
باكو (جمهورية أذربيجان): أحمد طاهر
* يُقدر خبراء اقتصاديون تكلفة تورط نظام طهران في الصراعات الإقليمية والدولية بثلاثة تريليونات دولار منذ قيام سيطرة نظام الملالي على الدولة الإيرانية عام 1979.
* مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية: 15 مليار دولار سنويا تدفعها إيران لنظام الأسد لتغطية تكلفة الحرب وتمويل دفع رواتب فصائل سورية عسكرية تقاتل مع النظام السوري.
* قيمة الأموال الإيرانية التي تم إنفاقها في اليمن منذ عام 2009 تقدر بـ8 مليارات دولار.
* مختصون: الدعم النقدي السنوي المقدم من إيران إلى «حزب الله» اللبناني يقدر بـ300 مليون دولار...ووفرت طهران للحزب مشروعات ربحية للدعم قيمتها أربعة مليارات دولار يديرها رجال أعمال وواجهات في عدة دول.
* التدخل الإيراني في شؤون دول الخليج ظل في طي الكتمان والتستر، دون الإفصاح، بل ظلت طهران تنفي ذلك قولا وإن أثبتت الممارسة صحته.
* التدخلات الإيرانية في المنطقة ليست مجرد سياسة تنتهجها الدولة الإيرانية، وإنما هي سياسة متجذرة في دستور الدولة.
* لم يعد من الممكن التستر على الخسائر الكبيرة التي تُمنى بها طهران جراء تدخلاتها المستمرة في شؤون المنطقة.
مع مرور ما يقرب من أربعين عاما منذ قيام نظام الجمهورية الإيرانية عام 1979، تعاني المنطقة العربية برمتها من تدخلات إيرانية متنوعة الأساليب ومتعددة المستويات، بدءا من تصريحات المسؤولين، مرورا بخلق أذرع وجماعات موالية وصولا إلى دعم وتشجيع وتدريب خلايا القتل والتخريب والإرهاب الهادفة إلى إيجاد حالة من الفوضى والترويع في المجتمعات العربية. وإذا كان صحيحا أن هذه التدخلات كانت متمركزة في بداياتها في منطقة الخليج على وجه التحديد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايد حجم النشاط التدخلي الإيراني في شؤون كثير من دول المنطقة. وإذا كان صحيحا كذلك فإن التدخل الإيراني في شؤون دول الخليج ظل في طي الكتمان والتستر، دون الإفصاح، بل ظلت طهران تنفي ذلك قولا وإن أثبتت الممارسة صحته، إلا أنه في الآونة الأخيرة أضحت تصرح بشكل علني وبصورة واضحة نيتها الصريحة في التدخل في شؤون المنطقة وقضاياها.
بمعنى أكثر وضوحا أن حديث جنرالات الحرس الثوري عن سيطرة طهران على أربع عواصم عربية ليس مجرد هفوات أو خطابات جوفاء، بل هي تصريحات عاكسة لواقع قائم بالفعل يؤكده كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني عن المعبر الإيراني الإلزامي على مستوى المنطقة، ذلك المعبر الهادف إلى إحداث تغييرات سياسية عميقة في الدول العربية، يترتب عليها تغيير موازين القوى بين مكوناتها المجتمعية عبر إدخال تعديلات ديموغرافية على الأرض لضمان تكريس الملامح الجديدة، ولعل ما يجري في كل من سوريا والعراق واليمن يؤكد على ذلك، وقد عبرت «الوثيقة العربية الشاملة لمكافحة الإرهاب» والتي ناقشها رؤساء المجالس والبرلمانات العربية خلال مؤتمرهم بالجامعة العربية في فبراير (شباط) الماضي، والمقرر رفعها إلى القمة العربية في دورتها التاسعة والعشرين في الرياض مارس (آذار) الجاري، عن مخاطر التدخل الإيراني في المنطقة العربية، إذ أكدت على أن التدخل الإيراني، أدى إلى إذكاء الطائفية واستشراء الإرهاب، وتمدد الجماعات الإرهابية وتكوين ودعم ميليشيات طائفية مسلحة، الأمر الذي يُشكل تهديدًا للتماسك المجتمعي في الوطن العربي.
