القاهرة: تحاول الحكومة المصرية، خلال الشهور الأخيرة، التركيز على السياحة المناسبية، باستحداث مناسبات تلعب على وتر ميول السائحين وتفضيلاتهم المتباينة، وتخلق زخما مستمراً حول المقصد المصري، وآخرها حملة عالمية بذكرى مرور 200 عام على نشأة علم المصريات، المرتبط بفك رموز حجر رشيد.
تعاقدت هيئة التنشيط السياحي، مع شركة McCann الأميركية، أخيرًا، لتدشين الحملة الترويجية لمصر في ضوء استراتيجية إعلامية للتسويق أعدها تحالف كندي- إنجليزي خلال العام الماضي.
McCann هي وكالة إعلانات عالمية رائدة، لها مكاتب في 120 دولة، وهي مشهورة بوضع شعارات مؤثرة لحملاتها، تبقى عالقة في الأذهان فترة زمنية طويلة، بجانب الاعتماد على الإعلانات الغنائية المؤثرة مثل حملة مترو ملبورن في أستراليا التي عززت السلامة عبر الرسوم المتحركة، وأغنية جذابة تم تحميلها على شبكة الإنترنت 200 مليون مرة.
تنفذ الشركة الحملة المصرية، على مدار 3 سنوات، مع تقييم مستمر لمردودها، وقياس نتائجها وتغيير مسارها لضمان تحقيقها عائدًا أكبر، كما تستهدف أسواقا مخلفة بأوروبا والولايات المتحدة، والخليج العربي، وهي أسواق عالية الإنفاق يمكنها تحريك السياحة والسوق المحلية معا، عبر تعزيز مبيعات المنتجات التراثية المحلية وخدمات النقل.
اختارت الحكومة المصرية 27 سبتمبر (أيلول) المقبل، الذي يوافق يوم السياحة العالمي، موعدا لتدشين الحملة، ولتسليط الضوء على المقاصد المصرية التي تعاني حاليا من تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية التي قلصت معدل السفر من أهم سوقين للسياحة المصرية، واللتين تمثلان معا الزبون الأول لمنتجعات جنوب سيناء.
تحركات مستمرة
جاءت الحملة بعد تحركات للحكومة لتفعيل خطوط جديدة للطيران منخفض التكاليف لجذب فئات متنوعة من المقاصد الخارجية، بجانب إقرار مشروع قرار خاص بالتصوير الشخصي والتذكاري للأجانب المقيمين والسائحين، والذي ينظم للمرة الأولى قواعد التصوير في الشوارع. ويجعل المبدأ في التصوير هو الإتاحة، وتسهيل إجراءاته بقدر الإمكان، باعتباره مساعدا للترويج للمقاصد السياحية المصرية، ومروجا بشكل غير مباشر للميادين، والمباني التاريخية والحضارية.
يفترض أن تبتكر الشركة العديد من الأفكار الإبداعية المختلفة لتنشيط السياحة وإعداد مواد ومنشورات دعائية على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المختلفة، وإنتاج منشورات إعلانية لجميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، وإعداد وحجز وشراء المساحات الإعلانية على مختلف وسائل الإعلام من وسائل مرئية ومقروءة ومسموعة، ووسائل إلكترونية، وإعلانات الطرق، وغيرها.
يتزامن التدشين، أيضا، مع الاحتفال بمرور 100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، أشهر مجموعة ثرية مصرية كاملة، واستثمار حالة الزخم الإعلامي الدولي المرتبط باستضافة مصر مؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 27» بمدينة شرم الشيخ في نوفمبر المقبل.
بحسب خبراء سياحة، فإن مبلغ 30 مليون دولار سنويا يعد مبلغا زهيدا للغاية بإجمالي 90 مليون دولار، حتى إنه أقل من المبلغ الذي خصصته وزارة السياحة في التسعينات لإجراء حملة دعاية للمقاصد المصرية في أعقاب أحداث الأقصر في التسعينات وبلغت قيمتها حينها 42 مليون دولار، ونجحت في خلال 6 أشهر عودة حركة السفر لمصر بعدما تراجعت بمستويات قياسية.
فرص كبيرة
يقول بيتر ناثان، عضو غرفة المنشآت الفندقية بجنوب سيناء، إن تدشين الحملة يتواكب مع انطلاق مؤتمر «كوب 27» في شرم الشيخ، الذي يستهدف تقليل الانبعاثات الحرارية للحفاظ على مستقبل الأرض، لكنه يخدم في الوقت ذاته السياحة المصرية، بتعزيز حركة السفر، والدعاية لحركة التطوير الشامل التي تشهدها المنتجعات المحلية حاليًا.
يضيف ناثان أن الفنادق المصرية تشهد تجهيزات على أعلى مستوى استعدادا للمؤتمر الذي تحضره وفود من جميع دول العالم، عبر الحصول على أعلى شهادة بيئية من أعلى مستوى لكل فندق، والاعتماد على الطاقة النظيفة بها خاصة الطاقة الشمسية، وتوصيل كابلات «الفايبر» لتسريع الإنترنت، إضافة لتعزيز التدريب للعمالة ورفع مستواها.
يشير إلى أن مؤتمر المناخ شهد حملة تسويقية كبيرة لمصر ستفيد الحملة الجديدة التي تقوم بها الشركة العالمية، كما يواكب تعيين شخصية مصرفية في وزارة السياحة والآثار، ما يعطي أملا في حل مشاكل المستثمرين التمويلية خلال الفترة المقبلة، لافتاً إلى أن السوق الروسية كبيرة وصعب تعويضها، لكن مصر بدأت التركيز على الأسواق الجديدة كدول البلطيق مثل لاتفيا وأستونيا بجانب كازاخستان في الموسم الشتوي القادم، جنبا إلى جنب مع الأسواق المعتادة كألمانيا التي تعتبر من أكثر الجنسيات زيارة لمصر.
