نجاح المحادثات النووية مع إيران يعتمد على الاعتراف بحقها في التخصيب السلمي لليورانيوم

نجاح المحادثات النووية مع إيران يعتمد على الاعتراف بحقها في التخصيب السلمي لليورانيوم

[escenic_image id="5511132"]

خلال المحادثات بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني،  لم يبدِ الرئيس أوباما أية بوادر تشير إلى أنه سيعطى إيران ما تريد، وهو الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية على أرضها. و إن كان المفاوضون في إدارة أوباما سيواصلون مطالبة إيران بتعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم وإغلاق مفاعلاتها..

 إلا أن بعض المطلعين، ومن بينهم الأمريكيون الذين شاركوا في المحادثات غير الرسمية مع المسئولين الإيرانيين يؤكدون أنه على المفاوضين في إدارة أوباما أن يفهموا انه لكي تنجح المحادثات مع إيران، ينبغي عدم إجبارها على التخلي بشكل تام عن تخصيب اليورانيوم. فهم يعرفون في النهاية أن التوصل إلى اتفاق مع إيران سوف ينطوي على اعتراف بحقوقها النووية في مقابل إبداء إيران رغبتها في توفير الشفافية الكاملة والإشراف على تجاربها النووية من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 وهذه هي النتيجة التي ستسمح لكلٍّ من المفاوضين الإيرانيين والأمريكيين بادعاء النجاح و تحقيق الفوز في المحادثات. فبهذه النتيجة تستطيع إيران أن تعلن لشعبها أنها أجبرت الغرب على تقبُّل حقوقها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعتها طهران. ويستطيع الرئيس أوباما أن يقول للرأي العام الأمريكي إنه أجبر إيران على قبول ضمانات لعدم توجيه أبحاثها النووية إلى الجانب العسكري.

 لكن تبقي المشكلة أن تحقيق ذلك ينطوي على رحلة دبلوماسية صعبة ومعقدة كثيرًا نتيجة للسياسات الداخلية في كلا البلدين.

 ففي الأول من أكتوبر، وبعد أشهر من الأنشطة الدبلوماسية السرية وغير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، حققت القوى الكبرى في العالم وإيران تقدما مهمًا. ولم تكتف إيران بالموافقة فقط على تفتيش الوكالة الدولية لمنشآتها النووية التي لم تكشف عنها من قبل وبُنيت عند سفح جبلي قرب مدينة قُم، بل وافقت أيضًا على شحن الجزء الأكبر من اليورانيوم ـ منخفض التخصيب ـ إلى روسيا وفرنسا حيث سيخضع لإعادة المعالجة لاستخدامه في مفاعل طبي.

ولكن.. حتى هذا الانتصار الصغير أثار ضجة في إيران. فقد أدان الصفقة خصوم الرئيس أحمدي نجاد، من المتشددين مثل علي لاريجاني، رئيس البرلمان، ومير حسين موسوي، زعيم حزب المعارضة الإصلاحي. واعتبر كلا الزعيمين، لأسباب مختلفة، الصفقة فرصة لتحقيق مكاسب سياسية ضد أحمدي نجاد، واتهماه ببيع مصالح إيران إلى الولايات المتحدة. وعادت إيران سريعًا للتراجع، وسعت إلى إجراء تغييرات فيما أسمته الولايات المتحدة أنه اتفاق نهائي، وبدت الصفقة على وشك الانهيار.

 وفي الولايات المتحدة، ادّعى منتقدو إيران – ومن بينهم المحافظون الجدد، وكُتَّاب المقالات في وسائل الإعلام اليمينية مثل صحيفة "وول ستريت جورنال" – أن مراوغة إيران دليل على أن طهران لا تتفاوض بجدية. وقالوا إن إيران تستخدم المحادثات كخطة للمماطلة بينما تمضي قُدُما نحو تصنيع قنبلة نووية..

