شهد العراق خلال الأسبوع الحالي، تصعيدا جديدا من انصار التيار الصدري، الذين يقودهم مقتدى الصدر، من خلال توسيع الاعتصامات أمام مجلس القضاء الأعلى، بعد ان كان فقط أمام مجلس النواب، ويطالب أنصار الصدر، بضرورة حل مجلس النواب، وإجراء انتخابات مبكرة، خلال 6 أشهر.
قاد رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، سلسلة من المفاوضات لحلحلة الأزمة السياسية، وتوصل إلى اتفاقات بين الإطار التنسيقي الذي يضم نوري المالكي وقيس الخزعلي وهادي العامري وآخرين من الشيعة، من جهة والتيار الصدري، من جهة أخرى، من أجل اختيار حكومة جديدة، تنفذ 3 وظائف هي إجراء انتخابات مبكرة خلال فترة سنة ونصف السنة، وإقرار الموازنة المالية، وتعديل قانون الانتخابات.
خسر مقتدى الصدر، جميع الأوراق السياسية، بعد استقالة أعضاء البرلمان، وبقيت بيده ورقة الشارع، التي استخدمت بمنع الإطار التنسيقي من تشكيل حكومة جديدة بقيادة محمد شياع السوداني، عبر اقتحام مبنى البرلمان والاعتصام فيه.
قطع رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، زيارته لمصر حيث كان يشارك في القمة الخماسية للزعماء، وعاد لبغداد، لتسوية الأزمة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وحذر من أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد إلى مخاطر حقيقية، مؤكداً أن حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب.
وطالب جميع القوى السياسية بالتهدئة، واستثمار فرصة الحوار الوطني؛ للخروج بالبلد من أزمته الحالية.
ردود فعل رافضة لخطوة الصدر
رد القضاء العراقي، على الاعتصام أمام بنايته، بتعليق أعماله والمحاكم في البلاد والمحكمة الاتحادية إلى إشعار آخر، وباشر بجمع الأدلة التي تهدد القضاء العراقي، وأصدر عدة أوامر إلقاء القبض، بحق قيادات في التيار الصدري، منهم صباح الساعدي، وغايب العميري، وعلي الساعدي. مما أجبر الصدر على الانسحاب من أمام مبنى البرلمان.
نددت الأمم المتحدة ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بخطوة الصدر، التصعيدية، وقالت بعثة الأمم المتحدة في العراق، إن «الحق في الاحتجاج السلمي عنصر أساسي من عناصر الديمقراطية، ولا يقل أهمية عن ذلك التأكيد على الامتثال الدستوري واحترام مؤسسات الدولة ويجب أن تعمل مؤسسات الدولة دون عوائق لخدمة الشعب العراقي، بما في ذلك مجلس القضاء الأعلى».
الحلبوسي، الذي يعرف بأنه حليف للصدر، تخلى عنه، قائلا: «سبق وأن اشتركنا في انتخابات نهاية العام الماضي بعد احتجاجات شعبية طالبت بتغيير الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، وكان هدفنا هو إصلاح الأوضاع، وإعطاء مساحة للقوى الناشئة في المشاركة السياسية، وأن تأخذ دورها في صناعة القرار السياسي داخل مجلس النواب، وإضافة استقرار للعمل السياسي، وإجراء إصلاحات حقيقية عبر المؤسسات الدستورية».
وأضاف: «للأسف، ما وصلنا إليه اليوم هو تراجع أكثر مِمَّا كنَّا عليه سابقا، من خلال تعطيل المؤسسات الدستورية،فمجلسا النواب والقضاء معطلان، مع حكومة تسيير أعمال»، مشيرا إلى أنه «يجب أن نحتكم جميعا إلى الدستور، وأن نكون على قدر المسؤولية لنخرج البلد من هذه الأزمة الخانقة التي تتجه نحو غياب الشرعية، وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية وهيكلية الدولة ومخرجاتها».
إلى ذلك، تحدث الرئيس العراقي، برهم صالح، أن «تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار، وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسراً فيها، وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا».
