طهران: يرى العديد من خبراء البيئة أن إيران ستصبح غير صالحة للسكن في مستقبل ليس ببعيد بسبب مخاطر بيئية عديدة على غرار جفاف واختفاء البحيرات والأهوار وانقراض العديد من الحيوانات والنباتات ونفوق كائنات بحرية مختلفة وتدمير محطات رحلات الطيور المهاجرة ووقوع اختلالات في الزراعة وتلوث الهواء وموجات الغبار والأتربة وتدمير الغابات والمراعي وتلوث الأنهار وارتفاع منسوب الملوحة فيها وشح المياه.
لقد أجرت «المجلة» حوارا مع الباحثة والخبيرة البيئية الإيرانية المقيمة في إيطاليا أعظم بهرامي حول التهديدات البيئية في إيران. وفيما يلي نص الحوار:
* كيف تسارعت وتيرة هذه الممارسات التدميرية للبيئة في إيران ووصلت إلى هذا المستوى غير المسبوق منذ قيام الثورة في 1979؟
- يقع نحو 70 إلى 75 من مساحة إيران في بيئة صحراوية وشبه صحراوية ويعادل هطول الأمطار السنوي في البلاد ثلث المعدل العالمي أو أقل ومعدل تبخر الماء فيها مرتفع للغاية والأنهار الغزيرة محدودة. يسعى النظام إلى تنفيذ تخطيط استخدام الأراضي الذي يهدف لتعزيز المزيد من النتائج الاجتماعية والبيئية المرغوب فيها واستخدام أكثر كفاءة للموارد والقطاع الصناعي مما يؤدي إلى المزيد من التنمية غير أن هذه الخطة التي تعتمدها السلطات الإيرانية لا تتناسب مع الموارد المائية لأن أجزاء كبيرة من المدن الكبيرة تم إنشاؤها في سهول لا تتوافر فيها المياه ولذلك أصبح إيصال خدمات المياه لهذه المناطق في الفترة الحالية أي انخفاض حجم الموارد المائية صعبة للغاية. يتولى القيادات العسكرية الحاكمة إدارة الموارد المائية حيث إن السياسات والخطط بهذا الشأن تخضع لإشرافهم ويتم بناء السدود للاستيلاء على موارد مياه الينابيع والأهوار من أجل جمعها في القنوات المائية وأنابيب المياه، وبالتالي يسهل عليهم الاستيلاء على موارد المياه التي تشكل لهم مصدرا لجني الثروات. كما أن التحكم في موارد المياه يتيح لهذه الفئة الحاكمة أن تقوم بإدارة السياسات السكانية وانتشار السكان حسب مخططاتها. فأصبحت القيادات العسكرية تتحكم بملف المياه في البلاد وتمارس بسياساتها الضغط على الشعب حيث تقوم ببيع هذه الموارد حيثما تشاء والأمثلة كثيرة على ذلك. تقوم السلطات ببيع الموارد المائية في المناطق الجنوبية والشمالية. تغيب العدالة في التوزيع للموارد المائية حيث إن سكان أجزاء واسعة من المحافظات محرومون من الحصول على مواردهم المائية ويعانون من شح المياه وأزمة خانقة بهذا الشأن. إن سياسات انحراف وتحويل مجارى مياه الأنهار بدون دراسات علمية وخطط شاملة تؤدي إلى تدهور الوضع وخلق أزمات مياه في مدن وقرى عديدة.
