القامشلي: افتتحت الشرطة الروسية مطلع الأسبوع الحالي مركزاً للمصالحة في ريف محافظة حمص السورية مهمته تسهيل عودة أبناء تلك المنطقة من المقيمين في مناطق المعارضة المسلّحة إلى مناطقهم الأصلية التي تخضع لسيطرة النظام السوري، وذلك بعدما اعتقلت أجهزته الأمنية أشخاصا عادوا إلى مناطقهم مؤخراً، لكن هل يمكن أن يؤدي افتتاح هذا المركز لعودة المزيد من النازحين إلى مناطقهم؟
الكاتب والصحافي السوري محمد عبد الستار إبراهيم المقيم في العاصمة الأردنية عمّان، استبعد نجاح المركز الروسي في استقطاب النازحين السوريين لإجراء تسويات أو مصالحةٍ مع النظام والعودة لمناطقه، لأسبابٍ مختلفة ومتعددة، لكنه في ذات الوقت رجّح عودة أعدادٍ قليلةٍ من مخيمٍ يعاني قاطنوه من ظروفٍ معيشية صعبة.وقال إبراهيم لـ«المجلة» إن «المركز الروسي لا يمكنه أن ينجح في إعادة الناس من مناطق المعارضة إلى مناطقهم الأساسية، فهم أصلاً فقدوا الثقة بالنظام بعد سيطرته مع الروس على أغلبية المناطق التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة قبل ذلك، تماماً مثلما حصل في محافظة درعا في العام 2018، وبالتالي وجود الروس في هذه المناطق اليوم يثير المخاوف لديهم أكثر، وهو ما يمنعهم من العودة لمناطقهم تحت أي اسمٍ كان سواءً مصالحة أو تسوية وما إلى ذلك».
لمصالحة ممكنة في مخيم الركبان
وأضاف لـ«المجلة»: «في مخيم الركبان، الوضع مختلف قليلاً، فالكثير من سكانه عادوا لمناطق النظام والكثير منهم تعرّض لانتهاكات من قبل النظام بعد عودتهم، لكن على خلفية الظروف السيئة والصعبة داخل المخيم الذي لا تدخله المساعدات ولا تتوفر فيه المياه والمراكز الطبية، هناك من يعود رغم كل تلك المخاطر، لهذا باعتقادي من المحتمل أن يوافق كبار السن من أهالي المخيم على العودة لمناطقهم، لكن الشبان لن يوافقوا على العودة خوفاً من الموت تحت التعذيب بعد اعتقالهم».
ويقع مخيم الركبان على المثلث الحدودي السوري- الأردني- العراقي، في منطقةٍ صحراوية وهو مخيمٌ عشوائي تعيش فيه آلاف العائلات السورية منذ سنوات، حيث يرفض معظم سكانه العودة لمناطق النظام خشية الاعتقال أو الالتحاق بالجيش، لكن مركز المصالحة الروسي الذي يقع في ريف حمص وهي المنطقة ذاتها التي ينحدر منها معظم سكان المخيم، قد يساهم في عودة بعضهم من المخيم لقراهم وبلداتهم. لكن لماذا يرفض غالبيتهم العودة؟
الصحافي إبراهيم شدد على أن «الناس لم تعد تثق بروسيا، فالمصالحات التي جرت في كافة مناطق ريف دمشق ومحافظة درعا، إضافة لريف حمص الشمالي، أثبتت أن الروس لم يكونوا ضامنين حقيقيين، لا سيما وأن الكثير من الذين أجروا مصالحة أو تسوية مع النظام في محافظة درعا مثلاً، لم يواجهوا أي مشكلة في الأشهر الستة الأولى، لكن بعد ذلك هناك من تعرض للاعتقال وهناك من تمّ سحبه للجيش، وهناك من تمّ اغتياله، ولذلك تلك التجارب كانت فاشلة ولم تكن مشجعة بالنسبة للسوريين كي يتم تكرارها اليوم في ريف حمص».موسكو فشلت في ضبط الأجهزة الأمنية والميليشيات
كذلك كشف إبراهيم عن أسباب فشل هذه المصالحة والتسويات وهي بالنسبة إليه ترتبط بفشل الروس «في إرغام النظام والميليشيات المدعومة إيرانياً، من عدم التعرض للناس ومنع الانتهاكات بحقهم بعد عودتهم».
