القاهرة: في جلسة عاجلة عقدها مجلس النواب المصري، برئاسة الدكتور حنفي الجبالي، تم إقرار تعديل وزاري موسع على حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، كان قد دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشمل 13 حقيبة وزارية جاء على رأسها تعيين وزير جديد للري والموارد المائية، إضافة إلى عدة وزارات ثار حولها الجدل الشعبي خلال الآونة الأخيرة والتي جاء على رأسها وزارة التربية والتعليم، والصحة والسكان.
إلا أن تغيير وزير الري والموارد المائية فتح بابا للتساؤلات حول دلالات ونتائج هذا التعديل الوزاري، خاصة في وقت اشتدت فيه أزمة سد النهضة، بعد إقدام الجانب الإثيوبي على الملء الثالث لخزان السد وبشكل منفرد، بعيدا عن أي اتفاق قانوني ملزم يحفظ حقوق دولتي المصب مصر والسودان، وهو ما دفع الجانب المصري لإرسال خطاب اعتراض لمجلس الأمن حول الخطوة الإثيوبية التي قد تؤدي إلى تعقيد الأزمة.
كما دارت التساؤلات حول مدى تاثير هذا التعديل على الملفات العالقة سواء الداخلية أو الخارجية، وتحقيق نتائج ملموسة فيها، خاصة وأن الرئيس من خلال طلب التعديل الوزاري أكد أن هذا التغيير يأتي من أجل تطوير الأداء الحكومي في بعض الملفات الهامة على الصعيدين الداخلي والخارجي والتي تساهم في حماية مصالح الدولة ومقدراتها، وتمس بشكل مباشر الخدمات المقدمة للمواطن المصري، وهو ما فتح الباب حول تكهنات بحدوث تقدم في ملف أزمة سد النهضة، إضافة إلى التساؤلات حول السياسات الاقتصادية المتبعة، والتي فيما يبدو تحظى برضاء القيادة السياسية، والتي جاء التعديل الوزاري كاشفا لها حيث لم يطل التعديل أيا من حقائب المجموعة الإقتصادية، أو الوزارات السيادية.
لا تغيير جذري في سياسات الحكومة
لا توجد دلالات كبيرة في التعديل الوزاري الأخير، برغم أنه تم تعديل 13 حقيبة وزارية، ومع ذلك فنحن أمام تعديل وزاري محدود، أو على الأقل ليس جراحيا لا في السياسات، ولا في الوزارات الأساسية، الوزارات الرئيسية كلها: السيادية والاقتصادية، لم يطرأ عليها أي تعديل، وذلك حسب الكاتب، والمفكر السياسي، عبد الله السناوي في تصريحات خاصة لـ«المجلة» عبر عن اعتقاده خلالها بأن السياسات هي هي، بلا أي تعديل، فوزارة الصحة شاغرة منذ فترة، وجرى الدفع بالبديل، وهو وزير التعليم العالي ليرتبط بوزارة الصحة، وحل محله أحد الوزراء الآخرين، ووزيرة الهجرة كانت قد استقالت ولم يبت في استقالتها، أو قيل إنها رفضت، ولكن جرى التعديل عليها، ولم يتم التعديل في أي وزارة سيادية، أو اقتصادية أو وزارة ذات أهمية، باستثناء وزارة الري والموارد المائية، التي قد يكون للتعديل فيها دلالة بشكل أو بآخر، ولكن ليس هناك أي معلومات عن الوزير الجديد ترجح أن هناك تغييرا في الخط السياسي، أو في المعادلة قد تختلف، لأن هذا الملف هو بشكل خاص تحت إشراف مباشر لرئيس الجمهورية ، وبالتالي لا أعتقد أي تغيير فيه، ولا في أي توجهات أخرى، حتى وزارة التربية والتعليم كان جزء منها متعلقا باتساع الغضب الشعبي على أداء الوزارة، وحدث جدل وسجال واسع على وسائل التواصل الاجتماعي بين من يرحبون بالتغيير، ومن يتأسون على ما حدث، فالرجل حاول أن يحدث إصلاحا دون أن تتم مناقشة حقيقية حول أين كانت الأخطاء في السياسات وفي التوجهات، والوزير الجديد قال إنه سوف يتبع نفس الاستراتيجية، وحتى هنا دواعي التغيير غير واضحة في هذا الأمر.
وأضاف السناوي: لا يوجد تغيير في سياسات الوزارة، كما أن مجلس النواب مرر القرار في ربع ساعة، ولم يناقش الوزراء الجدد في تصوراتهم، وأفكارهم، أو يسأل رئيس الوزراء نفسه عن دواعي التغيير، وأسبابه، وتوقيته، وما قد يحدث من تعديلات في الخطة الحكومية، تقريبا نحن أمام تعديل محدود إلى أبعد حد في مغزاه، وفي رسائله، وهذا التعديل كأن لم يكن، لأن نفس السياسات ستستمر مع تغيير بعض الجهات وبعض الشخوص.
