القاهرة: «الصداقة هي في الأساس شراكة».. تنطبق تلك المقولة على العلاقات الاقتصادية بين السعودية ومصر، التي تكللت، أخيرا، بتدشين صندوق الاستثمارات العامة للشركة السعودية المصرية للاستثمار التي تستهدف القطاعات الواعدة في مصر بوصفها من أهم الأسواق الاقتصادية الاستراتيجية في قارة أفريقيا.
وضعت الشركة الوليدة نصب عينها عدة مجالات أساسية ستوجه استثمارها إليها مثل البنية التحتية والتطوير العقاري والرعاية الصحية والخدمات المالية، والمشروعات الغذائية والزراعية والصناعية خاصة الأدوية.
تأتي الشراكة في ظل تعاون اقتصادي غير مسبوق بين البلدين، فالاستثمارات السعودية بمصر تتجاوز 32 مليار دولار، ضختها 6800 شركة، بينما يبلغ حجم الاستثمارات المصرية في السعودية 5 مليارات دولار عبر 802 شركة.
ويقول الدكتور وليد جاب الله، أستاذ التشريعات الاقتصادية، إن الشركة السعودية المصرية تأتي في إطار توجيهات قيادة المملكة بدعم الاقتصاد المصري بنحو 15 مليار دولار، بينها 5 مليارات وديعة و10 مليارات استثمارات.
ويضيف، لـ«المجلة»، أن الميزة الأساسية لاستثمارات الشركة في كونها متنوعة المجالات، ما يدفع النمو بأكثر من قطاع في الوقت ذاته، مما يصب في صالح البلدين بالنهاية فمن جهة يسد الفجوة التمويلية لمصر ويزيد من حجم النشاط الاقتصادي، ويخلق فرص عمل وتحسناً بمعدلات النمو، وفي الجانب الآخر يحقق عائدًا للشركة، فمصر بيئة استثمار جيدة تحقق ربحية مرتفعة لكل المستثمرين العرب.
قطاعات واعدة
بحسب اقتصاديين مصريين، فإن القطاعات التي اختارتها الشركة الوليدة واعدة تصب في صالح البلدين، خاصة القطاع العقاري الذي يمثل 25 في المائة من الناتج القومي المصري في آخر 7 سنوات، مع توقعات بأن يواصل النمو مع خطة حكومية لتوسعة الرقعة العمرانية من 7 في المائة إلى 14 في المائة.
كما تمثل البنية التحتية أيضًا نشاطًا واعدًا بمصر التي تستهدف إنشاء 45 مدينة جديدة حتى 2052 لاستيعاب عدد سكان متوقع حينها عند 190 مليون نسمة، بجانب التخطيط لمزيد من المشروعات في مجال تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي والتوسع في الطاقة المتجددة لجعل نسبتها 42 في المائة من مزيج الكهرباء المنتجة، وتعزيز صناعة الهيدروجين الأخضر الذي يحتاج لإنتاجه طاقة نظيفة.
يجعل عدد السكان الكبير بمصر الذي يتجاوز100 مليون نسمة من الصناعات الغذائية سوقا واعدة، فحجم إنفاق الأسر على الطعام والمشروبات ارتفع إلى 673 مليار جنيه في 2020 مقابل 604 مليارات جنيه في 2019، بزيادة 11.4 في المائة على أساس سنوي.
الأمر ذاته ينطبق على قطاع الرعاية الصحية الذي يحتل المرتبة الثالثة بين نفقات الأسر المصرية بعد الطعام والشراب والمسكن بنسبة 9.9 في المائة بنفقات تناهز 120 مليار جنيه، بحسب بيانات رسمية، مما يجعل الاستثمار السعودي في ذلك القطاع مفيدا للبلدين، خاصة في ظل معدلات النمو السكاني الضخمة التي تتطلب المزيد من المستشفيات، ومع تدشين الحكومة المصرية مشروعا للتأمين الصحي الشامل الذي يتطلب استثمارات ضخمة سواء في رفع كفاءة المؤسسات العلاجية القائمة أو إنشاء المزيد منها.
