[caption id="attachment_55264180" align="aligncenter" width="5616"] مشروع لمنظمة أوكسفام بعد زلزال هايتي عام 2010 (غيتي)[/caption]
نيويورك - جوزيف براودي
* العواقب المترتبة على الفضائح بالنسبة لأوكسفام وخيمة. مما يعرض الأموال الطائلة التي تحصل عليها أوكسفام للخطر.
* يشعر بعض داعمي الجمعيات الخيرية القدامى بظلم مضاعف، بسبب قبح الانتهاكات وتأثيرها غير المباشر على عمال الإغاثة الصادقين.
في التاسع من فبراير (شباط)، نشرت صحيفة «التايمز» اللندنية على صفحتها الأولى تقريرًا عن فضيحة وقعت في أعقاب زلزال هاييتي المدمر في عام 2010. إذ استعان عاملون رفيعو المستوى في أوكسفام - إحدى أبرز المنظمات الخيرية الدولية في بريطانيا – بسيدات وربما فتيات قُصّر من هاييتي من أجل الجنس مقابل المال. ومن بين الشخصيات المزعوم تورطها رئيس عمليات أوكسفام في هاييتي رونالد فان هويرميرن. ووردت تقارير بأن بعض الجرائم وقعت في فيلا تمولها المنظمة الخيرية. كما زعمت «التايمز» أن أوكسفام، بعد أن نما إلى علمها نبأ هذا النشاط، سعت إلى التستر عليه. وجذبت الاتهامات اهتمامًا واسعًا في بريطانيا نظرًا لأن أوكسفام تتلقى نسبة كبيرة من ميزانيتها التي تبلغ 408.6 مليون جنيه إسترليني (568.3 مليون دولار) من الحكومة البريطانية ومواطنيها.
أوكسفام تنفي محاولة التستر على الجرائم
وردًا على ما نشر، أدانت أوكسفام الجرائم ولكنها نفت في البداية محاولة التستر عليها، بيد أن تقارير أخرى أكدت أن أوكسفام عجزت عن عرض الحقائق بشفافية تامة أمام لجنة الجمعيات الخيرية، وهي الهيئة المنظمة للجمعيات الخيرية في بريطانيا. كذلك لم تبذل المنظمة أي جهد لمنع فان هويرميرن وزملائه المتهمين من الحصول على عمل في جمعيات خيرية أخرى بعد رحيلهم عن أوكسفام. ووسط حالة من الغضب الإعلامي أثارها التقرير المنشور في «التايمز»، أسرعت أوكسفام بتنفيذ إصلاحات سريعة مما جعلها عرضة لمزيد من الاتهامات: إذ ربما استغل العاملون بها كذلك نساء وفتيات في بعثة عام 2006 إلى تشاد، وقد وردت 268 دعوى بوقوع جرائم استغلال وإساءات جنسية ضد المنظمة في مناطق مختلفة من العالم على مدار الأعوام التسعة الماضية. وبعد ثلاثة أيام من كشف الفضيحة، أعلنت نائبة الرئيس التنفيذي لأوكسفام بيني لورنس تحملها المسؤولية كاملة واستقالت من منصبها.
كانت العواقب المترتبة على الفضيحة بالنسبة لأوكسفام وخيمة. حيث فتحت اللجنة المنظمة للجمعيات الخيرية تحقيقًا رسميا، مما يعرض الأموال الطائلة التي تحصل عليها أوكسفام للخطر. وحذرت المفوضية الأوروبية من أنها قد توقف دعمها كلية إذا لم يتم إجراء إصلاحات مُرضية. وتخلت الممثلة ميني درايفر وكبير الأساقفة ديزمون توتو عن منصبيهما كسفيرين للجمعية. كما ألغى آلاف المتبرعين الأفراد تبرعاتهم. ومع أن أحد قيادات أوكسفام وصف الغضب العام بأنه «مبالغ فيه إلى درجة الشعور بالذنب»، اتخذت ويني بيانيما الرئيسة التنفيذية للمنظمة موقفًا نادمًا. وتعهدت بأن «تُكَفّر» المنظمة عما حدث، وبدأت في تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق فيما يبدو أنها ثقافة مؤسسية واسعة تتعلق بالمخالفات الجنسية. وتطوعت أوكسفام كذلك بوقف التقدم بطلب للحصول على أموال من الحكومة البريطانية حتى تحقق المعايير الأخلاقية التي تُعد مُرضية أمام العامة.