ولكن تخبط إيران في الواقع هو نتيجة لأساس نظامها الهش. فقد تسببت انتخابات الثاني عشر من يونيو/حزيران المتنازع عليها، والقمع الوحشي والمحاكمات الصورية التي تلتها، في إنهاك أحمدي نجاد وعلي خامنئي، مرشد الجمهورية الإيرانية على حد سواء. ويشكك رموز المؤسسة الحاكمة فى شرعيتهما وسلطتهما علنًا، ومن بينهم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مما جعل من الصعب على طهران التحرك بسرعة نحو وفاق ولو محدود مع الولايات المتحدة.

 ومنذ اجتماعه مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في الربيع الماضي، أشار أوباما إلى أن المحادثات مع إيران ينبغي أن تُحرز تقدمًا قبل نهاية العام. وأعلن مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية، والمسئول عن ملف إيران في مؤتمر عقد بواشنطن يوم 10 نوفمبر/تشرين ثان، أن الولايات المتحدة "ليست مهتمة بالمحادثات لمجرد المحادثات"، مضيفًا أن الولايات المتحدة ستسعى إلى حشد حلفائها، بجانب روسيا والصين لممارسة ضغوط جديدة على إيران من خلال فرْض عقوبات جديدة من الأمم المتحدة إذا رفضت إيران التحرك سريعا للأمام.

 إلا أنه رغم ذلك كله، يدرك أوباما وبيرنز أن العقوبات ضد إيران لن يكون لها أي تأثير فعلي، خاصة وأن روسيا والصين لن تؤيدا إلا أخف العقوبات على الأرجح. ويعرف الرجلان أيضا أن التخلي عن المفاوضات ربما يلغى حسن النية الذي تمخَّض عن انفتاح أوباما على إيران. بدءًا من خطاب تنصيبه في شهر يناير/كانون ثان، إلى خطابه الذي ألقاه في القاهرة في شهر يونيو/حزيران، حيث استخدم اوباما خلالهما عبارة "جمهورية إيران الإسلامية" ليشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تسعى إلى تغيير النظام في إيران ..

والحقيقة.. أنه رغم ضغوط المتشددين الأمريكيين، بما فيهم لجنة الشئون العامة الأمريكية-الإسرائيلية القوية، فإن الخلاف حول الأبحاث النووية الإيرانية لا يمثل أزمة. فبالرغم من أن إيران تمتلك كمية صغيرة من اليورانيوم منخفض التخصيب، فإنها لا تملك أي يورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة ذرية، وتحويل اليورانيوم منخفض التخصيب إلى اليورانيوم عالي التخصيب، هو عملية طويلة وشاقة يجب أن تحدث على مرأى ومسمع من مفتشي الوكالة الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت إيران لديها الدراية الفنية لتصنيع قنبلة مماثلة لقنبلة نجازاكي حتى لو امتلكت ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب. وعلاوة على ذلك، يعد تصنيع قنبلة يمكن أن تُحمل في صاروخ، وتطوير رأس حربي، وتصنيع صاروخ يمكن أن يحمل قنبلة؛ كلها مهام صعبة للغاية ربما لا تتمكن إيران من إنجازها ..

في نهاية المطاف، إذا أرادت الولايات المتحدة النجاح في المحادثات، فإنها ستضطر إلى التوصل إلى اتفاق ينطوي على استمرار إيران في عملية تحويل اليورانيوم إلى وقود لاستخدامه في الأغراض السلمية. ففي يونيو/حزيران الماضي، وقبل أسبوع من الانتخابات الإيرانية، قال السيناتور جون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والمستشار المقرب من الرئيس أوباما، إن إيران لديها بالفعل الحق في تخصيب اليورانيوم بموجب معاهدة عدم الانتشار. في ذلك اليوم في طهران، كنت في اجتماع مع علي أكبر رضائي، المدير العام لقسم أمريكا الشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية. وقال لي إنه ليس واضحًا ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة على استعداد لإبداء موقف مختلف كثيرًا عن موقف جورج دبليو بوش. وقال رضائي بعد تحليل خطاب أوباما  في القاهرة: "لم يقل الرئيس أوباما إن لدينا الحق في تخصيب اليورانيوم، لكنه لم يقل أيضا إننا لا نملك هذا الحق، وليس من الواضح لنا ما إذا كان حذف هذه النقطة عمدًا أم لا".  وقال رضائى: "إننا لا نعرف ما يدور بعقل الرئيس الأمريكي".

font change