وضعت الشركة السعودية-المصرية للاستثمار قطاع الأدوية من بين مجالات اهتمامها، فمصر تعد أكبر مستهلك أدوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أن لديها خططا لاقتحام السوق الأفريقية في ذلك المجال، خاصة أن القارة السمراء تعاني من ارتفاعات في معدلات الأوبئة والأمراض المتوطنة، ما يعني أن الشركة الوليدة تحمل للدور المصري تعزيزا أكبر في محيطها القاري.
يرى خبراء الاقتصاد المصريون في صندوق الاستثمارات العامة، الذي يحتل المرتبة السادسة بين أكبر صناديق الثروة السيادية عالميا بإجمالي أصول 620 مليار دولار، فرصة في تحقيق حلم زيادة الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار، وتدشين مشروعات تمكنها من الوصول إلى 1.3 مليار نسمة، يمثلون إجمالي عدد سكان أفريقيا.
استثمار متنوع
تتوزع الاستثمارات السعودية في مصر بشكل أساسي في قطاعات الصناعة والتشييد والسياحة والمالية والخدمات والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات، فيما تتركز الاستثمارات المصرية في المملكة بقطاعات الصناعة والتشييد والاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة والخدمات التقنية والعلمية والمهنية.
خالد الشافعي، مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، يقول إن الشركة المصرية السعودية تأتي انعكاسا لزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة وتوقيع اتفاقيات مع القيادة المصرية، لتكون تلك الشركة وعاء يضم كل المشروعات المستهدف ضخها لتعزيز المزيد من التكامل الصناعي والإنتاجي ما بين مصر والسعودية والتي تعزز من توطين الصناعات وحجم التبادل التجاري وتوفير فرص عمل، ومساعدة المستثمرين بالبلدين على اقتحام مجالات مختلفة.
يضيف الشافعي، لـ«المجلة»، أن التعاون بين مصر والسعودية يتجه بقوة صوب اقتصاديات المستقبل خاصة في ظل مشروع ضخم كمدينة «نيوم» التي تصل مساحتها إلى 26 ألفا و500 كيلو متر مربع باستثمارات مبدئية 500 مليار دولار بدعم من صندوق الاستثمارات العامة السعودى، بجانب سعي البلدين لدخول مجالات صناعية واعدة كالسيارات الكهربائية والهيدروجين الأخضر، بجانب الشق السياحي أيضا عبر تطوير مشروعات سياحية على جانبي البحر الأحمر، وفتح المجال أمام تنقل السائحين حال تدشين مشروع جسر الملك سلمان. وهي أمور تؤدي في النهاية إلى تحسين وضعية الاقتصاد المصري وتحقيق مستهدفات المملكة في تنويع اقتصادها وتوفير موارد مستدامة على المدى البعيد.
يأتي إنشاء الشركة السعودية المصرية في توقيت مثالي، فالحكومة المصرية لديها خطة لإتاحة أصول بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص وتخارج الدولة من عشرات القطاعات لصالح الاستثمار الخاص، ما يعطي الشركات السعودية مجالا للتعاون فيما بينها أو مع شركات مصرية للاستحواذ على حصص بها وضخ أموال لإقامة مشروعات جديدة أو التوسع في الأنشطة القائمة.
يتزامن تدشين الشركة السعودية المصرية للاستثمار، مع وقت يتوسع فيه صندوق الاستثمارات العامة إقليمياً وعالمياً في إطار استراتيجيته (2021-2025)، كما أن تدشينها يعزز دعم شركات محفظة الصندوق وتمكينها من التوسع، حيث تعد الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية التي طورها مع العديد من المستثمرين والشركات الرائدة من بين أهم العناصر الأساسية لنجاحاته.
