بيروت: الدولار الجمركي سعر جديد سيضاف فور إقراره إلى مجموعة الأسعار المتعددة للعملة الخضراء في الأسواق اللبنانية، والذي من المتوقع أن ينطلق من مستواه الحالي أي 1500 ليرة إلى عتبة الـ12 ألف ليرة، كما أعلن مستشار رئيس الحكومة النائب السابق نقولا نحاس على أن يرتفع تدريجياً ليلامس سعر منصة «صيرفة»، وذلك بهدف زيادة إيرادات الدولة. لكن هل هذا التعديل، يجب أن يأتي منفرداً، أم أنه يستلزم سلةً كاملة من الإجراءات، وفي مقدمها الإصلاحات المالية كي لا يكون مجرد خطوة ناقصة لن تحقق أية نتيجة إيجابية.
تعدد سعر الصرف
برأي الخبراء أنه قبل الحديث عن تعديل قيمة الدولار الجمركي، يجب الحذر من تعدد أسعار الصرف داخل الموازنة، لأن إدخال سعر صرفٍ جديد على الأسعار المتعددة للدولار، ينافي ما يريده صندوق النقد الدولي، وبالتالي، فإن مقاربة الدولار الجمركي بطريقة منفصلة عن توحيد سعر الصرف، سيلقى معارضةً من الصندوق لأن أي ارتفاع بسعر الدولار في السوق السوداء، أو على منصّة «صيرفة»، سيُترجم تلقائياً بعجزٍ في الموازنة العامة، أي أن الموازنة وهمية، وأنه في حال طلبت الحكومة من مصرف لبنان المحافظة على سعر صرفٍ معين، ستكون قد نقلت عجز الموازنة تلقائياً إلى موازنة مصرف لبنان الذي سيحمل هذا العجز، كما أن المطلوب إقرار قانون الكابيتال كونترول، الذي بات ضرورياً بعد الذي حصل في فيدرال بنك من اقتحام مواطن للبنك وحجز الموظفين للحصول على ودائعه، وذلك من أجل استقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، لأن ما من جهة تراقب اليوم حركة الدولارات التي تخرج من السوق خلال العمليات التجارية من أجل التأكد من أنها تخصّص لشراء البضائع أو تحول إلى الخارج. إضافة إلى ضرورة ضبط التهريب.
فالمهربون يقومون بإخراج كتلة نقدية كبيرة من لبنان، ومن غير الممكن أن تخدم الكتلة النقدية في لبنان أكثر من اقتصاد، ومكافحة المضاربات غير الشرعية على الدولار في السوق السوداء من خلال التطبيقات غير القانونية، لأنها تخلق سعراً جديداً للدولار.
ويعتقد الخبراء أنه يجب إلزام التجار والمؤسسات باعتماد الدفع عبر البطاقة المصرفية من أجل تفادي طبع الليرة لتلبية حاجة السوق، وإيجاد الحلول لأي مشكلة بين التجار والمصارف ومصرف لبنان، بدلاً من أن يتمّ القضاء على الليرة بهذه الصورة.
وإلى جانب هذه الإجراءات، المطلوب وقف الهدر في مالية الدولة وتخفيف الإنفاق على صعيد المؤسسات العامة كالكهرباء والاتصالات إلى مستوياته الدنيا، وذلك تزامناً مع تحفيز الاقتصاد لزيادة النمو الذي يحقق الاستقرار بسعر الصرف، وهو ما يتطلب استقطاب استثمارات خارجية، تستلزم بدورها إجراء إصلاحات بغضّ النظر عن شروط صندوق النقد.
لأن كل الطرقات تقود إلى نقطة واحدة وهي الإصلاحات وخصوصاً الإصلاحات المالية، التي يجب المباشرة بها وفي أقرب فرصة ممكنة، لأنها المفتاح لأي إصلاح مستقبلي.
تأثير زيادة الرسوم
يتوقع أن تؤثر الإجراءات المقترحة لزيادة الرسوم الجمركية بصورة مباشرة وأكيدة على المواطن اللبناني، وكذلك تضرر القطاعات الإنتاجية، إذ إن ارتفاعا كبيرا سيطاول الأسعار، وسيشعر به المواطن. ويترافق هذا الأمر مع تضخم كبير ليطاول القدرة الشرائية لأكثر من 80 في المائة من الشعب اللبناني، متوقعاً زيادة أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وأن تتأثر القطاعات المستوردة من رفع الرسوم في «بلد يقوم اقتصاده على الخدمات، ولا يمتلك مواد أولية، ويستورد لإعادة التصنيع، والتصدير، ناهيك باستيراد الأسمدة للزراعة والحبوب والبذور».
من هنا، سيكون لرفع الرسوم الجمركية آثار قاسية على الاقتصاد المحلي، وسيؤدي إلى مزيد من التباطؤ والركود الاقتصادي».