وأضاف أن «التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستورياً، ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد وينبغي العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها، وأن يكون التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية».
وتابع صالح: «البلد يمر بظرف دقيق يستوجب توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي الذي ضحى من أجله شعبنا، ولا ينبغي التفريط فيها بأي ثمن، والعمل على تجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين».
عودة إلى نقطة البداية
مصادر سياسية مطلعة قالت لـ«المجلة»، إن «مسؤولة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت، أبلغت الصدر خلال اجتماعها معه، بأن المجتمع الدولي يرفض إعادة الانتخابات، وحل البرلمان»، مشيرة إلى أن الصدر يرفض أي حوار يتضمن عدم حل البرلمان بالإضافة إلى أنه يريد بقاء مفوضية الانتخابات الحالية وعدم تغيير قانون الانتخابات واستمرار حكومة مصطفى الكاظمي».
ونوهت إلى أن الإطار التنسيقي قبل بحل الانتخابات النيابية، ولكن بشرط تغيير حكومة مصطفى الكاظمي، وقانون الانتخابات، مؤكدة أن الإطار التنسيقي أوقف التفاوض مع التيار الصدري لحل المشكلة بعد محاصرة أنصاره للقضاء، مما يعتبر عودة للبداية، خصوصا أن التيار الصدري يريد الاعتصام أمام مقر رئاسة الجمهورية وقد يلجأ إلى العصيان المدني لتحقيق مطالبه.
بينما قال القيادي في الإطار التنسيقي، فهد الجبوري، لـ«المجلة»، إن خطوة التيار الصدري بمحاصرة القضاء، غير صحيحة، وأن الإطار أوقف الحوار مع التيار الصدري، ونحن ماضون لعقد جلسة البرلمان وتشكيل الحكومة بقيادة محمد شياع السوداني، مضيفا أن موقف رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، من الأزمة ساهم بحماية النظام السياسي من الانهيار.
ودعا الجبوري، جميع القوى السياسية والشعبية التي تتظاهر إلى احترام القوانين وعدم التجاوز على السلطات، لافتا إلى أن إعادة الانتخابات يكون بعد تشكيل حكومة جديدة.
بدوره، قال عضو التيار الصدري، فتاح الشيخ، لـ«المجلة»، إن القضاء يتطلب منه إصدار قرارات لمحاربة الفساد، ومحاسبة نوري المالكي، على التسريبات التي تهدد الأمن العام، مشيرا إلى أن جماهير التيار الصدري، ذهبت لدعم القضاء.
ولفت إلى أن الفساد أصبح أقوى من الحكومة، وبالتالي نحتاج إلى حكومة قوية جدا لمحاربة الفساد، وهذا ما يريده التيار الصدري، موضحا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، لا يرضى بالحلول التي يرفضها الشعب العراقي من خلال تشكيل حكومة فاسدة.
لكن المقرب من مقتدى الصدر، صالح محمد العراقي، والذي يطلق عليه وزير القائد، قال إن الأصوات تعالت عندما اعتصمنا أمام القضاء لأسباب هي الخشية من أن القضاء سيلجأ إلى كشف ملفات فسادهم، وظنوا أن المتظاهرين سيقتحمون المجلس وبالتالي ستقع بأيديهم ملفات تفضح الجميع بلا استثناء.
وأضاف أن الإطار التنسيقي يعتبر القضاء هو الحامي الوحيد لهم وإذا ما استمرّ الاعتصام أمامه سوف لا يكون لهم وجود مستقبلاً ولن يستطيعوا تشكيل حكومة، موضحا: لعلّ سقوط الفساد في القضاء العراقي يعني لهم أن الثــورة قد تطيح بالفاسـدين أمثالهم، وأنهم يعتبرون القضاء هو الرأس وسقوط الرأس يعني سقوط ما دونه، وأكثر ما أزعجهم هو المطالبة بتنحّي فائق زيدان الذي يعتبر الداعم الأكبر للإطار التنسيقي.