وتستنزف الزراعة نحو 87 في المائة من المياه الجوفية ويتم استهلاك 11 في المائة منها للشرب وذلك في بلد تبلغ الأراضي الصالحة للزراعة فيها 11 في المائة. فنلاحظ أن هناك حجما كبيرا وغير مقبول من هدر الموارد المائية سواء للمياه السطحية أو المياه الجوفية لأن السلطة الحاكمة لا تتبنى السياسات العلمية والأدوات الحديثة والتقنية الحديثة لتمكين قطاع الزراعة بل إن سياساتها الزراعية خلال هذه العقود خاطئة والخطط الزراعية حول نوعية المنتجات التي تتم زراعتها وكيفية التسويق لها عالميا غائبة تماما. لا توجد سياسات سليمة وعلمية حول دعم المزارعين لاستخدام التقنيات الحديثة. وكان الشغل الشاغل لوزارة الطاقة هو مد أنابيب المياه وتوزيعها. وركزت وزارة الزراعة كل طاقاتها وخططها على برامج دعائية مثل الوصول إلى اكتفاء ذاتي في إنتاج القمح والأرز بدلا من القيام بخطوات عملية لتحسين قطاع الزراعة وكانت هذه النتيجة التي أدت إلى تدمير التربة والموارد المائية.
* لم تنحصر مشكلة تلوث الهواء وانتشار موجات الغبار على الأجزاء الجنوبية في البلاد بل طالت المدن الشمالية. ما مصدر هذه الموجات الترابية وكيف ساهم النظام بإدارته الفاشلة وعجزه في تعقيد هذه الظاهرة؟
- لقد صادق البرلمان على قانون الهواء النقي منذ 5 أو 6 أعوام ويشتمل هذا القانون على بنود حول حجم الاستثمارات المستهدف في مصادر الطاقة المتجددة والاستثمارات في وسائل النقل العام التي تعتمد على الطاقة النظيفة ولم ينفذ هذا القانون. تشهد المدن الكبرى على غرار طهران ومشهد وتبريز وأصفهان مزيجا من موجات الغبار وتلوث الهواء. وتشهد المحافظات الحدودية خاصة في غرب البلاد أزمات حادة على غرار شح المياه وجفاف الكثير من الأهوار التي تحولت إلى مركز انتشار الغبار. هذه الأزمات مترابطة ومعقدة وتتأثر بظروف دول الجوار. وأصبحت مراكز انتشار موجات الغبار والأتربة في شمال أفريقيا وإيران تتزايد بسبب تزايد مساحة الأراضي القاحلة والتصحر في العراق وسوريا. لقد أدت موجات الغبار إلى جفاف أجزاء كبيرة من نهر جيحون (آمو دريا) وهجرة واسعة من القرى الواقعة في هذه المنطقة. وضرب الجفاف هور هامون ولم تحصل إيران على حصتها من مياه الهور بشكل كامل منذ 20 عاما وتزداد مراكز انتشار موجات الغبار والأتربة في هذه المنطقة. لقد ضرب الجفاف نحو 85 في المائة من هور كاو خوني الذي أصبح مركزا لانتشار موجات الغبار وهذا الأمر يصدق على هور جازموريان الواقع في جنوبي محافظة كرمان والذي أصبح مركزا لانتشار ربع موجات الغبار في البلاد وفق تقرير منظمة حماية البيئة في إيران. لذلك نلاحظ أن هناك مجموعة من الأسباب الناتجة عن جشع النظام والاستهلاك العشوائي للنظام ومؤسساته تقف خلف الأزمة التي وصل إليها البلد. السياسة الخارجية في ملف موجات الغبار منفعلة وغير مبالية وعاجزة عن القيام بأية مبادرات لأن أولوياتها تختلف تماما عن المخاوف البيئية. وكان انتقال موجات الغبار الكثيفة في دول على غرار تركيا والعراق وسوريا وحتى تركمانستان وأفغانستان له آثار وخيمة على مناطق على غرار محافظة غلستان. لذلك فإن النظام الإيراني يواجه أزمة في غاية التعقيد على مستويات إدارة موجات الغبار والأتربة. احتلت إيران المرتبة الأسوأ عالميا من حيث تآكل التربة ويقع نحو 80 في المائة من الأهوار في إيران في المستوى الأحمر. يسحب 5 مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه الجوفية سنويا. نلاحظ مجموعة من الأزمات المتشابكة المتمثلة في مراكز انتشار موجات الغبار وإدارة المياه السطحية والجوفية تحولت إلى أزمة معقدة ومستعصية على الحل.
