رغم استمرار التزام التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية باتفاق الهدنة في اليمن، والتعهد بتمديده عند انتهاء مدته، ورغم مواصلة الإدارة الأميركية الحالية مساعيها الدبلوماسية النشطة التي كانت قد استهلتها فور استلام الرئيس بايدن للسلطة برفع حركة «أنصار الله» الحوثية من قائمة التنظيمات الإرهابية ما تزال الأزمة اليمنية تراوح مكانها دون بروز أي بارقة أمل في وضعها على سكة التسوية قريبا.
ويعود السبب في تعثر الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة التي بدأت تأخذ أبعادا إنسانية مأساوية إلى التعنت الذي تبديه الميليشيات الحوثية المستولية على السلطة الفعلية في العاصمة صنعاء، التي تنم تصرفاتها وتحركاتها، وكذا خرجاتها الإعلامية على أنها لا تتحرك انطلاقا من مصالح يمنية داخلية محضة، عامة كانت أم جزئية، تهم القبائل المنضوية تحت لوائها وأتباع المذهب الديني الذي تمثله ضمن فسيفساء التنوع المذهبي الذي يميز المجتمع اليمني.
فالواضح والجلي من خلال ما يصدر من تصريحات على لسان قادة الحركة الحوثية أنها بعيدة عن أن تكون حركة تحرر وطني، وإنما هي مجرد أداة من الأدوات التي يوظفها مشروع إقليمي لا يخفي أطماعه التوسعية، إذ لا يفوت هؤلاء القادة أي فرصة تتاح لهم للتعبير عن أن حركتهم وأتباعها جزء لا يتجزأ من القوى الطلائعية لما يسمى «محور المقاومة والممانعة».
وغير خاف على المتابعين للأزمة اليمنية أن إصرار تموضع الحركة الحوثية ضمن آليات المحور المذكور، وتباهيها بما تتوفر عليه من فائض للقوة هما اللذان يدفعانها إلى افتعال الكثير من المشاكل لتبرير خرقها المتزايد لبنود اتفاق الهدنة رغم ادعائها أن حل الأزمة اليمنية لن يكون إلا سياسيا وبتوافق بين مختلف القوى السياسية المحلية، وتنسيق وتعاون مع القوى الدولية والإقليمية المنشغلة بالوضع اليمني المتدهور خاصة في بعده الإنساني.
ومن الممكن جرد أبرز الخروقات التي تواصل الميليشيات الحوثية ارتكابها في كل من تماطلها في فتح الطريق إلى محافظة تعز، وفي عملها على استغلال قرار وقف الغارات الجوية لدول التحالف العربي لتعزيز قدراتها العسكرية وإعادة انتشار ميليشياتها؛ فضلا عن مواصلة مناوراتها للإطباق على مدينة مأرب بغية إحكام الطوق على كافة المحافظات الشمالية، وعلى آبار الطاقة الموجودة هناك لتمويل آلتها العدوانية، وللتفاوض مع الأطراف الإقليمية وخاصة المملكة العربية السعودية من موقع الجارة القوية غير آبهة ببقية الفصائل اليمنية التي تصنفها إما خائنة أو عميلة.
إن هذا الارتماء الحوثي في أحضان قوة إقليمية همها الأساسي توظيف الأزمة اليمنية في محادثات ملفها النووي للحصول على أكبر مكاسب ممكنة، ولفائدة سياستها التوسعية هو الذي جعل المجتمع الدولي يستبعد إمكانية الوصول إلى تسوية سياسية في الأمد المنظور تؤمن مشاركة جميع القوى السياسية والقبلية في السلطة، وتضمن وحدة البلاد وسلامة أراضيها، ليعطي مقابل ذلك الأولوية في التعامل مع مأساة الشعب اليمني إلى بعدين اثنين هما:
* البعد الإنساني الذي تلعب فيه قوى التحالف العربي من خلال تدخلات مراكز ومؤسسات الإغاثة كمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية دورا رائدا في محاربة تفشي المجاعة والأمراض والأوبئة، خاصة بين الأطفال.
* البعد الأمني بالتركيز على محاولة تفادي حدوث انعكاسات سلبية للأزمة اليمنية على دول الجوار، وخاصة منع الاعتداءات على مطاراتها المدنية ومنشآتها النفطية، وعلى حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب.
وإذا كان موقف الحركة الحوثية غير مفاجئ على اعتبار أنها ليست سيدة قرارها، فإن اللافت للانتباه هو انعدام التنسيق بين القوى السياسية المناهضة لها، وخاصة تلك الوازنة الحضور إما سياسيا كالحكومة الشرعية أو عسكريا كالمجلس الانتقالي الجنوبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح رغم أن الداعمين الإقليميين لهذه القوى ما انفكوا يحثونها على توحيد جهودها، ويدفعونها في اتجاه تنسيق تحركاتها سياسيا وعسكريا أيضا.
ولا شك أن أسباب غياب التنسيق بين الأطراف المعارضة للحركة الحوثية يعود إلى تباين بل وتضارب أهداف كل واحدة منها، كما اتضح من فشل عدد من الاتفاقات فيما بينها مثل اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ وكذا إلى اختلاف وزن القوة العسكرية التي يمتلكها كل طرف، ومستوى المقاومة الميدانية الذي يبديه ضد النزعة التوسعية لحركة «أنصار الله» الحوثية.
فالحكومة الشرعية رغم نبل هدفها الأسمى المتمثل في الحفاظ على وحدة البلاد وتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة لسكانها، ورغم الاعتراف الدولي بها، وكل الدعم المادي والسياسي الذي يصلها، ما تزال هي القوة الأضعف على الساحة؛ فيما حزب التجمع اليمني للإصلاح رغم ادعائه العمل تحت مظلة الشرعية ما يزال غير قادر على بلورة خطاب وطني صرف بعيدا عن مرجعيته الدينية ذات النكهة الإخوانية.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي فيبدو من بعض تناقضات سلوكه الميداني أنه لم يحسم بعد خياراته الاستراتيجية التي تتأرجح بين النزعة الانفصالية التي لدى الكثير من مكوناته والمعبر عنها بوقوفه ندا للحكومة الشرعية في الكثير من المواقف، وبين التوجه الوحدوي البارز نسبيا في خطاباته وأدبياته السياسية.
ولهذا، فأمام استمرار تعنت الحركة الحوثية، وغياب الحد الأدنى من التنسيق بين باقي الفصائل السياسية والمسلحة المناوئة لها، فضلا عن عودة نشاط بعض البؤر الإرهابية المنتمية للقاعدة وداعش، من غير المستغرب أن يناقش المجتمع الدولي الأزمة اليمنية في غياب اليمنيين أنفسهم، وأن تقتصر الجهود الأممية في الوقت الراهن على محاولات دعم اتفاق الهدنة وترسيخه من خلال تأطيره بواسطة الأمم المتحدة، وتكثيف التدخلات الإنسانية لمنع حدوث انهيار اقتصادي واجتماعي شامل.