الديمقراطية طريق أنقرة الوحيد إلى حلم الاتحاد الأوروبي

الديمقراطية طريق أنقرة الوحيد إلى حلم الاتحاد الأوروبي

[escenic_image id="5511136"]

عندما يثور الجدل حول السياسة التركية، تقفز دائمًا إلى الأذهان أفكار سيرف ماردين المتعلقة بـثنائية "المركز والهامش"، وما تتناوله من صراع بين واقعين مختلفين. وقد امتدت هذه الثنائية اليوم لتشمل جميع أنواع العلاقات التي يحتمل أن يكون هناك تضارب بين أطرافها، مثل العلاقة بين الدولة والمجتمع أو بين الأتراك المتدينين والأتراك العلمانيين أو بين الأتراك والأكراد أو بين السنة والعلويين. وبالرغم من أنه لا يمكننا إنكار وجود مثل هذه الثنائيات في المجتمع  والسياسة التركية، فإننا يجب ألا نأخذها  على أنها أمر مسلم به. فمازالت هناك إمكانية لتحسين العلاقات البينية وحل الخلافات الواضحة الموجودة على معظم الأصعدة، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع.

ولن تحل مشاكل تركيا الحالية إلا من خلال وجود نظام ديمقراطي قوي. وبالرغم من أن البعض قد يعتبر ذلك مجرد "كليشيه"، فإن ذلك  لا ينفى كون  هذا الحل هو أفضل الحلول الممكنة خاصة إذا رغبت انقرة في تحقيق حلمها بالإنضمام إلي الاتحاد الأوروبي .وعلاوة على ذلك، فإن من ضمن المميزات التي تتمتع بها الديمقراطية أنها تتقدم باستمرار، بحيث يمكن تحسينها من خلال الممارسة المطردة. ولكن كما في معظم الديمقراطيات في العالم، ليس بوسع الديمقراطية معالجة جميع أوجه القصور و الخلل الموجودة في تركيا. غير أن هناك بعض المجالات التي يمكننا التركيز عليها في هذه المناقشة. وبالطبع فإن هناك مجالات أخرى غيرها، ولكن هذا ليس مجال ذكرها.

وثمة قضيتان مرتبطتان ببعضهما البعض يجب على تركيا أن تواجههما لكي تتمكن من معالجة الاستقطاب الحالي في النظام السياسي. و هاتان القضيتان هما تاريخ تركيا ونوعية الديمقراطية الموجودة بها. وتشكل القضية الأولى الإطار والخلفية للديمقراطية المطبقة في تركيا. ومن ثم فهي بمثابة المسرح الذي تنفض أحداث الديمقراطية  عليه. وتركز القضية الثانية على مجالات محددة في النظام السياسي التركي، خاصة المجتمع المدني والحريات والحقوق الديمقراطية المتعلقة بها. وبعبارة أخرى، تختص هذه القضية بالأبطال الذين سيقومون بأداء الأدوار الرئيسية على مسرح الأحداث.

المسرح

إن التعامل مع التاريخ ليس مهمة سهلة. وعلي وجه الخصوص ، لا توجد  دولة تحب أن  تواجه أخطاء  الماضي ومع ذلك فان تجاهل هذه الأخطاء  ليس خيارًا مطروحًا . فالماضي دائمًا موجود و شاخص أمام  الدولة باستمرار. ولكن تركيا تمر في الوقت الحالي بعملية صحية تتمثل  في التطلع  إلى ماضيها الذي لايخلو من جراح في بعض فتراته . فمبادرة الحكومة الحالية 'للانفتاح الديمقراطي' في التعامل مع القضية الكردية ؛ والبروتوكولات التي تم توقيعها في سويسرا ، بين تركيا وأرمينيا في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، تشير إلى أن تركيا  تسير في  الطريق الصحيح وذلك بالرغم من الدراما المحيطة بالأحداث ، وإن كان ذلك لايتم بشكل كافِ .

وقد ثار  جدل هذا العام ، حول ما إذا كان من  الممكن  محاكمة القادة العسكريين المتورطين في  انقلاب 12 سبتمبر/أيلول1980، حيث تم الاحتجاج  بأنه لا تزال  هناك حاجة لأن يتصدى المجتمع التركي للماضي السياسي  الخاص بالدولة . وإن كان ذلك من التطلعات المشروعة ، فإن محاكمة أبطال هذا الماضي  قد لا تكون الطريقة المثلى للمضي قدما ، وأشك أن يكون ذلك مفيدًا في ظل المناخ السياسي الحالي. وبعبارة أخرى، بدلا من تصدي تركيا  لهذه المسألة المحورية ، وهي التصالح  مع الماضي، فإن تركيا قد تكون غارقة في فترة أخرى من الحدة والاستقطاب.