وقال في هذا الصدد أيضاً إنه «في العام 2018، حاولت موسكو افتتاح مراكز للمصالحة في الأردن لعودة اللاجئين، لكنها فشلت في ذلك، فهي طرف مشارك في الصراع وليست طرفاً محايداً وهو ما يمنع ثقة اللاجئين به».
ورغم أن المصالحات والتسويات التي أجرتها روسيا في السابق لم تساهم في عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم، إلا أن موسكو على ما يبدو ترى في هذا الأمر الحل الوحيد لعودة النازحين داخلياً واللاجئين خارجياً إلى مناطقهم.
موسكو متمسّكة بالمصالحات
وقال المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، إن «روسيا ما تزال منفتحة على كل من يود المصالحة، وليس سرّاً أن الكثير من السكان السوريين الذين لم يعودوا بعد إلى حياتهم الطبيعية كما هو الحال في ريف محافظة حمص التي تحصل فيها توترات على خلفية قاعدة التنف الأميركية فيها، حيث تشجع واشنطن بعض الجماعات المسلحة على شن هجماتٍ عسكرية، لكن موسكو رغم ذلك تفتح الأبواب أمام المصالحات».وأضاف لـ«المجلة» أن «موسكو لا تتخلى عن فكرة إعادة سوريا وشعبها بأي طريقةٍ كانت إلى حياتها الطبيعية التي كانت ما قبل الأزمة الحالية، ولهذا هي منفتحة على سكان مخيم الركبان، ليكون هناك مصالحات تلعب فيها موسكو دور الوسيط، لكن هل ستسمح الولايات المتحدة لسكان المخيم بالتوجه إلى المركز الروسي الجديد للمصالحة؟».
وتابع أن «روسيا مستعدة لتقديم المساعدة لمن يود المصالحة، فهي تلعب دور الوسيط لعودة اللاجئين إلى حياتهم الطبيعية، لكن المشكلة تكمن في تدخل واشنطن التي لا تريد للأزمة السورية أن تنتهي، فهي تستفيد منها وتشكل عاملاً تخريبياً فيها، إلا أن موسكو رغم ذلك نجحت في السابق بإجراء عدّة مصالحات بين الحكومة ومعارضتها المسلّحة والمدنيين على حدّ سواء وها هي تكررها اليوم».
شخصيات محلية تتعاون مع المركز الروسي
وكانت مصادر محلية قد ذكرت لـ«المجلة» أن «مركز المصالحة بدأ عمله بالفعل، إذ تقوم اللجان التي تتبع للمركز بتسجيل أسماء الراغبين في العودة لمناطق النظام، لكن الإقبال ضئيل حتى الآن»، مرجحةً أن «أسباب عدم إقبال الناس على العودة لمناطق النظام تكمن بالدرجة الأولى في تعمّد أجهزته الأمنية باعتقال العائدين لمناطقه مؤخراً».
وتتولى «الفرقة الرابعة» في جيش النظام السوري والتي يقودها شقيق رئيس النظام ماهر الأسد، مهمة اعتقال العائدين لمناطقهم سواءً من مخيم الركبان أو من مناطق أخرى تخضع لسيطرة المعارضة، بحسب ما ذكرت المصادر السابقة والتي أكدت أن عناصر الحواجز الأمنية في أرياف حمص ينحدرون من الفرقة الرابعة.وتتعاون شخصياتٍ محلّية مع المركز الروسي، لإقناع أبناء ريف حمص المقيمين في مناطق المعارضة، بالعودة لمناطقهم.
