في الأول من أغسطس (آب) من كل عام تحتفل كل من سوريا ولبنان بعيد الجيش في كل من البلدين، ويأتي الاحتفال في يوم واحد في كلا البلدين، لأن تأسيس الجيشين يعود إلى اليوم نفسه، وإن لم تكن كلمة تأسيس هي الكلمة الأنسب للحدث، إلا أنه وفي الأول من أغسطس من العام 1945 سلمت سلطات الانتداب الفرنسي قيادة القوات المسلحة وإدارتها لكل من السلطات السورية واللبنانية، وعليه تم تكريس هذا اليوم عيداً وطنياً للجيش في كل من الجمهورية العرية السورية والجمهورية اللبنانية.
محطات كثيرة مر بها الجيشان، ومفترقات وحروب خارجية وداخلية كثيرة، كادت أن تؤدي بمؤسسة الجيش وأدت إلى انقسامه في لبنان خلال الحرب الأهلية التي عصفت به.
في سوريا كان أثر نكبة فلسطين كبيرا على المؤسسة الوليدة، فاستخدمت منذ ذلك الحين القضية الفلسطينية مبررا وشماعة لتدخل الجيش في السياسة، فكان الانقلاب العسكري الأول على السلطة السياسية المنتخبة في العام 1949، حيث قام قائد الأركان العميد حسني الزعيم بأول انقلاب عسكري في سوريا لتليه في الفترة الواقعة بين عامي 1949 و1954 خمسة انقلابات عسكرية، وليصبح الجيش السوري أداة للوصول إلى السلطة السياسية.
وإن كان البعض يرى أن الانقلاب حصل بسبب نقمة الجيش على السلطة السياسية وانعدام الثقة بين الطرفين وتبادل الاتهامات بعد هزيمة 1948، إلا أن ما ظهر لاحقا من وثائق أثبتت بالدليل أن فلسطين ومنذ ذلك اليوم لم تكن سوى شماعة لكل طامح في السلطة والتسلط على البلاد والعباد.
ليصل الأمر بعد انقلاب الثامن من مارس (آذار) الذي قام به حزب البعث العربي الاشتراكي مع قيادات من الجيش لتكريس فكرة الجيش العقائدي وهي الفكرة التي أقرتها مؤتمرات الحزب، ولينتهي الأمر بمؤسسة الجيش لتصبح أداة لحماية النظام حتى لو كان الأمر على حساب مصلحة الدولة والشعب.
أما في لبنان، فكان للانقسام السياسي والطائفي أثره على مؤسسة الجيش، ففي العام 1958، اندلعت أحداث مسلحة في عدد من المناطق اللبنانية، بسبب انقسام موقف اللبنانيين تجاه حلف بغداد، فتدخل الجيش بقيادة اللواء فؤاد شهاب، وتمكّن من وقف انتشار الأحداث، لينتخب بعدها رئيسا للجمهورية اللبنانية.
وعندما اندلعت شرارة الحرب الأهلية في لبنان في 13 أبريل (نيسان) من العام 1975، لم يتمكن الجيش هذه المرة من ردع الفتنة. فاستمرت الحرب لسنوات طويلة انقسم خلالها الجيش، ليعود ويتوحد بعد أن انتهت الحرب وتم التوصل إلى اتفاق الطائف.
وإن كانت بداية الجيشين واحدة إلا أن مسيرتهما لم تكن واحدة، فقد استطاعت مؤسسة الجيش في لبنان وخصوصا بعد إعادة توحيده بعد انتهاء الحرب الأهلية من المحافظة على احترام وثقة اللبنانيين، بل بات الجيش هو المؤسسة الوحيدة التي تحظى بشبه إجماع اللبنانيين بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية والمذهبية، فإن وضع الجيش في سوريا كان مختلفا، وتمظهر الأمر بشكل فاقع مع اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، حيث أثبتت الأحداث أن الجيش السوري لم يعد سوى أداة لحماية النظام حتى لو كانت حماية النظام تتطلب منه قمع الشعب والمشاركة في قتله وتهجيره.
انشقاقات وأحداث وتدخلات خارجية إيرانية وروسية أطاحت بمؤسسة الجيش السوري، ليتحول واقعيا اليوم إلى فرقة مسلحة مثلها كمئات الفرق المسلحة الموجودة في سوريا، حتى صار من الطبيعي أن تسأل عن فرقة ما في الجيش إن هي تحت إمرة الإيرانيين أم إمرة الروس، مع غياب كامل لأي دور للجيش يقوم به ضد الاعتداءات الخارجية على «السيادة السورية» من قبل الإسرائيليين على سبيل المثال لا الحصر.
ورغم اختلاف مسيرة الجيشين، فإن ثمة مشتركا بينهما اليوم، وهو غياب الدولة الفاعلة لصالح الميليشيا، فالجيش السوري تحول في هذه المرحلة إلى مؤسسة ملحقة بشكل شبه تام بالميليشيات الإيرانية والقيادة الإيرانية، بينما يقف الجيش اللبناني شبه عاجز عن حماية الدولة ومحاصرا من قبل ميليشيا حزب الله إيرانية الولاء، وما يزيد الأمر سوءا هو الأزمة المالية التي ضربت لبنان منذ أواخر العام 2019 والتي أفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المائة من قيمتها، فصار أقصى الطموح هو تأمين الحد الأدنى من المساعدات الغذائية والطبية لعناصر الجيش، كي لا ينتهي المطاف بانهيار المؤسسة الوحيدة التي يجمع اللبنانيون على أهمية الحفاظ عليها.
في سوريا كما في لبنان، يحق لمن يؤمن بالدولة وبالجيش كإحدى مؤسسات هذه الدولة أن يسأل: «عيد بأي حال عدت يا عيد»، فأين أحلام 1 أغسطس 1945 من واقع 1 أغسطس 2022.