وغني عن القول إن التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة ليست مجرد سياسة تنتهجها الدولة الإيرانية في مرحلة ما أو تجاه طرف ما، وإنما هي سياسة متجذرة في دستور الدولة، إذ تشرع لها المادة 154 من الفصل العاشر الخاص بالسياسة الخارجية من دستورها في ضوء رغبة النظام الإيراني في تأسيس حكومة عالمية، التدخل في شؤون الدول بحجة دعم المستضعفين على حد زعمها رغم ما تمارسه من قتل وإرهاب لمكونات الشعب الإيراني كما يحدث لعرب الأحواز والأكراد والبلوش الذين يعانون منذ عقود من ويلات قمع وإرهاب النظام وأدواته تحت سمع ونظر المنظمات العالمية التي وقفت عاجزة في ردع آلة القتل والإرهاب والتشريد لتلك المكونات الكبيرة في الدولة الإيرانية. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن التدخلات الإيرانية لا تتوقف عند حدود دول المنطقة فحسب، بل تمددت إلى دول آسيوية وأفريقية غير عربية، بأشكال ووسائل مختلفة، منها إهدار المبالغ الضخمة التي تدفع نقدًا لأنظمة وأحزاب وميليشيات، من أجل شراء الولاءات السياسية وإدامة الصراعات الأهلية في هذه الدول.
[caption id="attachment_55264273" align="alignleft" width="300"]

ومن هذا المنطلق، يبرز الموقف الإيراني من تصعيد الأزمات التي تشهدها العواصم العربية الأربع الواقعة تحت سيطرتها كما تدعي. ولكن، ما تتغافل عنه طهران أن تدخلاتها المستمرة في شؤون الأطراف الأخرى لا يعني نتائج ذات اتجاه واحد من خلال تصديرها لأزمات ومشكلات لهذه الدول دون أن يكون لهذا التدخل انعكاسات على الداخل الإيراني، إذ إنه من المنطقي أن يترتب على هذه التدخلات المستمرة والمتشعبة لطهران في هذه العواصم تحميلها كثيراً من الخسائر العسكرية والاقتصادية والبشرية بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما يثير التساؤل حول الجدوى من وراء استمرار طهران في تبني سياسة تدخلية رغم تزايد حجم الخسائر التي تتكبدها الدولة ويدفع ثمنها الشعب الإيراني المغلوب على أمره في كثير من الأحيان نتيجة آلة القمع القوية التي تمتلكها دولة الملالي في مواجهة شعبها وتلبية احتياجاته وتطلعاته على غرار ما شهدته كثير من المدن الإيرانية في يناير (كانون الثاني) الماضي (2018) من مظاهرات شعبية رافضة لسياسات التدخل وخاصة في سوريا، خاصة أنها لم تنجح منذ وجودها في تحقيق أي انتصار إلا بعد التدخل الروسي الذي مثل المظلة الحامية للوجود الإيراني.
الخسائر الإيرانية... لم يعد التستر ممكناً
لم يعد من الممكن التستر على الخسائر الكبيرة التي تُمنى بها طهران جراء تدخلاتها المستمرة في شؤون المنطقة، إذ تتضح يوما بعد يوم حجم تلك الخسائر ليس فقط على المستوى الاقتصادي المؤثر بالطبع، وإنما أيضا على المستوى البشري، حيث يسقط في ميدان القتال مئات الجنرالات والمسؤولين العسكريين في الحرس الثوري والميليشيات التابعة له.
ومن خلال إطلالة موجزة على حجم الخسائر الإيرانية في هذا الخصوص، يُقدر خبراء اقتصاديون تكلفة تورط إيران في الصراعات الإقليمية والدولية بثلاثة تريليونات دولار منذ قيام سيطرة نظام الملالي على الدولة الإيرانية عام 1979. إذ أدى تورطها في الحروب التي شنتها على دول عربية وإسلامية إلى إنفاق مبالغ مالية فلكية، فعلى سبيل المثال يقدر الخبراء تكلفة الحرب العراقية ـــ الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، بـ500 مليون دولار. واستمراراً على النهج ذاته، تزايد حجم الخسائر الإيرانية جراء تدخلها في الأزمة السورية، إذ قدر خبراء في (مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية) قيمة المبالغ التي تدفعها إيران لنظام الأسد نقدًا وأسلحة وخبراء بـ15 مليار دولار سنويا، لتغطية تكلفة الحرب كشراء الأسلحة والصواريخ، وتمويل دفع رواتب فصائل سورية عسكرية تقاتل مع الأسد، وتمويل نفقات مدنية وعسكرية للنظام السوري. كما قدر الخبراء الدعم النقدي السنوي المقدم إلى «حزب الله» اللبناني بـ300 مليون دولار، منذ تأسيسه وحتى هذه اللحظة، كما وفرت إيران للحزب مصدرا آخر للدعم قيمته أربعة مليارات دولار يديرها رجال أعمال وواجهات في دول كثيرة في العالم. ويستفاد من أرباحها في تقوية الحزب، وزيادة ما يمكن تسميته بأوقاف الحزب المالية؛ لاستقطاب عشرات آلاف العناصر في لبنان، لتشغيلهم في مؤسسات وشركات، بالإضافة إلى النفقات العسكرية والمدنية لقطاعات مختلفة في لبنان.