يرى ناثان أن أزمة الطاقة في أوروبا تخدم السياحة المصرية في الشتاء القادم، فالمقصد المصري يتسم بطقس دافئ ورخص الأسعار وقد يدفع بقطاع من الأوروبيين خاصة المتقاعدين على قضاء الشتاء بالمنتجات أو الفنادق المصرية.
تتأهب الدول الأوروبية حاليا لشتاء صعب في ظل نقص إمدادات الغازات بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأصدرت بعضها تحذيرات من أن تدفئة المنازل بالكامل سيكون أمراً صعبًا، بينما بدأت المصالح العامة خفض استهلاك الطاقة وغلق أنوار الأبنية الحكومية والمتاحف وتخفيض الإضاءة بالشوارع والميادين ليلاً.
تحدي الطيران
يرى عاطف عبد اللطيف، رئيس جمعية «مسافرون»، أن المشكلة التي تواجه السوق المصرية، حاليا، ليست في الدعاية ولكن في الطيران المنتظم الذي ارتفعت تكاليفه، وجعلت القطاع الأكبر من السائحين يميلون إلى الرحلات الشاملة، التي تتضمن الإقامة الكاملة من طعام وشراب والانتقالات وغيرها.
أضاف عبد اللطيف أن وزارة السياحة المصرية لم تُجِد التعامل مع الأزمة الروسية فالروس يتوافدون على تركيا ويحققون صعودا قياسيًا في حركة السفر، بفضل توجه الطيران التركي إليهم وفي ظل عدم قدرة الطيران الروسي على الطيران لعدة أشهر بسبب العقوبات، وكان الأولى لمصر أن تسيّر طيرانا مباشرا إلى موسكو لجلب المسافرين وتأجير طيران للقيام بهذا الدور حال عدم كفاية الأسطول المحلي.
وعانى قطاع الطيران الروسي من أزمة صعبة في ظل اعتماده على طائرات الشركات الأوروبية والأميركية التي توقفت منذ بداية الحرب نتيجة العقوبات غير المسبوقة التي اتخذتها الدول الكبرى على موسكو، لتتوقف 570 طائرة روسية مستأجرة عن العمل.
صحيح أن حركة السياحة الروسية عاودت القدوم لمصر منذ مايو (أيار) الماضي ولكن بالاعتماد على طائرات روسية تحمل أعدادا أقل، ما أفقد المقاصد المصرية مزايا الزائرين الروس الذين يفدون في أعداد ضخمة ما يحقق التشغيل الكامل للفنادق ويعوض البرامج المخفضة التي يتم وضعها لجذب الروس بالذات.
يضيف عبد اللطيف أن التسويق ليس المشكلة الأساسية لمصر فالفنانون ولاعبو الكرة العالميون مثل لاعب ليفربول محمد صلاح حينما ينشرون صورهم في المقاصد المصرية يحققون دعاية مجانية تجتذب أنظار الملايين، مطالبًا مصر باستهداف أسواق بعينها يمكن وصفها بالواعدة مثل إيطاليا والولايات المتحدة وكندا، بجانب الأسواق الآسيوية مثل الهند وكوريا الجنوبية مع التأكيد على ضرورة التوسع في النقل الجوي، ووضع برامج تتضمن تكلفة الطيران.
حسب بيانات البنك المركزي المصري، فقد ارتفعت إيرادات السياحة خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 79.7 في المائة لتبلغ نحو 2.4 مليار دولار مقابل 1.3 مليار دولار في الفترة ذاتها من عام 2021 بزيادة نحو 1.1 مليار دولار. وشهدت السياحة الدولية في الفترة ذاتها زيادة بنسبة 182 في المائة على أساس سنوي، بعدما استقبلت الوجهات في جميع أنحاء العالم ما يقدر بنحو 117 مليون سائح دولي، مقارنة بـ41 مليونًا في الربع الأول من عام 2021.
تنويع السياحة الوافدة
وتقول حنان موريس، الخبيرة الاقتصادية، إن مصر تسعى لتنويع أسواق السياحة الوافدة بدلا من التركيز على أسواق بعينها، بعدما واجه القطاع أزمات خلال الأعوام الأخيرة كان أشدها سقوط الطائرة الروسية في سيناء وجائحة كورونا التي فرضت الإغلاق الشامل على الدول، والحرب الروسية الأوكرانية.
وتضيف أن مصر تركز في الفترة الأخيرة على سياحة المناسبات والاحتفالات، مثل موكب المومياوات الملكية وطريق الكباش في الأقصر، والعرض الكوري المصري في منطقة الأهرامات، وتلك المناسبات تخلق زخما إعلاميا، وتسلط الضوء على المقاصد المحلية، التي باتت رخيصة جدا بعد وصول الدولار لمستوى 19 جنيها.
يجمع خبراء السياحة والاقتصاد على أن مصر لديها فرصة لجذب جميع قطاعات السائحين في ظل انخفاض سعر صرف الجنيه الذي يجعل السائح يقضي برنامجا كاملا بمبالغ زهيدة لا تتعدى 3 آلاف دولار، علاوة على تنوع الآثار المصرية التي تلبي طموحات جميع السائحين من منتجعات ساحلية وآثار ممتدة لجميع الحقبات التاريخية.