واشنطن: في الأسبوع الماضي، صعد الرئيس السابق دونالد ترامب المواجهة الأخيرة التي بدأت عندما داهمت شرطة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) منزله، في ملعب الغولف الذي يملكه في ماريلاغو (ولاية فلوريدا). وبعد أن كان يهاجم الرئيس جو بايدن والديمقراطيين، وما يسميه الإعلام اليساري، صار يهاجم الجهاز القضائي.
قال إن القاضي الذي وافق على طلب «إف بي آي»بمداهمة منزله يجب أن يوافق على كشف تقرير «إف بي آي»عن المداهمة، رغم أن القاضي قال إن هذا سيعرقل التحقيق في الموضوع.
هكذا صار ترامب يحرض أنصاره ضد النظام القضائي (وهو مستقل، ولا يوجد له مثيل في أي دولة أخرى).
وفعلا، تلقى القاضي تهديدات من أنصار ترامب، وطلب من الشرطة المحلية حمايته.
قبل ذلك، تجمع أنصار ترامب أمام منزله، وهتفوا ضد القاضي، وضد «إف بي آي»، وكان بعضهم يحمل بنادق ومسدسات، أسوأ من ذلك، دعا بعض أنصاره إلى «حرب أهلية»أخرى.
حقيقة، ما كان اقتحام «إف بي آي»سياسيًا بقدر ما كان فنيا. كان عن حفظ دار الوثائق الوطنية لوثائق رئاسة ترامب. مثلما كان الحال مع الرؤساء السابقين.
زاد قلق دار الوثائق، واتصلت مع «إف بي آي»، لأن ترامب ومساعديه لم يعيدوا جميع الوثائق، وهي ملك للحكومة.
عندما أعطى ترامب 15 صندوق وثائق إلى دار الوثائق، قبل سبعة شهور تقريبا، صار واضحا أنه ومساعديه احتفظوا بصناديق أخرى. وأنهم لم يكونوا صادقين.
مرة أخرى، كما فعل ترامب في اليوم الذي هاجم فيه أنصاره الكونغرس (6 يناير/ كانون الثاني 2021)، أدلى بتصريحات فوضوية.
ومرة أخرى، خلال ساعات قليلة بعد اقتحام «إف بي آي»، هب أعضاء الكونغرس الجمهوريون، ومقدمو البرامج التلفزيونية المحافظة، والمناهضون للحكومة، ومنظرو المؤامرة المؤيدون لترامب، ودعوا، بطرق مباشرة وغير مباشرة، إلى العنف.
في نفس الوقت الذي صدرت فيه تصريحات غوغائية، صدرت تصريحات عقلانية. وهذه مقتطفات من رأيين متعارضين، من تغريدات صاحبيهما، ومواقعهما في الإنترنت، وتصريحاتهما إلى وسائل الإعلام:
في جانب، أعلن ستيفن كراودر، الجمهوري المتطرف الذي يتابعه مليونا متابع تقريبا في «تويتر»، وستة ملايين متابع تقريبا في «يوتيوب»: «اليوم يوم الحرب».
في الجانب الآخر، حذر كيسي كوكس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة «تكساس إيه آند إم»، والمتخصص في الإرهاب الداخلي، بأن «الحرب قد تبدأ»من قبل بعض مؤيدي ترامب.
ستيفن كراودر: «الحرب»
اليوم يوم حرب. هذا سيكون موضوع برنامجي هذا اليوم. ولن يكون هناك موضوع غيره... ها هي الأجراس تقرع، ولن يقدر أحد على وقف قرعها. ودعوني أقول لكم ما لم أقله لكم في الماضي: تنتشر كثير من المعلومات المضللة التي ينشرها أعداؤنا اليساريون. سواء في إدارة الرئيس بايدن، أو في وسائل الإعلام اليسارية.
ما فعله مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كان خطأ كبيرا، وعملا استبداديا هو الأول من نوعه، وهو امتداد لهذه الموجة اليسارية التي تعم البلاد.
هدفها واضح، وهو إلصاق العنف بنا، وليس بالذين اعتدوا على حرمة منزل رئيس سابق، وفتشوا غرفة نومه، وملابس زوجته...
أنا لا أدعوكم لارتكاب أعمال عنف كما يقول اليسار عني.
لكن، يجب أن يعلم العالم كله أن نصف الأميركيين يشعرون بالإهانة بسبب ما فعلته شرطة «إف بي آي»، ليس فقط للرئيس ترامب، ولكن، أيضا، لبلدنا، ودستورنا، ولكل ما تعنيه أميركا...
لا بد من الضغط على زر التطهير، ولابد أن يرانا العالم كله ونحن نضغط على زر التطهير.
