واشنطن: في الأسبوع الماضي، حكمت محكمة فيدرالية في الكساندريا (ولاية فرجينيا، من ضواحي العاصمة واشنطن) على السوداني البريطاني الشافعي الشيخ بالسجن مدى الحياة 8 مرات متتالية لدوره في جماعة «بيتلز» البريطانية الإرهابية التابعة لتنظيم داعش التي ذبحت أميركيين في سوريا خلال سنوات سيطرتها على أجزاء في سوريا والعراق.
خلال نفس الأسبوع، نقلت أخبار من سجن غوانتانامو الأميركي في كوبا (حيث يعتقل 50 من المتهمين بالإرهاب منذ 20 سنة تقريبا بدون انتهاء محاكمتهم) عن جولة أخرى من الاستئنافات الفنية والاستئنافات الفنية المضادة.
هكذا ظهر التناقض بين طريقتين تدير بهما الولايات المتحدة الحرب ضد الإرهاب التي بدأتها سنة 2001، بعد هجمات تنظيم القاعدة عليها (هجمات 11 سبتمبر/ أيلول).
صدر حكم الأسبوع الماضي على الشيخ، على خطى حكم سابق أصدرته نفس المحكمة ضد زميله في جماعة البيتلز، البريطاني الغاني ألكساندرا كوتي.
وهكذا، صار الاثنان أول متهمين بالإرهاب قدما إلى محكمة مدنية. وظهر التناقض واضحا مع المحاكمات العسكرية في غوانتانامو.
لأن القضايا ضدهم كلهم كانت لها صلة بالحرب ضد الإرهاب، لا يدور النقاش في الولايات المتحدة فقط عن الاختلافات بين المحاكم المدنية والعسكرية، ولكن أيضًا عن الحرب ضد الإرهاب التي يبدو أنها لن تنتهي.
يوضح استمرار النشاطات الجهادية، وبالتالي استمرار الحرب ضد الإرهاب، عودة طالبان لحكم أفغانستان، وعودة تنظيم القاعدة إلى كابول (كما ظهر في وجود زعيمها المقتول أيمن الظواهري فيها)، والهجمات المتزايدة التي يشنها الإسلاميون العنيفون في أماكن بعيدة، من مالي إلى موزمبيق.
فيما يلي مقتطفات من ثلاثة آراء أميركية حول دور المحاكم، عسكرية أو مدنية، مع استمرار الحرب ضد الإرهاب:
أولاً، وصفت ديان فولي، والدة جيمس فولي (الذي ذبحه الداعشيون) كيف واجهت كوتي أثناء محاكمته. وقالت أن تقديم كوتي إلى محكمة مدنية كان نتيجة الحملة التي اشتركت فيها بعدم إرسالهم إلى سجن غوانتانامو، ومحاكمتهم هناك إلى ما لا نهاية.
ثانيًا، انتقد بروس هوفمان، الأستاذ في جامعة جورج تاون (في واشنطن العاصمة)، والمتخصص في الإرهاب ومكافحة الإرهاب، المحاكمات العسكرية في غوانتانامو، ووصفها بأنها «وصمة عار على ديمقراطيتنا».
ثالثًا، انتقدت مارشا مولر، والدة كايلا مولر (المتطوعة التي اعتقلها الداعشيون في سوريا، ثم ذبحوها) موجة «الغضب والخوف» التي أصابت الأميركيين، ودفعتهم إلى إعلان الحرب ضد الإرهاب، واستمرارها.
ديان فولي: «وجهاً لوجه أمام قاتل ابني»
عندما جلست لأتحدث مع كوتي، نظرنا إلى بعضنا البعض، وتبادلنا كلمة «هاي».
لم يكن ذلك سهلا، لكنه كان شيئا هاما، لأن جيم (ابنها) يريد منى أن أواجه قاتله. وهكذا، كانت الساعة التي أمضيتها معه تأكيدًا لمبادئ الإيمان والتسامح التي أؤمن بها، وقد نذرت حياتي لقيادة حملة وطنية تاريخية عن هذا الموضوع...
في تلك الغرفة الصغيرة، حدقت في عيني كوتي. وشعرت ليس فقط بالمساواة مع، بل بالاستعلاء على، الرجل الذي أدين لدوره في قتل ابني. كان كوتي مخيفا. لكنه، طبعا، لم يكن يقدر على الاعتداء علي.
استمع كوتي بهدوء وأنا أتحدث عن ابني الرائع، والمثابر، والعصامي. ثم تحدث كوتي عن عائلته. وقال إنه كان يصلي إلى ربه ليغفر له. وأطلعني على صورة عائلته. وفيها بعض أطفاله. لكنه، طبعا، لن يراهم مرة أخرى أبدا.
هكذا، خسر حياته عندما صار إرهابيا. ولهذا، أحسست ببعض الشفقة عليه...
لكنه، لم يقل كلمة «آسف». ولم يبدو وكأنه أخطأ. كان حزينًا ومحترمًا تجاهي، وتحدث عن الندم. لكنه لم يعتذر أبدًا.