يحتل تنفيذ القوانين والاستثمار في منظومة النقل وبناء مستشفيات تخصصية لزيادة مستوى التكيف في المدن التي تعاني من موجات الغبار والملوثات أهمية كبيرة. تشكل وسائل النقل الخفيفة والثقيلة نحو 30 إلى 35 في المائة من مصادر التلوث البيئي ولا يتمكن المواطنون من الحصول على وسائل نقل نظيفة بسبب هيمنة المافيا في قطاع صناعة السيارات في إيران. وبالتالي نلاحظ أن جزءا كبيرا من الصناعات النفطية والبتروكيماوية من الأكثر تلوثا للبيئة في المحافظات الواقعة في الغرب وجنوب غربي إيران حیث إن مناطق على غرار منطقة عسلوية الصناعية أصبحت غير صالحة للحياة. هذا في الوقت الذي كان بإمكان المؤسسات المعنية أن تخصص جانبا من الاستثمارات النفطية والغازية لتحسين مواصفات البنزين غير أنها اتخذت سياسة تؤدي إلى ارتفاع حجم مصادر التلوث.
* كما تعلمين فإن حصة البيئة من الميزانية العامة للعام الحالي (يبدأ من 21 مارس) يكاد لا يساوي شيئا. ما تقييمك لحجم إهمال السلطة للبيئة والتنمية المستدامة؟
- عندما نتحدث عن سوء الإدارة في قطاع البيئة فإننا نلاحظ أن النظام الإيراني يواجه مجموعة واسعة من التحديات والأزمات في كل القطاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية بدءا من إدارة المياه السطحية والجوفية والسياسة الخارجية والحفاظ على الغابات والغطاء النباتي ودعم الزراعة وتربية المواشي والموارد والثروات البحرية. لم تخلق هذه الأزمات والتحديات بشأن استنزاف الموارد الطبيعية بين ليلة وضحاها بل هي عملية مستمرة أدت إلى تداعيات وخيمة على غرار عدم التنمية والهجرة والفقر والنظرة السلعوية إلى المياه والتربة والثروة الإنسانية.
ليست هذه العملية «سوء الإدارة» بل هي عملية «تعارض المصالح الوطنية ومصالح النظام» لأن الموارد الطبيعية والبيئية في إيران أصبحت مصدرا يدر الأموال على النظام وكلما كان النظام بحاجة للأموال يقوم ببيع أو تدمير جزء من موارد البلاد. نلاحظ بأن النظام يقوم أحيانا بتقديم برامج بيئية للربح وكسب الأموال والدعاية. هذا وإن الموارد الطبيعية تمثل ثروة وطنية وفقا للنظام العالمي ويجب الحفاظ على هذه الثروة الوطنية للأجيال القادمة كما أنه يجب العمل على تحقيق التنمية العادلة. إن هذه المفاهيم طويلة الأجل غائبة في القوانين العليا ومراكز صنع القرار التي تعتبر الثروات الوطنية بأنها مصدر يدر الأموال للأقلية الحاكمة.
لا تقتصر المشكلات الحادة في قطاع البيئة على مستوى الإدارة فهناك أفراد في مناصب إدارية مختلفة لم يتغيروا لسنوات طويلة بل يتحولون من منصب إلى آخر. تمتلك هذه المجموعة الواسعة في المستويات الإدارية سجلا يمتلئ بالفشل وعدم الجدارة عاما بعد عام. في الوقت الذي أدت الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت مناطق كثيرة في البلاد إلى أضرار بالغة فإنه تم تخصيص ألفي مليار تومان لتطوير مصلى طهران في 2022 ولم يتم تخصيص حتى 300 مليون تومان لتطوير تجمعات المياه. وبلغ حجم الأضرار التي ضربت قطاع الزراعة بسبب الفيضانات 10 آلاف مليار تومان وكان بإمكان المسؤولين تقليص الخسائر في حال تم استثمار خمس هذه الأموال في قطاع تجمعات المياه.