كيف ينظر الخبراء وممثلو القطاعات إلى هذا القرار ومن هي القطاعات الاقتصادية والإنتاجية التي ستتضرر أو تستفيد منه.
هذه الأسئلة طرحتها «المجلة» على خبراء وصناعيين وأصحاب مؤسسات تجارية وخرجت بالأجوبة التالية:
غبريل: يجب أن يكون ضمن رؤية اقتصادية واضحة
الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل اعتبر أن «موضوع الدولار الجمركي يناقش في سياق غير سياقه الطبيعي، لأنه للأسف كل النقاش حول الدولار الجمركي يتم في إطار كيف يمكن تعزيز إيرادات الخزينة من دون أن يتطرق النقاش إلى إحداث آلية لتعديل سعر رسم الجمارك في لبنان. ثانيا هناك أفكار تُطرح ولا يوجد أي شيء واضح حول سعرالدولار الجمركي، إذ بداية وضمن نقاش الموازنة كان 24 ألف ليرة ولا أحد يعلم لماذا تم طرح هذا الرقم بعدها، قالوا لنتجه إلى 12 ألف ليرة ومن ثم نرفعه تدريجيا لكي لا يؤدي ذلك إلى غلاء الأسعار بشكل سريع، وهذا كله جرى خارج سياق النقاش السليم عن موضوع الدولار الجمركي لأن أي كلام عن تعديله يجب أن يكون ضمن رؤية اقتصادية واضحة تسأل فيها لماذا نرفع الدولار الجمركي هل هو مفيد للاقتصاد؟ وأذا كان مفيدا ما هي الأشياء الإيجابية التي سيستفيد منها المواطن اللبناني؟ ثالثا، في ظل التهريب في الاتجاهين عبر الحدود والتهرب الجمركي كيف يمكن أن يعدّل الدولار الجمركي ورفعه بمعنى آخر زيادته دون أن يزداد التهريب وتحديدا التهريب الجمركي وهذه معضلة أساسيّة في لبنان. لذا يتوجب ضبط التهرب الجمركي والحدود للحد من التهريب قدر المستطاع وإلا فتعديل الدولار الجمركي لن يأتي بنتائج إيجابية إذا لم يتم توقيف التهريب».
وتابع غبريل قائلاً: «وزير الصناعة قال إن التطبيق للدولار الجمركي سيكون على صناعة الكماليات وليس على السلع الأساسية وهناك تقريبا حوالي 400 أو 300 سلعة معفاة من الدولار الجمركي حينما يقر. وهذا ليس منطقيا لأننا نعلم أنه لا توجد مراقبة على الأسعار وبالتالي هناك بعض الجهات ستستغل تعديل تعرفة الدولار الجمركي لترفع أسعارها بشكل غير مبرر. لذلك لا يمكن القول إن هناك 300 أو 200 سلعة غير مشمولة بالدولار الجمركي، والاعتقاد أن الأسعار ستزيد فقط على الكماليات. أما بالنسبة للكماليات، يجب أن نسأل هل السيارة تعد من الكماليات في غياب النقل العام؟ وما هي الكماليات؟ هذا لم يحدد، إذ لا يمكن أن نصبح مثل بلدان مغلقة اقتصاديا لأي شيء مستورد من الخارج من خلال تعرفة جمركية مرتفعة جدا، لذلك الكلام عن الدولار الجمركي لا يجب أن يكون بمرسوم لأنه توجد ضغوطات على السلطة التنفيذية أن تأخذ قرارا من ضمنه زيادة رواتب وأجور القطاع العام لذا لنمرر الدولار الجمركي من خلال مرسوم خاص وليس من ضمن الموازنة، لأن موضوع الموازنة يأخذ وقتا كبيرا، هذا غير مقبول ولا يجوز أن يطبق الدولار الجمركي من خلال مرسوم ومن دون أن يكون ضمن موازنة عامة وضمن رؤية واضحة لأن هذا الأمر أساسي وليس ثانويا ويمكن أن يحدث تشوّهات في الاقتصاد اللبناني إذا طبّق من خلال مرسوم وليس من ضمن خطة تعافٍ اقتصادية شاملة من ضمنها استعادة الثقة ومكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية، ووقف التهرب الجمركي ومحاربة التهريب عبر الحدود بالاتجاهين وتقليص حجم الاقتصاد الموازي، عندها يمكن الكلام عن تعديل الدولار الجمركي لأنه اليوم عبارة عن ضريبة شئنا أم أبينا على المواطن والاقتصاد في ظل عدم وجود رقابة جدية على الأسعار. إذن الإجراءات الأحادية لا تنفع بل تضر وهي سلبية للاقتصاد ويجب أن يأتي أي قرار أولا ضمن رؤية وأن يكون العنوان العريض استعادة الثقة لأي خطة إنقاذ. ثانيا استعادة الثقة ترتكز على اعتبار العامود الفقري للاقتصاد اللبناني هو القطاع الخاص والمبادرة الفردية لجذب الاستثمارات وتدفق الأموال ويؤسس لمشاريع جديدة. وثالثا التأكيد على الهوية الاقتصادية للبنان أي الاقتصاد الحر المنفتح على العالم والعالم العربي خاصة، ويجب أن يكون هدف الرؤية دعم النمو وتوسيع حجم الاقتصاد وليس اتخاذ إجراءات لزيادة الضرائب وإعادة توزيع الدخل فهذه الأمور تؤدي إلى مزيد من التشوهات في الاقتصاد اللبناني ولا تحسن الثقة بأي شكل من الأشكال».
