اقتحم متظاهرون عراقيون، غالبيتهم من أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مقر البرلمان العراقي، يوم السبت الماضي، لمنع الإطار التنسيقي الذي يضم قوى سياسية غالبيتها موالية لإيران، من عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف عضو البرلمان محمد شياع السوداني، كرئيس للحكومة المقبلة بدلا من حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يقودها مصطفى الكاظمي.
بدأت المواجهة داخل المكون الشيعي، عندما أعلنت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021، بفوز التيار الصدري بـ73 مقعدا في البرلمان، وتحالف مع حزب «تقدم»بقيادة محمد الحلبوسي، و«عزم»برئاسة خميس الخنجر، و«الديمقراطي الكردستاني»بزعامة مسعود بارزاني، تاركا حلفاءه السابقين الذين يمثلون اليوم، الإطار التنسيقي الجامع للقوى السياسية التالية، ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم، وائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي، وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، بالإضافة إلى رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.
أعقد أزمة منذ عام 2003
رشح الصدر، ابن عمه، سفير العراق في بريطانيا، جعفر الصدر، وهو ابن نجل مؤسس حزب الدعوة الإسلامية، محمد باقر الصدر، لشغل منصب رئيس الحكومة المقبلة، وتمكن تحالف الصدر- الحلبوسي- الخنجر- البارزاني، من تقسيم المناصب بينهم، وبدأت من عملية تمرير رئاسة البرلمان التي منحت للحلبوسي (سني) ونائبيه من كتلتي الصدر (شيعي) والبارزاني (كردي)، وعندما انتقلوا إلى الخطوة الثانية وهي تمرير رئيس الجمهورية من نصيب الأكراد، أصدرت المحكمة الاتحادية، قرارا بمنع تمرير رئيس الجمهورية، إلا بعد تصويت 220 نائبا من أصل 329 نائبا، وقد أخفق التحالف في الحصول عليه بعد رفض النواب المستقلين الدخول في أي تحالف حزبي، ودخلت العملية السياسية في أعقد أزمة منذ العام 2003 وحتى الآن.
الصدر اشترط على الإطار التنسيقي، التخلي عن نوري المالكي، مقابل التحالف معه وتشكيل أغلبية سياسية، الأمر الذي رفضته أطراف الإطار، وأصبح البلد في حالة فراغ دستوري، حيث أجبر الصدر، أعضاء الكتلة الصدرية من الانسحاب من البرلمان، والتي ساهمت بحصول الإطار التنسيقي على الأغلبية السياسية بـ130 مقعدا، الذي قطع شوطا كبيرا من المفاوضات لتشكيل الحكومة، والتي وصلت لتفاهمات مع حزب الاتحاد الذي يقوده بافل طالباني، ابن رئيس العراق الأسبق، جلال طالباني، والسنة، لتمرير مرشحهم محمد شياع السوداني خلال جلسة البرلمان التي كان مقررا انعقادها يوم السبت المصادف 30 يوليو (تموز) 2022، الأمر الذي سيجعل مقتدى الصدر، خارج العملية السياسية برمتها، وغير قادر على رسم قانون الانتخابات النيابية المقبلة، مما قام بإفشال الجلسة قبل ساعات من انعقادها عبر اقتحام أنصاره لمبنى البرلمان.
يعتبر الصدر، السياسي الشيعي الوحيد، الذي لديه القدرة على إنزال الآلاف من أنصاره إلى الشارع، وإجبار الكتل السياسية على تنفيذ مطالبه وهذا ما حصل في 2016 و2019، واعتبر الإطار التنسيقي، اعتصامات الصدر، بأنها انقلاب على النظام السياسي، والتي ستؤدي إلى إبعادهم عن المشهد السياسي، نتيجة الرفض الشعبي لوجودهم، حيث قام الإطار بإنزال جمهوره في الجهة المقابلة لاعتصامات الصدر، وهي منطقة الجسر المعلق داخل المنطقة الخضراء.
إنهاء دور الميليشيات
مصادر مطلعة قالت لـ«المجلة»، إن «الصدر، يطالب بإنهاء دور الميليشيات الشيعية، التي معظمها تحت تأثير المالكي، بالإضافة إلى إنهاء الوجود السياسي للأخير»، مشيرة إلى أن «قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قآني، زار العراق أكثر من مرة وفشل في تسوية الخلافات بين الأحزاب الشيعية الفائزة بالانتخابات».
وأكدت أن «الصدر سيرفع سقف مطالبه، بعد العاشر من شهر محرم الحالي، وهي ذكرى مقتل الحسين بن علي، وهو أحد أئمة الشيعة، والتي قد تؤدي إلى الإطاحة بالنظام السياسي، خصوصا أن الصدر تلقى إشارات دولية بأن العراق تحول إلى مصدر قلق لعدة دول بسبب الميليشيات التي بدأت باستهداف عدة دول مجاورة»، مضيفة أن الأطراف السياسية الأخرى وتحديدا الأكراد والسنة رافضين عملية تغيير النظام السياسي إلى رئاسي، لأنها ستؤدي إلى تحجيم دورهم في النظام الجديد.