أبعاد سياسية وليست فنية تتحكم في أزمة سد النهضة
التعديلات الوزارية نوعان، الأول يعمل على تغيير جذري في السياسات المتبعة داخليا، وخارجيا، والنوع الثاني يعمل على ضخ حيوية، ودماء جديدة لإعطاء دفعة قوية للسياسات المتبعة، وهذا التعديل الذي حدث في مصر والذي وصلت عدد حقائبه التي تم تغييرها، إلى 13 حقيبة هو تعديل وزاري من النوع الثاني، وذلك حسب الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، مشيرا إلى أن ذلك يأتي لعدة أسباب منها الإبقاء على وزراء الحقائب الاقتصادية دون تغيير، وكذلك حقيبة الخارجية، وهذا يعني أنه لا تعديل في السياسات الاقتصادية المتبعة، فيما طال التعديل عدة حقائب شكلت جدلا لدى رجل الشارع فيما يتعلق بنهج هذه الوزارات، وعلى سبيل المثال تم تغيير وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي الذي شكلت سياساته جدلا واسعا في الشارع المصري، إضافة إلى وزارة الهجرة، ووزارة الصحة التي طالتها شبهات فساد، وكذلك تم تغيير بعض الوزارات مثل وزارة البيئة، والسياحة والآثار، لإعطاء دفعة وضخ دماء جديدة لتنفيذ السياسات المتبعة.
أما فيما يتعلق بتغيير وزير الري، وعلاقته بأزمة سد النهضة، فهذا الملف على وجه الخصوص هو ملف ذو طابع سياسي، وليس ذا طابع فني، وعلى الرغم من أن الوزير الجديد له خبراته الواسعة على المستوى الدولي في هذا المجال إلا أن هذا الملف تتحكم فيه أبعاد سياسية أكبر من الأبعاد الفنية، ولذلك لا أرى تغييرا كثيرا سوف يطرأ على هذا الملف نتيجة هذا التعديل الوزاري. كما أن السياسات الاقتصادية، والملفات الخارجية، يبدو أنها تحظى بقبول القيادة السياسية لذلك لم يطرأ أي تعديل على وزراء الحقائب الإقتصادية والسيادية.
تعانق الجهد السياسي والمسار الفني
الهدف من التعديل كما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي هو التغيير والنهوض بالأداء الحكومي وصولا إلى أهداف الجمهورية الجديدة، وذلك حسب الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور بشير عبد الفتاح في تصريحات خاصة لـ«المجلة» أكد فيها أن التغيير هو سنة الحياة من أجل تغيير الدماء دائما، وتم تغيير وزير الري خلال التعديل الوزاري الأخير، وهذا يعكس رغبة في تطوير الأداء في هذا المضمار، وأعتقد أن الدماء الجديدة التي تم ضخها في الحكومة سوف تساعد كثيرا في تطوير الأداء، والارتقاء بمستوى الفعل على مستوى السياسات الداخلية، والخارجية ، خصوصا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، لأن الأمور تحتاج إلى جهد ضخم من الدبلوماسية والإعلام النشط، على المستويين الإقليمي والدولي لذلك أعتقد أن هذا التغيير سوف يساعد كثيرا في السير بخطوات واثقة على هذا الدرب. وأزمة سد النهضة هي مسألة سياسية فنية في الأساس لأن مشكلتنا مع الجانب الإثيوبي لها بعد قانوني سياسي، وفيها بعد فني وهو الذي يتعلق بمسألة إدارة وتشغيل وملء السد، وهي مسألة فنية ولا بد أن يتعانق فيها الجهد السياسي مع المسار الفني..
أما بالنسبة للسياسات الداخلية فيما يتعلق بالناحية الإقتصادية فلم يطل التعديل الوزاري أي حقيبة من المجموعة الاقتصادية، وهذا ربما يعكس رضا الرئيس على مجموعة الوزراء المعنيين بالملف الاقتصادي، أو ربما هناك مشاريع وخطط لا بد أن تكتمل بدأها هؤلاء الوزراء ولا بد أن تكتمل، وقد يكون الأمر مفتوحا في المستقبل على تعديلات أخرى ولو بشكل جزئي، لكن دائما عدم تعديل وزراء المجموعة الاقتصادية يكون مرتبطا بمشاريع، وخطط تنموية يفترض أن تكتمل، قد بدأها هؤلاء وعليهم إتمامها. والأمر يحتاج إلى بعض الوقت كي نستطيع جني ثمار التعديل الوزاري، وهناك ملفات قد نرى نتائجها بسرعة مثل ملف التعليم، لو حدث تغيير في مجال الثانوية العامة وتغيير الأوضاع السيئة فيها، ولو كان هناك محاولة للعلاج فسوف تبدأ النتائج سريعا، إضافة إلى بعض ملفات أخرى مثل ملف العجز في المدرسين، والعجز في المدارس، ومسألة الدروس الخصوصية والكتاب الخارجي، والمؤسسات الموازية في العملية التعليمية، لأن الوزير الجديد يؤكد اهتمامه بهذه الملفات، وأعتقد أنه لو اتخذ خطوات جادة فإنه يمكن أن تظهر النتائج سريعا. وفي المجمل يمكن في غضون سنة واحدة أن نحكم على الحكومة الجديدة، وعلى أي وزير جديد.