نصراوي: لا وجود لخطط متكاملة المعالجة
بدوره أكد نائب رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين جورج نصراوي أن «القطاع الصناعي اليوم يعاني من كلفة الإنتاج من جراء ارتفاع أسعارالمحروقات من مازوت وفيول، إذ إن الدولة لا تعطي الكهرباء إلا حوالي الساعة يوميًا كما أن تأخير العمل في مرفأ بيروت أيضا له تأثير سلبي من زيادة أكلاف البضائع إن في الاستيراد أو التصدير، فكيف إذن سترتفع أسعار بعض السلع المستعملة في الصناعة من جراء زيادة كلفة الجمارك من زيادة الدولار الجمركي، النتيجة طبعًا سوف يكون لها تأثير على التصدير إذ إن أسعار لبنان لم تعد منافسة مقابل أسعار الدول المجاورة مثل سوريا والأردن ومصر وتركيًا خاصة أن التصدير إلى السعودية ما يزال متوقفاً، أنا لا أمانع من زيادة مدخول الدولة من ارتفاع الدولار الجمركي، إنما في المقابل يتوجب على الدولة تأمين الكهرباء للمصانع 24/24 وأيضاً تسهيل وتأمين سير العمل في المرافئ، لا ننسى أن الصادرات اللبنانية بإمكانها إدخال حوالي خمسة مليارات دولار سنويًا ما يحرك عجلة الاقتصاد وتشغيل اليد العاملة، هذا كحد أدنى إلى العديد من الملاحظات إنما وللأسف لا وجود لخطط متكاملة المعالجة تتم حسب الحاجة.
رسلان: المستفيد هو عصابات التهريب
رئيسة مجلس السيدات اللبانيات القياديات مديحة رسلان اعتبرت أن «عصابات التهريب هي المستفيدة الأولى من إقرار الدولار الجمركي، لأن التهريب سيزداد في ظل انعدام الرقابة، والمتضرر أيضا المواطن الذي سيدفع أكثر وأصحاب المؤسسات المستوردة لملابس الموضة والإكسسوار، وبرأيي يجب أن يتم تخفيض الرسوم الجمركية على البضائع قبل إقرار الدولار الجمركي باعتبار أن لبنان تاريخياً هو بلد الموضة بالنسبة للمنطقة، وسيتضرر كثيراً ولا يمكنه منافسة الأسواق الأخرى في الإمارات العربية رغم اعتراف الجميع بتفوق الذوق اللبناني في هذا المجال».
وتابعت: «باعتقادي أن الصناعة اللبنانية ستستفيد من إقرار الدولار الجمركي بالنسبة للمنتجات اللبنانية شرط أن يتم إعفاء المواد الأولية ليحافظ القطاع على مكانته، لا سيما أن هناك مشكلة في القطاع وتتمثل بأنه غير جاهز لتغطية السوق المحلية في الأصناف التي تستورد حالياً، وربما ستغيب عن السوق بعد إقرار الدولار الجمركي، والمطلوب اليوم استثمارات جديدة في الصناعة في المواد التي لا يمكنها المنافسة مع أسواق أخرى مثل تركيا، باعتبار أن كلفة البضائع اللبنانية غالية بسبب انقطاع التيار الكهربائي واضطرار المصانع لاستعمال المولدات الخاصة المكلفة بسبب ارتفاع سعر المازوت، نحن اليوم بحاجة إلى ورشة كاملة لوضع رؤية اقتصادية كاملة وواضحة حتى يستطيع البلد أن يقوم مجدداً، ويجب القيام بإصلاحات شاملة إذ حين نتحدث عن الدولار الجمركي فإننا نتحدث عن نقطة في بحر كبير بحاجة للإصلاح أفقياً وعمودياً، خصوصاً أن القدرة الشرائية للمواطن باتت ضعيفة جداً لعدم تصحيح الأجور بشكل صحيح، ويجب إعادة النظر بموضوع الدعم للقطاع الصناعي حتى يستطيع الإنتاج اللبناني أن ينافس لأنّ قدرة التصدير لا تزال ضعيفة، من هنا أعود وأكرر أنه يجب أن يكون هناك ورشة إصلاحية كاملة في البلد لأن كل ما يصدر اليوم هو مصيبة على المواطن وعلى أصحاب العمل في ظل غياب خطة كاملة».