النظام السياسي الحالي، ضعفت ثقة العراقيين فيه، إذ شارك في الانتخابات النيابية السابقة، 43 في المائة من الناخبين، وهي النسبة الأقل منذ العام 2003 وحتى الآن، وأكد عدد من المراقبين، أن هذه النسبة غير صحيحة، وأنها لا تتجاوز 30 في المائة، ويعود توسع الرفض الشعبي للطبقة السياسية، بسبب انتشار الفساد المالي والإداري وغياب الخدمات الصحية والتعليم وغيرها، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية من قبل إيران وبعض الدول الأخرى.
الأسبوع الحالي، وسع الصدر، اعتصاماته لتشمل الجهتين الشمالية والجنوبية، للمنطقة الخضراء، بعد أن كانت في الجهة الجنوبية فقط، وشكل لجنة من قيادات التيار الصدري، لإدامة زخم الاعتصامات، وإقامة صلاة موحدة في ساحة الاحتفالات وهي الساحة التي تستعرض فيها قوات الجيش بالذكرى السنوية لتأسيسه.
وكان الصدر، دعا الشعب العراقي إلى الثروة وتغيير النظام السياسي الحالي وإزاحة الفاسدين ومحاسبتهم وحصر السلاح بيد الدولة وإلغاء الميليشيات.
تحرير البرلمان من الهيمنة الإيرانية
وأيد اعتصامات الصدر، أغلب العشائر العراقية، بالإضافة إلى المجمع الفقهي العراقي، وهو المرجعية الدينية لسنة العراق، وعدد من القيادات في الانتفاضة العراقية التي حصلت في العام 2019 والتي يطلق عليها «ثورة تشرين»، حيث حصل الصدر على زخم كبير، بهدف محاسبة الفاسدين والإطاحة بهم، وتشكيل حكومة مقبلة تتضمن الصدر والمستقلين من الشيعة والأكراد والسنة.
وحول آراء المعتصمين، تجولت «المجلة»في قبة البرلمان، بعد اقتحامه من قبل أنصار الصدر، الذين هتفوا بالضد من الإطار التنسيقي وإيران، التي تمتلك اليد الأقوى في تشكيل الحكومات، خلال السنوات الماضية، واختيار رئيس وزراء يمثل مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العراق.
المقار الحكومية توجد في المنطقة الخضراء، التي تقع وسط بغداد، ولا يدخلها أي عراقي، إلا بعد حصوله على ترخيص من قبل الجهات الأمنية، بالإضافة إلى جلب وثيقتي صادرات من الحكومة، لغرض السماح له بالدخول إلى المكان المقرر زيارته.
وقال مقتدى علي، وهو من أنصار الصدر، لـ«المجلة»، إن «هذا المقر (البرلمان) منذ سنوات لم يخدم مصالح العراقيين، وإنما مصالح إيران، اليوم قمنا بتعطيله ليعبر عن تطلعات الشعب العراقي فقط، وينهي معاناتهم ويساهم في بناء تشريعات تقضي على البطالة والفقر».
وأضاف أن الكلمة العليا أصبحت للعراقيين، وليست للإيرانيين أو من يمثلونهم، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة المقبل سيكون عراقيا يدافع عن مصالحنا الاقتصادية والتجارية ويمنع التدخلات الإيرانية والتركية في شؤوننا.
من جهة أخرى، قالت أم علي، وهي تتحدث لـ«المجلة»، وجالسة على مقعد مقرر البرلمان، إن «البرلمان هو بيت الشعب، وكان سابقا بيت الفاسدين، الآن قمنا بتحريره، وسمحنا للمواطنين الدخول فيه، بعد أن كان مستحيلا أن ينظروا له».
وأضافت أن «الصدر يقود ثورة الإصلاح، لطرد الفاسدين أولا، وترتيب البيت الداخلي، وبعدها يقوم بمنع التدخلات الخارجية وإيقافها، فالحكم عاد إلى العراقيين، بعد أن كان للإيرانيين».
بينما قال مسؤول مكتب الصدر في بغداد، إبراهيم الجابري، لعدد من وسائل الإعلام، بينها «المجلة»، إن هذه الثورة الشعبية، هي لإصلاح النظام السياسي والقضاء على الفساد المالي والإداري، وإنهاء الإرهاب.
وأكد، أن هناك بعض الجهات تحاول عمل فتنة للقضاء على التظاهرات الوطنية، ولكن تفاجأوا بتأييد الثورة من العشائر والنقابات وجميع أبناء الشعب العراقي.
