وجه الشبه الأساسي بين البلدين (لبنان والعراق) يكمن في التركيبة الطائفية في قلب المشهد السياسي، والعقد الاجتماعي بين مكوناتها. تركيبة ضعيفة وهجينة تجعل من التدخل الخارجي أساسا لهذه اللعبة السياسية ومطلب مكونات البلدين من أجل استقواء فئة على أخرى.
طبعا لا مجال للمقارنة بين الأوزان الاقتصادية أو الديموغرافية التي هي طبعا لصالح العراق. من هنا كان الاهتمام الخارجي أكبر والتأثير علي الداخل أكبر أيضا. ولكن هنا تقف المقارنة، مع العلم أن نتائج هذه التركيبة قد تكون متشابهة إلى حد كبير.
هذه التركيبة التي تقوم على التراضي بين الطوائف تفرغ العمل السياسي من مضمونه وتؤدي دائما إلى تعطيل المؤسسات لحين حصول التوافق الذي يرضي الجميع، ومنها الجهات الخارجية.
من هنا نرى أن تعطيل المؤسسات هو السمة الطاغية في البلدين كنتيجة لتركيبة النظام الطائفي وفقدان هوية جامعة عابرة للطوائف.
فلبنان مثلا هو عدة نسخ لكل طائفة فيها نسخة.
في البلدين هناك نفوذ إيراني طاغٍ، وأيضا هناك معارضة لهذا الوجود من دون أن تعني هذه المعارضة خطرا على هذا النفوذ، والسبب أن تركيبة البلد المذهبية وحتى تركيبة المنطقة وتاريخ الدم بين طوائفها تجعل من النفوذ أيا كانت هويته ركنا أساسيا في اللعبة الداخلية بالرغم من إعلان هذه المكونات استقلالها عن هذا النفوذ.
الحرس الثوري الإيراني الذي يرعى تنظيمات مسلحة في المنطقة ويدعم بيئتها له تأثير في قراراتها، خاصة إذا كانت الصلة بينهما ذات طبيعة آيديولوجية.
وطالما أن النظام الطائفي قائم ويحظى بشعبية كبيرة داخل هذه الأوطان فالنموذج الوحيد الذي سيقوم سيكون عبارة عن دول فاشلة.
ليس أدل على ذلك سوى الأزمات التي تعصف بالبلدين ويستحيل معها تأليف حكومة أو انتخاب رئيس، فيما واقع البلدين الاقتصادي كارثي. فإن كان العراق ينتج 4 ملايين برميل نفط يوميا وإن كانت الكهرباء تنقطع عن سكانه فإن السياسيين فيه يتقاتلون على مركز هنا وبعض من سلطة هناك، وهو أمر يشير بوضوح إلى عجز النظام السياسي. الشيء نفسه يقال عن لبنان وعن فشل السياسيين في تأليف حكومة، فيما البلد وناسه يعانون كل يوم من تداعيات أزمة اقتصادية لا تعرف لها قعرا.
السياسيون مقتنعون بأنهم يدافعون عن حقوق طائفتهم، وهذا بنظرهم أكبر من الناس ومعاناتهم ومشاكلهم.
هم لا يهتمون بالنتيجة التي تنتج عن مواقفهم وهي لا تدخل في حساباتهم.
خرج الصدر بعد يوم من الأحداث يعتذر للشعب العراقي ويشكر الحشد الشعبي ويأمر أنصاره بالانسحاب من الشارع. والسؤال: ما الذي كان سيخسره الصدر لو اختار الحوار والتوافق ما دام يعلم ويعرف أنه محكوم بهما بدل إعلان اعتزاله الحياة السياسية ودفع البلد نحو الفتنة؟
الأمر نفسه يسري على لبنان، فماذا يضير مسؤوليه من الاجتماع وتأليف حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية وإرساء خطة مع المؤسسات الدولية من أجل النهوض بالبلد والتخلص من أزمته السياسية؟
مجددا المشكلة تكمن في النظام الطائفي والمذهبي الذي يمنع ممارسة الديمقراطية بمفهومها البسيط الذي يعطي للرابح في الاستفتاء الشعبي الحق في الحكم، والمشكلة أيضا تكمن في أن حسابات الطوائف تلغي الحيز العام للوطن. فيمكن لأي طائفة تعطيل تعيين موظفين في الدولة في مراكز حساسة إن لم تكن راضية أو لم تحصل على مكتسبات في مكان آخر. هذا يؤدي إلى تعطيل العمل في المؤسسات وتكبيد البلد خسارات مادية بالإضافة إلى التشجيع على الفساد والمحسوبيات.
في لبنان والعراق هناك تدخلات خارجية تؤثر على العمل السياسي وتعطل عمل مؤسسات الدولة بشكل متعمد بحجة التوافق بين الطوائف وفقدان الصالح العام لمصلحة الخاص، وستبقى الحال هكذا حتى يتغير النظام الطائفي ويتساوى الناس فيما بينهم على أساس القيمة المعنوية لكل إنسان وليس على أساس انتمائه المذهبي.