تعاون كبير
يساعد الاستثمار السعودي مصر في مواجهة تحديات خروج الأموال الساخنة منذ إعلان الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة، التي بلغت 20 مليار دولار، وضغطت على الاحتياطي النقدي، الذي تراجع في يوليو (تموز) الماضي للشهر الرابع على التوالي، إلى 33.143 مليار دولار.
يرحب المطورون والمستثمرون الأجانب بدخول الاستثمار السعودي بقوة أكبر إلى السوق العقارية، فمصر تشهد نموًا سكانيًا كبيرًا وزيجات سنوية تصل إلى 600 ألف زيجة، ما يخلق فجوة مستمرة بين للعرض والطلب في سوق العقارات.
وتسعى جمعية رجال الأعمال بمصر لتعزيز التعاون مع الشركات السعودية بالتخطيط لزيارة لوفد من شركات التطوير العقاري المصري إلى المملكة قريبا لعرض فرص الاستثمار في القطاع، وإطلاعهم على المشروعات الجديدة التي يتم تدشينها، خاصة في ظل وضع المستثمرين تصدير العقار على رأس أولوياتهم.
يطالب خبراء الاقتصاد أن تكون الصناعة والزراعة على رأس أولويات الاستثمارات السعودية المستقبلية، ما يحل أزمة عجز الميزان التجاري بمصر وتقلبات أسعار الغذاء التي سجلت مستويات غير مسبوقة في الحرب الأوكرانية، ويتحقق التعاون على أرض الواقع بالفعل، وآخرها التعاون بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي وتحالف شركتي «أوكتا إنترناشيونال» المصرية و«الوبكو» التابعة لمجموعة العليان السعودية، بهدف إقامة مصنع تشكيل وتصنيع منتجات وتطبيقات الألومنيوم لقطاعات الإنشاءات وغيرها من المنتجات عالية الجودة باستثمارات تصل إلى نصف مليار جنيه مصري.
كما أتمت الشركة السعودية المصرية للاستثمار في أول صفقاتها الاستحواذ على حصص أقلية مملوكة للدولة في أربع شركات مصرية رائدة مدرجة بالبورصة المصرية بقيمة مليار و300 مليون دولار، والشركات التي تم الاستحواذ على نسب الأقلية فيها صناعية وتتسم بالملاءة المالية، وهي : شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية.
وقالت هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إن الصفقة تأتي في إطار خطة الدولة لتوسيع قاعدة الملكية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وإتاحة فرص استثمارية واعدة في القطاعات الاقتصادية المختلفة بما يحقق أعلى درجات الاستفادة للدولة المصرية ويعظم من استغلال الأصول المملوكة للدولة ويضمن حقوق الأجيال القادمة، كما تعكس ثقة المستثمر الأجنبي في الاقتصاد المصري كونه من الأسواق الاستراتيجية الواعدة التي لديها العديد من الفرص الاستثمارية الجاذبة.
ترتبط القاهرة والرياض بنحو 160 اتفاقية ثنائية، ساهمت في رفع حجم التبادل التجاري بينهما لأعلى مستوى تاريخي عند 54 مليار ريال عام 2021، بنسبة نمو 87 في المائة، وفقا لتقرير أخير لاتحاد الغرف السعودية.
يصل حجم الصادرات السعودية إلى مصر لنحو 38.6 مليار ريال مقابل واردات بقيمة 15.7 مليار ريال لتصبح مصر أكبر شريك تجاري عربي للمملكة، والشريك السابع في جانب الصادرات، والتاسع من ناحية الواردات على مستوى دول العالم.
واحتلت مصر المرتبة الثانية في قائمة أكبر الدول التي تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة عام 2020 بإجمالي 160 رخصة استثمارية، وجاءت بالمركز الثاني من حيث المشروعات الجديدة بالمملكة، بينما احتلت المملكة المرتبة الثانية من حيث الاستثمارات بمصر، كما تحتضن العدد الأكبر من العمالة المصرية بالخارج، الذين بلغت تحويلاتهم 11.2 مليار دولار خلال العام المالي 2020-2021 بارتفاع قدره 17 في المائة عن العام المالي السابق.