القاهرة: لا يمر يوم دون وقوع حوادث طرق في مصر تخلف وراءها أعداداً من القتلى والمصابين، رغم تدشين الحكومة مشروعا قوميا للطرق منذ 9 سنوات، ساهم في زيادة أطوال الشبكة الرئيسية بنسبة 112 في المائة، وكذا أعداد الكباري العلوية من 2370 عام 2013، إلى 4159 عام 2020، بنسبة نمو 75 في المائة.
يثير التنامي في الحوادث تساؤلات حول المسببات، فمصر قفزت في التصنيف العالـمي لجودة الطرق 85 مركزًا دفعة واحدة، لتبلغ المستوى الـ28 عالميا في 2020، إلى جانب تطوير عدد الـمحاور على النيل من 38 إلى 49 محورًا في 7 سنوات.
لم تصدر إحصائيات رسمية إجمالية عن عدد الحوادث في العام الحالي لكن نشرات الجهات المرورية اليومية ومديريات الأمن، تشير إلى استمرار تنامي الأرقام، دفع العديد من نواب البرلمان لتقديم طلبات إحاطة واستجوابات حول الظاهرة، وطالبوا بخطة حكومية للحد من حوادث الطرق، في ظل زيادة معدلاتها خلال الآونة الأخيرة.
أرقام مخيفة
خلال شهر واحد، شهدت محافظتا المنيا وسوهاج بصعيد مصر، مصرع 25 شخصا وإصابة 18 آخرين، في حادثين منفصلتين أولهما بسبب اصطدام سيارتي نقل إحداهما تقل عمالا، والثانية بتصادم سيارة نقل ركاب بعربة نقل.
آخر الإحصائيات الرسمية لعام 2021، تكشف عن تسجيل 7101 حالة وفاة بارتفاع 15.2 في المائة مقارنة بعام 2020 الذي شهد 6164 حالة وفاة، مقابل 6722 شخصا لقوا حتفهم في حوادث الطرق عام 2019.
يؤكد تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2018، أن السبب الرئيسي في وقوع الحوادث هو العنصر البشري بنسبة 75.7 في المائة، ثم الحالة الفنية للسيارات بنسبة 17.1 في المائة، وحالة الطرق كانت أقل الأسباب بنسبة 2.9 في المائة
يرجع العنصر البشري إلى السرعة الفائقة التي يسير بها السائقون مع تخفيض ازدحام المركبات الـمُرخّصة من 302 لكل كيلومتر عام 2019 إلى 219 مركبة في 2021 بنسبة تراجع 27 في المائة.
لكن من جهة أخرى، انخفض عدد الإصابات إلى 51511 عام 2021 مقابل 56789 عام 2020 بنسبة انخفاض 9.3 في المائة، وجاءت محافظة الدقهلية بدلتا مصر الأولى في أعداد الإصابات خلال عام 2021، إذ بلغت 11630 إصابة بنسبة 22.5 في المائة.
افتراضات لم تتحقق
مجدي الوليلي، عضو مجلس النواب، قدم سؤالاً برلمانياً إلى رئيس الوزراء ووزير النقل، يقول فيه إن كفاءة الطرق ارتفعت بشكل كبير، إذ ارتفعت الطرق المرصوفة 101.5 ألف كيلومتر، من إجمالي 149.5 ألف كيلومتر، وبالتالي كان من المفترض انخفاض أعداد الحوادث مع تلك التطورات.
عزا النائب البرلماني في سؤاله سبب تنامي الحوادث إلى العنصر البشري وأخطائه من إهمال نظم الأمان كربط الأحزمة والسير بسيارات متهالكة أو قديمة، وعدم إجراء الصيانة اللازمة لها، مع إهمال التغيير الدوري للإطارات، بجانب الرعونة باستخدام الهواتف النقالة.
يربط البعض تنامي حوادث الطرق العام الحالي بأزمة قطع غيار السيارات في السوق المصرية، التي يتم استيراد 98 في المائة منها من الخارج، ومع ارتفاع أسعارها تواجدت بعض الماركات المغشوشة التي يصعب تمييزها.
مع تحديث الطرق، بدأ قطاع من أصحاب السيارات يفرطون في السرعات في الأماكن التي لا توجد بها ماكينات الرادار، وهو أمر ملحوظ في الطرق السريعة الجديدة، التي تتطلب نشر سيارات للمطاردات الأمنية، وسحب الرخصة لمدد زمنية طويلة لمنع تفشي الظاهرة.
يعزو البعض تنامي الحوادث إلى انتشار مركبات التوكتوك غير المرخصة التي يصل عددها إلى 5 ملايين مركبة في بعض التقديرات، وتتسلل بعضها للطرق السريعة ويقودها صبية صغار يحاولون سباق العربات الثقيلة، ويتسبب تفاديهم أحيانا في حوادث للسيارات.
ترتبط الحوادث، أيضا، بالظروف المناخية وعدم مراعاتها، سواء في ارتفاع درجة حرارة المحرك في الصيف على الطرق السريعة، وعدم التأكد من جودة الإطارات، والمكابح في فصل الشتاء قبل التحرك في رحلات طويلة.
يطالب خبراء الطرق بحملات توعية من قبل الدولة والمجتمع المدني على حد سواء، بالسلوكيات الخاطئة، بعدم الالتزام بالحارات المرورية، ومحاولة تجاوز المركبات الأمامية خاصة في الطرق ثنائية الحارات التي قد يؤدي تجاوز سيارة إلى الصدام مع أخرى في الاتجاه المقابل.
ثالوث السلامة
اللواء أيمن الضبع، خبير السلامة المرورية، يقول إن المشاة يمثلون أكثر من 60 في المائة من الحوادث بمصر، في ظل مرورهم المفاجئ من أماكن غير مخصصة للعبور، مطالبا بتدشين حملات توعوية في الوقت ذاته للسائقين ترتبط بالالتزام بالسرعة المقررة، وحزام الأمان.