كما قدر خبراء قيمة الأموال الإيرانية التي تم إنفاقها في اليمن منذ عام 2009. بـ8 مليارات دولار، وذكر تقرير سري لخبراء في الأمم المتحدة رفع إلى مجلس الأمن الدولي أن إيران تقدم للحوثيين - بالإضافة إلى المال - أسلحة، مشيرا إلى أن السلطات اليمنية عندما اقتادت عام 2013 سفينة جيهان الإيرانية وجدتها تنقل أسلحة إلى الحوثيين. ويضاف إلى النفقات في اليمن الأموال التي تهدرها المؤسسة الإيرانية على موظفيها من القطاعات المدنية والعسكرية الذين يتم تفريغهم لإدارة الصراع في اليمن، وإرسال شحنات السلاح واستئجار السفن، والتدريب والتأهيل وغير ذلك من نفقات.
وجدير بالإشارة أن الحرس الثوري الإيراني هو الذي يتولى مسؤولية كل هذه التدخلات نظرا لإمكانياته المالية الكبيرة التي يقتطعها من مبيعات النفط الإيراني، على حساب تنمية الاقتصاد، ورفاهية الشعب الإيراني، الذي يتضور جوعًا، ويعاني غياب حقوقه التنموية، وحقه في العلاج والتعليم، وغياب البنى التحتية، في حين أن حكوماته المتعاقبة لا تدخر جهدا في تحسين مستويات معيشتهم، بل ظلت على مواصلة سياستها التدخلية رغم تزايد حجم الديون الذي وصل إلى ما يقرب من الثمانين مليار دولار من ناحية، وتراجع أسعار النفط من ناحية أخرى. وبدلا من إعادة النظر في هذه السياسة التدخلية ذات الآثار السلبية على الشعب الإيراني، اتجهت الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ قرارات سلبية على أحوال الإيرانيين كرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية مما ترتب عليه عجز شريحة واسعة منهم عن توفير تكلفة المعيشة اليومية.
سوريا... المستنقع الأكبر لخسائر إيران
[caption id="attachment_55264274" align="aligncenter" width="940"]

مثّل التدخل الإيراني الرسمي في الأزمة السورية منذ عام 2012 سواء بمستشارين عسكريين أو ميليشيات أجنبية سترة النجاة لإنقاذ حليفها بشار الأسد الذي كان قد أوشك على الانهيار، حيث تنوعت الخسائر ما بين عسكرية وأخرى اقتصادية وثالثة بشرية، تحمل تبعاتها الشعب الإيراني الذي يعيش فوق صفيح ساخن من تحديات داخلية جمة أثرت على مستويات معيشته بما دفعه للخروج في مظاهرات شعبية مطالبة قيادات نظام الملالي بإعادة النظر في سياساته الإقليمية بعيدا عن أي تدخلات في شؤون المنطقة وأزماتها نتيجة تأثيرات ذلك سلبا على معيشته واستقراره، وقد نجح النظام الإيراني في قمع هذه المطالب الشعبية المشروعة بالقوة.
ويمكن رصد الخسائر التي مُني بها النظام الإيراني على الأصعدة كافة من خلال كثير من المؤشرات، أبرزها ما يأتي:
1- تزايد أعداد القتلى في صفوف الميليشيات الإيرانية وحلفائها، فمع إرسال طهران ميليشيات للقتال في الساحة السورية منضوية تحت ألوية الحرس الثوري، تفرع عنها عدد من الميليشيات، منها مقاتلون من أفغانستان تحت اسم «لواء فاطميين» وأخرى من باكستان تحت اسم «لواء زينبيين»، وقد تزايد أعداد القتلى في صفوف هذه الميليشيات، ليصل وفقا لتقرير صحيفة «كيهان» الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 إلى ما يقرب من 2700 قتيل وأسير. وهذه كانت حصيلة الأربع سنوات، ومن بين هؤلاء القتلى نحو 90 من رجال الدين وطلبة العلم الشرعي، كان أشهرهم محمد على قليزاده، الذي كان يشغل مندوب ولي الفقيه فيما يعرف بجيش قم. كما كان من بينهم ما بين 10 - 15 شخصا دون السن القانونية للقتال.
