخذت إدارة ترمب إجراءات صارمة في مجالات عدة بدت مؤشرًا على موقف أكثر حدة تجاه موسكو. بعد تولي ترمب الرئاسة بفترة وجيزة، فرضت إدارته عقوبات على حليف مُقرب لبوتين وقدمت لأوكرانيا أسلحة مضادة للدبابات والتي ساعدت على تعزيز دفاعاتها ضد روسيا. ويوجد اعتقاد بأن الضربات الجوية الأميركية على وحدات موالية للأسد في شرق سوريا في فبراير (شباط) 2018 أسفرت عن مقتل عديد من الجنود الروس. وصرحت سارة هاكابي ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحافيين بأن ترمب «كان أكثر صرامة تجاه روسيا في العام الأول من فترته الرئاسية مما كان عليه أوباما في أعوام رئاسته الثمانية مجتمعة». من جهة أخرى، في يناير (كانون الثاني) عام 2018، تسبب في إزعاج مشرعي الحزبين أن اختارت إدارة ترمب تأجيل فرض عقوبات جديدة على روسيا في الموعد النهائي الذي حدده الكونغرس. وكانت العقوبات تعني إلى حد كبير معاقبة روسيا على تدخلها في انتخابات عام 2016. أما على الساحة الخارجية، فقد جاءت الضربات الأميركية في سوريا، على الرغم من جرأتها، في إطار أكبر لسياسة يراها كثيرون تقبل باحتفاظ بشار الأسد حليف روسيا بالسلطة وبزيادة وجود إيران حليف روسيا العسكري في الدولة الواقعة بالقرب من الحدود مع إسرائيل.
أما بخصوص الصين، فمن جهة أكد جيمس ماتيس وزير الدفاع في إدارة ترمب على الالتزام الأميركي بالدفاع عن اليابان وحلفاء آخرين ضد تجاوزات عسكرية صينية. علاوة على ذلك أعربت الصين عن انزعاجها الشديد عندما أرسلت الولايات المتحدة في يوليو (تموز) 2017، بحسب ما ذكرت تقارير، سفنًا في المياه المحيطة بجزر باراسيل المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. كذلك سوف تؤثر خطة ترمب الجديدة بفرض تعريفات على واردات الصلب والألومنيوم على تجارة أميركا مع الصين، والتي تنتج كميات كبيرة من كليهما – على الرغم من أن الصلب والألومنيوم في حد ذاتهما يمثلان نسبة ضئيلة من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. من جهة أخرى، بعثت الولايات المتحدة إشارات بأنها ترغب في تعزيز التعاون مع الصين- كما حدث في زيارة ترمب إلى بكين والتي أوضح فيها قبوله للوضع الراهن فيما يتعلق بسياسة «الصين الواحدة». كما أن إشارات جديدة من بيونغ يانغ بشأن استعداد محتمل للتفاوض على إنهاء البرنامج النووي الكوري الشمالي تعكس مساعي صينية - أميركية للضغط على المملكة المنعزلة وتشير إلى نتيجة محتملة من المرجح أن ترحب بها بكين.