يطالب الضبع بوجود كيان مستقل للإشراف على ملف السلامة على الطرق، على غرار دول العالم، في ظل وجود عشرات الجهات والوزارات التي لها دور في موضوع السلامة على الطرق ولا يتم التكامل بينها بشكل كامل.
وبحسب الضبع فإن هناك ثالوثا لتحقيق السلامة المرورية، يرتبط بالطريق والسيارة والعنصر البشري، وفي العنصر الأول قامت الدولة بإنجاز غير مسبوق بتطوير الطرق السريعة والداخلية على حد سواء، وتوسعتها إلى 4 و5 و 6 حارات في كل اتجاه.، كما تسعى لتأهيل العنصر البشري والضبط المروري، وزيادة المراقبة والمتابعة بنشر الرادارات على الطرق السريعة.
استحدثت مصر قبل سنوات المركز المصري للقيادة الآمنة، بهدف تعليم قائدي السيارات قواعد القيادة الآمنة والقيادة الدفاعية لتجنب الحوادث على الطرق، خاصةً بعد تكرار حوادث أوتوبيسات السياحة وسيارات النقل الثقيل أثناء سيرها أعلى المحاور.
يقدم المركز، الذي تبلغ مساحته 430 ألف متر وترتيبه الثاني من حيث المساحة على مستوى العالم، تدريبات وتعليمات تبدأ من كيفية الجلوس بشكل سليم على عجلة القيادة، وربط حزام الأمان وضبط المرايا وعن الوضع الأمثل لليدين على عجلة القيادة لإعطاء أفضل وضع للتحكم فى السيارة، وبشكل صحي لا يؤثر على أعضاء الجسم وجهازه العضلي والعظمي، وحتى فنيات القيادة ذاتها.
المتهم الأول
يرفض خالد قناوي، المتحدث باسم رابطة سائقي النقل الثقيل في مصر، الاتهام المستمر للشاحنات بالتسبب في الحوادث، مضيفا أن شبكة الطرق الجديدة رغم جودتها لكنها تعاني من قصور يتمثل في غياب الاستراحات والخدمات المرورية والدوريات الأمنية، التي تساعد السائقين حال حدوث عطل في السيارة.
وسجل إجمالي عدد سيارات النقل المرخصة بمصر 1.3 مليون سيارة بنسبة 11.5 في المائة من إجمالي المركبات بنهاية 2021 في حين بلغ إجمالي عدد المقطورات المرخصة 97.9 ألف مقطورة بنسبة 0.9 في المائة من إجمالي المركبات.
يعتبر قناوي الاستراحات مربط الفرس في مشكلة الحوادث، فالعربات العاملة في الموانئ تنتظر بالساعات من أجل الدخول وإنهاء المهمة وتوصيل الحمولة في موعدها، ما يجعل السائق لا يحصل على قدر كاف من الراحة ويخرج منهكا من المنطقة الجمركية حتى قبل بدء الرحلة.
يضرب قناوي، الذي عمل قبل سنوات كسائق حافلة وكذلك على عربة نقل تسير بين المملكة ومصر، المثل بالطرق السعودية فكل عدة مئات من الكيلومترات تَوجد نقاط استراحة وخدمات مرورية ما يجعل السائق المصري يقطع رحلة طولها 5 آلاف كيلومتر دون تعب، بجانب الالتزام الشديد بالحارة المرورية بالنسبة للسائقين.
ويشير إلى ضرورة الالتزام بالحمولات المقررة، فبعض الشاحنات تسير على الطرق المصرية بحمولات تصل إلى 130 طنا، وهو وزن لا يجعل السائق قادرا على التحكم في المركبة، حال وجود طارئ على الطريق مهما كانت سرعته، وذلك رغم وجود قرارات بتطبيق الحمولات حسب تراخيص السيارة لكنها غير مفعلة.
يعود المتحدث باسم رابطة سائقي النقل الثقيل إلى تجربته بالمملكة فيما يتعلق بحمولة السيارات، فلا يمكن لأي شاحنة أن تتجاوز الحمولة المقررة، حتى لو بمائة كيلومتر، وحتى لو كان وزنها فارغا زائدا لوجود بعض الإضافات، فالمحك هو الوزن الكلي.
ويضيف أن البعض يتحدث عن نسبة تعاطي مخدرات أكبر بين سائفي سيارات النقل بمصر، وهو أمر فيه قدر من التجني، فمن يتعاطى المخدرات منهم نسبة تعادل أي فئة أخرى من السائقين وبين قائدي السيارات الملاكي، ولا يوجد من أصحاب السيارات من يغامر لمنح سيارة قيمتها مليونا جنبه لسائق يتعاطى المخدرات.
وتشن الإدارة العامة للمرور حملات على كافة الطرق السريعة بشكل يومي لرصد السائقين المتعاطين للمواد المخدرة أثناء القيادة، عن طريق إجراء تحليل طبي لهم في الكمائن المرورية المنتشرة على مستوى الطرق الصحراوية والزراعية، ومن يثبت تعاطيه للمواد المخدرة، يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حياله.
وحال ثبوت تعاطي السائق قبل القيادة، يتم سحب الرخصة، ثم تحويله للنيابة المختصة ثم يتم تحويل المتهم للمحاكم والحبس لمدة لا تقل عن سنتين وغرامة 10 آلاف جنيه، أما حال ثبوت تعاطيه أثناء القيادة فيعاقب بتهمتي حيازة مواد مخدرة وتعاطٍ، وتكون العقوبة من 3 سنوات إلى 5 سنوات.