2- مقتل القادة العسكريين، حيث فقدت إيران ما لا يقل عن 17 جنرالا كبيرا، منهم الجنرال ذاكر حيدري، والجنرال غلام رضا سيماي، والجنرال دريوش دوروستي، والذي قتل بمعارك في محافظة حماه «وسط سوريا»، والجنرال المتقاعد غلام أحمدي، مساعد قائد ما يسمى فرقة «سيد الشهداء»، وكذلك من كل من: أحمد غلامي، ومحسن قاحاريان، وصفدر حيدري، وسيد سجاد روشياني، وعلي أكبر عربي، ومرتضى ترابي، والجنرال حسين حمداني نائب قائد فليق القدس، والجنرال حاج حميد مختربند المعروف بـ«أبو الزهراء»، وفرشاد حسني زاده، والعميد جواد دوربين، وشفيق شفيعي، وحسن شاطري، ومحمد جمالي زاده، وعبد الله إسكندري، وعبد الرضا مجيري، وجبار دريساوي، وعلي الله دادي، ومحسن قجريان، وحسن علي شمس أبادي، وعلي رضا توسلي قائد لواء فاطميين، ومحمد حسن حسيني مساعد قائد لواء فاطميين، ورضا حواري، وعلي فرادي، وعلي بيات.
«حزب الله» والخسائر في سوريا
[caption id="attachment_55264275" align="alignright" width="300"]

تزامن بدء تدخل «حزب الله» في سوريا مع التدخلات الإيرانية، حيث بدأ تدخله دون إعلان رسمي منذ عام 2012. نافيا في العلن مشاركته في العمليات العسكرية، ومدعيا أنه أرسل مقاتلين «لحماية المعابد الشيعية في الأراضي السورية، وأنه يقدم مساعدات استشارية وتدريبية فقط»، رغم بدء وصول جنائز مقاتليه إلى لبنان. وكان أول ظهور علني لمقاتلي الحزب في سوريا في معركة القصير بريف حمص في مايو (أيار) 2013م، حيث فقد الحزب خلالها أكثر من 100 مقاتل، وأصيب نحو 300 آخرين. وقد ازداد توسع مشاركة الحزب بعد معركة القصير حيث امتد إلى حلب ودمشق وإدلب والساحل، وبدأت قواته تزداد نفوذًا على حساب قوات النظام، ومع امتداد قواته على الأرض السورية بدأت أعداد القتلى في صفوف مقاتليه في ازدياد كبير، ورغم عدم كشف الحزب عن الأرقام الرسمية لخسائره في سوريا فإن إحصائيات تشير إلى أن عدد القتلى في صفوفه بلغ أكثر من 2000 قتيل.
ولم تقتصر خسائر الحزب على جنوده وعناصره، إذ فقد خلال 6 سنوات قادة عسكريين بارزين ورموزًا مهمة في صفوفه من مختلف مستويات القيادة، وكان أول القادة الذين خسرهم: فوزي أيوب الذي قُتل في محافظة حلب في مايو 2014م، ليلحق به بعد ذلك جهاد مغنية الذي قُتل في يناير 2015م، بغارة إسرائيلية استهدفته وعددًا من قادة «فيلق القدس»، التابع للحرس الثوري الإيراني، بالقرب من مرتفعات الجولان، ويعتبر مغنية رمزًا من رموز الحزب فهو نجل القيادي العسكري الأبرز للحزب عماد مغنية. وقد توالت بعد ذلك خسائر الحزب للقادة العسكريين، حيث قُتل حسن حسين الحاج - الذي يعتبر من القادة المؤسسين لـ«حزب الله» - في محافظة إدلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2015م، وخلال مراسم دفنه في جنوب لبنان وصل نبأ مقتل خلَفه في المهمة مهدي حسن عبيد. وفي يونيو (حزيران) 2015م قتل غسان فقيه في منطقة القلمون بريف دمشق، كما قتل أخوه القائد الميداني جميل فقيه في اشتباكات بريف إدلب. وكانت الصفعة الأكبر للحزب بمقتل سمير القنطار الذي يعتبر من كبار قيادات «حزب الله» في سوريا، ويحظى برمزية كبيرة لدى الحزب، وقد قُتل مع عدد من رفقائه بقصف جوي إسرائيلي في منطقة جرمانا بريف دمشق. وقد خسر «حزب الله» اللبناني، نحو 1048 من مقاتليه في سوريا، بين 30 سبتمبر (أيلول) 2012 و10 أبريل (نيسان) 2017 كحد أدنى، بينما خسرت إيران 482 مقاتلاً، بحسب دراسات استقصائية، ليدافع عن بقاء نظام الأسد ويكون عين إيران في سوريا. وقد رصدرت عدة تقارير لبنانية أكدت أن خسائر الحزب من مشاركته في الحرب السورية بلغت بين 2000 - 2500 مقاتل، بينما تجاوز عدد الجرحى 4000 آلاف.
