زها حديد... الهندسة المعمارية في مدار النجومية

زها حديد... الهندسة المعمارية في مدار النجومية



ريشة: علي المندلاوي
قلم: منصف المزغني

- 1
زها حديد؟
- هي: نجمة لم يرها الكثير من العرب إلا بعد الأفول.
- وهي مطربة، ولكن... في مقام العمارة العالية، على مستوى العالم.
- ومهندسة في مجال المشاريع العملاقة العالمية.
- وأضاءت هذه النجمة العربية، أبعد من بلادها: العراق.
- ونثرت زهورها وحدائقها المعمارية في بلادها، وفي الصين. وأنحاء متفرقة فوق الكرة الأرضيّة.

- 2
- وزها حديد، أسطورة معاصرة، مسالمة، وصامتة...
- قد لا يعرفها، للأسف، جل طلبة كليات الفنون ومعاهد الهندسة المعمارية في العالم العربي.
- أو لعل المدرسين يخافون الاقتراب من مناطق الخيال والدهشة والإبهار، ومن خيوط التجريب في أعمالها، فهم أمام مهندسة ومجرّبة، ومخربة لما ألفوه من نظريات وتجارب معمارية.

- 3
- وزها حديد: عراقية الأصل بريطانية الجنسية، وأعمالها المعمارية معروفة خارج العالم العربي، ومتميزة بروح شرقية شاعرية خالصة.
- لقد أثبتت أنها قريبة من جدتها الشرقية: شهرزاد، هذه الساردة الأجمل في تاريخ الخيال، هذه الأخيرة لم تكفَّ، خلال لياليها الألف عن هندسة المتعة السردية، وبناء غريب الخرافات الخيالية، والواقعية، والعجائبية معا.
- و زها لا تقل عجائبية في مجال السرد المعماري عن جدتها شهرزاد. أليست القصة والرواية بناء وهندسة وروحاً مثل بيت للسكنى؟
- أليس الشعر مجموعة بيوت ذات صدور، وأعْجاز، وقوافٍ، وبحور وتفاعيل وحركات وسكونات.
- وكذلك هو المعمار لدى السيدة زها.

- 4
- ولدت زها حديد في سنة 1950 في بيت يمكن نعته بالأرستقراطي، فوالدها شغل منصب رئيس الوزراء في العراق، وكانت البنت مهووسة بالتصميم منذ طفولتها، ومحمولة بفكرة...
- لعلها فكرة الخلود، مثل جلجامش الأسطوري.
- أو أبي الطيب المتنبي الذي كان يحفر في مخيالها الذي يأبى إلا أن يكبر، وهو يحرض على الطموح:
- «إذا غامرتَ في شرفٍ مَروم ِ - فلا تقنعْ بما دون النجومِ».

- 5
- طموح زها حديد المعماري، كان عالياً، وكانت تحلم، وبعينيها الواسعتين، كانت ترى الكبير، وترنو إلى الجميل، وتحلم بالمنجزات العظمى.
- إنّ ما أنجزته زها على أرض الواقع من علامات وجماليات معمارية تشهد لها بالإبداع الهندسي المدني.
- ولكن هذا الميدان عُرف فيه الكثير من الرجال، وغابت عنه المرأة المهندسة الفنانة في أغلب الأحيان والبلدان.
- وها هي زها حديد تقول للرجال: وهذه أنا، جئت لأنتقم، أو لآخذ حق المرأة المهندسة المعمارية الفنانة.

- 6
- ولأسباب يطول شرحها، عاشت زها حديد حاملة للجنسية البريطانية حتى أواخر حياتها في 2016.
- ولكنها عاشت، ومثل شارلي شابلن (كمواطنة من العالم).
- وأعمالها باتت مرفوعة...
- ومعروفة هناك وهناك فوق الأرض بما يجعل سطح الأرض صفحة لإجلاء لمساتها الهندسية، وتدفّق خيالها الباذخ.

- 7
- كان العارفون بزها حديد، والمقدرون لموهبتها يسعون إلى:
- التقرب من موهبتها العجائبية والغرائبية والإنسانية معاً حتى تنحت تصاميم معمارية خارجة عن الجاهز والمألوف والمعروف
- ويحكى أنها تركت على مكتبها مشاريع، وطلبات، وتخطيطات... ولم يمهلها الموت للوفاء بطلبات الطالبين، وتنفيذ قصائدها المعمارية الشبيهة بالمعلقات الشعرية، فظلت بلا تنفيذ.

- 8
- وتظل زها حديد عنواناً بازراً من جمال وفن.
- فقد أحدثت تصاميمها ثورة في مجال المعمار العالمي.
- وطرحت أسئلة كثيرة لعل أهمها:
- الرغبة في كسر الزوايا، في الهندسة المعمارية، واعتماد الخطوط المنحنية.
- مما أكسب العمارة التي توحي بالمادة الصلبة نوعاً من الحنان، واقتراب المباني من تصاميم الأجساد الحية، والحياة.
- كل هذا أضفى على شغلها روحاً هي: المرأة الحالمة والشرق الشاعري.

- 9
- كان ابتعاد زها حديد عن الصلابة جلياً
- واقترابها من الليونة في الكتلة التشكيلية كان واضحاً
- ونفورها من الحدة في تحديد الزوايا كان صارخاً.
- وبانت تصاميمها لوناً من الحنان والأمومية.
- ولعله شكل من التكريم للعين الرائية، والأجساد الحالمة بالأمان.
- رغم التزامها بالصلابة والحديدية في تنفيذ كل هذه التفاصيل الجمالية.
- وتكاد تكون «التجاعيد المعمارية» التي تصنعها متلائمة مع وقار معماري ولكن بتوقيع: زها حديد.
- والجسدية المعمارية لدى زها حديد لا تكفّ عن النبض، وعن الحياة وهي تعلن بهجة الوجود.
- وكأنّ الناظر، في تصاميمها من الخارج، يشعر بالإمتاع والمؤانسة، فيكاد ينسى مواد البناء الصلبة.
- ويشعر الرائي في تصاميم «زها حديد» أنه:
- أمام امرأة وفنانة تحترم الأمومة والطبيعة والأرض.
- وما هذه العناصر الثلاثة غير أخوات لأمنا: الأرض!
- هنا، وفي هذا كله، يكمن درس زها حديد المعماري.

- 10
ولكن... فرص التعريف بزها حديد قليلة جداً ونادرة أو منعدمة، ويتم التعريف بها في وسائل الإعلام العربي...
- خاصة بعد أن رحلت، وباتت شهيرة في العالم، ولها تصاميم كثيرة مغروسة في أكثر من أرض وتحت أكثر من سماء في هذا العالم

- 11
- لقد كانت بناياتها وهندستها قصائد زهو للروح، ومثل معلقات من حرير للابسين وللناظرين معاً.
- وربما كانت تحريراً للجسد من نمطية طغت عليها الهندسة وغاب عنها الإحساس بالأمومة والحنان.
- أما لقبها: حديد، فلا شك أنه من الأضداد، حيث لم تعط زها حديد...
- غير تصاميم صلبة ولكن من،،، حرير.



font change