بيروت: تتفاقم مخاوف اللبنانيين من إمكانية إنجاز الاستحقاق الرئاسي بسلاسة وذلك بعد النبرة العالية وتراشق البيانات بين قصر بعبدا والسرايا الحكومية مما أوحى بانسداد الأفق إلى أجل غير مسمى.
إلا أن زيارة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لرئيس الجمهورية ميشال عون خففت من حدة تلك البيانات، لكنها لم تفلح في كبح جماح الغموض الذي يخيم على الاستحقاقات المقبلة، سيما مع بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد بموجب المادة 73 من الدستور، وبانتظار دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لجلسات انتخاب الرئيس حتى اليوم العاشر قبل نهاية ولاية عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وفي هذا الشأن، كان لـ«المجلة»حوار خاص مع مستشار رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، الباحث والصحافي بشارة خير الله لقراءة آخر المستجدات، وهذا نصه:
* مع دخول البلاد في إطار المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، وإعلان ترايسي شمعون ترشيحها رسمياً فقط وغياب أي مرشح آخر، كيف تقرأ هذه المستجدات؟
- الدستور لا يحدد آلية الترشح، والأسماء التي أعلنت ترشيحها حتى اليوم أضعها في إطار الـ«ترند»و«الموضة»، بينما المرشحون الطبيعيون لم يعلنوا عن ترشحهم بعد، وعلى سبيل المثال رئيس أكبر كتلة نيابية سمير جعجع لم يعلن أنه مرشح حقيقي حتى اليوم، علماً أنه مرشح جدي وأكثر من طبيعي للرئاسة. وحتى النواب الفائزون في الانتخابات والذين يملكون حيثياتهم وزعامتهم المحلية أيضاً، سواء في الفريق السياسي الذي نؤيده أي 14 آذار أو في المقلب الآخر. كما أن الجميع يعلم أن سليمان فرنجية مرشح طبيعي ولكنه لم يتجرأ على الإعلان عن ترشحه بعد. للأسف، هناك من نجح في التقليل من هيبة الرئاسة وأصبحنا فيما يُشبه «سوق عكاظ».
* هل هؤلاء المرشحون الطبيعيون كما ذكرت، يعتبرون أنه من البديهي أن تكون أسماؤهم مطروحة ولهذا لم يعلنوا الترشح؟
- المرشح الطبيعي للرئاسة يدرك صعوبة الموضوع ولا يحتاج إلى الإعلان عن نفسه، أما من أعلنوا ترشحهم، فلا يمتلكون حتى صوتا واحدا في مجلس النواب، ولكن سمير جعجع، وسليمان فرنجية، وجبران باسيل، على سبيل المثال يضمنون حصولهم 50 إلى 60 صوتاً في مجلس النواب سواء نجحوا في الوصول إلى الرئاسة أم لا؟
* هل يذهب لبنان إلى الفراغ الرئاسي ونكون أمام تكرار التجربة التي سبقت انتخاب العماد ميشال عون؟
- يؤسفني القول نعم إذا لم تتحمل القوى مسؤولياتها الوطنية، ومن هنا تنقسم المسؤولية على 3 قوى أساسية في البلد ومن بعدها على الأفرقاء، نبدأ من رئيس الجمهورية الحالي الذي يُفترض، ومن واجبه الوطني والقسم الدستوري يحتم عليه تسهيل ولادة الحكومة حتى لو على حسابه، فحسابه الخاص أقل من حساب لبنان وعليه أن يغلب المصلحة الوطنية. وعام 2014 وكوني مستشار الرئيس ميشال سليمان، أستطيع القول إنه كان هناك صعوبة لتشكيل حكومة برئاسة تمام سلام وأتى من قال للرئيس سليمان إنه بإمكانك تصعيد المطالب والعرقلة ما يعني أن بقاءك ضرورة. وكان رده في ذلك الحين التأكيد على تسهيل تشكيل الحكومة. أما المسؤولية الثانية فتقع على عاتق الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي أي الشريك الدستوري لرئيس الجمهورية الذي عليه التعاون للوصول إلى قواسم مشتركة والخروج بحكومة كاملة الأوصاف منعا لحصول أي لغط دستوي يمكن أن يتسبب بإشكالات مفتعلة، علمًا أن مجلس الوزراء الحالي هو من تنتقل إليه صلاحيات رئيس الجمهورية في حال عدم انتخاب الرئيس وعدم تأليف الحكومة.
أما المسؤولية الثالثة فهي على عاتق رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي من واجبه الدستوري الدعوة لعقد جلسة انتخاب الرئيس ابتداء من الأول من سبتمبر (أيلول)، وعدم الرضوخ إلى رغبة قوى الأمر الواقع المسلحة التي نصحته بربط الاستحقاق الرئاسي بمواضيع أخرى من باب التأخير والعرقلة، وصدرت عنه مؤخراً تصريحات تربط الدعوة بالإصلاحات وهذه هرطقة دستورية. من واجبه أن يواكب هذه العملية إذن بالدعوة المتكررة لعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية لوضع النواب أمام مسؤولياتهم.
* ماذا عن الانسجام في المواقف بين النواب التغييريين وكتل المعارضة في مجلس النواب؟
- لا أحد يشبه الآخر بين النواب التغييريين، فلكل خلفيته السياسية، والمهم اتخاذ موقف.
* هل يمكن ربط استحقاق رئاسة الجمهورية بملف ترسيم الحدود؟
- حكماً، وعدم دعوة بري أو التأخر في هذه الدعوة أكبر دليل، لعل الملف ينتهي مع انتهاء ولاية عون ما يعوم حظوظ جبران باسيل وترتفع أسهمه الرئاسية بحسب «بارومتر»الفريق الإيراني في لبنان، لكن هذه الخطوة ستدفع نواب المعارضة مرغمين إلى عدم الاشتراك في هذه الجريمة بحق البلاد، عبر تعطيل النصاب الدستوري وإجبار فريق الأمر الواقع على الالتقاء في النقطة الوسط والكف عن الاستمرار في تخريب لبنان.
* ماذا عن ربط التطورات الأخيرة في العراق بملف تشكيل الحكومة؟
- لطالما ارتبط الملف العراقي بالملف اللبناني والعكس صحيح والرئيس الراحل كميل شمعون كان يردد أنه إذا أردت أن تعرف ما سيجري في لبنان تابع ما يحصل في العراق. وإذا غاب الحس الوطني والوعي سنكون على خطى العراق بالفوضى العارمة.
* هل سنكون أمام صورة قاتمة تشبه واقعنا اليوم أم إن هناك بارقة أمل مرتبطة بالاستحقاق الرئاسي؟
- للأسف، لا أمل ونحن في المراحل الأولى من الأزمة. الوضع سوداوي أكثر مما يمكن أن نتخيله وعلينا متابعة النضال لمنع قوى الظلام من تغليب منطقها الأسود لتغيير صورة لبنان بعد سلخه من حاضنته العربية وخطفه إلى محور لا يُشبه ولا يليق بتاريخه ولا بحاضره ولا حتى بمستقبل شبابه.