إيران واستراتيجية التعامل مع خسائرها
في ظل هذه الانتكاسات والخسائر المتعددة التي مُنيت بها طهران، مع فشلها في حسم الأمور بشكل نهائي لصالح حليفها بشار الأسد. وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي في الداخل الإيراني، تبنى النظام الإيراني استراتيجية العمل على محورين:
[caption id="attachment_55264278" align="alignleft" width="300"]

1- التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق، بهدف ضمان التعبئة الجماهيرية بأنها في حالة «حرب دفاع مقدسة»، وذلك خوفا من أن خروجها الآن أو تراجع دورها سيؤثر سلبا على حقها في الشراكة في الحلول المطروحة للأزمة السورية، بل تقوم بتوظيف سقوط ضباطها بأنه دليل على وجودها، وهو ما يعطيها الحق في الوجود على طاولة المفاوضات.
2- الكشف عن حقيقة دوافعها من التدخلات في شؤون المنطقة بهدف تهدئة الرأي العام الداخلي، إذ إنه في واحدة من أبرز التصريحات الكاشفة عن حقيقة السياسة الإيرانية في المنطقة، جاء تصريح يحيى رحيم صفوي مستشار المرشد الإيراني خامنئي، مطالبا فيه بـ«عقد صفقات سياسية واقتصادية مع النظام السوري بهدف استرجاع النفقات والتكاليف التي تكبدتها إيران خلال الحرب السورية، حيث فقدت طهران الآلاف من مقاتليها، والمليارات من أموالها، دفاعا عن النظام السوري وحليفها الأبرز بشار الأسد»، مشيرا في ذلك إلى ما جرى مع روسيا من توقيعها لعقود طويلة الأجل، وذلك بقوله: «إن الروس أبرموا اتفاقات لمدة 49 عاما مع النظام السوري، ضمنوا فيها مصالحهم السياسية والاقتصادية من خلال إنشاء قاعدة عسكرية وعقود اقتصادية وسياسية، وعلى إيران أن تقوم بخطوات مشابهة مع النظام السوري»، وهو ما تحقق بالفعل فيما حصلت عليه طهران من مزايا وامتيازات، منها:
• البدء في تصدير الفوسفات السوري.
• توقيع اتفاق خلال زيارة رئيس الأركان الإيراني في 17 أكتوبر 2017. بشأن إنشاء مصانع أسلحة جديدة وإعادة بناء بعض مصانع الأسلحة لصالح الجيش السوري.
• توقيع عدد من الاتفاقات المتعلقة بقطاع الطاقة، إذ يذكر أن البلدين وقعا اتفاقا في سبتمبر 2017 لإصلاح وترميم شبكة الكهرباء بسوريا، حيث تم الاتفاق على إعادة تأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للمنظومة الكهربائية في دمشق، كما تم الاتفاق على إعادة تأهيل محطة للكهرباء بقدرة 90 ميغاواط في محافظة دير الزور، وفي السياق ذاته، وقع البلدان عقدين يتضمن أحدهما توريد خمس مجموعات غازية لمدينة حلب بقدرة 125 ميغاواط. كما قد سبق ذلك توقيع مذكرة تفاهم تتضمن بناء محطة لتوليد الكهرباء بقدرة 540 ميغاواط في محافظة اللاذقية الساحلية، إضافة إلى توقيع اتفاقات مهمة في قطاعي الاتصالات والتعدين.
• الاستفادة من السوق السورية في تصدير منتجاتها، حيث بلغت قيمة الصادرات الإيرانية إلى سوريا نحو 58 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2017، وهو ما يؤشر على اتجاهها نحو مزيد من الزيادة.