* لماذا يلجأ النظام دوما إلى القمع والأسلوب الأمني في التعامل مع أزمات بيئية؟
- يعتمد النظام أسلوبا أمنيا حول الأرقام والإحصائيات ويحولها إلى مادة تهدد أمن البلاد. إن إخفاء الحقائق والإحصائيات في قطاع البيئة أمر صعب لأن هناك مؤشرات دولية على غرار استهلاك المياه الجوفية في مؤشر التنمية المستدامة والأمن الغذائي. هذه المؤشرات لا يمكن إخفاؤها فعلى سبيل المثال لايمكن إخفاء غابة تم تدميرها لأن الصور الجوية والفضائية تكشف الحقيقة. يبذل النظام قصارى جهده لإخفاء الحقائق وعدم نشر إحصائيات بشأن البيئة، وبالتالي يعتمد النظام السياسة القمعية والرقابة بشأن كل الملفات ومنها البيئة وحقوق البشر والتعامل مع الناشطين بوصفهم يشكلون تهديدا أمنيا للنظام بهدف منع زيادة نشاط المستقلين في قطاع البيئة. يزج النظام بالنشطاء المستقلين بالسجون بدون محاكمات ويبقيهم بالسجون على غرار النشطاء الذين اعتقلوا خلال تجمعات احتجاجية على تدهور التربة والمياه في إقليم الأهواز والنشطاء الذين اعتقلوا خلال تجمعات احتجاجية على جفاف نهر زاينده رود في أصفهان وخلال احتجاجات مماثلة على جفاف بحيرة أرومية. لقد اعتقلت السلطات العديد من نشطاء البيئة خلال احتجاجات عديدة وقامت بحظر نشاطات مؤسسات غير حكومية عديدة. أطلقت السلطات الإيرانية النار على المحتجين الذين شاركوا في مسيرة احتجاجية على رمي المؤسسات الحكومية النفايات في غابات هيركاني في محافظة غيلان (شمال). وقامت السلطات بتسيير دوريات لحماية شاحنات حمل النفايات. وكانت هذه المنطقة مكبا لتجميع نفايات محافظات عدة منذ 25 عاما.
كانت ولا تزال الاحتجاجات العارمة على تدهور البيئة مصدرا يرعب السلطات التي قامت بقمع وتصفية الحركات البيئية المستقلة بهدف منعها من نشر الحقائق. وتمتنع السلطات عن التعاون مع الناس في محنهم الناتجة عن الأزمات البيئة وهذا ما رأيناه في الحريق الكبير الذي ضرب الغابات الواقعة في سلسلة جبال زاغروس. لقد لقي العديد من المواطنين الذين ذهبوا لإطفاء الحريق في المنطقة حتفهم غير أن السلطات امتنعت عن إرسال سيارات وشاحنات تستخدمها في الصناعات النفطية ولم تساعد الناس على إخماد الحريق. تتجاهل السلطة الحاكمة منذ سنوات مطالب شعبية لإنقاذ الأهوار من التلوث والجفاف وتنفذ برامج تؤدي إلى وخامة الأوضاع أكثر فأكثر. يقوم المواطنون والمزارعون منذ سنوات بتجمعات واحتجاجات على حالات الجفاف الذي ضرب هور كاو خوني ونهري زاينده رود وكارون، غير أن السلطات تتلاعب بمشاعر الناس عبر وعود فارغة وهدر الوقت وبالتالي وصلت هذه الأزمات إلى نقطة اللارجعة فعلى سبيل المثال لا يمكن إنقاذ هور العظيم وهو أكبر أهوار البلاد وأصبح إنقاذ بحيرة أرومية مستحيلة. دمرت أجزاء شاسعة من المناطق الطبيعية في إيران. كل يوم من بقاء الجمهورية الإسلامية في الحكم يعادل تدمير هكتار واحد من مساحة غابة ما وهور ما وتدمير ملايين الأمتار المكعبة من المياه وتلوث مياه البحر وتدمير مساحات واسعة من الأنهار وتدمير الحياة الفطرية وبؤس أكبر حجما للمزارعين ومربي المواشي والعشائر ومستويات أكبر للهجرة وانتشار أكبر لمدن الصفيح.