منظمة أطباء بلا حدود ... تحرشات و إساءات جنسية
في الوقت ذاته، ظهرت فضائح جديدة في جمعيات خيرية أخرى، فقد كشفت منظمة أطباء بلا حدود في 14 فبراير (شباط) أنها فصلت 19 من العاملين بها إثر مزاعم بوقوع تحرشات أو إساءات جنسية. واعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن 21 فردا من فريقها الدولي استقال أو تم فصله بسبب حصوله على الجنس مقابل المال. وأكدت «بلان إنترناشيونال» في بريطانيا وقوع ست حالات إساءة جنسية ضد أطفال. وضمت القائمة أيضا جمعية خيرية بريطانية لنزع الألغام، والمنظمتين الإغاثيتين «أكشن آيد»، و«ووتر آيد». واستقال الرئيس التنفيذي السابق لمنظمة «أنقذوا الأطفال» جاستن فورسيث من منصبه كنائب مدير اليونيسيف بعد اعترافه بالتحرش الجنسي بثلاث موظفات في الماضي. وفي كل من تلك الحالات، بلغ عدد المذنبين المؤكدين شريحة محدودة من الفرق الدولية؛ على سبيل المثال تضم منظمة أطباء بلا حدود أحد أكبر هيئات المجتمع المدني في العالم 40 ألف طبيب، بينما يعمل في المنظمة الدولية للصليب الأحمر 17 ألفًا في جميع أنحاء العالم. ولكن تجاوز الغضب العام تلك النسب، نظرًا لأن مرتكبي هذه الجرائم في الغالب احتلوا مناصب عليا بينما تضمنت قوائم الضحايا بعضًا من أكثر الأشخاص المستضعفين في العالم.
«تأثير واينستين»
على الرغم من أن بعض الاتهامات التي تتصدر عناوين الأخبار حول أوكسفام وجمعيات خيرية أخرى ترجع إلى أكثر من عشرة أعوام، فإن هناك طابعا جديدا في الجدل الناشئ عن مناخ الغضب الشعبي المنتشر عبر المحيط الأطلسي بسبب إساءة معاملة المرأة. في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017. كشفت صحافية «نيويورك تايمز» جودي كانتور عن وقائع مروعة لإساءات جنسية ارتكبها هارفي واينستين، المنتج ذو النفوذ في هوليوود والمتبرع لقضايا ليبرالية أميركية. أثارت الإطاحة به من الشركة التي شارك في تأسيسها موجة من الاتهامات المشابهة وطُرد رجال ذوو نفوذ في عشر دول على الأقل، وهي الظاهرة التي أطلق عليها «تأثير واينستين». ووقعت أغلب الحالات الشهيرة إما في مجال الإعلام أو الوسط السياسي في أغنى الدول الديمقراطية في العالم.
أبرزت الفضائح التي طالت منظمات خيرية دولية، والتي تناولت بالمثل إساءة استغلال الرجال لسلطتهم على المرأة، خللاً أفدح؛ إذ تضمنت عدة وقائع نساء من أفقر بلدان العالم تعرضن لانتهاكات في فترة عوز شديد. وأثار الافتراض المنطقي بإمكانية استغلال اختلال السلطة إذا غابت المساءلة مخاوف من أن الجرائم الجنسية من النوع الذي وقع في أوكسفام متفشية في العالم النامي. أثار ويل هولدن، الذي يدير فريق لوجيستيات الطوارئ لتيسير عمليات الإغاثة في العراق، القلق في لقاء مع «آيريش تايمز»، حيث صرح بأن مجال الإغاثة الإنسانية «متأخر لأعوام عما يجب أن يكون عليه نموذج الموارد البشرية في العالم التجاري». وحذر رئيس هاييتي جوفينيل مويس، الذي دعا إلى تشديد الرقابة على جميع الجمعيات الخيرية التي تعمل في بلاده، من أن قضية أوكسفام ما هي إلا «الجزء الظاهر من جبل الجليد».