التدخلات الإيرانية والمواجهة العربية المطلوبة
[caption id="attachment_55264279" align="alignright" width="300"]

في ضوء تزايد المخاطر المترتبة على التدخلات الإيرانية وأذرعها في شؤون دول المنطقة بما يهددها بمزيد من الفوضى، أضحى من الأهمية بمكان ضرورة اتخاذ الدول العربية الفاعلة وتحديدا مصر والسعودية والإمارات دورا رياديا في مواجهة هذه التدخلات وإلا اتجهت الأوضاع نحو مزيد من التدهور، ولعل ما تضمنته الوثيقة العربية لمكافحة الإرهاب المزمع إقرارها في القمة العربية المنعقدة في مارس الجاري بالعاصمة السعودية الرياض والسابق الإشارة إليها، قد وضعت بعض المقترحات العملية الواجب تنفيذها لحماية أمن البلدان العربية واستعادة سيادتها والحفاظ على وحدة أراضيها ومواجهة أي تدخلات في شؤونها الداخلية، ومن أبرز هذه المقترحات ما يلي:
1- إيقاف الحملات الإعلامية المعادية بين الدول العربية، وتوثيق العلاقات بينها ضمانًا للتعاون الجماعي وتوحيد الصف لدرء المطامع الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولعل موقف الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) حيال سياسة قطر وتوجهاتها خير دليل على أهمية عودة قطر إلى المنظومة العربية بعد توقفها عن سياستها الراهنة.
[caption id="attachment_55264281" align="alignleft" width="300"]

2- اتخاذ كافة التدابير العربية المشتركة لمنع تمويل العمليات الإرهابية أو الإرهابيين ووقف كل مصادر الإمدادات المادية والعسكرية أو تهديد أمن الدول الأخرى بأي وسيلة غير مشروعة.
3- اتخاذ كافة التدابير العربية المشتركة لعدم استخدام أراضي أي من الدول العربية في إقامة منشآت أو معسكرات تدريب للميليشيات والتنظيمات الإرهابية، ومنع إيواء العناصر الإرهابية والمتطرفة أو توفير ملاذ آمن لهم أو السعي في تأييدهم في محفل إقليمي أو دولي.
4- إعلاء مبدأ وحدة الأمن القومي العربي، المتمثل في أن أي اعتداء على أي دولة عربية هو اعتداء على الدول العربية جميعًا، بما يُفضي إلى سياسة وطنية مفادها أن الأمن الوطني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، ولا يعمل بمعزل عنه، وذلك هو السبيل الأنجع في تحصين الوطن العربي من ويلات الإرهاب واختراقات الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
[caption id="attachment_55264282" align="alignright" width="300"]

5- ضرورة تسوية النزاعات العربية سلميًا مما يسهم في تفويت الفُرصة أمام المتربصين والمنظمات الإرهابية في استغلال معاناة الشعوب والضيق نتيجة الصراعات.
6- إنجاز مشاريع تنموية عربية مشتركة، ثنائية ومتعددة الأطراف، تكون بمثابة مشروعات قومية تعضد وحدة الشعب العربي، وتفتح المجال أمام استيعاب طاقات الشباب العربي، وعلى سبيل المثال: مشروع قومي بشأن التكامل الصناعي بين بعض الدول العربية، ومشروع قومي لدعم التكامل الزراعي بين الدول العربية، ومشروع عربي مشترك للاستخدام السلمي للطاقة النووية.
7- إنشاء مجلس تنسيقي عربي لمراكز مكافحة الفكر المتطرف في الدول العربية، وإنشاء قاعدة بيانات لهذه المراكز بغرض تسهيل التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات بينها.
وعليه، أضحى من الأهمية بمكان القول إن مواجهة التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة ومحاولاتها المستمرة لخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار كخطوة لإعادة ترتيب أوضاعها بما يتفق ومصالحها ومصالح حلفائها، لن تتأتى في ظل حالة الانقسام والتشرذم التي تعانيها البلدان العربية، وإنما أصبحت وحدة المواقف والسياسات والتنسيق المشترك بينها هي خط الدفاع الأول أمام هذه التدخلات وإلا نجحت طهران في تعميق الانقسام الداخلي وتوظيف أذرعها وحلفائها ضد أمن واستقرار بلدان المنطقة.
* باحث زائر بمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة جمهورية أذربيجان