وبحسب مصادر محلية، إضافة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن مركز المصالحة الجديد يمنح الراغبين في العودة لمناطق النظام، بطاقة عليها أختام روسية وقد كُتِب عليها تحذيراً بعدم التعرّض لأصحابها مهما كانت الأسباب.
وقال عدد من سكان بلدتي السخنة والقريتين من المقيمين في مخيم الركبان إن «المركز الروسي تمّ افتتاحه بعد تعرض عددٍ من العائدين من المخيم لمناطقهم للاعتقال، ولهذا افتتح الروس هذا المركز كضمانٍ لعدم اعتقال من يعود من المخيم لمناطقه الأصلية».
وعلى الرغم من الترويج الإعلامي للمركز الجديد، فإنه خلال شهر يوليو (تمّوز) الحالي لم يغادر مخيم الركبان سوى 13 عائلة بشكلٍ جماعي، علاوة على مغادرة 5 شبانٍ وطفلين، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
إغلاق مخيم الركبان
وفق مصادر مقرّبة من مكتب المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، فإن هدف موسكو من افتتاح مركز المصالحة الجديد هو طي صفحة مخيم الركبان، إذ تعمل اللجان التابعة للمركز الجديد على تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى مناطقهم، لإعادة أكبر عدد من سكانه في محاولة من موسكو لإغلاق المخيم.
ويقيم في هذا المخيم الذي تأسس عام 2014 وسط الصحراء السورية على الحدود مع الأردن والعراق، نحو عشرة آلاف نازح حالياً، لكن عدد قاطنيه كان يبلغ أكثر من 40 ألفاً قبل سنوات وكانوا يعيشون في المخيم بعدما هربوا إليه تباعاً من المعارك الدائرة في الداخل السوري، لكنهم لم يتمكنوا من دخول الأردن ووجدوا أنفسهم عالقين قرب الحدود.
حماية العائدين مسؤولية النظام
وخلال السنوات الماضية، خرج عشرات الآلاف من المخيم هرباً من الوضع المعيشي الصعب، وتوجه غالبيتهم إلى مناطق سيطرة قوات النظام بعدما وقّع المنشقون أو المقاتلون المعارضون السابقون منهم اتفاقات تسوية يُفترض أنها تحميهم من الملاحقة الأمنية، لكن رغم ذلك تعرض الكثير من العائدين للاعتقال، بحسب منظماتٍ حقوقية أبرزها «العفو الدولية».
وشدد مصدر في مكتبٍ أممي بدمشق لـ«المجلة» على أن «مسؤولية حماية العائدين من المخيم لمناطق النظام تقع على عاتق أجهزته الأمنية».
وفي مطلع الشهر الجاري، طردت السلطات الأردنية 5 شبان سوريين من الأراضي الأردنية إلى مخيم الركبان عند مثلث الحدود السورية- الأردنية- العراقية.
ويعتمد سكان المخيم الذي تسعى موسكو لإفراغه من سكانه على المواد الغذائية والطبية المهرّبة.ويقع «الركبان» ضمن منطقة أمنية بقطر 55 كيلومتراً أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأنشأ فيها قاعدة التنف العسكرية، وينتشر في المنطقة مقاتلون معارضون للأسد تدعمهم واشنطن.
المخيم محاصر
ويواجه المرضى في المخيم الموت، إثر فقدان الأدوية، ففي الخامس من يونيو (حزيران) الماضي، فقدت امرأة حامل بشهرها الثامن جنينها لعدم توافر الأدوية أو مركزٍ طبي يستطيع متابعة حالتها.
واتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان مطلع الشهر الحالي، قوات النظام وميليشيات إيران والروس، بفرض حصارٍ كبير على سكان مخيم الركبان منذ شهر مايو (أيار) الماضي، لإرغام سكانه على العودة لمناطق سيطرة النظام.
وأدى هذا الحصار المتواصل منذ نحو شهرين، لارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية لا سيما وأنها تصل بطريقةٍ غير شرعية إلى المخيم عبر تجّارٍ محليين يرتبط أغلبهم بصلاتٍ مع النظام.