ربما لا تملك بعض البلدان الفقيرة آليات الرقابة العامة والمساءلة التي تتطور في البلدان الديمقراطية المتقدمة للتخلص من مثل تلك الإساءات. ولكن في ظل ارتباط موارد الجمعيات الخيرية بدول متبرعة قوية بدأت في اتباع نهج «عدم التسامح مطلقًا» مع الجرائم الجنسية، من المرجح أن يؤدي ظهور أدلة أخرى على وقوع مخالفات جنسية إلى تداعيات أكبر.
بيد أن الاندفاع إلى معاقبة الجمعيات الخيرية سيخاطر أيضا بمنع خدمات ضرورية لإنقاذ حياة ملايين من المستفيدين. تحدث مارك هادون المتبرع لأوكسفام في «الغارديان» باسم «الأشخاص الذين فيما يبدو استبعِدوا من الحوار: الشعب في اليمن الذي يواجه الآن بعد ثلاثة أعوام من الحرب أكبر حالة تفشٍ لوباء الكوليرا في العالم؛ وأكثر من نصف مليون من الروهينغيا الفارين إلى بنغلاديش هربا من العنف في ميانمار؛ و3.8 مليون شخص طردوا من بيوتهم في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ والمستفيدين من معونات أوكسفام في بوليفيا ومالاوي وكينيا والفلبين والنيجر وروندا وجنوب السودان وزيمبابوي». وقال إن بعضًا من أشد معارضي أوكسفام في الأسابيع الأخيرة كانوا «أشخاصًا في بريطانيا لم يكن لديهم أدنى اهتمام برعاية هؤلاء الناس... ويتخذون الآن موقفًا أخلاقيًا ساميًا، أو الأسوأ من ذلك، يستغلون هذه الأزمة كوسيلة لتعزيز حملتهم الخاصة ضد عمليات الإغاثة في الخارج على وجه العموم». وفي السياق ذاته، ندد نيال فريزر الكاتب المقيم في هونغ كونغ «بالمبالغة الإعلامية – التي أحيانًا ما تكون خاطئة – في الغضب بسبب السلوك الجنسي لدزينة من الأشخاص القذرين والذي وقع قبل عقد تقريبا، وفي النهاية لن يضر سوى مصالح الأشخاص الأكثر فقرًا وضعفًا بيننا، والذين يشكلون الغالبية العظمى من البشر».
يشعر بعض داعمي الجمعيات الخيرية القدامى بظلم مضاعف، بسبب قبح الانتهاكات وتأثيرها غير المباشر على عمال الإغاثة الصادقين والأشخاص الذين يخدمونهم، ويسعون إلى سلك طريق لمعالجة الموضوع بحساسية. قالت الممثلة ميني درايفر عن فضيحة أوكسفام إنها «طعنتني في صميم ما كنت مشتركة فيه». كما دعت لدى مشاركتها في إحدى الفعاليات، التي أقيمت في لندن وتركز على حركة مكافحة التحرش والإساءات الجنسية، إلى تبنٍ واسع النطاق لنموذج «الحقيقة والمصالحة»، في إشارة إلى هيئات تعويض قضائية أُنشئت في جنوب أفريقيا بعد فترة الفصل العنصري وفي رواندا بعد المجازر الجماعية. ودعت أيضا إلى بذل جهود حاسمة «لتطهير الداخل» في أوكسفام مما يسمح للمنظمة باستعادة مكانتها العالمية في أقرب وقت ممكن.