لا بديل إلا باللجوء للمفاوضات
التعديل الوزاري جاء لإعطاء دفعة لمواجهة المتغيرات الداخلية والخارجية، وهو مبرر رئيس الدولة، وهذه المتغيرات خاصة الخارجية يأتي ضمنها أزمة سد النهضة، لذا فقد تم تغيير وزير الري والموارد المائية، وذلك حسب الخبير الاستراتيجي في شؤون المياه، الدكتور أحمد عبد المنعم في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، حيث تساءل: «هل هناك علاقة بين تغيير وزير الري السابق محمد عبد العاطي، ومشكلة سد النهضة؟ أنا كمتخصص في هذا الملف أقول ليس هناك علاقة بينهما، لماذا؟ لأن ملف سد النهضة قد تولاه رئيس الدولة، وكان هذا هو القرار الصحيح الذي طالبنا به منذ عشر سنوات ماضية، من قبل ثورة 30 يونيو، حيث كنا نطالب أن يؤول ملف سد النهضة، أو ملف المياه إلى رئيس الدولة».
وتابع الدكتور أحمد عبد المنعم: «أزمة سد النهضة تعود في الأساس إلى اتفاقية عنتيبي التي رفضت كل من مصر والسودان التوقيع عليها في 2010، وهي التي أعطت لإثيوبيا، أو خلقت حالة الفوضى التي كانت تريدها إثيوبيا وهي أن تتصرف كل دولة كما تشاء».
ورأي دكتور عبد المعم أنه من هذا المنطلق وفي العام 2010 «طالبنا أن يكون ملف حوض النيل كله وبما يعود بالمصلحة لمصر يجب أن لا ينفرد به وزير الري وإنما يجب أن يكون في إطار لجنة (سياسية، مائية، فنية، قانونية، دبلوماسية، أمنية)، وبناء على ذلك عندما تولى الرئيس السيسي مقاليد الحكم قام بتشكيل لجنة سداسية، وأصبح ملف النيل، وملف المياه في مصر تحت إدارة اللجنة السداسية وهي لجنة سداسية إجمالا، ثلاثية فنيا، أي فنية مائية دبلوماسية. يضاف من داخلها عنصر قانوني، وبالتالي دارت الدائرة وأصبح كل ما يخص ملف نهر النيل- اتفاقية عنتيبي- ملف سد النهضة ليس بيد وزير الري وحده، ومن وجهة نظري أن وزير الري الجديد هاني سويلم، لن يفيد في أزمة سد النهضة، ولن يفيد المياه في مصر لأنه جاء من خارج بيت ومدرسة الري المصرية، وقد عابوا على وزير التربية والتعليم السابق الدكتور طارق شوقي أنه جاء من خارج التربية والتعليم وأنه قفز بالباراشوت وأنه دخل عرين التربية والتعليم وقام بالتغيير حتى تدهورت الأمور».
وتابع أنّ «وزير الري الجديد غير مفيد، وأرجو أن أكون مخطئاً، فقد عمل فنيا مع الوزير السابق، وأنا أقول إنه لا يمكنه تخطيط الري والموارد المائية داخل مصر، فليس له خبره بالسدود، ولكن التغيير في حد ذاته هو فكرة جديدة ورؤية جديدة ودفعة جديدة ونرجو من الله أن تكون في الصالح العام بما يحفظ الأمن القومي المصري. ولكن لن نشهد تغييرا جوهريا في المرحلة القادمة فيما يخص أزمة سد النهضة، فقد أصبح السد أمرا واقعا، وذلك منذ أربع سنوات، لكننا نحاول وسنظل نحاول اللجوء إلى المفاوضات، لأنه لم يعد لمصر سوى المفاوضات، ومن وجهة نظري إننا سننجح في النهاية من خلال المفاوضات، لأنه لا حل إلا بالمفاوضات، ولن ننظر لأي وسيلة أخرى غير المفاوضات رغم تعددها، ومنها الوسائل الأمنية، وإلى الذين ينادون بالحرب وضرب السد أقول لهم لا تفكروا في الحرب، لأن مشروعات المياه والسدود، والاتفاقيات المائية تستغرق عشرات السنوات ونحن لا بديل أمامنا سوى اللجوء للمفاوضات، وبهدوء، وفي النهاية المبدأ العام يقول: ما ضاع حق وراءه مطالب. وهذا هو حق مصر المكتسب تاريخيا منذ آلاف السنين، فمصر لم تطالب بشيء جديد، ولم تطالب بإضافات، ولم تطالب بتغيير، مصر تطالب بحقها القانوني التاريخي وهو أحد المبادئ الرئيسية في العلاقات المائية الدولية، والتي لا يغض الطرف عنها أي ممارس قانوني أو دولي أو إقليمي أو فني في مجال المياه، والحق حق ولا بد أن يأتي لصاحبه طالما أنه يصر على الحصول عليه».