لماذا لا نضغط عليه ونحن نشعر بالإهانة، والأذى، والإهمال؟
لا بد أن نصرخ، ليس مثل صراخ اليسار، لكن جاء وقت محاربة النار بالنار.
لا بد أن نكون في حالة تأهب قصوى. هذه ليست دعوة للعنف، أو لحرب أهلية جسدية، لأنني أعرف أن شرطة «يوتيوب»و«تويتر»(حيث ينشر آراءه) يراقبونني. ولأني أعرف أن التلفزيونين اليساريين«سي إن إن»و«إم إس إن بي سي»ينتظران على أحر من الجمر لإلصاق تهمة العنف بي. في نفس الوقت الذي يرفضون فيه إدانة التعدي على منزل الرئيس ترامب، وهو عنف حكومي، خطط له منذ فترة طويلة...
هل تعرفون ماذا سيفعلون بعد الاعتداء على منزل ترامب؟ سيكونون مثل «الجستابو»الألماني في عهد الدكتاتور هتلر. سيطوفون الأحياء، وسيدقون على الأبواب، لجمع بنادقنا ومسدساتنا.
هذا عصر اليسار عندما يصعد إلى قيادة البلاد. يرتكبون العنف الحكومي، ثم يتهموننا بالعنف...
نحن نتابع اجتماعاتهم السرية في واشنطن. إنهم يخططون لقلب البلاد رأسا على عقب باسم الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي. ولا يقولون إنهم يريدون أن يغيروا أسلوب حياتنا، وثقافتنا، وعاداتنا، وتقاليدنا...
كيسي كوكس: «قد تكون حربا»
إذا استمر هذا التوجه العنيف (من أنصار ترامب)، لن أستغرب إذا انتقل من الهجوم على الكونغرس إلى الهجوم على وزارة العدل، ورئاسة «إف بي آي»، ووزارة أمن الوطن.
إذا صار الهدف هو تطبيع ما يسمونه الحذر والتحوط ليكونا جزءا من العمل السياسي، يقدرون على تحقيق ذلك، كما تقول دراسات كثيرة عن العنف، وأسبابه، وأنواعه.
في السنة الماضية، كشف استطلاع شعبي أجرته صحيفة «واشنطن بوست»، بالتعاون مع جامعة ماريلاند، أن ثلث الأميركيين يعتقدون أن العنف ضد الحكومة يمكن تبريره في بعض الأحيان.
وكشفت دراسات أخرى زيادة آيديولوجيا العنف التي كانت مقصورة على جماعات متطرفة وهامشية...
خلال عقود، درست هذا الموضوع، ولاحظت أنه منذ تسعينات القرن الماضي زاد انتشار آيديولوجيا العنف هذه. منذ ذلك الوقت، كانت مثل ماء ساخن موضوع على نار هادئة، وها نحن نشاهد النار وقد زات، والماء وقد صار يغلي.
بحلول سنة 2008، بالتزامن مع رد الفعل اليميني العنيف على رئاسة باراك أوباما بسبب لونه، زاد غليان الماء. وصرنا نشاهد المزيد من إعلانات وتصريحات الكراهية والعنف، سواء في التلفزيون أو في الإنترنت. ثم انتشر الإعلام الاجتماعي، وانتشر الذين كانوا يخفون أنفسهم، ويخفون أفكارهم العنيفة...
أسفا، ساعد قادة جمهوريون على إشعال النار، وغليان الماء. ورأينا السيناتور تيد كروز يطبخ فطوره على فوهة بندقية...
بسبب التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية لتكون على أسس حزبية، ظهرت دوائر متطرفة أكثر مما كانت. وأجبر هذا السياسيين على السباحة مع الموج المتطرف، ليحافظوا على مناصبهم. وهكذا، صار الخطاب العنيف، الذي كان يُنظر إليه في الماضي كشيء منبوذ، عاديا ويوميا.
وكما كشفت تحقيقات الكونغرس حول هجوم 6 يناير (كانون الثاني) على الكونغرس، تنتقل الدعوات المحجبة للعنف في الخطاب السياسي سريعا من وسائل الإعلام اليمينية (مثل تلفزيون «فوكس») إلى المنتديات اليمينية المتطرفة.
تنتقل سريعا، وتزيد خطورة. ويتحول رأي في التلفزيون مثل «لتكون مظاهرتنا قوية»إلى «ليحضر كل واحد منا بندقيته أو مسدسه»في مواقع التواصل الاجتماعي.
حدث هذا أمام منزل ترامب بعد حملة شرطة «إف بي آي»، ويمكن أن يحدث مرة أخرى أمام الكونغرس، وأمام وزارة العدل، وأمام رئاسة «إف بي آي».