بيروت: تتوالى صرخات الاستغاثة في مختلف القطاعات جراء أزمة اقتصادية ما تزال تستفحل منذ قرابة الثلاثة أعوام في ظل شلل سياسي تامّ لا يُبشّر بإمكانية الوصول إلى نهاية لذلك النفق المظلم. وبات اللبنانيون يصارعون كل من موقعه لتأمين أقل مقوّمات الصمود أمام الانهيار الكبير، الذي ترك احتمالات الذهاب نحو المصير الأسوأ مفتوحة في ظل انعدام الحلول.
وبدا لبنان في الأسبوعين الماضيين أمام أخطر تهديد للدورة الإنتاجية في ظل التعطيل شبه الشامل لقطاع الاتصالات والإنترنت والتخبط الذي رافق إضراب موظفي هيئة أوجيرو وموظفي شركتي الاتصالات الخليوية «إم تي سي»، و«ألفا» وانعكاسه على مجمل حركة الاتصالات والإنترنت.
هذه الإضرابات سبقها زيادة في رسوم الاتصالات والإنترنت، الأمر الذي خلّق أزمة لدى المشتركين. إلّا أن الزيادة تلك تلاها تصعيد لموظفي «أوجيرو» البالغ عددهم نحو 2700 موظف للمطالبة بتحسين رواتبهم التي تآكلت نتيجة انهيار قيمة الليرة والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها البلد.
وعلى أحقيّة المطالب في هذا الزمن الاقتصادي الضيّق، عانى الآلاف من تضرر في شبكة الإنترنت والخطوط الهاتفية جرّاء الإضراب ممّا طرح علامات استفهام عدّة حول ما تحمله هذه المطالب من أمور تعجيزية كاحتساب الراتب على سعر منصة «صيرفة»، وفق ما تردد، الأمر الذي يُعدّ عالي السقف ولا يتماشى منطقياً مع واقع الحال المالي سيّما مع ما يعاني منه القطاع من تخمة في التوظيف.
خشية من الأسوأ والأيام المقبلة قد تشهد حلاً مقبولاً
مصادر مطلعة على أجواء الاجتماعات التي عُقدت في الآونة الأخيرة للاتفاق على مخرج، أبدت خشيتها من تفاقم الأمور سوءاً وتأثيرها على ما تبقّى من اقتصاد وعلاقات تجارية ودولية وعمل الشركات التي لا تزال واقفة على أقدامها. وكشفت لـ«المجلة» أن «حل مشكلة الرواتب يجب أن يكون حلاً عاماً في القطاع العام وليس على القطعة»، موضحةً أن الأيام المقبلة قد تشهد حلاً مقبولاً نسبياً.
الإنترنت عكاز الشركات الوحيد في لبنان
الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، أوضح لـ«المجلة» أن موضوع إضراب «أوجيرو» حمل إشكاليتين: «الأولى أن الإنترنت تعطل في جميع أنحاء البلد وهذا أثّر سلباً على الإنتاجية العامّة، فالشركات الموجودة بمعظمها تعمل عن طريق الإنترنت، إن كان لجهة التواصل مع الموردين أو حتى الزبائن، هذا عدا الاجتماعات التي أصبحت تُعقد بعد انتشار كورونا عن بُعد».
وقال: «كما أن معظم الشركات أصبحت تخزّن المعلومات عبر CLOUD وبالتالي تعطّل الإنترنت يعني عدم التمكن من الوصول إلى تلك المعلومات المخزّنة».
يُذكّر مارديني بأزمة انقطاع المازوت التي عانى منّها لبنان مؤخراً حيث توقفت معظم المستشفيات عن العمل وعن استقبال المرضى، قائلاً: «انقطاع الإنترنت سيكون أكثر قساوة وأشدّ أذى. فالنسيج الاقتصادي الخدماتي يعتمد بشكل كبير على التواصل عبر الإنترنت والإنتاج توقّف على مدى يومين أو ثلاثة وتضرّرت المؤسسات. وفي حال تكرّر هذا الأمر، فنحن أمام توقف الإنتاج مرة أخرى وبالتالي الإقفال ومغادرة البلد فالإنترنت عكاز الشركات الوحيد في لبنان».
وأضاف: «تأثير الإضراب سلبي وعمّق الأزمة، حيث يتحمّل الموظفون مسؤولية إقفال المزيد من الشركات وتكبير الأزمة بدلا من تصغيرها».
وفي السياق، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني إلى أن «أوجيرو تحتكر قطاع الإنترنت في لبنان، فشركات الإنترنت الأخرى الموجودة لا يحق لها استيراد الإنترنت إلا عن طريق شرائها من أوجيرو، وهذا الاحتكار خلق ما يعرف بسوء استخدام السلطة لأنهم مورد الإنترنت الوحيد للبلد، وباستطاعتهم خنقه عبر ابتزاز الشعب اللبناني. والحكومة اللبنانية التي تسمح بهذا الاحتكار تتحمل جزءا من هذا الضرر الحاصل جراء الإضراب».
وعن الحلول، يشدّد مارديني على أنّه من خلال «فتح قطاع الإنترنت للمنافسة والسماح لشركات أخرى أن تدخل السوق، ويمكن أن تبقى أوجيرو مملوكة للدولة، وتستورد الشركات وتوزع وتمدّ على نفقتها الخاصة شبكة فايبر أوبتيك أسوة بكل بلدان العالم. ولكن هذا الخيار غير موجود لأن استيراد الإنترنت محصور فقط بأوجيرو».
وعلى صعيد الموظفين، يقول مارديني إن «جزءا من هؤلاء الموظفين لا يأتي إلى العمل وتوظيفهم تم نتيجة المحسوبيات والسياسة والطائفية ودخول الواسطة على الخط للحصول على أصواتهم في الانتخابات وهم غير منتجين وتم إلصاقهم في أوجيرو. بالمقابل، هناك موظفون يقومون بواجباتهم وراتبهم ما عاد يكفي. والأكيد أن الزودة لا يمكن أن تشمل الفئتين المنتجة وغير المنتجة، وبالتالي هي غير عادلة وكلفتها المزيد من التضخم».
ويتابع: «الحكومة تعاني من عجز بالموازنة العامة وأي زيادة بالرواتب والأجور في قطاع الاتصالات، لا تستطيع تغطيتها من الفواتير التي تفرضها على المواطنين، وبالتالي الدولة هي من ستغطيها عن طريق زيادة الكتلة النقدية أي نحن أمام المزيد من التضخم وانهيار في سعر الصرف».
يختم الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أن «هذه المطالب تضخمية ستؤدي إلى ارتفاع أكبر في الدولار وانهيار أكبر بسعر صرف الليرة، أي ما أعطيناه باليد الأولى للموظفين سنأخذه باليد الثانية. الحل الأنسب يكون بتنظيف قطاع الاتصالات إلى جانب فتح القطاع للمنافسة وحماية المواطن الرهينة من فائض الموظفين فهو بحاجة للإنصاف وإعطاء الزودة للمنتجين وتأمين تمويل لها وتأمين الوفر من خلال إعادة هيكلة هذا القطاع».
يشار إلى أنّه في عام 2019، أثارت ضريبة فرضت على خدمات تطبيق «واتس آب» احتجاجات على مستوى البلاد تحولت إلى إدانة للنخبة السياسية بأكملها.