عندما وقفت لوداعه، قلت له: «ربما سياتي يوم نسامح فيه بعضنا البعض». استغرب وقال: «لكنك لم تفعلي شيئا لأسامحك عليه».
لم يفهم إيماني المسيحي بأننا، كلنا، نفعل أشياء ثم نأسف عليها، ثم نطلب الغفران.
لم يفهم، ولا يفهم كثير من الأميركيين، أننا إذا انجرفنا في الغضب خلال هذه الحرب ضد الإرهابيين، يكون الإرهابيون قد انتصروا علينا. نعم، ليس سهلا التسامح معهم، لكننا يجب أن نصلي لنصل إلى الشجاعة التي ستجعلنا قادرين على التسامح معهم...
في نفس الوقت، أتمنى أن تركز حكومتنا على إنقاذ أرواح الأميركيين الذين يعتقلهم الإرهابيون. وأن لا تنجرف مع مواجهة الكراهية بالكراهية، ومع تقليدهم في قيمهم الأخلاقية. ربما كانت حكومتي ستنقذ ابني وغيره. لكنها، على الأقل، قدمت الإرهابيين إلى محاكمة عادلة. وشيء أفضل من لا شيء.
بروس هوفمان: «عار غوانتانامو»
بالإضافة إلى التأثير المباشر على هؤلاء الإرهابيين، وعلى عائلات ضحاياهم، فإن أحكام محكمة ألكساندريا (على كوتي، والشيخ) صارت نقطة تحول في الحرب ضد الإرهاب. وذلك لأنها ستؤثر، بدون أي شك، على مستقبل هذه الحرب، وعلى معاملة الإرهابيين، وعلى معاملة الرهائن، ومحتجزي الرهائن...
الاستنتاج الأول الذي يمكن استخلاصه من محاكمات البيتلز في محكمة ألكساندريا هو نقطة التحول هذه في الحرب ضد الإرهاب. لم يحدث في الماضي أن شاهد الأميركيون إرهابيا يقدم إلى محكمة مدنية. هذا، نفسه، انتصار لنا في هذه الحرب الطويلة والمعقدة. لقد أظهرت المحاكمة قوة النظام القضائي الأميركي...
هكذا، طبقنا الحقوق والواجبات الدستورية، وأجرينا محاكمات سريعة وعادلة، كما هو منصوص عليه في التعديل السادس في الدستور الأميركي. وهكذا، شاهدنا صرامة القاضي توماس أليس خلال المحاكمة التي استغرقت (بالنسبة للشيخ) أسبوعين ونصف الأسبوع، واستمع إلى شهادة خمسة وثلاثين شاهد إثبات.
وهكذا، ناقضت المحاكمات الجهد غير المجدي الذي دام عقدين لتقديم خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، والإرهابيين الآخرين في سجن غوانتانامو، في كوبا.
لقد سجن العسكريون 800 شخص تقريبا منذ سنة 2002. واليوم يوجد 40 تقريبا، ولم يمنح أي واحد منهم الحقوق القانونية المطلوبة. وهذه وصمة عار على ديمقراطيتنا...
مارشا مولر: «الخوف والغضب»
أنا، وزوجي كارل، والدا كايلا مولر، نظل نبحث عن جثة ابنتنا.
مؤخرا، قابلنا كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي). وقال لنا: «لن نتوقف عن جهودنا حتى نجد كايلا»...
كان عمر ابنتنا 26 سنة عندما ذهبت في مهمة إنسانية في تركيا سنة 2013. واختطفها الداعشيون بعد أن عبرت الحدود السورية. خلال سنتين، لم نسمع عنها أي شيء. وفي سنة 2015، أكد لنا مسؤولون أميركيون أنها قتلت خلال احتجاز الداعشيين لها.
أثناء محاكمته في محكمة ألكساندريا، رفض الشيخ الحديث عن بنتي، ناهيك عن أن يدلنا على مكان جثتها. كان باردًا، ومتعاليا، خلال كل أيام محاكمته. واعتقد أنه يؤمن إيمانا قويا بأنه لم يفعل ما يندم عليه...
أخطأت حكومتنا فيما فعلت نحو كايلا، ونحو الرهائن الآخرين. أتيحت للرئيس السابق أوباما كل الفرص لإعادة كايلا إلينا خلال العشرين شهرا وهي سجينة الداعشيين. لكن، لم تقدر حكومتنا على إعادة كايلا حية لنا.
لهذا، نأمل أن حكومتنا، في المستقبل، ستفعل ما فعلت حكومات أخرى مع مختطفي مواطنيها. فضلت سلامتهم على غضبها، وأعادتهم إلى أهلهم...
غني عن القول إن الإرهابيين يسعون إلى الانقسام والتخويف وتفرقة صفوفنا. لكنهم يفشلون عندما نختار النور على الظلام. وعندما تسود العدالة السلمية على الغضب والخوف.