ففي المجتمعات التي تمزقها الصراعات وغيرها من العلل السياسية الأخرى  ـ والتي تفوق الوضع في تركيا  في بعض المجتمعات – تقوم الحكومات بإنشاء لجان للحقائق والمصالحة . وعلي العكس ، عندما يكون هناك نقص في الإرادة السياسية اللازمة  لمتابعة هذا المسار يتم تشكيل لجان مستقلة تحت رعاية جماعات من المجتمع المدني. وكلا النموذجين تحدوهما الرغبة في توثيق أخطاء الماضي و التعامل معها، تمهيدًا لفتح الباب أمام المصالحة.

الأبطال

كانت الدولة دائما لاعبًا مهمًا  ومهيمنًا  في تركيا. وكانت فعلًا قطبًا مهمًا في إحدى الثنائيات التقليدية في البلاد: الدولة في مواجهة المجتمع. ومرة أخرى، ليس هذا الصدام حتميا. ويستطيع مجتمع مدني أقوى في تركيا، حال ظهوره، أن يسهم في تحقيق مستوى أعلى من الثقافة المدنية والديمقراطية وحكم أفضل.

ويشمل تعزيز المجتمع المدني عدة مجالات، إلا أنني سوف أستثني مجالين أساسيين في حالة تركيا هما الحريات الأساسية وحقوق المرأة. وتحتاج تركيا أن تقطع شوطًا طويلًا لمواصلة طريق تعزيز هذه الحريات. والواقع أن الدولة التركية قطعت شوطًا لا بأس به في هذا الصدد  منذ أن تم ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي في عام 1999. ومع ذلك، لا تزال هناك قيود تمنع الشعب التركي من التمتع بحريته بشكل كامل، لاسيما على صعيد حقوق التعبير والصحافة. ولكي يحظى الأتراك بنقاش بناء حول ماضيهم ومستقبلهم، لابد أن يتمكنوا من التعبير والكتابة عن وجهات نظرهم وآرائهم دون الخوف من ملاحقتهم. وهذا هو السبيل الوحيد للأمام، ولم يتحقق حتى الآن.

لا تزال المرأة في تركيا بعيدة عن شغل مكانها في السياسة والمجتمع ومكان العمل. ولا تستطيع الديمقراطية التركية أن تعمل بشكل صحيح إذا كان عدد كبير من مواطنيها مستبعدين. وتتحدث بعض الأرقام عن نفسها: فوفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في تركيا، يبلغ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة 24.8% بالمقارنة مع الرجال ونسبتهم 71.3 %، وتصل نسبة محو الأمية بين البالغين 80.4% بين النساء و 96.0% بين الرجال، ونسبة المقاعد التي تشغلها المرأة في المجلس الوطني بتركيا ضئيلة وتبلغ 9.1 %، و0.56% فقط من رئاسة البلديات التي تديرها نساء.

وهناك عوامل مثل زيادة مشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، والتعليم، والقوى العاملة، ويمكن لهذه العناصر أن تبرز قضايا المرأة، وتعطيها ما يلزم من الاستقلالية الاقتصادية، وتعزيز الديمقراطية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذا أن يسهم في معالجة مشكلة العنف المستمرة ضد المرأة. واتخذت الحكومة التركية والبرلمان في الآونة الأخيرة تدابير للتعامل مع قضايا المساواة بين الجنسين، ولكنها تحتاج إلى أن تنفذ بشكل كامل وأن يتبناها مجتمع لا يزال محافظًا للغاية عندما يتعلق الأمر بدور المرأة.

وتمر تركيا بعملية مثيرة ومعقدة من التغيير. ولكي تنجح، فإنها تحتاج إلى التواصل- ولكن بطريقة بناءة- مع تاريخها وأن تحسن من ثقافة الديمقراطية لديها . وربما يكون هذا السبيل الوحيد لكسر دائرة الاستقطاب في نهاية المطاف.

ريكاردو بورخيس دي كاسترو –باحث في الشئون التركية، و محاضر بجامعة أكسفورد

font change