الانزلاق نحو الصراع الدموي
عملت إيران، عبر رئيس فيلق القدس، إسماعيل قاآني، على تسوية المشاكل بين الإطار والتيار الصدري، ولم تنجح، وقامت بتهديد حلفاء الصدر، وهو مسعود بارزاني، عبر ضرب مقرات في أربيل أكثر من مرة وتنفيذ اغتيالات، مما سبب مشاكل كبيرة لحلفاء إيران.
والتيار الصدري، الذي يمتلك قاعدة شعبية، تمثل في حصولهم على 73 نائبا، في البرلمان الحالي، والذين قدموا استقالتهم، يمتلك أيضا ميليشيا تسمى «سرايا السلام»يبلغ عددها أكثر من 12 ألف شخص، مسلحة من قبل الحكومة العراقية وتنتشر في حدود مدينة سامراء، كما يمتلك الطرف الآخر عدة ميليشيات مدعومة من قبل إيران ويوجد لديهم مستشارون من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني ويتجاوز تعدادهم أكثر من 60 ألف شخص.
في غضون ذلك، قال المحلل السياسي، يحيى الكبيسي، إن إجراءات مجلس القضاء بتعطيل المحاكم في البلد، وإلقاء قبض على قيادات بالتيار الصدري، وحجز الأموال لهم جميعها غير قانونية، ويخالف قانون مجلس القضاء الأعلى وأظهرت هذه المشكلة هيمنة مجلس القضاء الأعلى على المحكمة الاتحادية، مشيرا إلى أن السلطة القضائية هي جزء من الفساد في العراق.
وأضاف أن المؤسسات العراقية، ضعيفة وتنخرها الفساد، لذلك المجتمع الدولي لا يهتم بهذه المؤسسات، مؤكدا أن القضاء العراقي مسيس وتحول إلى دعم طرف سياسي على حساب طرف آخر، مشيرا إلى أن هناك تهديدات إيرانية للحزب الديمقراطي الكردستاني بمنع مشاركته مع الصدر.
وأكد أن الأمور تنزلق إلى صراع دموي بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، لأن الحلول المطروحة لا يقبلها الطرفان.
ولكن الباحث السياسي، الدكتور حارث حسن، قال في صفحته على «فيسبوك»، مشكلة الحراك الصدري إنه يتسم بقدر كبير من العشوائية وغياب التخطيط وعدم إخضاع الخطوات لحسابات عقلانية وتقدير للنتائج، ومحصلة ذلك أن المطالب التي قد تكون بعضها محقة ومدعومة شعبياً، تضيع في صخب التخبط والارتباك والهجوم غير المدروس ثم الانسحاب غير المدروس. ربما خسر الصدر الجولة ولكن لم يخسر المواجهة الأوسع بعد. سيكون على الصدريين إخضاع خطواتهم المقبلة لعملية بحث وتدقيق وما أخشاه هو أن البنية الداخلية للتيار وطريقة اتخاذ القرار فيه لن تسمح بذلك.
وأضاف أن إجراءات «القضاء»بتعليق المحاكم والمحكمة الاتحادية وإصدار أوامر إلقاء قبض سريعة فضلاً عن كونها إجراءات غير قانونية، فإنها تشي بطبيعة هذا القضاء وبتحوله إلى طرف سياسي وجزء من نظام التخادم القائم، وكل ما قيل يوم أمس في خطابات الكتل والميليشيات الإطارية ومن يدور في فلكهم عن خطر تعليق القضاء يتناسى أن القضاء معطل عملياً بسبب عجزه عن محاسبة أي من الفاسدين الكبار أو الجماعات المسلحة أو القناصين. حراك الأمس نقل «مشكلة القضاء»من الهامش إلى متن النقاش السياسي في العراق.
وأكد أن بيان هيئة الحشد الشعبي يؤكد السر الذي يعرفه الجميع، وهو أن الحشد الشعبي أو الجسم الأساسي الذي يتحدث باسمه هي الذراع المسلحة لقوى الإطار.