وبين أن الصدر، أراد العزة والسيادة للعراق والتي فقدها البلد، بسبب أحزاب الفساد الذين جاءوا منذ العام 2003 وحتى اليوم.
التنافس بدل التشارك
من جهة أخرى، قال الباحث السياسي، نبيل جبار العلي، لـ«المجلة»، إن«الأزمة السياسية لم يعد بمقدور الطبقة السياسية حلها بالأساليب التقليدية التي ترتبط بتوزيع الحصص والترضية عبر توزيع المناصب، فقد ورط بعض السياسيين أنفسهم بتبني مطالبات بسقف عالٍ قد لا يكن من السهولة حلها، خصوصا تلك المطالب التي تدعو لتغييرات جذرية في النظام السياسي، على اعتبار أن النظام مبني على التنوع المكوناتي والمشاركة السياسية للمكونات، وقد لا يمكن تمرير أي دستور جديد دون موافقة بقية المكونات مع مراهنة بقاء وتماسك العراق دون تقسيم».
وأضاف العلي: «أعتقد أن الأزمة بعد أن تستنفد الأحزاب المتصارعة خصوصا التيار الصدري والإطار التنسيقي فرص استحكامها القصوى، قد تلجأ إلى الجلوس مجددا لطاولة حوار من شأنها رسم المستقبل القريب للعراق، بمشاركة الأطراف السياسية الأخرى، وقد تكون تلك الطاولة معدة لإجراء تعديلات دستورية من شأنها تحسين مخرجات العملية السياسية، وإنهاء الخلافات الفيدرالية، وتوجيه السياسة نحو التنافس بدل التشارك».
وتابع: «لكن ذلك لن يكون بالمهمة اليسيرة، فالتقاطعات السياسية كبيرة خصوصا تلك المرتبطة بالمواضيع الفيدرالية، ومستوى الإدراك السياسي للطبقة السياسية قد يكون متباينا، مما قد يتسبب بصعوبة إجراء حوار نافع، وذي مخرجات عملية».
وتوقع العلي لجوء الأطراف السياسية إلى توسيع العمل بالفيدراليات ليصبح العراق مكونا من فيدراليات عدة، وإدارات لامركزية، أو قد يلجأ العراق لتغيير النظام إلى نظام شبه رئاسي نصف برلماني، لكن قد يصطدم هذا الأمر بالمخاوف من هيمنة الأغلبية، أو يصطدم بتوزيع السلطات ومشاركتها بين المكونات.
طرح رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، مبادرة لإنهاء الجمود السياسي، تتمثل في حوار وطني يتم عبر لجنة تضم ممثلين عن كل الأطراف السياسية، لوضع خارطة طريق للحل، بالإضافة إلى إخلاء أنصار الصدر، مبنى البرلمان، والتعاون مع القوات الأمنية، وتفاعل مع هذه المبادرة الإطار التنسيقي والأكراد والسنة بالإضافة إلى المجتمع الدولي مثل فرنسا وبريطانيا وأميركا، ولكن حتى الآن لم يؤيد أو يرفض الصدر لمبادرة الكاظمي.
ويبدو أن الصدر، سيقبل ببقاء حكومة الكاظمي، لمدة عام، وإجراء انتخابات مبكرة مع البقاء على قانون الانتخابات النيابية السابقة، الذي يخدم الصدر، وهو الأمر الذي يرفضه الإطار التنسيقي الذي يريد تشريع قانون انتخابات جديد، باعتباره المتضرر من القانون السابق.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، الدكتور أسامة السعيدي، أن الخلافات بين الإطار التنسيقي والصدر تحولت من الأروقة السياسية إلى الشارع، والآن هي في مرحلة الاحتواء، عبر المبادرات التي طرحت من ضمنها مبادرة الكاظمي، مشيرا إلى أن الكاظمي مقبول لدى الصدر ولكنه مرفوض عند الإطار التنسيقي.
وأضاف أن تسمية رئيس الحكومة المقبل لا يتم إلا من خلال التوافق بين الإطار التنسيقي والصدر، مشيرا إلى أن 65 في المائة من الجمهور هو أغلبية صامتة، ولم يشارك في الانتخابات الماضية، وهو يراقب الآن الأوضاع وقد يكون له رأي.
وأوضح أن عودة الكتلة الصدرية إلى البرلمان، من الحلول الموجودة للأزمة، أو إجراء انتخابات مبكرة عبر حل البرلمان الحالي، أو اتفاق الإطار التنسيقي والصدر على رئيس وزراء مستقل لا يتدخلون في عمله، ويقومون بعملية إصلاح وإجراء تعداد سكاني بهدف إجراء انتخابات مستقلة وعودة ثقة الجمهور في النظام السياسي.